بعد «الصدمة».. لماذا مُنحت كازيات دمشق 200 ألف لتر بنزين عقب رفع السعر؟

بعد «الصدمة».. لماذا مُنحت كازيات دمشق 200 ألف لتر بنزين عقب رفع السعر؟

اختارت وزارة التجارة الداخلية يوم الخميس قبل العطلة الأسبوعية، لإصدار قرار رفع سعر ليتر البنزين الواحد إلى 160 ليرة سورية، بدلاً من 150 بمقدار 10 ليرات، ما سبب صدمة للمواطنين، نتيجة استمرار الحكومة بنهج رفع الأسعار رغم حالة الغضب الشعبي من ذلك، وسوء الوضع الاقتصادي.

قرار رفع السعر للمرة الثانية خلال شهرين تقريباً، أثار الشكوك أمام البعض، حول مدى جدية الحكومة السورية، بالوقوف على متطلبات وحال المواطن الذي يكتوي أصلاً بغلاء الأسعار، وبات يضيق ذرعاً من أي إعلان عن رفع سعر جديد لمادة معينة، كون التجار أخذوا يربطون الأسعار مع بعضها البعض، بحيث يتم رفع أسعار باقي المواد والسلع بشكل أوتوماتيكي وغير رسمي  بمجرد رفع سعر إحداها، وسط غياب أية رقابة صارمة.
بالنسبة لتجار القطاع الخاص، وتجار الأزمة الموجودين داخل الدوائر والمؤسسات الحكومية، يمكن استثمار أي قرار جديد برفع الأسعار من عدة نواحي، وهذا ما ظهر مؤخراً، عند صدور قرار رفع سعر البنزين إلى 160 ليرة، حيث «تم تسريب قرار رفع السعر قبل صدوره بأيام»، وفقاً لمواطنين أكدوا أن «محطات الوقود امتنعت معظمها عن بيع البنزين قبل يوم أو يومين من قرار رفع سعر الليتر ما أدى لأزمة نتيجة احتكار المادة رغبة ببيعها وفقاً للسعر الجديد».
وفي اليوم التالي للقرار «عادت الكازيات وفتحت أبوابها لتبيع ما لديها من مدخرات بالسعر الجديد، وبالتالي حققت أرباحاً كبيرة، وخلقت أزمة وازدحاماً على أبوابها نتيجة وقف البيع لأيام».
وعدا عن ذلك، ووفقاً لعدة شكاوى، فإن كثيراً من محطات الوقود التي من المفترض أن يتواجد بها مراقب من التموين، يجبر عامل المحطة السائقين على دفع إكرامية ما بين 100 و200 ليرة إضافية، عدا عن أن الصفيحة الواحدة «التنكة» من المفترض أن تباع 20 ليتراً، بينما تتم تعبئة 18 ليتراً بعد التلاعب بالعدادات، وهذا ما ظهر واضحاً بالنسبة لأحد المشتكين الذي دفع «رشوة» لتعبئة 20 لتراً في «غالون».


الكهرباء والحرارة تسببان أزمة بنزين!

وفي العودة للبداية، فإن الاختناق على الكازيات، ليس ناجماً عن قلة توفر المادة، وهذا ما أكده سائقون ومواطنون وحكوميون، الجميع متفق على أن المادة متوفرة، لكن ما هو سبب الازدحام والضغط من وجهة النظر الحكومية؟.
سيباي عزير مدير محروقات دمشق، نفى في تصريحات إذاعية، أن تكون على الأقل المحطات التابعة لـ«سادكوب» قد مارست ما ذكر أعلاه من احتكار واستغلال، مشيراً إلى أن «ما حدث من ازدحام عبارة عن زيادة الطلب على المادة، والتوجه إلى محطات الوقود رغم وجود ما يكفي المواطن من المادة في خزان سيارته»، أي أن السبب هو المواطن كما جرت العادة باتهامه، عندما تحاول أية جهة حكومية تبرير خلل ما، فالمواطن في هذه الحالة لديه شيء من الترف ويحتاج للمزيد والمزيد من البنزين حتى لو كان خارجاً عن حاجته!.
من احدى اسباب الازدحام على محطات الوقود، وكما يقول أحد العمال في كازية وسط دمشق مفضلاً عدم ذكره، هو كثرة الطلب على المادة لتشغيل مولدات الكهرباء للمطاعم والفعاليات التجارية والمنازل وسط موجة الحر الشديدة وانقطاع التيار الكهربائي، وهذا ما يفسر تعبئة السيارات رغم وجود ما يكفي في خزاناتها.


زيادة الكميات رسمياً بعد رفع السعر!

يتوقع أن تحصل محروقات دمشق أرباحاً من عملية رفع سعر البنزين، وتحديداً مع زيادة الكميات، حيث أكد عزير أن «دمشق وفور صدور قرار رفع سعر البنزين، حصلت على 200 ألف لتر إضافي يومياً من المادة لسد زيادة الطلب عليها، لتصل الكمية إلى مليون لتر يومي»، وهنا اعتراف واضح بوجود ضغط على المادة بداية، وثانياً، هو أن الحكومة سابقاً كانت تعلم بوجود ضغط وطلب كبير على المادة، لكنها لم تطرح كميات إضافية لحل الأزمة، إلا بعد رفع السعر.
أما أسباب رفع سعر البنزين فكانت محطاً للجدل بحد ذاتها، فقد أكدت «محروقات» أن سعر البنزين بات مرتبطاً بالسعر العالمي ارتفاعاً أو انخفاضاً، وهذا القرار الأخير ناجم عن ارتفاع سعر النفط عالمياً وليس قراراً سورياً من وجهة النظر الحكومية.
وفي اتصال هاتفي لـ«قاسيون» مع أحد الأشخاص في الشارقة (إمارة غير نفطية)، فقد أكد الأخير أن سعر لتر البنزين ارتفع يوم الأربعاء الماضي، أي قبل سورية بيوم واحد، ووصل إلى ما يعادل الـ162 ليرة سورية، بينما في الكويت والتي تعتبر دولة نفطية، فيباع اللتر بحوالي 95 فلساً أي حوالي 66 ليرة سورية فقط.


«تكتيك حكومي» والمزيد قادم..

للخبير الاقتصادي، والمدرس في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، عابد فضلية، وجهة نظر أخرى، اعتبر بها الزيادة الأخيرة بأنها تأتي ضمن «تكتيك زيادة الأسعار» الذي تقوم به الحكومة بشكل تدريجي حيث أن «رفع البنزين مقرر من العام الماضي» من

وجهة نظره.

وتابع في تصريحات له أن «زيادة سعر اللتر تعود لزيادة تكاليف الحصول عليه»، مؤكداً أن «الارتفاع لم يحصل دفعة واحدة، والسبب أن آلية تنفيذ القرار، تتم بشكل تدريجي، وهو ما يعتبر إيجابي على السوق السورية».
وعن إمكانية رفع الدعم عن المحروقات في سورية، بيّن فضلية، أنه لا يوجد قرار حكومي، لرفع الدعم الحكومي عن المحروقات، مؤكداً أن القرار «يساعد على زيادة خزينة الدولة، وتحمل النفقات الكبيرة في ظل الأزمة».
وفي هذا الشأن، فإن ليتر البنزين لم يكن مدعوماً قبل الأزمة، حين كان يباع بسعر40 ليرة لليتر، في حين تراجع سعر إنتاج النفط في سورية، إلى حد كبير في سورية خلال الأزمة، علماً أنه كان يقدر بنحو 420 ألف برميل يومياً، قبل الأزمة.


لا زيادة على تعرفة النقل..إلا في هذه الحالة

أما فيما يتعلق بمخاوف لدى المواطنين، من رفع تعرفة وسائل النقل العامة، فقد أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق، هيثم ميداني أن «اخر تعرفة للنقل تم وضعها عندما بلغ سعر البنزين 140 ليرة،  وعندما انخفض إلى 130 لم نقم بتغيير التعرفة»، مؤكداً أن التعرفة الحالية «ستبقى سارية المفعول حتى لو تغير سعر الليتر زائد ناقص 15 % والسعر الجديد للبنزين لم يتجاوز هذه النسبة».
وأشار إلى أن التعرفة الحالية تضع بعين الاعتبار ارتفاع سعر قطع التبديل، منوهاً إلى أن تعديل التعرفة قد يتم، إن وصل سعر اللتر من البنزين إلى 165 ليرة سورية تقريباً.
وحذر ميداني من استغلال سائقي التكاسي، مطالباً السائقين بالتوجه إلى المرور لتعديل العدادات، مهدداً بغرامات تصل لألفي ليرة سورية للمتخلفين.
وقال «هناك 12 ألف تكسي لم يعدلوا عداداتهم، وكانت مهلتهم للتعديل حتى الشهر السادس الماضي فقط، والآن هم مخالفون».
تؤكد العديد من الدراسات المستقلة أنه بعد القفزة الكبيرة في ارتفاع أسعار الوقود ومنها مادة البنزين، لم يعد يوجد فعلياً أي دعم حكومي لهذه المادة، بل على العكس اصبحت منفذاً للواردات إلى الخزينة، وبغض النظر عن المبررات الرسمية من ارتفاع سعر المادة، فأن الأصل يكمن بأنها نتاج عملية اللبرلة في الاقتصاد الوطني لا أكثر ولا أقل، وإن كانت عوامل عابرة أخرى تلعب دوراً جزئياً بعض الأحيان.   


أرباح دمشق: مليار وأكثر

رفع سعر البنزين الأخير وقبل التطرق للأسباب التي كانت محطاً للجدل ما بين الصعيد الرسمي والاختصاصي المحلي، يحقق للحكومة دخلاً بما يقارب المليار و17 مليون ليرة سورية من فرع محروقات دمشق وحدها، خلال خمسة الأشهر القادمة، وذلك بناءً على الكميات الموزعة والمنفذة من مادة البنزين خلال الستة أشهر الماضية من محروقات دمشق، حيث بلغت كمية مادة البنزين التي دخلت إلى دمشق خلال النصف الأول من العام الحالي 122 مليون ليتر، أي بنسبة تنفيذ 80% عما كان مطلوباً، حيث بيّن فرع محروقات دمشق أنه طلب 146.4 مليون ليتر بنزين، كما تقول إحدى الدراسات.
وإن تم توزيع مادة البنزين في دمشق خلال الأشهر الخمسة القادمة بذات مستوى الكميات خلال النصف الأول من العام، مع زيادة مبلغ عشر ليرات سورية التي أضيفت إلى سعر المادة من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فإنه من المتوقع توزيع 20.3 مليون ليتر بنزين في الشهر الواحد، وبالتالي تكون محصلة الأرباح بزيادة عشر ليرات خلال الخمسة أشهر القادمة أكثر من مليار و17 مليون ل.س.