وزارة الصناعة والوقوع في المحظور.. عقد «استعماري» لتطوير معمل إسمنت عدرا؟!

ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيع عقود لاستثمار وتطوير معمل إسمنت عدرا، بل ربما تكون العاشرة منذ عشرة أعوام شهدت توقيع عدة عقود متلاحقة لتطوير المعمل، ولكن على الأرض لم تجرِ ولا مرة أية عملية تطوير جدية في خطوط إنتاجه كما هو متفق عليه في تلك العقود، وفي المحصلة تراجع الإنتاج، وتقادمت الآلات وخطوط الإنتاج، ونجحت تلك العقود التي تفوح منها رائحة الفساد -في كل مرة- بإهدار ملايين الليرات السورية، وكل ما كانت تفعله وزارة الصناعة هو المجيء بشركات لاستثمار معمل الاسمنت هذا، دون أن تكلف نفسها عبء مراقبة تنفيذ تلك العقود، ولكن ما الجديد على هذا الصعيد؟! وهل تتجهز وزارة الصناعة لتوقيع عقد «استعماري» لتطوير معمل إسمنت عدرا؟! وإذا كان ذلك صحيحاً، فهل باتت عملية تطويره من الداخل عبر الخبراء الوطنيين أمراً مستحيلاً؟!.


سربت الصحافة منذ أيام عدة نقلاً عن مصادر مطلعة، أن التحضيرات تجري لتوقيع عقد جديد مع شركة تركية لاستثمار وتطوير معمل إسمنت عدرا، ولمدة تصل إلى 15 عاماً، والشركة التركية المرشحة لهذا الاستثمار غير ملتزمة بأية شروط تضمن للجانب السوري الحصول على حقه الكامل، كما يسعى وراء هذا العقد ويدعمه محلياً شخصان مرموقان بمناصب سابقة، الأول كان رئيس حكومة سابق والثاني وزير صناعة سابق أيضاً، وهو الآن على طاولة وزير الصناعة!..

كل تلك المعلومات حول طبيعة العقد المأمول، تدفع إلى طرح جملة من التساؤلات: فما هي المبررات التي أطالت مدة عقد التلزيم المزمع توقيعه حتى خمسة عشر عاماً، والذي قد يكون قابلاً للتمديد؟! هذا التساؤل يصبح أساسياً لاسيما وأن تمويل مشروع من هذا العيار لا يعد بالمكلف أو الضخم الذي يفوق قدرة الدولة على تحمل الأعباء المالية لعملية تطويره.. ثم لماذا لا تجري الاستعانة بخبراء محليين أو أجانب –إذا لزم الأمر- لتطوير خطوط الإنتاج عوضاً عن ذلك الرضوخ لتلك العقود «الاستعمارية»؟! كما أنه من حق السوريين التساؤل عن أسباب تنازل الطرف الحكومي في توقيع العقد عن حقوقهم، على اعتبار الطرف الحكومي لم يقيد تلك الشركة بأية شروط تضمن حق الجانب السوري، فالطرف الحكومي المفاوض، وكما جرت العادة، لا يعتبر أن تلك الشركات ملكه، ولا يسعى للدفاع عنها وحمايتها، ولكن تلك الشركات العامة، وعلى رأسها معمل اسمنت عدرا، هي ملك للشعب السوري بحسب الدستور الجديد، ولا يحق لأحد التنازل عنها أو التفريط بها بمثل هذه العقود المجحفة بحق البلاد، والتي لا مبرر لتوقيعها، والسير بها، سوى الرضوخ لمصالح ثلة من الفاسدين الكبار، وتمرير صفقاتهم المشبوهة على حساب الشعب السوري، ومصلحة الاقتصاد الوطني..

بالمرحلة الأولى، أجرت وزارة الصناعة تقييمها، لتضع معمل اسمنت عدرا ضمن الشركات الخاسرة، والتي هي مخسرة من الناحية الواقعية، لتبدأ بعدها مرحلة الطرح للاستثمار في صفقات مشبوهة، وكيف لن يحدث ذلك، وكل إدارات القطاع العام من مستشارين ومدراء شركات ومصانع، يتعاملون مع هذا القطاع وكأنه لا يعنيهم؟! ليصبحوا مجرد شريك ورقي فقط دون أن يكون لهم لمساتهم في الدفاع عن ممتلكات الشعب والقطاع العام!.

لقد طالب العمال في شركة إسمنت عدرا عدة مرات في السابق بإنقاذهم، وبإنقاذ الشركة أيضاً، ورفعوا كتاباً لاتحاد عمال دمشق يشرحون فيه الأوضاع الاقتصادية التي وصلت إليها الشركة، مطالبين في كتابهم العمل لإنقاذ الشركة من خلال جملة من المقترحات المقدمة، إلا أن الوزارات المتعاقبة تجاهلت مقترحاتهم، وأصرت على الاستمرار في إهمال المعمل، وإيصاله إلى حالته الراهنة، وهذا يدفعنا للتساؤل: لمصلحة مَن يتم القضاء على هذه الشركة الوطنية؟ لا بل لمصلحة من تم تخسيرها طيلة الأعوام السابقة؟!.