محمد هاني الحمصي محمد هاني الحمصي

الأزمة تفقد بعض المرضى السوريين غطاءهم الدوائي!

أدت الأزمة التي تعصف بسورية إلى تدهور بالأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية وصولاً إلى الأوضاع الإنسانية كذلك، ومع استمرار المعارك بين الجيش العربي السوري من جهة والعناصر المسلحة المدعومة من أطراف خارجية من جهة ثانية، تزداد نيران الحرب في سورية اشتعالاً متجاهلة تماماً الأوضاع المأساوية والمعاناة الحقيقية الذي يعانيها الناس جراء نقص المواد الغذائية وتدني مستوى المعيشة والخدمات الصحية الضرورية لكل إنسان، وهو ما ينذر بقرب حدوث كارثة إنسانية وهذا ما لا نتمناه.


أضرار ملحوظة

تقول منظمة الصحة العالمية إن هناك عدداً كبيراً من مصانع الأدوية في سورية خرج من الإنتاج ولاسيما بعد حدوث الأزمة حيث أغلق الكثير من هذه المصانع (البلسم في حمص، بركات في حلب) بالإضافة إلى عشرين معملاً ومستودعاً في مدينة حلب أصابهم الضرر مثل معمل  الشروق، بالإضافة إلى مستودعات الأدوية الموجودة في ريف دمشق، والتي أحرقت ودمرت بالكامل مثل مستودع عين ترما للأدوية، ومستودع الأدوية الموجود في مشفى الفاتح في قرية كفر بطنا في ريف دمشق. وقد أشارت المنظمة إلى ذلك بقولها «إن أضراراً جسيمة قد حلت بمصانع الأدوية في حمص وحلب وريف دمشق وهي التي تشكل حوالي %90 من مصانع الدواء في سورية بالإضافة إلى أن مصانع الدواء في المناطق المشتعلة هي دائماً متوقفة عن العمل».
ويقول الدكتور طارق جسارفيتش المتحدث باسم المنظمة: «إن هناك عدداً كبيراً من المصانع قد أغلقت أوتضررت بسبب تصاعد العنف في سورية وهذا يعني نقصاً كبيراً وحاجة ملحة لأدوية السل والتهاب الكبد وأدوية ضغط الدم والأدوية العصبية والسكري والسرطان».

 

مشاكل مستعصية

لا يمكننا أن نتجاهل وجود مشكلات عديدة تواجه صناعة وتخزين الدواء في سورية الآن، منها غياب العديد من الزمر الدوائية المستوردة من السوق السورية، وغياب الأمن والأمان، وعدم قدرة المصانع المحلية على العمل بسبب الظروف الأمنية الصعبة، وانقطاع سبل النقل بين وفي العديد من المحافظات خصوصاً بين حمص وحلب وعدم قدرة العمال على الوصول إلى مكان العمل، وصعوبة استيراد الدواء والمواد الأولية من الخارج بسبب العقوبات الجائرة المفروضة، ناهيك عن غياب التعاون والتنسيق بين الأطراف المعنية..
كل ذلك أدى وسيؤدي مع مرور الأيام إلى ازدياد الأزمة وتفاقمها ما لم يتم إيجاد حل سريع لها.

 

نقص وبدائل لا تسد الحاجة

إن المسألة الهامة  في هذا الموضوع تكمن في غياب أنواع عديدة من أدوية الضغط والسكري وانقطاعها عن السوق مع عدم توفر البديل الحقيقي لها، مثل: (نور فاك- واكس زار) بالإضافة إلى أن المعامل البديلة أصبحت تبذل جهوداً مضاعفة في العمل فهي لم تضع في حسبانها أن تكون أساسية يوماً ما، ومع ذلك فإن كمية الإنتاج قليلة وغير قادرة على سد الحاجة والثغرة الحاصلة بسبب فقدان الأدوية الرئيسة من السوق.
وفي هذا السياق، تقول الصيدلانية وفاء بدمشق لـ«قاسيون»: «من الصعب على الأدوية البديلة أن تسد الحاجة وهناك عدة أدوية قد اقتربت من الانقطاع في السوق وحتى أنها من المستحيل تأمين بديل لها، خصوصاً بعد الذي أصاب مدينة حلب من دمار، حتى أن الأدوية البديلة في الصيدليات أصبح إيجادها الآن صعباً جداً، مثل: الأوريمات والذي يستعمله مرضاء الصرع كبديل للدواء المفقود في الأسواق والأملوديبين أوبري، وهو الدواء الذي أصبح يستخدمه مرضى الضغط كبديل للنور فاك، فالمعامل لا تنتج كمية كافية من البدائل مما يجعل بعض الصيدليات لا تحصل على نصيبها من هذا الدواء أو ذاك». وأضافت وفاء: «بدأنا نشعر بالأزمة منذ نحو الثلاثة أشهر، لكنها كانت تحت السيطرة حيث كان المخزون الموجود لدى المستودعات يغطي النقص نوعاً ما، واليوم ومع تدمير العديد من مستودعات الأدوية وغياب الإنتاج فإن الأزمة باتت حقيقية».
وحددت وفاء أهم أنواع الأدوية التي تشهد نقصاً حاداً هذه الأيام بـ: «b3 مقوي الأعصاب- دواء الضغط نور فاك-  دواء داء الصرع التوبيمات- سبيتيازيد- بعض أدوية مرض السكري- إضافة إلى بعض أنواع حليب الأطفال منها بيبي لاك العلاجي- كيكوز من نسله وهناك بعض الأنواع بدأت تفقد تدريجياً من الأسواق».

 

آراء الصيادلة

وفيما يلي آراء بعض الصيادلة التي استطلعتها «قاسيون»: تقول الصيدلانية مها حلاوة في هذا الموضوع: «تعاني سورية بسبب الأزمة الحالية من أزمة دوائية حادة وهي واضحة لبعض الأصناف  ومجهولة المصير وغير واضحة للبعض الآخر، فعلى الرغم من وجود احتياطي لا بأس به من الدواء لدى الصيدليات إلا أن إغلاق العديد منها في أماكن تحتدم فيها المعارك، ككفر بطنا، ووجود العديد من الإصابات وصعوبة وصول الدواء وإغلاق مستودع الدواء الموجود في مشفى الفاتح وتوقف المصانع والمعامل في بقية المحافظات عن الإنتاج، كل هذه العوامل ساهمت في غياب الكثير من الأدوية وفقدانها من الصيدلية»، ويقول الصيدلي محمد عوض: «بصراحة لم يفقد الدواء بشكل كلي من سورية، فلكل دواء بديل تقريباً باستثناء الأدوية التي مصدرها الاستيراد طبعاً، أما فيما يتعلق بالمصانع التي توقفت عن العمل فمعظمها في مدينتي حمص وحلب وقد توقفت بطبيعة الحال جراء فقدان الأمن والأمان، فالطريق غالباً مسدودة والمواصلات صعبة وصعبة جداً، وهذا هو سبب النقص الحاصل في بعض الدواء، أما فيما يتعلق بالأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة من أمراض القلب والسكري وضغط الدم فما زالت متوفرة ولكن للآسف بدأت بعض الصيدليات برفع سعرها وخلق سوق سوداء للدواء في بعض الأحيان».
وتقول الصيدلانية وداد: «هناك نقص بشكل عام في الأدوية وانقطاع لعدد لا بأس به من الأصناف الدوائية الموجودة سابقاً ولعل أبرز الأسباب في ذلك  هو العقوبات الجائرة المفروضة من الغرب وحظر استيراد المواد الأولية  وارتفاع أسعارها، وهذا ما أدى إلى انقطاعها، خصوصاً شراب الأطفال، أما بالنسبة إلى أدوية السرطان فهي صعبة التأمين، ولاسيما أن أغلبها يتم استيراده وفيما يتعلق بالأدوية الوطنية قد نجد في تأمينها بعض الضغوطات، لكنها غالباً موجودة وأسعارها مازالت تخضع لتسعيرة وزارة الصحة».

 
كلمة أخيرة

إن قضية الدواء من أهم القضايا التي يعاني منها المواطن السوري اليوم، وتأمين الدواء والعلاج واجب أساسي من واجبات الدولة وحق للمواطن المريض لا تجوز الاستهانة به، وعلى الدولة الإسراع في تأدية واجباتها تجاه مواطنيها المرضى، قبل أن تزداد أعباؤهم ويفتك بهم المرض مرتين؛ مرة حين نقص الدواء وأخرى حين نقص الرعاية الاجتماعية!.