(ع البال شرشف قصب حوران)

(ع البال شرشف قصب حوران)

ما يزيد عن الشهرين من عمر الهدنة المعلنة بتاريخ 27/2/2016 كانت فرصة لأهالي درعا وسهل حوران، بمدنه وبلداته وقراه العديدة، لتنفس الصعداء، حيث انخفضت العمليات القتالية بشكل كبير، وما بقي هي تلك العمليات التي تقوم بها الفصائل المسلحة في تصفية للحسابات فيما بينها، لاحتكار الوكالة الإلهية الحصرية، على حساب حياة الناس وأمنهم.

قرى ومناطق: إبطع- إزرع- الجيزة- الحارة- الحراك- الشيخ مسكين- الصنمين- الصورة- الغارية الشرقية- الغارية الغربية- الكرك الشرقي- اللجاة- المزيريب- المسيفرة- المليحة الشرقية- النعيمة- اليادودة- إنخل- بصر الحرير- بصرى الشام- تسيل- جاسم- جباب- خربة غزالة- داعل- درعا البلد- درعا المحطة- صيدا- طفس- عتمان- عقربا- غباغب- قرفا- كفر شمس- محجة- مخيم درعا- معربة- ناحتة- نصيب- نمر- نوى- .. وغيرها، مقتسمة النفوذ والسيطرة فيها بين الدولة والفصائل المسلحة المتعددة براياتها وانتماءاتها وتبعيتها.

نزوح بسبب معارك الفصائل المسلحة

هدوء شبه كامل تشهده تلك البلدات والقرى كلها، وما يعكر هذا الهدوء هي المعارك والمناوشات التي تتم بين الفصائل المسلحة المختلفة، وخاصة تلك المنتمية لما يسمى بتنظيم الدولة «داعش» الإرهابية مع غيرها من الفصائل، وفصائل ما يطلق عليها الجبهة الجنوبية وجبهة النصرة وأحرار الشام وحركة المثنى ولواء شهداء اليرموك وغيرها.. حيث تتطور تلك الاشتباكات لتشمل استخدام الأسلحة كافة في المعارك الدائرة بينها، ما يؤدي إلى إغلاق الطرق والمعابر بين البلدات، وأدى بالكثير من الأهالي في بعض القرى والبلدات إلى النزوح من قراهم، مثل حيط وسحم الجولان وجلين، حيث بلغت أعداد الأسر النازحة ما يقارب 1500 عائلة، اضطر بعضها للإقامة بالعراء أو في مدارس البلدات القريبة مثل عمورية وزيزون وتل شهاب، وذلك كون المعارك بين تلك الفصائل أصبحت حرب مدن وداخل المناطق والأحياء المأهولة، مع ملاحظة بعض الخروقات للهدنة تتم أحياناً من هنا وهناك في مسعى يائس من البعض في محاولة توسيع رقعة الحرب، ولكن دون جدوى حتى الآن.

حصار حوض اليرموك

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت بعض الفصائل المسلحة بفرض حصار على المدنيين القاطنين في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، مما زاد من معاناة الأهالي هناك بشكل كبير، حيث قامت تلك الفصائل بمنع الدخول والخروج من المنطقة بالإضافة إلى منع ادخال المواد الأساسية من أغذية وأدوية ومحروقات وحتى حليب الأطفال، بحجة تواجد فصائل مسلحة مناهضة لتوجهاتهم.

يشار إلى أن حوض اليرموك يقطن فيه ما يزيد عن 100 ألف نسمة، موزعين على عشرة بلدات، وقد بات الأهالي هناك يبحثون عن الطرق الآمنة التي يمكن أن يخرجوا عبرها نازحين عن بيوتهم وقراهم، جراء هذا الحصار الخانق، خاصة بعد أن بدأت المواد الأساسية ومتطلبات الحياة من النفاذ، وتحديداً البرغل والأرز والسكر والطحين وغيرها، بل أن المحال التجارية في تلك القرى غالبيتها قد أغلقت بسبب هذا الحصار.

الأهالي يتهكمون على المسلحين

أهالي سهل حوران، بقراه وبلداته العديدة، باتوا يتهكمون علناً على التبعيات والولاءات لتلك الفصائل المسلحة، وخاصة من يتحرك بأوامر حصرية من «غرفة الموك» بأجنداتها الخارجية، وقد ظهر هذا التهكم بالعديد من اللافتات المرفوعة من قبل الأهالي في مناسبات عدة، حيث كتب على إحداها «حتى النخوة في حوران أصبحت بأمر من الموك!» في إشارة واضحة لتلك الفصائل المسلحة التي تتحرك بأمرة وإيعاز من القوى الخارجية كلها، بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطنين، وقد قال أحدهم: «بس لو نعرف ع حساب مين عم تموت الشباب؟.. أكيد مشان الفاتورة تكبر ع دم الأبرياء!».

تحكم واستغلال للحاجة

بالطرف المقابل وعلى الرغم من سماح حواجز النظام للأهالي بالدخول والخروج، للعمل أو للدراسة أو للعلاج، مع السماح بإدخال المواد التموينية والغاز والمحروقات وغيرها من المواد الأساسية عن طريق الحواجز والمعابر التي يتحكم بها، وخاصة على الطريق الدولي دمشق درعا، فإن التحكم بتلك المواد، وخاصة ناحية الكمية من قبل تلك الحواجز، يفسح المجال أمام المتحكمين بتوزيعها وبيعها، داخل القرى والبلدات التي تقع خارج سيطرة الدولة، برفع أسعارها مستغلين حاجة الأهالي لتلك المواد، ما يزيد من معاناة الأهالي في الحصول على لقمة العيش، مع بعض الممارسات القديمة الجديدة المتمثلة بحالات الاعتقال شبه العشوائي أو التوقيف المؤقت على تلك الحواجز، والتي تشمل النساء أحياناً، الأمر الذي أدى إلى تدني حركة المرور والتنقل والتقنين بها للحدود الدنيا وللضرورة القصوى، وقد عبر أحدهم بالقول: «نسيت معالم المدينة.. وأنا عايش فيها.. في شوارع ما دستها من سنين!».

سماسرة وتجار حرب على الطرفين

في المناطق والبلدات الخاضعة لسيطرة الدولة فإن الأسعار فيها قريبة نوعاً ما إلى أسعار دمشق، كما هو واقع الخدمات العامة أيضاً، كما تتوفر فيها المواد الأساسية من أغذية وأدوية ومحروقات وغيرها، مع وجود شريحة المستفيدين المحليين من تجار أزمة وفاسدين، أما في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، باختلاف راياتها وتبعياتها وولاءاتها، فقد بلغ سعر 600غ من الخبز 200 ل.س، وجرة الغاز تباع بـما يزيد عن 4000 ليرة، وليتر البنزين بـ 350 ليرة، وليتر المازوت بـ 300 ليرة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفروج والبيض واللحوم الحمراء، أما أسعار الأدوية فهي تزيد عن أسعارها في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة بما يقارب الـ 150%، مع فقدان العديد منها، وخاصة تلك المقترنة ضرورة توفرها مع فصل الصيف من مضادات الكزاز والكلب وسموم الأفاعي والعقارب التي تكثر الحاجة لها خلال هذا الفصل، ما يزيد من  معاناة الأهالي، وقس على ذلك من أسعار احتكارية يستفيد منها ضعاف النفوس والسماسرة والمحتكرين والفاسدين من الأطراف كلها، الذين يستغلون الظروف الأمنية والعسكرية ليثروا على حساب معاناة الأهالي.

مساحات زراعية خارج الخدمة

أهالي سهل حوران بقراه ومدنه يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي للدخل، سقياً أو بعلاً، لما يمتاز به سهلها من خصوبة بالتربة فسحت المجال لتنويع المحاصيل الزراعية فيه، من حمص وقمح وزيتون وشعير وكرمة وخضار وبندورة وبطاطا وثوم..إلخ، ومع العمليات العسكرية والقتال الدائر أصبح جزء كبير من الأراضي خارج الخدمة والإنتاج، بسبب عدم تمكن المزارعين من الاقتراب من أرضهم في الكثير من الأحيان، وقد زاد من صعوبات الإنتاج الزراعي النقص الحاد في مستلزمات الإنتاج، مع ارتفاع أسعارها بشكل كبير، اعتباراً من البذار مروراً بالسماد والمبيدات وليس انتهاءً بالمحروقات والمياه وشحها، حيث تعاني بعض السدود التي كانت تروي مساحات زراعية واسعة من الجفاف أو توقف عنفات ضخ بعضها بسبب النقص بالوقود وانقطاع الكهرباء، حيث تقدر كلفة سقاية دونم واحد من الأرض ما يقارب الـ 11 ألف ليرة، وسعر الطن الواحد من السماد وصل إلى 360 ألف ليرة، وحتى السماد العضوي ارتفعت أسعاره بشكل غير مسبوق.

وقد لجأ مؤخراً بعض المزارعين إلى تضمين أراضيهم للرعي، بعد أن كانت مزروعة بالقمح والشعير كونه لا يصلح للحصاد مع ارتفاع أجور العمالة وأجور النقل وغيرها من التكاليف الأخرى، كما خرجت العديد من المساحات المزروعة بالكرمة والعنب واللوزيات من الخدمة أيضاً بسبب عدم التمكن من رعايتها والاهتمام بها خلال السنوات المنصرمة، ما أدى إلى يباسها، كما أصبحت بعض المحاصيل خاسرة مع المزارعين مثل محصول البطاطا والبندورة، بسبب ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، وبسبب صعوبات النقل المتمثلة بالطرق المتقطعة والحواجز العديدة بارتباطاتها وراياتها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النقل، وأخيراً بسبب تحكم السماسرة بالأسعار وجشعهم الكبير، وبسبب القيود التي تضعها بعض الفصائل المسلحة على إخراج المحاصيل الزراعية، وخاصة في منطقة وادي اليرموك مؤخراً.

تفاؤل باستعادة الحياة

سهل حوران هو أرض العز والخير، وأهله مع الحلول التي تنهي مأساتهم ونزوحهم وهربهم من المعارك وبطشها، وهم متمسكين بالحل السياسي الشامل الذي يحقق لهم الاستقرار والأمن والأفق المفتوح، كما هم مع توسيع رقعة الهدن ومع زيادة عدد الفصائل المنضوية تحتها والمنضمة إليها، لتوحيد البنادق بوجه القوى والفصائل المتطرفة، وعلى رأسها داعش الإرهابية ومثيلاتها، وخاصة تلك التي تأتمر من الخارج، وهم على ذلك متفائلين باستعادة حياتهم ونشاطهم من خلال:

استكمال وقف الأعمال القتالية، وتوسيع قاعدتها لتشمل البلدات والقرى كاملة.

استعادة الدولة لدورها، وخاصة على مستوى تأمين الخدمات ومستلزمات الإنتاج الزراعي وتسويقه.

فتح المعابر والحواجز وفك الحصارات، وخاصة للعمالة والطلاب والمحاصيل والمواد الأساسية الغذائية وغير الغذائية.

وضع الحدود للمتحكمين بأمنهم وبقوتهم ومعيشتهم، في الجهات الرسمية من تجار حرب وفاسدين ومتنفذين وسماسرة، ومحاسبتهم.