أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

الوحدة الوطنية مسؤولية جماعية

تنبثق المسؤولية الجماعية في حماية الوطن وصون وحدة أرضه وشعبه، من الحس الوطني العميق لمجمل السكان بواجباتهم ومسؤولياتهم، المرتكز أولاً وقبل كل شيء إلى حقوق المواطنة المختلفة، واحترام مبدأ التعددية السياسية والفكرية والدينية..

وقد تميزت سورية على مر السنين ومنذ غابر الزمان، بتنوع نسيجها البشري والثقافي والروحي المتناغم والمنسجم، كرّسته الأحداث الجسام التي مرت على البلاد تاريخياً، والكتب السماوية والثقافة الحضارية المدنية للسكان، مما جعل المسؤوليات الكبرى فيها مسؤوليات جماعية، حيث لا تستمد حركة التطور والتغيير الحضاري للأمم إلا من النهوض الجماعي الموحد الإرادة، وتحمل الجماعة لمسؤوليتها التاريخية في بناء وطن قوي يقف في وجه أعدائه والطامعين فيه.

إن مواجهة عدو اليوم الأبرز، المتمثل بالكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة، هو برسم كل أبناء الوطن الواحد، وأي تخوين لأحدهم بسبب الاختلاف السياسي أو الفكري هو تبديد للقوة في مواجهة هذا العدو، كونه يعيق كل فرد عن تحمل قسطه من عبء المسؤولية الوطنية الكبرى في إطار الدولة، والدولة (سورية) اليوم، هي كالسفينة في مهب الريح، جميع من عليها معرضون للغرق دون استثناء إذا ما بُليت وأصابها  ثقب أو تعرضت لخرق.. وهو ما يسعى إليه مشبوهون كثيرون.

والحقيقة أن بلدنا أصيبت بالكثير من الأدواء جراء تجاوزات الجهات التنفيذية، وتراكمات خلل سياسات الحكومات السابقة وتحديداً الحكومة الأخيرة، التي شرعنت النهب بتبنيها النيوليبرالية، وانتهكت حقوق كل السوريين، وأنزلت الدمار بالاقتصاد الوطني والبنى التحتية ومركزت نهب الثروات، وأي سعي لتجاوز الأزمة الحالية لابد أن يبدأ بمحاسبة الحكومة المتغطرسة السابقة والتراجع عن سياساتها، ومساءلة الكثير من الفاسدين الكبار عن ثرواتهم التي ساهمت في اتساع الهوة بين الدولة والمواطن، وبين الأغنياء والفقراء.. فهم وحدهم يتحملون الخراب واستفحاله الذي وصلت إليه البلاد نتيجة تعاليهم على المواطن واستقوائهم بمناصهم وتخليهم عن مسؤولياتهم الوطنية والجور على المواطنين.

الآن لا جدوى من كلام دون فعل، ومن وعود دون مسارعة لتنفيذها، ولا جدوى من استمرار الإعلام الرسمي البائس بالدجل ونكران ما يقوله الواقع، وهروبه من المسؤولية ليسخر من عقل المواطن الذي ضاقت به الحال من كثرة الاستخفاف به.. إن أعداداً كبيرة من الناس قد خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح، وهو من باب المسؤولية الجماعية وحقهم المكفول دستورياً، لكنهم جوبهوا حتى الآن بالمنع والقمع والاتهامات المختلفة، كما اعتقل الكثيرون منهم، وقضى بعضهم نحبه، بينما المطلوب هو ملاقاة مطالب الناس ومحاسبة كل من أساء إليهم وأنكر عليهم حقوقهم وحرمهم من القيام بواجباتهم الوطنية والاجتماعية.

المطلوب اليوم كي تتجاوز البلاد أزمتها أن يشعر كل مواطن بأنه حر.. وأنه يستطيع أن يفتح فاه ليقول كل ما يجول بخاطره من هواجس وهموم ومطالب وأمنيات، لا أن يبقى مغلقاً فمه لا يجرؤ على فتحه إلا عند طبيب الأسنان..

سورية كانت عصية على كل شكل من أشكال التطرف والطائفية التي يحاول الإعلام المعادي غرسها، وهي قوية بلحمة أبنائها ووحدتهم الوطنية، وبعيدة كل البعد عن المخططات التي تحاك لها، وهي خارجة بكل تأكيد من أزمتها الراهنة إلى دولة أكثر استقراراً ومنعة، وستنجح بأن تكون دولة ديمقراطية حصينة متحررة، وهذه مسؤوليتنا جميعاً أن نوحد جهودنا ونتمسك بوحدتنا الوطنية من أجل سورية حرة ومقاومة ومتطورة وعصية على التفتيت