مجلس الشعب يبدأ بمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2013

ماهر حجار: موقفنا من مشروع الموازنة هو ردها للحكومة من أجل إعادة صياغتها ضمن الضوابط الخمسة

بتاريخ 4 تشرين الثاني2012 عقد مجلس الشعب جلسته الثالثة من الدورة الثانية من الدور التشريعي الأول التي بدأ فيها المداولة العامة حول مشروع قانون الموازنة المقدم من الحكومة إلى المجلس لإقراره. وقد قدم الرفيق ماهر حجار أمين حزب الإرادة الشعبية مداخلة عامة حول المشروع، هذا نصها:             

 

أولاً: الموازنة دون خطة خمسية مخالفة دستورية

السيد رئيس مجلس الشعب الموقر

السادة الأعضاء المحترمون

يعرف علم المالية العامة قانون الموازنة العامة بأنها نشاط الدولة عندما تستخدم الوسائل المالية من نفقات وضرائب ورسوم وقروض لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها في إطار خطة التنمية الاقتصادية للدولة. ويعرف القانون /54/ لعام 2006 الموازنة بأنها « الخطة المالية الأساسية السنوية لتنفيذ الخطة الاقتصادية وذلك بما يحقق أهداف هذه الخطة ويتفق مع بنيانها العام والتفصيلي .». فهي إذاً الخطة المالية السنوية التنفيذية لخطة التنمية التي تعتمدها الحكومة. والسؤال: أين خطة التنمية العامة؟ بالطبع لا يوجد فالخطة الخمسية العاشرة انتهت منذ سنتين ولم تقدم للبلاد والعباد باعتمادها الليبرالية الجديدة سوى خراب الاقتصاد الوطني، وتوقف النمو الحقيقي، وزيادة معدلات الفقر بشكل كبير، وزيادة العاطلين عن العمل، واتساع رقعة المهمشين، والخلل الهيكلي الكلي في الاقتصاد السوري، وزيادة النهب والفساد، وضرب الإنتاج الوطني، وفتح الباب مشرعاً أمام التبادل غير المتكافئ، وزيادة مستوى الاستياء الشعبي من الحكومة إلى درجة أصبح منسوب الاستياء من السياسة الاقتصادية الاجتماعية للدولة في بعض الأحيان أعلى بكثير من منسوب الرضا عن السياسة الوطنية التي تنتهجها سورية، وقد عرف عدونا التعامل بحذق مع نتائج هذه السياسة التدميرية الإجرامية، فحدث الانفجار الاجتماعي الذي يدفع اليوم وطننا ثمنه غالياً وغالياً جداً من دماء السوريين ومن ممتلكاتهم العامة والخاصة التي بنوها عبر عشرات السنين.

إذاً، فبيان الحكومة المالي الذي نناقشه اليوم بالتعريف العلمي الدقيق هو خطة مالية سنوية بلا أهداف محددة بخطة تنمية خمسية مقرة من مجلسنا الكريم، أي خطة مالية لتنفيذ خطة تنمية غير موجودة أصلاً. وهذا يخالف الدستور في الفقرة الأولى من المادة الثالثة عشرة (المبادئ الاقتصادية) التي تنص على «يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلا زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشة الفرد وتوفير فرص العمل».

وقد تحتج الحكومة علينا بأن الأزمة التي تعيشها سورية تمنع وضع خطة تنمية خمسية جديدة (وهذا ما قاله وزير المالية بالأمس واليوم)، هذا الكلام مردود أصلاً، وعكسه هو الصحيح، إن الأزمة التي تعيشها سورية تتطلب أكثر من أي وقت مضى وضع خطط التنمية. إن العقلية التي تبرر عدم وضع خطط تنمية بسبب الأزمة هي عقلية مأزومة، هي جزء من الأزمة وليست جزءاً من الحل. فحل الأزمة عبر ميكانيزماتها هو حل لا يمكن أن ينتج إلا عن عقلية مأزومة، فلا يمكن حل هذه الأزمة، ولا أية أزمة بالمطلق إلى بمكانيزمات من خارجها.

ومع ذلك، سأنطلق من حسن الظن (فإن بعض الظن إثم – وليس كله) وسأتعامل مع هذا البيان الحكومي على أنه خطة تنمية سنوية. وسأعتبر أن الأزمة الحالية قد أصابت الحكومة بحالة دوار لا تستطيع معها رسم الخطط التنموية الخمسية كقاطرة لسحب وطننا من عمق هذه الأزمة. لا بل ربما لا تعرف الحكومة حتى الآن بأي اتجاه سوف تسير.

 

ثانياً: الموازنة والفقر

السيد الرئيس .. السادة الأعضاء

في البداية أعلن موقفنا بأننا نتمنى على مجلسنا الكريم رد مشروع الموازنة لإعادة صياغته من جديد، وسأطلب في نهاية مناقشتي رد مشروع قانون الموازنة إلى الحكومة وعدم إحالته إلى لجنة الموازنة. ولكن قبل ذلك علينا أن نوضح أسباب هذا الطلب. وماذا يعني لو قبل المجلس بمشروع الموازنة؟

من الواضح أن مشروع الموازنة يعتمد في بنائه على النظرية النقدية الربوية (المركنتلية) التي تعتبر أن المال هو أساس الثروة وهذا ما يجعلنا من حيث الموقع في المعارضة الجذرية لهذه الموازنة ولكل الموازنات التي جرى العمل بها منذ الاستقلال حتى الآن هذا المنهج الذي كان ومازال قاصراً عن تحقيق نمو حقيقي وتنمية جذرية ولا غرابة عندما صرخ سدنة هذا المنهج في لجنة الحكماء في فرنسا عندما انفجرت الأزمة المالية العالمية قائلين: نحن لا نملك نظرية في الاقتصاد السياسي.

وقد بينت تجارب البشرية أن المهام الاقتصادية الكبرى للدول لا يمكن أن تبنى إلا على أساس المنهج العلمي. منهج الاقتصاد السياسي.

 

بالملموس...

سأعتمد أرقام الحكومة المقدمة في البيان المالي لأجري بعض المقارنات، لأقول:

نسبة عجز الموازنة هي حوالي 54% وهي كما هو واضح ستمول من مصادر تضخمية. أي أنها وهمية وغير حقيقية،-وهذا أقل ما يقال عنها إذا تجاوزنا المضار الكبرى لهكذا تمويل سواء على الاقتصاد بشكل عام أم على مصالح الكادحين والفقراء- والإنفاق الاستثماري فيها هو 285 مليار، وهذا يعني أن الإنفاق الاستثماري الممول من مصادر غير تضخمية هو 133 مليار ومن خلال الاطلاع على أوجه الإنفاق الاستثماري بالمفهوم الأعجوبة للحكومة، فإن غالبيته ليس استثماراً في قطاعات الإنتاج الحقيقي –بكل تأكيد أكثر من نصفه كذلك- هذا يعني إن الإنفاق الاستثماري الحقيقي في قطاعات الإنتاج السلعي الحقيقي لا يتجاوز بحال 60 مليار. فإذا عرفنا أن عائدية الاقتصاد السوري لا تتجاوز حالياً 12% لوجدنا أن حجم النمو الحقيقي سيكون على ضوء هذه الأرقام حوالي 7 مليار أي ما نسبته إلى الناتج الوطني الإجمالي حوالي 2.5 بالألف. (أصبحت النسبة ألفية وليست مئوية).

 

ماذا تعني هذه الأرقام كسياسة؟ وكاقتصاد؟ وكأهداف اجتماعية لمشروع الموازنة؟. 

سنفترض أن الحكومة ستعمل على محاربة الفقر من خلال جعل الحد الأدنى للأجور يعادل الحد الأدنى لمستوى المعيشة (الحد الأدنى للأجور حوالي 11 ألف ليرة والحد الأدنى لمستوى المعيشة هو 40 ألف) فإن ذلك يعني أنه يجب مضاعفة الناتج الوطني الإجمالي أربع مرات (ولا أظن أن أحداً سيقترح تخفيض عدد سكان سورية إلى الربع، ربما لأن ذلك سيؤثر أيضاً على حجم الناتج الإجمالي). كم سنحتاج إلى زمن لكي نجعل الحد الأدنى للأجور معادلاً للحد الأدنى لمستوى المعيشة من مصادر حقيقية غير تضخمية. على ضوء أرقام الحكومة سوف نحتاج إلى1600 عام. نعم 1600 عام!!! باعتبار أن نسبة النمو 2.5 بالألف.

فإذا أضفنا أن تعويض الأضرار الناتجة عن الأزمة التي نعيشها (وهي 2000 مليار) يحتاج إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي مرة واحدة أخرى، يصبح المطلوب مضاعفة الناتج الوطني الإجمالي خمس مرات وهذا يعني أننا نحتاج إلى حوالي 2000 عام.

نعم 2000 عام من أجل ماذا؟ من أجل فقط حل مشكلة كبرى واحدة وهي محاربة الفقر وجعل الحد الأدنى للأجور معادلاً للحد الأدنى لمستوى المعيشة.  

هل هذا مضحك أم مبكي؟ أم كلاهما؟؟!! 

 

ثالثاً: الموازنة والنمو

السيد الرئيس .. السادة الأعضاء

لو قبلنا بمشروع الموازنة وأردنا تحقيق حلم شعبنا بأن نصبح في مصاف الدول النامية وليس المتقدمة. متى سنصل لذلك إذا استمرت حكومتنا بهذه السياسة؟

متوسط دخل الفرد في سورية  كما هو واضح في مشروع الموازنة هو حوالي 1600 دولار سنوياً. أما في تركيا فهو 10 آلاف دولار. فلو أردنا أن نصل بدخل الفرد السوري إلى ما يماثله في تركيا بطريقة أداء حكومتنا وبإقرارنا لمشروع الموازنة بنسبة نمو 0.025، وبعد إجراء عدة عمليات حسابية بسيطة لوجدنا أننا يمكن أن نصل إلى هذا الهدف بعد 210 سنوات!! نعم 210 سنوات. طبعاً هذا إن توقف الزمن والنمو في تركيا خلال هذه الـ 210 سنوات. أما إذا استمر النمو بنسبة 12% وليس كما هي عليه عندنا 2.5 بالألف فإن اللحاق بالاقتصاد التركي سيغدو من الاستحالة في الرياضيات.

اليونان المأزومة. متوسط دخل الفرد فيها يزيد عن 18 ألف دولار. بالعمليات الحسابية نفسها سنصل لمستواها بعد 410 سنوات. طبعاً إذا استطعنا تجميد النمو في اليونان، والطلب من الاقتصاد اليوناني أن ينتظرنا 410 سنوات فقط لا غير!!!

 

رابعاً: الموازنة والتعويضات عن الأضرار

السيد رئيس المجلس الموقر .. الزملاء الأكارم

وضعت الحكومة مبلغ 30 مليار في اعتمادات العمليات الاستثمارية لعام 2013 للإعمار وإعادة التأهيل للمنشآت العامة، والتحصينات الحدودية، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمنشآت الخاصة نتيجة للأوضاع الراهنة التي يمر بها القطر.

ماذا يعني هذا الرقم؟؟؟

كما هو معروف فإن حجم الأضرار الناتجة عن الأوضاع الراهنة تقدر كحد أدنى بألفي مليار ل.س. هذا يعني إذا اعتمدنا خطة الحكومة فإننا بحاجة إلى ما لا يقل عن 66 عاماً لكي يتم التعويض الكامل وإعادة التأهيل. وأريد أن أسأل الحكومة هل هذا هو تفسيرها للمبادئ الاجتماعية التي تقوم على أساس التضامن والتكافل وكفالة الدولة لكل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ وحالات الكوارث المنصوص عنها في المواد (19 – 22-24) من الدستور. ألم تقسم الحكومة قبل تأدية مهامها على احترام دستور البلاد؟

هذا دستورياً،  أما اقتصادياً فإن هذا الرقم يشكل حوالي 2% من الموازنة كما يشكل من حجم الأضرار 1.5%.

ألا نجد سيادة رئيس المجلس والسادة الأعضاء أن هذا الرقم يفقأ العين بصغره؟

أليس التعويض وإعادة التأهيل اقتصادياً في الظرف الراهن هو استثمار بامتياز في أشد قطاعات الإنتاج الحقيقي إلحاحاً؟؟

أليس التعويض وإعادة التأهيل هو أحد المفردات العميقة جداً للحل السياسي للأزمة في سورية؟؟

لماذا تريد الحكومة تقزيم الأهمية العظمى السياسية والاقتصادية للتعويض وإعادة التأهيل؟؟

إن أسئلتي سيادة رئيس المجلس إنكارية وليست استفسارية .

 

 إن العلم الاقتصادي ومبادئ الحق والعدل والمنطق والمصلحة الوطنية العليا تفترض أن تضاعف نسبة هذا الرقم إلى الموازنة العامة أضعافاً مضاعفة وعدة مرات. بل نقول كان على الحكومة أن تقدم لنا حلولاً لمصادر إيرادات جديدة مخصصة للتعويض الكلي وإعادة التأهيل خلال عام واحد، وليس خلال 66 عاماً.

إننا في حزب الإرادة الشعبية نعتبر هذا البند أساساً في الحل السياسي، وإن التعاطي الحالي للحكومة الحالية مع هذا البند بتصديها لمسألة التعويض وإعادة التأهيل بنسبة 1.5% كافياً لنا لكي نطلب رد مشروع الموازنة وإعادة صياغته من جديد.

 

الحكومة تنسخ مشاريعها من البيانات السابقة

السيد رئيس المجلس .. السادة الأعضاء

هل ظلمنا  الحكومة بما تقدم؟ وهل استطعتُ أن أقنع مجلسنا الكريم بأن المصلحة الوطنية العليا تقتضي منا رد مشروع الموازنة إلى الحكومة؟ ما زلتُ أشك. إذاً فلننظر إلى ما قدمته إلينا الحكومة في القسم (عاشراً) من البيان المالي ص 28 والذي يستعرض أهم – ولنلاحظ أهم- المشاريع الاستثمارية الواردة في مشروع موازنة عام 2013 وتوزعها على قطاعات الدولة.

الواضح أن كامل هذا القسم منقول بالحرف من البيان الوزاري للعام الماضي 2012 وربما قبل العام الماضي أو قبل قبله. دون أي تعديل. وربما دون حتى قراءة من الحكومة. فـ (أهم) المشاريع الاستثمارية تتحدث عن:

• الاستمرار في تحسين تجهيزات نقل وضخ النفط الخام ومشتقاته!!! ص 29

• تنفيذ اتوستراد أريحا – اللاذقية!! ص30 طريق الرقة – دير الزور ص 30

• التعامل مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على أنهما وزارة واحدة!! ص31

• تجهيز القناة الفضائية الدينية (نور الشام)!! ص 32

• إطلاق قنوات فضائية إخبارية!! ص32  

 إلى آخر ما هنالك من فصول المضحك المبكي.

 

ألا يكفي كل ما تقدم إلى رد مشروع الموازنة إلى الحكومة؟؟ أظن أنه يكفي لأكثر من ذلك. ربما يكفي لاستجواب الحكومة وهذا الأمر بين أيدي مجلسنا الموقر، فليقرر ماذا يفعل.

 

نحو موازنة جديدة كما يراها حزب الإرادة الشعبية

السيد رئيس المجلس .. السادة الأعضاء

عندما شاركنا في الحكومة عبر ممثلينا قلناها جهاراً نهاراً: إن مشاركتنا لا تعني أننا خرجنا من المعارضة وأصبحنا في صف النظام، وأن السبب الرئيس في مشاركتنا هو السير خطوة في طريق الحل السياسي للأزمة. وقلناها جهاراً نهاراً: إن مشاركتنا في الحكومة لا تعني التخلي عن دورنا كمعارضة وطنية تسعى إلى بناء سورية بالشكل الأفضل وليس إلى تخريبها، وموقفنا اليوم من مشروع الموازنة ومن بيان الحكومة المالي هو أحد التعبيرات عن سياستنا.

بناء على ما تقدم، أعلن باسم حزب الإرادة الشعبية طلبنا من مجلسنا الكريم رد المشروع إلى الحكومة  وعدم إحالته إلى لجنة الموازنة في المجلس. كما نطلب من الحكومة صياغة مشروع موازنة جديد يعتمد في بنائه على ما يلي:

اعتماد منهج الاقتصاد السياسي القائم على اعتبار العمل أساس القيمة وليس على النظرية النقدية الربوية التي اعتمدت في صياغة مشاريع الموازنة منذ الاستقلال وحتى اليوم والتي لم تجلب الخير لسورية.

اعتماد إنفاق استثماري كبير في الموازنة الجديدة يعادل أضعاف ما هو مقترح في الموازنة الحالية وبما لا يقل عن 25% من الناتج الوطني الإجمالي وأن يكون هذا الإنفاق في قطاعات الإنتاج الحقيقي (صناعة – زراعة- بناء). على أن لا يقل البند المخصص لإعادة الإعمار والتأهيل والتعويض على المتضررين أقل من عشرين ضعفاً مما هو مقترح في الموازنة الحالية.