كازيات وأفران بلا مخصصات... والمواطنون تحت رحمة تجار «السوداء»

كازيات وأفران بلا مخصصات... والمواطنون تحت رحمة تجار «السوداء»

«مافي مازوت» « مافي غاز» «مافي خبز»... عبارات يتردد صداها على امتداد شوارع وأحياء المدن السورية، لكن الغريب أنه لا تخلو حارة أو طريق عام من باعة متفرقين افترشوا الأرصفة ليبيعوا ما ليس موجوداً في مكانه بسعر مضاعف ثلاث مرات وسطياً، هذه السوق (السوداء) ظهرت مترافقة مع بدء الأحداث في سورية، وتنامت مع توافر عوامل موضوعية وفردية أسهمت في تعميقها وامتدادها لتشمل مواد أخرى..

وبات واضحاً للجميع، أن ضبط التلاعب والتهريب أشبه بالمستحيل، مع استفحال المتورطين والمستفيدين، إذ أن الاتهامات طالت الموظفين في الكازيات ومراقبي التموين ومدراء المخابز ومراكز الغاز، وحتى جهات أمنيةعديدة، وذلك بسبب المشاهدات اليومية الحاصلة على مرأى الناظر ودون خجل أو خوف، والعائد طبعاً لغياب الرقابة والمحاسبة القانونية للمتلاعبين بلقمة الشعب.

المواد متوفرة لمن يملك المال.. والدولة غائبة!

تقول ديمة ربة منزل في برزة عن وضعهم الحالي إن «الحصول على مادة المازوت والغاز يتطلب معاناة كبيرة، فزوجي يعمل طيلة النهار وأنا غير قادرة على ترك طفلي الصغير وحيداً للوقوف على الدور في الكازيات، التيتبيع المازوت للناس بالغالونات بأسعار مرتفعة جداً، فالسوق السوداء لم تعد خارج الكازيات ومراكز الغاز بل أصبحت داخلها أيضاً».

أما سلمى موظفة في القطاع العام وتسكن في المزة، فتقول إن «والدي رجل مسن ومريض جداً، ولا يمكن إبقاؤه دون تدفئة، ولم تبق وسيلة ومعارف إلا طلبت مساعدتهم دون جدوى، والجميع متفق على أنه يجب أن أعرف أحداًمن تجار السوداء لأتمكن من تأمين المازوت لمنزلي».

أما أم طارق موظفة وربة منزل، فمعاناتها كبيرة ومتنوعة، «لا كهرباء ولا غاز ولا مازوت، كل يوم نعاني المرارة بسبب الغلاء وعدم توفر أساسيات الحياة، فلا كهرباء لنتدفأ أو نطبخ، ولا غاز رغم أني سجلت منذ شهرينعلى اسطوانة وما زلت أنتظر، أما المازوت فالأمل مفقود من الحصول عليه، لأنه غال جداً وأوضاعنا المادية لا تسمح بشراء الليتر بـ100 ليرة كما هو الحال الآن، فنتخيل المدفأة مشتعلة رغم أن قطرة مازوت واحدة لم تنزلفيها منذ بداية الشتاء».

فيما وصف هيثم أب لطفلين وموظف بالقطاع الخاص المعاناة المستمرة بغضب شديد، وقال إن «الشعب هو من لحقه السوء جراء كل ما يحدث، فالباعة المتلاعبون بقوتنا يتجولون بحرية في الشوارع ويبيعون بالسعر الذييرغبون، والسيارات والباصات والناس تصطف طوابير أمام الكازيات ومراكز الغاز والأفران لساعات طوال، دون جدوى، فالكل يشكو القلّة، ويدّعي عدم وصول كميات وعدم كفايتها، لكن من يريد ويستطيع أن يدفع الكثيرسيجد ضالته مباشرة، وأينما اتجه».

وتساءل هيثم «أين هي الدولة لتحمي الشعب وتؤمن حاجاته؟، أم علينا أن نسرق وننهب حتى نعيش».

أبو سامر، يعمل في تعبئة الغازات وتصليحها في جرمانا بريف دمشق، قال إن «وصول الغاز إلينا بسعر مرتفع جعلنا نرفع الأجرة، تعبئة الغاز الصغير أصبحت بـ800 ليرة سورية، وهذا ليس منطقياً لأن سعر اسطوانة الغازحسب التسعيرة الرسمية -400 500 ليرة، لكن قلة المادة وتوزيعها عبر السوق السوداء أجبرنا على رفع الأجرة».

إلغاء الترخيص عند ثبوت المخالفة

وعن دور مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في مكافحة السوق السوداء والمتلاعبين بالمواد المدعومة من الدولة، قال مدير التجارة في دمشق زياد هزاع إن «كل موزع يتم ضبطه يبيع المادة بطريقة غير نظامية أوبسعر زائد، يتم حجز المادة والآلية لفترة لا تتجاوز الشهر وتنظيم ضبط بالمخالفة، وخاصة إذا كانت التصرف بمادة مدعومة بطريقة غير مشروعة، ويحال للقضاء المختص».

وتابع هزاع إن «ما يقارب 22 ضبطاً تم تنظيمه خلال الربع الأخير من عام 2012 ومصادرة 620 اسطوانة غاز، وذلك جراء تقاضي سعر زائد وبيع اسطوانات غير نظامية تكون مهربة من خارج سورية».

أما فيما يخص مادة المازوت، قال هزاع إنه «تكون المخالفة بتقاضي سعر زائد، أو غش المادة بإضافة الماء مثلاً، أو التلاعب بالكيل والتصرف بطريقة نظامية بالمادة، أو التوزيع خارج المنطقة المخصصة له، ويعامل مرتكبالمخالفة الطريقة المذكورة نفسها، وفي حال ثبوت المخالفة يلغى الترخيص حالاً»، لافتاً إلى أنه «تم تنظيم ما لا يقل عن 15 ضبطاً خلال الربع الأخير من العام الماضي».

ونوه مدير التجارة في دمشق إلى أن «المخالفات المتعلقة بالتصرف بطريقة غير مشروعة بالمادة ضبطت بشكل مركز في وسط المدينة، بينما كان التلاعب بالكيل متركزاً في منطقة الأبنية أكثر من المناطق العشوائية».

وعن السيارات الجوالة، بين هزاع إن «عمل المراقبين يشمل مراقبة السيارات أثناء تجوالها والتأكد من امتلاكها قائمة أسماء لتوزع عليهم المادة، ويتم فحص عداد الخزان في السيارة وصمام عدم الرجوع».

وحول طرق تهريب المازوت من محطات المحروقات، أوضح زياد هزاع إنه «في كل محطة يوجد مراقبان تموينيان، يعملان على التأكد من وصول المادة وتفريغها بالكامل، ومراقبة عملية التوزيع سواء للمواطنين أو لوسائلالنقل، إلا أن بعض الأشخاص يجمعون دفاتر العائلة من عدة عائلات ويستلمون الكميات المخصصة لهم وهنا يفتح المجال لتلاعب هؤلاء الأشخاص بما استلموه وبيعه بسعر زائد».

وعود بانفراج في المازوت

بينما أكد مدير محروقات دمشق علي غانم أن «تأمين مادة المازوت سيشهد انفراجاً قريباً وأن المادة متوفرة ضمن خزانات بانياس وحمص‏، وعدم وصولها بكميات كافية ناجم عن تعطل الخط الواصل بين حمص ودمشقوالاعتماد على الصهاريج في عملية نقل المادة»، مشيراً أن «لدى محروقات حالياً خطة تعتمد على أولويات متمثلة في تأمين المازوت للأفران والمشافي والمدارس، إضافة للقطاعات الاقتصادية والحيوية، وأن إصلاح خط نقلالمازوت قريباً سينعكس إيجاباً على المواطنين وسيشهد انفراجاً حقيقياً في تأمين المادة».‏

كما أكد غانم أن «توزيع مادة المازوت سيكون وفق الخطة المعتمدة، بحيث يتم توزيع المادة على السائقين وبالكميات المحددة ووفق القوانين المعتمدة، وأن محطة محروقات برزة خرجت من الخدمة مؤقتاً نتيجة العمل الإرهابيالذي استهدفها وهي قيد التأهيل والإصلاح وستعود للخدمة خلال الأيام القليلة».‏

وفيما يتعلق بأزمة توفر أسطوانات الغاز بين رئيس مجلس المحافظة عادل العلبي أنه «تم تشكيل لجنة من أعضاء مجلس المحافظة للإشراف على توزيع مادة الغاز في عدد من المراكز، حيث تبلغ حصة دمشق من أسطواناتالغاز 15 ألف أسطوانة يومياً».‏

ولجان لتوزيع الغاز

أما في ريف دمشق،فقد أقرّ مجلس المحافظة مؤخراً تشكيل لجان للإشراف على توزيع المازوت في محطات ومراكز الوقود المنتشرة في أرجاء المحافظة، بواقع لجنة واحدة تراقب حسن توزيع المازوت على المواطنينوالفعاليات الاقتصادية في جميع مراكز ومحطات المحروقات الموجودة في ريف دمشق.

وستحلّ اللجان مكان اللجان التي شُكّلت في العام الماضي على مستوى الوحدات الإدارية لمراقبة عمل محطات الوقود.

وبدوره أكد مدير فرع الشركة العامة لتوزيع ونقل الغاز بدمشق وريفها مصطفى مطر أن «نقص الغاز في بعض المناطق يعود إلى صعوبات في نقل المادة نظرا لعمليات السطو على سيارات نقل الغاز، وتسعى المديرية لحلالأزمة عبر وضع آلية جديدة بالتعاون مع الأهالي والبلديات لتأمين الغاز لكل المواطنين وبأقصى سرعة ممكنة».‏

يشار إلى أن مجموع عدد الأسطوانات المعدنية التي تمت تعبئتها عام 2011 في وحدات تعبئة الغاز الاثنتي عشرة في سورية وصل إلى 71 مليون أسطوانة تقريباً.

البنزين والغاز متوفر والمشكلة بالنقل والتوزيع

فيما بين مدير عام شركة محروقات «سادكوب» الدكتور ناظم خداج أن «واقع توفر مادة المازوت بات أفضل من الفترة السابقة، رغم الحصار الجائر والعصابات المسلّحة التي تقوم بأعمال السرقة والتخريب»، مضيفاً إن«الشركة تعمل جاهدة على إيصال المادة التي تعاني حالات نقص، حيث أن مادتي البنزين والغاز متوفرتان ويوجد فائض منهما، إلا أن حالات الخلل تكمن في عمليات النقل والتوزيع ما يتطلب تعاون المواطنين والجمعياتالأهلية».

ومن جهتها المؤسسة العامة الاستهلاكية وعلى لسان مديرها العام هاجم ديب بينت أنها «تعمل عادة على توزيع 20 ألف أسطوانة على مستوى سورية، وقد نهبت 4000 جرة غاز منها، لدى محاولة إيصالها للمناطق الساخنة،كما يعود سبب الخلل في عملية التوزيع إلى وجود بعض الفاسدين من موظفي المؤسسة، الذين يقومون بتوزيع الغاز، وهؤلاء هم جزء صغير جداً من حلقة تجارية فاسدة كبيرة ساهمت بأزمة الغاز في جميع منافذ التوزيع».

وطالبت المؤسسة مؤخراً مؤازرة وزارة النفط بتزويدها بـ 10 ألاف أسطوانة غاز فارغة، لتزيد مساهمتها بتوزيع الغاز.