«عمو اعطيني كِشْمَة!»

«عمو اعطيني كِشْمَة!»

إنها ليست عبارة تسول لطفل مشرد.. إنها صرخة جوعٍ.. صرخة البحث عن الحياة والبقاء، يطلقها أطفال دير الزور المحاصرين والجياع، صرخة يطلقونها وراء البعض ممن يحصل على ربطة خبزٍ بعد ساعاتٍ طويلة من الانتظار والوقوف أمام الفرن، والتي لا تقل عن 12 ساعة..!!

عام ونيف مضى على حصار أحياء الجورة والقصور، والتي ما زالت تحت سيطرة الدولة، وذلك من قبل التنظيم الفاشي التكفيري(داعش)، وسط تجاهل إعلامي، وتقصير كبيرٍ في تقديم الإغاثة، بل وسرقتها، وكان ليستمر ذلك لولا المساعدات الروسية التي ألقيت عبر الجو في الفترة الأخيرة، والتي استولى على أغلبها الفاسدون وتجار الأزمة، وباتوا يبيعونها بعشرة أضعاف قيمتها!، رغم الإعلان الرسمي عنها، وقد تتفاقم الأمور أكثر، ويكثر الموت جوعاً وعطشاً ومرضاً، كما تتضخم جيوب المنتفعين والفاسدين.

كل شيء قابل للحرق!

قرية البغيلية كانت المصدر الوحيد لدخول المحروقات والمواد الغذائية المهربة، والتي تباع بأسعار عالية جداً، بحيث لا يكفي دخل المواطن سوى لوجبات يومين على الأكثر، وبالحد الأدنى من المواد الغذائية، وبعد اجتياح داعش لمدخل المدينة الغربي في تلك القرية، أدى ذلك إلى إطباق الحصار تماماً، وتم فقدان المحروقات في الفترة الأخيرة، علماً أنه يوجد بئر نفطي بالقرب من مشفى الأسد في المدينة، وتوجد حراقات بدائية تقوم بتقطير النفط الخام فيه، لكنه يذهب للمسؤولين والمتنفذين والفاسدين، ويباع بأسعار كبيرة جداً، تدخل في جيوب السماسرة والتجار أيضاً، بدل أن تُشغل به المؤسسات العامة، وهو ما انعكس سلباً على مختلف النواحي الخدمية، وخاصةً الضرورية منها، كالصحة والمياه والاتصالات والنقل والتعليم، فلا توجد أية تدفئة في المدارس، بينما توجد في غرف مدراء الدوائر والمسؤولين.
وبالمقابل فقد اضطر الأهالي لحرق كل ما في منازلهم، بدءاً من الأحذية إلى الأبواب والنوافذ، وحتى خزن الثياب والمكتبات، للحصول على شيء من الدفء في البرد الصحراوي القارس!.

طوابير وأطفال جوعى

في الأحياء المحاصرة، التي بقي فيها ما بين 250 و300 ألف مواطن، لا تعمل سوى ثلاثة أفران، وهي فرن الطرمان وفرن خالد بن الوليد وفرن المدارس، وتباع ربطة الخبز ذات التسعة أرغفة بـ 750 ليرة، والرغيف بأحسن الأحوال يباع  بـ 70 ليرة وقد يصل إلى 100 ليرة، وبنوعية سيئة جداً، ويقف المواطنون في طوابير طويلة، وتسجل على أيديهم أرقام دورهم، ويزيد انتظارهم عن 12 ساعة، وتجد الأطفال الجوعى متجمهرين حول الطوابير، وما أن يحصل أحد المواطنين على ربطة خبز، حتى يهرع إليه الأطفال قائلين له: (عمو اعطيني كِشْمة!) أي قطعة صغيرة. وما بين الأفواه الجائعة المحيطة به، وأفواه أطفاله الذين ينتظرونه في البيت، يتخلى عن جزء منها، وعيونه تغرورق
بالدموع حزناً وكمداً!. الإغاثة وتجار الأزمة

على الرغم أن كميات لا بأس بها من المساعدات الروسية قد ألقيت من الطائرات، إلاّ أنّ هذه المساعدات لم تصل إلى المواطنين بمجملها كما يجب، حسب ما أكده الأهالي، بينما يجدونها بالمقابل في الأسواق تباع بعشرة أضعاف قيمتها، من قبل اللصوص والفاسدين وتجار الأزمة، وعلى مرأى ومسمع المتنفذين في المدينة!.
علماً أن الهلال الأحمر كان قد وزع حوالي 2800 حصة غذائية مجاناً.

معاناة مزدوجة

معاناة أهالي دير الزور، من حصار المجموعات الفاشية التكفيرية، ومن قصفها المستمر لأحياء المدينة المحاصرة، مستمرة، وكذلك من الفاسدين وتجار الأزمة، الذين باتوا أشد وطأة عليهم وعلى مستوى حياتهم ومعيشتهم، حيث لم يحاسب أحد منهم حتى الآن، رغم انتشار وتوسع فسادهم وعلانيته، والتي باتت تحتاج إلى مواقف حازمة وسريعة، فكل تأخير في ذلك سيؤدي عملياً إلى المزيدٍ من المآسي والآلام والجوع والبرد.