الأسير المحرر / شكيب أبو جبل/ خاص قاسيون

عندما أصدرت الأمم المتحدة أمراً بوقف إطلاق النار بين الجيش العربي والعصابات الصهيونية عام 1948 صاح مندوب سورية في الأمم المتحدة فارس الخوري قائلاً: «ضاعت فلسطين»..

فلماذا ضاعت؟ وماذا علينا أن نفعل لكي نستعيدها، ولكي لا يضيع المزيد؟

خلال المؤتمر الصهيوني الأول في بال 1897، انتصرت الأقلية اليهودية المتدينة على الأكثرية التي كانت تريد قيام دولة يهودية في أي مكان، سواء أكان أوغندا أو الأرجنتين، فالمتدينون أصروا على قيام الدولة في فلسطين بمزاعم موهومة مازالوا يستعملونها حتى الآن، وراحوا يبذلون ما بوسعهم لإتمام ذلك، وكان العرب غافلين..

وجاءت الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بعد المؤتمر المذكور بسبعة عشر عاماً لتشكل مناسبة سانحة للمساومة.. في هذه الحرب امتلكت ألمانيا السلاح الجرثومي، الأمر الذي أرعب بريطانيا الضعيفة في هذا الجانب، فلجأت إلى البروفسور الكيميائي اليهودي «حاييم وايزمان» الذي كان أول من ترأس دولة «إسرائيل» لاحقاً. أعطى وايزمان بريطانيا ما أرادت من السلاح الجرثومي، ونال بالمقابل وعد بلفور المشؤوم الذي أعطي اليهود «حقاً» بإقامة دولتهم في فلسطين.. وظلّ العرب غافلين.

عند افتضاح أمر الوعد، انتفض الشعب الفلسطيني على المستعمرين الإنكليز واليهود المتدفقين إلى «أرض الميعاد»، ووصل النضال إلى ذروته عام 1936، سنة إعلان الثورة الفلسطينية بقيادة الحاج أمين الحسيني، والتي استمرت عاماً كاملاً، ولم يكن بالإمكان مواصلتها لضعف الإمكانيات وانعدام الحلفاء، ولم يحصل الثائرون على أية وعود بريطانية أو دولية.

وبينما الثورة مشتعلة كان بعض الملاكين يبيعون الأراضي لليهود..

ـ غور بيسان الذي يقدر بعشرات آلاف الدونمات، باعه مالكه (الزيناتي) لليهود قبل أن يسقط قتيلاً على يديهم في حيفا عام 1947.

ـ مرج ابن عامر أخصب أراضي الفلسطينية قام آل سرسق اللبنانيون يبيع 73 % منه للصهاينة.

ـ الحولة المعروفة بخصوبة أرضها باعها للصهاينة كامل الحسين من قرية الخالصة في الحولة وبعد هربه إلى لبنان 48 تمت تصفيته!

عام 1947 قررت بريطانيا الجلاء عن فلسطين، وسعت من وراء الكواليس، واتصلت بمجلس الأمن وعدد من أعضائه، لتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة فلسطينية ودولة يهودية. ولم يدعوا للتصويت إلا بعد تأكدهم من عدد الأصوات المطلوبة لتمرير القرار، وتطلب ذلك شراء صوت «هاييتي» بـ 55 ألف دولار لإنجاح التقسيم!! وهنا كانت الصدمة المتأخرة!

بعد صدور القرار اشتعل القتال في فلسطين، وتحضرت الجيوش العربية لـ«رمي اليهود في البحر»، لكن الطامة الكبرى أنهم سلموا قيادة الجيوش العربية لـ(الحاخام) الأمير عبد الله، وكلوب باشا الذي كان القائد الفعلي، ومعه 23 ضابطاً بريطانياً يشرفون على شؤون الجيش الأردني.

عندما استلم الأمير عبد الله قيادة الجيوش العربية اجتمع مع «غولدا مائير» و«موشي ديان» بحضور العقيد نديم السمان ثلاث مرات خلال ستة أشهر، وظل ذلك سراً حتى فضح أمر هذه اللقاءات الخسيسة العقيد عبد الله التل في مذكراته..

القوات العربية التي شاركت في الحرب لم يزد عددها عن 20 ألف جندي، بينما فاق عدد الجنود الصهاينة من «الهاغانا» و«البلماخ» و«أليمي» الـ65 ألف جندي، تزودوا بأحدث الأسلحة من الجيش البريطاني قبل انسحابه من فلسطين..

مع اشتعال الحرب هاجمت قوات إسرائيلية مدينتي جنين وقباطية، فتصدت لها القوات العراقية الباسلة ودحرتها وكبدتها سبعةً وعشرين قتيلاً بين ضابط وجندي، أقيم لهم نصب تذكاري بعد احتلال الصهاينة الضفة الغربية عام 1967.

بعد أن سمع الأمير عبد الله عن انتصار القوات العراقية، أمر بتوقيفها عن القتال، وعندما سُئل العراقيون لماذا أوقفتم القتال وأنتم تنتصرون قالوا: «ماكو أوامر»!.

الشعب الفلسطيني منذ بداية المؤامرة لم يقف مكتوف اليدين تجاه المحتلين، وقد استخلص الدروس الهامة من كل ما أصابه، وهو مستمر في مقاومة الاحتلال من خلال البندقية والريشة والقلم، وسيستمر في ذلك حتى تحرير فلسطين، وهذا غير مستبعد وغير خيالي، إذا أبعدنا الخونة ولم نعتمد على أعدائنا، لأن إسرائيل لا تملك مقومات الأمة والقومية، ومنذ قيامها عاشت على التعويضات الألمانية (الهولولوست)، ومن ثم على الجباية اليهودية وقروض الإعمار، وأخيراً منذ 15 سنة تدفع لها أمريكا ما يقارب من 4 مليار دولار..

إذا أراد الفلسطينيون تحرير فلسطين، عليهم أن ينضووا تحت لواء قائد واحد يقود معركة التحرير، وليس 17 فصيلاً، وكل منهم يدعي التحرير لنفسه.. يجب أن يأخذ الفلسطينيون العبرة من الفيتناميين الذين حاربوا الفرنسيين حتى طردهم، ومن ثم حاربوا الأمريكان وهزموهم، وكبدوهم 55 ألف قتيل و130 ألف معاق و18 ألف مفقود.

التحية للشعب الفلسطيني بأكمله، وحملة البنادق، والمجد لدم الشهداء الفلسطينيين، ونساء فلسطين اللواتي أنجبن هؤلاء الأبطال.

وعلينا نحن السوريين ألا ننسى أن لنا أرضاً اسمها الجولان ما تزال تحت الاحتلال، علينا تحريرها بشعب ليس جائعاً.. وبوحدتنا الوطنية.

سياسة فرق تسد الإسرائيلية رد عليها الشاعر العامي نايف سليم سويد بديوانه «جليليات» فقال:

«إن درزّتم.. وإن شركستم.. وإن كتلكتم... الأرض بتتكلم عربي...