النص الكامل لفعاليات الندوة الاقتصادية للدكتور قدري جميل  في المجلس الوطني للإعلام، آب، 2013

النص الكامل لفعاليات الندوة الاقتصادية للدكتور قدري جميل في المجلس الوطني للإعلام، آب، 2013

 أكد د. قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية، عضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية أن قوى الفساد الكبرى في البلاد تلعب على رقعة شطرنج الأزمة السورية باتجاه تبييض صفحة الفاسدين الكبار لتصويرهم كوطنيين وديمقراطيين مدافعين عن مصالح الناس مقابل تشويه صورة الوطنيين وتسويقها كمحافظين ورجعيين، مشيراً إلى ذلك لعبة قديمة وممجوجة.

 

 

كلام د. جميل جاء خلال الندوة التي نظّمها المجلس الوطني للإعلام في سورية، الأحد 4-8-2013، بعنوان: (السياسات الاقتصادية ودور الإعلام في الأزمة السورية) وذلك بمبنى دار البعث بدمشق بحضور عدد من أعضاء المجلس وعدد من الاقتصاديين والمهتمين بالشأن الاقتصادي والإعلاميين وممثلي وسائل الإعلام المعتمدين بدمشق.

وعلى مدار ثلاث ساعات شكلت مدة المداخلة الرئيسية ومناقشاتها، عرض د. جميل مادة نقاش واسعة ضمن محاور ثلاثة أساسية، أولها هو معالجة فكرة السياسات الاقتصادية من باب توضيح معناها وصولاً إلى استنتاج قال فيه (لا يوجد لدى الحكومة الحالية سياسات اقتصادية، وليس لديها فريق اقتصادي).. انتقل بعد ذلك لمعالجة دور الإعلام على العموم في الأزمات وتحدث عن مفهوم الحرب البسيكوترونية (النفسية الالكترونية) مستعرضاً بعض الأمثلة من حقبة الثورات الملونة في الفضاء السوفييتي السابق، وانتهى في المحور الثالث إلى تقييم دور الإعلام الرسمي وشبه الرسمي والخاص في معالجة الشأن الاقتصادي، وفي التعامل مع الحرب ضد سورية من جانبها الاقتصادي.

وأشار أمين حزب الإرادة الشعبية على وجه الخصوص إلى محاولات (خلق عدو وهمي لمساعدة الفاسدين على الهروب من تحت الضرب) والتي اشتغلت عليها وسائل إعلامية بعينها..

وفيما يلي نص المداخلة الرئيسية والأسئلة والمداخلات عليها:

 

أشكر المجلس الوطني للإعلام على هذه الدعوة الكريمة وأشكر الحضور..

العنوان يتحدث عن سياسات اقتصادية، لنكن صريحين لا يوجد سياسات اقتصادية، فالبيان الحكومي يتحدث عن إجراءات عاجلة. والحكومة عندما تقدمت ببيانها لمجلس الشعب لم تقل عنها سياسات، وقد كان ذلك مقصوداً لأسباب عديدة، أهمها هو أن الوضع قبل سنة عندما تشكلت الحكومة كان يتطلب فعلاً إدارة أزمة، وحجم الخلاف بين أعضاء الحكومة على السياسات متوسطة وبعيدة المدى كان كبيراً لدرجة أنه لا يمكن التفاهم، لذلك قمنا بالعمل على توافق، وهذا موثق في لجنة البيان الحكومي التي كنت رئيسها، وقمنا بالتوافق على القضايا العاجلة وهي أهم القضايا حينها والتي كانت تؤرق البلد وتؤرقنا، هذه القضايا العاجلة كـالخبز والطحين والمازوت والبنزين... إلخ، أي تأمين المواد الأساسية للمواطن في ظل الحصار وتقطع الطرق. لذلك هذه الحكومة عندما تكونت كانت حكومة إدارة أزمة وليس حكومة حل أزمة، فبرنامجها أصلاً لا يسمح بحل الأزمة، وهل لدى أحد برنامج اقتصادي لحل الازمة؟!! ومن لديه فليتفضل علينا به.

مخاض وذاكرتين

نحن بحالة مخاض ولدينا ذاكرتين، ذاكرة السبعينييات والثمانينييات عندما كان دور الدولة مركزياً وقوياً، وذاكرة العقد الأول من القرن الواحد والعشرين التي سادت فيها الليبرالية الاقتصادية المتوحشة والتي أودت بالبلاد إلى الأزمة، وبين هاتين الذاكرتين يجري النزاع، فهناك من يدفع باتجاه الثمانينييات وآخرون يدفعون باتجاه سنوات العقد الأخير، الليبرالية. وبناء على التفكير «الديالكتيتي» أقول لكم لا يمكن عبور نفس النهر مرتين، فيجب أن نذهب إلى مكان ثالث، وهذا ما تحدث به السيد الرئيس في أحد خطاباته سابقاً أي «النموذج الاقتصادي الجديد»، والذي أسس له الدستور الجديد حيث وضعت المعالم العامة للاقتصاد السوري ولم تتم أدلجته. فأنا الشيوعي قلت إنني ضد أن توضع كلمة اشتراكي في الدستور وذلك ليس لأنني ضد الاشتراكية، بل على العكس كوني معها. ففي ظل شعارات الاشتراكية السابقة تم عملياً الذهاب نحو الرأسمالية، واليوم فإن التحليل الاقتصادي الواقعي يقول إن العلاقات الرأسمالية سادت في البلاد في الفترة التي كنا نرفع فيها شعارات اشتراكية، لذلك ينبغي تسمية الأمور بمسمياتها وإلا فلا داعي للتسمية. ولكننا في النموذج الجديد صغنا جوهر العملية تحت صيغة «أعمق عدالة وأعلى نمو»، ووضعنا هدف «تأمين الحاجات المتنامية للناس»، وهنا سأكشف أمراً: إن قانون الاشتراكية الأول هو تأمين الحاجات المتنامية.

 حل الأزمة.. حكومة من مستو آخر..!

أعود للقول هذه الحكومة لإدارة أزمة، بينما حل الأزمة يحتاج لشروط أخرى، ويحتاج لتفاهم آخر، ويحتاج لمستوى معالجة آخر، وهذا يأتي بأحد طريقين، إما المعرفة المسبقة أو أن تفرض التجربة على الجميع اتجاهاً معيناً للحل، وهذا ممكن الحدوث كما يحدث الآن، فالحياة تفضي أحياناً إلى حلول وحيدة، وإن لم نسر على هذه  الحلول فالحياة ستعاقبنا.

ومثال ذلك قضية «شركات الصرافة»، فأنا ظللت أتحدث منذ أشهر أنه في ظروف الحرب من الأفضل الاستغناء عن دور الصرافين، لكن أصحاب اللوثة الليبرالية في جهاز الدولة يعتبرون ذلك عيباً فقد نوصف بأننا «غير حضاريين»!، رغم أنني تحدثت فقط عن شركات الصرافة. وما حصل عملياً أن عمل الصيارفة استمر إلى أن أفضت الأمور مع استمرار الوقت إلى ضرورة الحد من عملهم وأن نعود لاتخاذ إجراءات قاسية ضدهم، فالحياة أجبرتنا وليس الإيديولوجيا، رغم أن الإجراءات لازالت خفيفة، وإذا اطلعنا جيداً على تجربة بلادنا منذ 50 سنة لليوم نجد أن كثيراً من الإجراءات الاقتصادية اتخذت ليس بسبب قناعات إيديولوجية وإنما بسبب ضغط الواقع، فالحياة نفسها تجبرنا على السير باتجاه معين.

إذاً حتى تكون الأمور واضحة  فنحن في «الجبهة الشعبية للتعيير والتحرير» قوى معارضة ودخلنا على أساس بيان، وقد أصرينا قبل الدخول إلى الحكومة على النقاش على البرنامج وليس على المواقع، وقلنا للمسؤولين عن تشكيل الحكومة في حينه إننا إذا اتفقنا على البرنامج فسنتفق على المواقع بثلاث ثوان، بينما الدارج هو الحديث عن المواقع. وأخذ النقاش حول البرنامج الحكومي أسبوعاً بكامله وهذا ليس سيئاً، واتفقنا على برنامج الحد الأدنى من التوافق، لذلك لم يكن حينها توافقاً على سياسات طويلة ومتوسطة، ولكن السؤال الهام والمطروح اليوم هل نحن صرنا بحاجة إلى سياسات طويلة ومتوسطة الأجل؟

اعتقد أنه وبسبب الحجم الذي تراكم من المشاكل وعلى كل المستويات فالأمور لن تتقدم دون وضع سياسات طويلة ومتوسطة، فإذا لم يربط حل المشاكل الآنية بأهداف متوسطة وطويلة الأجل فإن المشاكل الآنية لن تحل، بل ستتعقد أكثر.

وهنا أقول إن البيان الحكومي أصبح بحاجة إلى تجديد، فالبيان الحكومي استمر لسنة وقد أدى غرضه وقد استنفد نفسه، والمطلوب الآن الإنطلاق للأمام وتطويره ووضع مهمات جديدة. أنا لا أقول إن البيان الحكومي كان خاطئاً، فالبيان الحكومي كان صحيحاً في لحظته التاريخية، ولكن فيما لو طال هذا البيان أكثر من هذه المدة فلن يعود قادراُ على تأدية مهامه. وهنا أوضح هذه القضية أمام القاعة، إن السياسات تعني استراتيجية أي أهداف متوسطة وبعيدة المدى وهذا غير موجود بالتاريخ السوري، ولم يكن هذا يحدث، ولكن حدة الأزمة وعمقها أجبر الجميع على الذهاب بهذا المنحى.

إن قناعتي في ماقمنا به حتى اللحظة في إدراة الأزمة أضعها اليوم على الطاولة للنقاش وأقول استطعنا حل بعض المشاكل وتخفيف حدة الأزمة وأدرنا الأزمة نسبياً ولكن من الآن فصاعداً ودون إيجاد حلول استراتيجية للأزمة لن نتمكن من إدارتها.

 الحرب الكونية على سورية.. اقتصادية أيضاً!

هناك فكرة يجب التأكيد عليها كي نكون منسجمين مع أنفسنا كاقتصاديين وإعلاميين، هل يعقل أن نقول إن البلاد تتعرض لحرب كونية سياسياً وعسكرياً، وهذه فكرة أنا أوافق عليها، ولا نتعرض لحرب كونية اقتصادياً؟!!

البعض يتصرف في الإعلام على أن الاقتصاد هو إحداثية منفصلة عن الواقع السياسي والعسكري، ويتصرف على أساس أن هذا المسؤول أو ذاك أو هذه الوزارة أو تلك هي (اللي بدها تطالع الزير من البير)!

وهكذا يتم ارتكاب ثلاثة أخطاء:

1-أول خطأ هو فصل العامل السياسي والأمني والعسكري عن العامل الاقتصادي رغم أنها منظومة واحدة متفاعلة مع بعضها البعض.

2-الخطأ الثاني هو قيام البعض تحميل شخص أو وزراة واحدة مسؤولية حكومة بأجمعها، وهنا أوضح أننا في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير لدينا  2% فقط من مقاعد البرلمان وهذه كانت ثقة الناخبين بنا وتمثلنا بالحكومة على هذا الأساس، لذلك نحن أقلية، بينما الحزب الحاكم اليوم هو حزب الأكثرية، بالتالي هناك قرارات تجري بالتوافق ويصوت عليها بالإجماع ونحن نوافق عليها إذا حدث توافق، ولكن هناك قرارات تؤخذ بالأكثرية. إلا أن هذا يحدث لأول مرة في تاريخ سورية خلال 40 عاماً مضت أصبحت القرارات تؤخذ بالأكثرية فهل هذا الأمر سيء أم جيد؟

اعتقد أن هذا الأمر جيد، فالأكثرية باتت تعتاد وجود الأقلية، والأقلية تتعلم من خسارتها وهذا يعلم الديمقراطية.

3- الخطأ الثالث هو الشخصنة وهي نفس الحيلة التي ينصبها الغرب لنا كل مرة، فأحد أدوات الأزمة السورية، كما الليبية والعراقية كانت «الشخصنة» لأجل «الشيطنة»، فالشخصنة تسهل الشيطنة، والشيطنة تسهل خلق عدو وهمي، والعدو الوهمي يسهل الحشد والتعبئة، وموضوعياً بالتاريخ لا يمكن أن يقال إن فرداً (بيطالع الزير من البير)، فبالتاريخ يوجد الفرد القادر على حل كبرى المشاكل بقدر مايكون هذا الفرد معبراً عن المجموع، أي أن وعي المجموع ومستواه المعرفي ودرجة نضجه وكفاحيته هي التي تحدد دور الفرد، أي أن الفرد لا يصنع التاريخ بل يكون دوره مشتقاً من دور المجموع، ومعبراً عن صانعي التاريخ، وهم الجمهور بشكل عام.

لقد استخدمت «الشخصنة» من الأعداء الأمريكيين، وهذه الأداة تعطى لبعض الجهلة عندنا لاستخدامها بأشكال أخرى لا نعرف أين ستنتهي ولا نعرف نتائجها، بناءة أم تدميرية؟!! فالتجربة ستجيب على هذا التساؤل..

إذاً الأزمة الاقتصادية جزء من إحداثيات الأزمة الوطنية الشاملة، ولهذه الأزمة أسباب داخلية وأسباب خارجية، وبالتعاون مع الشرفاء في العالم نقوم بالعمل على حل الأسباب الخارجية التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى وقف التدخل المباشر وغير المباشر في شؤوننا، وعندما ننتهي من هذه التدخلات ينبغي علينا حل مشاكلنا وحدنا، وأن نقرر مصيرنا لوحدنا، وهنا أعود للقول باستحالة أن تكون الإحداثية الاقتصادية بعيدة عن الإحداثية السياسية والأمنية والعسكرية... بالمثال الملموس:

 أزمة اقتصادية بجوهر سياسي

نجد أن الأزمة الاقتصادية التي نمر بها جوهرها سياسي، فما هي مسؤولية الحصار عن رفع أسعار المواد هل يمكن لأحد أن يجيب؟؟ الأثر ودون مبالغة كبيرة، ولتسهيل التحليل أعطيه 30% أي ثلث الأثر على رفع الأسعار، فالحصار كان ظالماً ولم يحص أحد حتى اللحظة كم قتل الحصار من السوريين، فالحصار تسبب بالقتل، برداً وجوعاً ومرضاً وقلة دواء، وسيأتي ذلك اليوم الذي نحصي فيه عدد السوريين الذين قتلو بالحصار وليس بالرصاص، وهذا برقبة الغرب الإمبريالي الأوروبي الأمريكي.

المشكلة أننا دخلنا الأزمة و70% من علاقاتنا التجارية مع الغرب الإمبريالي الأوروبي، وعندما قطعوا عنا الأوكسجين اختنقنا، وليست المشكلة فقط في تعاملاتنا التجارية بل بمجمل تعاملاتنا الأخرى، فالتعاملات المصرفية كلها كانت باليورو والدولار، وعندما أتت العقوبات أغلقت كل خطوط التعاملات المصرفية القائمة على اليورو والدولار، وحينها لم يكن هناك خطوط مصرفية لتمويلها، حتى لو وجد من يورد لنا السلع. فالعلاقات التجارية كانت 70% منها مع الغرب لكن الخطوط المصرفية كانت 100% مع الغرب الإمبريالي. والسؤال لماذا لم نكن نتوقع أن الحصار الإمبريالي سيفرض علينا ويؤدي إلى هذه النتائج؟!! مع أن تجربة العراق ماثلة أمامنا، وشاهدناه وهو محاصر، وتجربة ليبيا أيضاً، وتجربة إيران المحاصرة منذ عقود، وهم قادرون على التكيف مع الحصار، وأما نحن فلم نقم بأي إجراءات، وعشنا على مقولة «خلصت»، ولم تخلص بل طالت أكثر، وخطوط الحصار فعلت فعلها لأننا لم نقم بعمل أي خط دفاعي. وخلال الأزمة بدأنا بإنشاء أولى الخطوط الدفاعية والتي قمنا بها في 27 حزيران 2012 عند أول زيارة لوفد حكومي اقتصادي عالي المستوى إلى موسكو، وبدأنا نكسر خطوط الحصار المصرفي، برأيكم هل يمر هذا التوجه ببساطة؟؟

 ثمة في الداخل من يدافع عن خطوط الغرب

أنا لا أسألكم عن مقاومة الخارج لهذه الإجرءات، بل اسأل عن مقاومة الداخل في سورية لهذه الإجراءات، فهناك في الداخل من يدافع عن خطوط الغرب لأجل مصالحه وامتيازاته، وهؤلاء موجودون في المجتمع وجهاز الدولة، وهم أقوياء، لذلك فهذه معركة وطنية سياسية واجتماعية، وأنا أقول هنا وعلى رؤوس الأشهاد أنه حتى استطعنا فتح خطوط مصرفية مع الإيرانيين والروس واجهنا صعوبات بالغة ومعيقات كبرى وكنا وحدنا (مافي حدا لحدا) وتطلبت وقتاً طويلاً، لذلك المعركة الاقتصادية بقضية الحصار هي سياسية. 

وبخصوص ارتفاع الأسعار وعلاقتها بتقطع الطرقات، فكم هو تأثير تقطع الطرقات بسبب الأوضاع الأمنية والحواجز على الأسعار؟ هل حُسبت اقتصادياً؟ كم هو انعكاس الأوضاع الأمنية على رفع أسعار المواد الأساسية للمواطن السوري؟!

إن نقص المواد يعمل على رفع سعر المادة ويخلق السوق السوداء، ولكن حتى تنقص المادة يجب أن يكون هناك جو ومناخ كامل يخلق نقص المادة. إذاً العوامل الاقتصادية مرتبطة ارتباطاً جذرياً وعضوياً بالعوامل السياسية للأزمة السورية، والسؤال المشروع الآن الذي يجب أن يطرح هو هل هناك حل اقتصادي للمسألة الاقتصادية اليوم؟

أنا أرى أنه لا يوجد حل اقتصادي جذري دون حل سياسي، ولكن هناك حلول اقتصادية، تخفيفية ترقيعية إجرائية، مؤقتة وعابرة، وهي أمور لازمة وممكنة. لذلك ما تقوم به الحكومة بنجاح أحياناً وبنجاح متوسط أو بفشل هو تخفيف لآثار الأزمة قدر الإمكان. أنا كباحث مختص بالاقتصاد الكلي أعمل اليوم بقضايا الاقتصاد الجزئي، كقضية الطحين مثلاً، فعندما ينقص الطحين بدمشق وهي ليست منطقة إنتاج بل هي منطقة استهلاك، فعلينا أن نحضر القمح من مراكز إنتاجه كي نطحنه، ولكن مراكز الإنتاج موجودة في المناطق الشمالية الشرقية ووضع الطرق سيء جداً لأسباب أمنية، فكيف سنؤمن الطحين بحالة كهذه؟

لقد اضطررنا أن نستورد طحين لأول مرة منذ عشرين عاماً، ونحن دولة مصدرة للقمح!! اشترينا الطحين من إيران ولبنان وأكرانيا وروسيا، وقمحنا موجود في محافظة الحسكة!

جمعنا في هذا الموسم قرابة 1 مليون طن، وهناك من الموسم السابق 1 مليون و200 ألف طن في الصوامع لا نستطيع نقلها، وقد فكرنا بنقلها إلى العراق ثم نقلها من العراق إلى سورية عبر معبر «التنف»، وعندما صار نقلها ممكناً أغلق معبر اليعربية!!

 نسب المسؤولية

إذاً العامل الاقتصادي له علاقة جذرية بالعوامل الأخرى، أنا أرى أن المشكلة الاقتصادية لها ثلاثة أسباب نسبة أثر كل واحد منها الثلث في الأزمة، للحصار ثلث، والوضع الأمني ثلث، والإدارة الحكومية لها الثلث الثالث، وهكذا نكون موضوعيين وشرفاء بطرح المشكلة، أما من يريد تحميل شخص ما أو حتى الحكومة كاملة كل أسباب المشكلة، فهو بذلك يبريء الغرب الاستعماري والجماعات الإرهابية من مسؤوليتها عن الوضع بالبلاد، ويبرئ قوى الفساد والتي هي جزء من العامل الثالث أي عامل الإدارة الحكومية.

أريد أن أذكر أمثلة عيانية حتى ترون أن التعميمات النظرية التي ذكرتها هي أمر واقع، ولم تأت من فراغ، لقد تحدثت أن الإجراءات الآنية التي تحدث عنها البيان الحكومي حلت الأمور المستعجلة، لكن من الآن فصاعداً سيكون حل الأمور أصعب وأبطأ ويجب أن تربط السياسات والإجرءات الآنية بسياسات متوسطة وبعيدة المدى ودون ذلك لا يمكن أن تستمر الإجراءات الآنية مثال:

تناقشنا كثيراً في الدوائر الحكومية حول قانون العقوبات التموينية أي قانون «التموين والتسعير»، هل تعلمون أنني كوزير تجارة داخلية لا يحق لي أن أعاقب أحداً وفقاً لقانون التموين القائم،  فالقضاء يبرئ أي تاجر متهم طالما لا يوجد تسعير للمواد ولا يوجد إلزام بالتسعير، فقد ألغينا سابقاً كل التشريعات المتعلقة التي كانت تضبط التسعير، وأصبح من الناحية التشريعية والقضائية ممنوعاً أن تحاسب أي تاجر على مخالفته، ولا تستطيع محاسبته قضائياً لأن السعر يُحدد على أساس فاتورة التاجر التي يضاف إليها الربح، وأنتم تعرفون كيف يتم وضع هذه الفواتير، وحتى لو خالف التاجر التسعيرة الفعلية فالتاجر لن يخاف فهو يدفع غرامة فقط .

 «حماية المستهلك»: معوقات التشريع في التطبيق

إن مايسمى قانون «حماية المستهلك» الحالي يعني فعلياً قانون منع الدولة من مراقبة السعر! فهو يعني حماية نوعية المنتج وتحديد المواصفات فقط، أي حماية المستهلك بالمواصفة وليس حماية المستهلك بالسعر! وهذا ما قصده المشرِّع عندما أصدر ذاك القانون، فكان يقصد عملياً كف يد الدولة عن مراقبة السعر ومراقبة الجودة فقط!

وعندما نحاول اليوم تغيير هذا القانون نجد أنفسنا في متاهة مفادها: لا يمكن أن أقوم بعقوبة دون وجود تسعير، فنحن نسعر فقط المواد التموينية المقننة، وهما مادتا السكر والرز فقط، وبالتالي لا أستطيع محاسبة أحد، وهذا يحتاج إلى حل، لذلك عندما قمنا بالتفكير لإعادة قانون التموين والتسعير ورفع مستوى العقوبات نتيجة الوضع الإستثنائي على الأرض، سألنا البعض محقاً كيف ستقومون بإصدار قانون فيه تشديد العقوبات على المخالفات التموينية وأنتم لا تقومون بالتسعير، وعندما نطالب بالتسعير نختلف مع أطراف حكومية مصابة بلوثة الليبرالية التي لازالت موجودة، ويتناسون أننا في حالة حرب!.

لذلك اضطر مجلس الوزراء مجتمعاً أن يقر قانون «التموين والتسعير» مؤخراً دون أن يكون لديه قانون للتسعير، والبعض انتقدنا محقاً حول كيفية إصدار قانون للتموين قبل إصدار قانون للتسعير، لكن على أي حال ارتأينا العمل على إصدار قانون للتموين، مما سيلزمنا بإصدار قانون لللتسعير بعدها، ولو بدأنا بقانون التسعير لأخذت القضية سنة حتى يصدر قانون التموين الذي يشمل العقوبات التموينية، لذلك عملنا بشكل معاكس ومخالف للمنطق الشكلي. وحالياً كلف المجلس وزيري التجارة الداخلية والاقتصاد خلال أسبوعين بوضع قوائم التسعير الإداري لحل قضية التسعير الإداري أي سيتم وضع تسعير من الدولة، وكلفنا المحافظين بوضع قوائم للبضائع التي ينبغي تحديد أسعارها، وأعتقد أنه خلال شهر من اليوم ستعاد 80% من البضائع المحررة إلى دائرة التسعير، ولكن هل هذا يحل المشكلة؟

أقول لكم إن هذا القانون لا يحل المشكلة جذرياً ولكنه بمثابة عصى غليظة تلوح الدولة بها تجاه الفاسدين والناهبين ولكنه لا يضبط السعر، لأن السعر بنهاية المطاف يحركه ويؤثر عليه كم البضائع، ولكننا نحتاج أداة بيد الدولة كي تلعب الدولة دوراً حقيقياً بالتحكم في حركة البضائع والأسعار وحتى يحدث هذا، في ظل نقص هائل في السلع والبضائع، يجب إعادة النظر بدور الدولة.

 الثمانينييات و«منظومة الخبز»

كان دور الدولة عالياً وقوياً في سبعينييات وثمانينييات القرن الماضي، وكل الإنجازات التي أنقذت سورية حالياً ناتجة عن تلك الحقبة، فلولا «منظومة الخبز» التي بدأت بالقمح ومن ثم الصوامع والمطاحن والمخابز الآلية والاحتياطية لما وجدنا الخبز اليوم، والدليل على ذلك أنه في أول أيامي كوزير حدثت أزمة للخبز في دمشق، فالطحين توقف كون مطاحن حلب توقفت عن إرسال الطحين نتيجة ظروف ريف حلب الأمنية، حيث يوجد في ريف حلب 40% من الإنتاج السوري للطحين- وهذا أمر مستغرب في عملية التخطيط السابقة- ومطاحن ريف دمشق أيضاً كانت متوقفة، حينها أمّنا الطحين (من فوق الأساطيح)، ولكن من الذي عمل على إنتاج الخبز خلال ثلاثة أيام عندما كان الوضع متأزماً؟ 

فكل مخابز دمشق الخاصة البالغ عددها 95 توقفت عن الإنتاج رغم ما لديها من الطحين والمازوت، والذي حمل كامل الحمل واستمر بالعمل هي مخابز الدولة. نعم لقد أحدثت الأزمة ازدحاماً بقضية توزيع الخبز لكن التوزيع لم يتوقف بسبب دور مخابز الدولة التي تحملت الضغط بعد إغلاق مخابز القطاع الخاص التي تنتشر جغرافياً بشكل أكبر، ولو لم يكن لدينا هذه المنظومة ماذا كان حل بالخبز؟

السبعينييات والثمانينييات أنتجت بنية تساهم في إنقاذ الوضع اليوم، لذلك تلك الفترة ليست سيئة كما يحاول أن يصورها البعض، وهي ليست حقبة خالية من الأخطاء طبعاً، ولكنها أنجزت شيئاً كبيراً. أنا لا أدعو للعودة إلى حقبة الثمانينييات كما كانت بنسخها كما هي، لكنني أدعو للاستفادة من هذه التجربة وتعميقها والإبداع في الوضع الحالي للاستفادة من إيجابياتها. تلك الفترة التي أنتجت سلاسل من مؤسسات الدولة المتكاملة هي قضية هامة وأنا تحدثت عن مثال واحد هو الخبز لكن هناك أمثلة أخرى طبعاً.

مع الأسف فإن مؤسسة الخزن والتسويق لم يكتب لها النجاح لأنها أنشئت في حينه على أساس أنها مؤسسة «تجارة جملة» للخضار والفواكه، ولكنها تحولت إلى «تجارة المفرق» والدولة من الصعب أن تعمل كتاجر جملة فكيف ستعمل تاجر مفرق؟ مما أدى عملياً إلى التخلي عن أهداف إنشاء هذه المؤسسة.

اليوم مثلاً يطلب البعض أن نشتري تفاح المنطقة الساحلية عبر مؤسسة الخزن والتسويق وهذا صعب اليوم، فنحن نحتاج سيارات وصناديق للتعبئة ومبالغ مالية لتمويل العملية، فكيف نستطيع القيام بذلك إذا كانت هذه المؤسسة مقلصة خلال العقد الماضي بحجة أن الدولة يجب أن لا يكون لها دوراً أبوياً! وأن الدولة يجب أن تشرف وتدير عن بعد! فمؤسسات وزارة التجارة التي قلصت وهمشت خلال العقد الماضي كيف ستأخذ دورها التي كانت تمارسه قبل عشرين عاماً، خلال سنة!!

هذه المؤسسات تحتاج على الأقل لاستثمارات جديدة، وموزانة الدولة الحالية قامت باختصار المصاريف الاستثمارية إلى 25% مما كانت عليه سابقاً. أنا أتحدث بهذه المعطيات ليس للتبرير ولكن لوضع معطيات موضوعية يتم الانتقاد على أساسها، وأنا لا أقول أن الدولة خارج الانتقاد، لكن الانتقاد السابق كان موجهاً للقضايا التي لا نستحق الانتقاد عليها بينما القضايا التي نستحق النقد عليها لا أحد يتحدث بها. ولا أعرف ما السبب، فإما أن هناك ضعفاً في المستوى المعرفي أو أن هناك فعلاً فاعلاً مقصوداً، أو الاثنين معاً، وذلك لتوجيه الأنظار عن السبب الحقيقي، والعدو الحقيقي موجود في الداخل والخارج، وبذلك لا يحدث حل سريع.

 «زمن الحرب» و«ترف» ضخ الدولار للصرافين

مثال آخر قضية سعر الصرف، وأنا لدي رأيي الشخصي المسجل في محاضر جلسات الحكومة. نحن في حالة  حرب، وهذه الحالة لا تسمح لنا بترف عملية تأمين سعرف الصرف عبر ضخ الدولار للصرافين وفي نفس الوقت القيام بالحفاظ على الاحتياطي! فهذه العملية لا يمكن أن تنجح بهذه الظروف.

 وقلت إننا سنصل في نهاية المطاف إلى تناقض، فإما سعر الصرف، أو الحفاظ على الاحتياطي، فعندما يقل الاحتياطي ونصبح غير قادرين على ضخ الدولار في السوق للصيارفة سيرتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة وحين اقتربنا من هذه الحالة أوضحتُ:

إن المواطن السوري الذي كان راتبه الشهري وسطياً 15 ألف ليرة سورية وحالياً 20 ألف ليرة لم ير الدولار بحياته أبداً، لأنه لا يضطر للتعامل بالدولار ولا يهمه الدولار كعملة، لكن يهمه ما يشتريه دخله بالعملة السورية من مواد تموينية تقدمها الدولة مدعومة. قام بعض الإعلاميين حينها بالهجوم علي وتحدثوا أن قدري جميل لا يكترث بسعر الصرف..

نعم أؤكد أنا لا أكترث بسعر الصرف طالما أن المواد التموينية مؤمنة وطالما أن تدخّل الدولة عبر منافذها كاملاً عندها يصبح سعر الصرف غير ذي أهمية، أما إذا كانت الدولة لا تؤمن المواد التموينية ومنافذها عاجزة وغير كافية يصبح عندها لسعر الصرف دوراً لأنه سيضغط على المواد الأساسية في السوق.

فعندما يكون سعر كيلو الرز 15 ليرة وسعر كيلو السكر 15 ليرة وسعر ليتر المازوت 25 ليرة يمكن أن تؤمن الحد الأدنى من حاجات المواطن بهذا الدخل، ولكن حتى نستطيع أن نستورد السكر والرز وغيره بهذا السعر المدعوم يجب أن نحافظ على الاحتياطي. هذه كانت وجهة نظري، وهناك بالمقابل من يرى أن من الضروري ضخ الدولار في السوق عبر الصيارفة لضبط سعر الصرف. وهذا الرأي فيه وجهة نظر ما من موقع براغماتي، فهؤلاء يرون أننا لسنا جاهزين لتغطية حاجات السوق من المواد التموينية نتيجة ضعفنا وتراجع دورنا. لكن هذه المعالجة تصلح بشكل مؤقت ولكن يجب أن لا يصبح هذا الحل دائماً وشاملاً ومستمراً على المدى الطويل، وهذه أمثلة عن العلاقة بين الإجراءات الآنية والسياسات طويلة المدة. فحتى أعالج مشكلة سعر الصرف ينبغي أن أؤمن المواد التموينية كاملة للمواطن.

 الحل السياسي والموجبات الاقتصادية

ما تحدثت به يتطلب أموراً عدة، ونحن نقترب من حل سياسي للأزمة السورية وأنا مقتنع أن الحل السياسي بات قريباً، وأراه. ونحن في الجبهة الشعبية، وحزب الإرادة الشعبية دخلنا الحكومة على أساس الحل السياسي ومن دونه لا مبرر لدخولنا، فإذا تجردنا عن الحل السياسي في البيان الحكومي سنجد اختلافاً بيننا وبين الأكثرية، ستجدونا نختلف بنسبة 90% في القضايا الأخرى، ولكننا ملتزمون بالتضامن الحكومي في حدود القضايا المتفق عليها.

لذلك نريد أولاً إرادة سياسية لتحديد اتجاه الذهاب اقتصادياً، فقد آن الأوان لصياغة الفكرة التي أطلقها السيد رئيس الجمهورية حول إيجاد النموذج الاقتصادي الجديد لسورية وهي لم تصغ حتى اللحظة، والدستور وضع ملامحها وإطارها العام وهذا مطلوب من أصحاب الخبرة والاختصاص والدوائر صاحبة الشأن في هذا الموضوع، وأرجو أن لا يفهم أن صناعة نموذج اقتصادي جديد هي عودة للوراء، فهو سير للأمام مستفيدين من تجربة الماضي، فعلينا بناء تجربتنا الجديدة، فكل التجارب الناجحة هي تجارب غير مستنسخة، وسورية تستحق أن يكون لها تجربتها الجديدة، فتجربتها التاريخية، ومستوى فهم إنسانها السوري وعمقه وذكاؤه وخبرته الممتدة منذ آلاف السنين والتي ترتسم على وجه كل سوري وفي تلافيف دماغه، تستحق أن يكون لديها نموذجها والذي أعتقد أنه سيكون قاطرة لكل البلدان العربية ونموذجاً لها، ودون هذا النموذج سنظل مختلفين حول كل شيء.

فالبعض مثلاً يتحدث عن شراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، وأنا أسأل عن ماهية هذه الشراكة، هل تعني استباحة القطاع العام من قبل القطاع الخاص؟! وماهو توزيع العمل بينهما؟ فهذا يتطلب صياغة نموذج شامل، وحتى الأمور التي لها علاقة بالقضايا الآنية كالخبز والمازوت لن تحل في المستقبل المنظور إلا من خلال صياغة نموذج كهذا، أي صياغة سياسات اقتصادية طويلة الأجل وواضحة المعالم.

نحن اليوم في وضع حرب كونية عظمى وعالم جديد آخذ بالتشكل، والصدفة جعلت من سورية في عين العاصفة وهذا شرف لنا، ولا أحد ينكر أن عالماً جديداً يتشكل وأن القطب الواحد قد انهار، وهناك قوى صاعدة جديدة تضرب أقدامها على الأرض وبقوة وتطالب بمكان تحت الشمس. هذا هو العالم الجديد وحتى يكتمل هذا العالم ويظهر يجب أن يحدث أمران، الأول هو خروج الولايات المتحدة من حالة الإنكار، والثاني هو اكتمال نمو القوى الجديدة الصاعدة. وحالة الإنكار عبر التاريخ دخلت فيها فرنسا وانكلترا بعد الحرب العالمية الثانية وتطلبت 11 سنة حتى تم وعي ذلك من فرنسا وانكلترا، اللتين دخلتا إلى الحرب العالمية كقوى أولى وتراجعتا عن هذا الموقع في نهاية الحرب، ولكنهما لم يصدقا ذلك حتى حرب السويس في عام 1956.

حالياً يحدث الأمر نفسه مع الولايات المتحدة فقد وجهت لهم الصفعة الأولى بالفيتو الروسي- الصيني المتكرر، ولكنهم لم يصدقوا أنهم ما عادوا القطب الأوحد فهذه حالة الإنكار التي يمرون بها، ولكن يجب إقرار الحقيقة في أنهم يتعافون بسرعة من هذه الحالة فهم براغماتيون ويتفهمون الواقع الجديد ويتكيفون معه وهم موجودون كإحدى القوى في العالم الجديد، وبمقدار ما تنتهي حالة الإنكار الأمريكية- وأعتقد أنها في طور الإنتهاء- من جهة، وعلى قدر ما ينمو دور الصينيين والروس في الجهة المقابلة سيكتمل بناء العالم الجديد، ونقترب من حل الأزمة السورية.

لذلك مع اقتراب الحل أقول استنتاجاً جديداً: دون وجود برنامج اقتصادي واضح المعالم لا يمكن الخروج من الأزمة السورية وسينتصر بالأزمة من لديه برنامج لليوم الأول بعد الأزمة، وهنا أقول إن سورية قادرة بقواها الشريفة الموجودة في النظام والموجودة في المعارضة، والتي هي قوى حية وشريفة قوية، قادرة على أن تصنع الجديد الذي نسعى إليه، ونحن الآن في مرحلة حرجة جداً والإجراءات يجب أن تكون استثنائية، لذلك أقول اقتصاد حرب، وحكومة حرب، وإجراءات حرب هي المطلوبة اليوم.

إن اقتصاد الحرب يعني ببساطة أن يضرب الفساد بيد من حديد، فالفاسد أخطر من الإرهابي فهو يسرق لقمة الشعب ويجوعه ويخلق الأرضية لانتصار الإرهابي، واقتصاد حرب يعني تقليل الفساد إلى أقل حد ممكن. واقتصاد الحرب يعني دور قوي للدولة لتؤمن المواد الأساسية لمواطنيها في ظل النقص العام للمواد وتؤمن شعار العدالة في الحرمان. فالناس قد لا تقف ضد الحرمان لكنها تعارض أن ترى البعض يسرق الملايين والمليارات وهي محرومة من أبسط احتياجاتها، فالعدالة في الحرمان تجعل الناس تتفهم الواقع وتدفعها للتضحية. واقتصاد الحرب يعني تعبئة الموارد والطاقات باتجاه المهمة الكبرى التي هي انتصار الجيش العربي السوري والذي ينبغي أن يكون الحامل الشرعي الوحيد للسلاح، وتأمين الضروري لمعيشة الشعب حتى نخرج من الأزمة، فالحرب لها انعكاساتها على نمط الاستهلاك، ونتذكر هنا كيف عاش الفيتناميين في أثناء الحرب.

 اقتصاد حرب.. إجراءات حرب

هنا قد يسألني البعض، كيف تتحدث عن حل سياسي وتتحدث في الوقت نفسه عن حرب؟

أنا أرى أن الاثنين معاً سيسيران بالتوازي ولفترة طويلة نسبياً، فحتى ننتصر بالحل السياسي يجب أن يكون لدينا اقتصاد حرب وإجراءات حرب في الاقتصاد، أما محاولة الجمع بين المفيد، وهو حاجات المواطن، والممتع الذي يسمح للفاسدين بالتمتع بالمليارات والذي يراه البعض تقدماً، في آن معاً، وفي حالة الحرب، فهذا أمر مستحيل. إن ضرب الفساد هو التقدم، فالفساد اليوم في جهاز الدولة تجاوز كل الحدود التاريخية التي تعرفونها، وهناك حالة فلتان.

اليوم إذا لم يندمج الشعب بكل قوته وتنظيمه بعملية قطع دابر الفساد من المستحيل الانتصار على هذه الظاهرة، وهذا ما تعنيه الديمقراطية أو المشاركة الشعبية.. فأحد أسباب استشراء الفساد اليوم هو مستوى الحريات السياسية المنخفض تاريخياً الذي يجب رفعه بشكل عاجل لكي تفتح المساحة للناس كي تعبر، وهنا دور الإعلام بالذهاب إلى معركة الفساد الحقيقي.

 أين الإعلام من لعب الفاسدين على الشطرنج السوري؟

هنا أريد أن أتحاور مع الإعلام بنقطة ألفت انتباهه إليها.. خلال مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي وفي المراحل الأخيرة لعب الإعلام العالمي المتصهين لعبة من الممكن تسميتها تيمناً بلعبة الشطرنج: «تبييت» فعلى سبيل المثال «بوريس يلتسين» الفاسد والعميل والصهيوني تم تظهيره كبطل ديمقراطي ومدافع عن حقوق الإنسان ومناضل ضد الفساد، وهذا إعلامياً.. أما القوى الوطنية فقد ظهرت كرجعية ومحافظة، ليتم تغيير المواصفات، أو تغيير «الطرابيش» أمام المجتمع. تم خلق عدو وهمي في الأيام الأخيرة للاتحاد السوفييتي وهو ليس العدو الحقيقي، حيث شوهت صورة الوطنيبن وسجنوا، والمفارقة أنهم بعد خروجهم خرجوا كأبطال! وصنع بطل وهمي وهو يلتسين الذي ظهر لاحقاً أنه حرامي وعميل ومرتشي.

أي أنه جرت عملية تلاعب في الوعي الاجتماعي عن طريق الإعلام ، بتصوير الأعداء شرفاء وتصوير الشرفاء أعداء وهذا ببساطة ما نسميه «التبييت».

اليوم في سورية هناك شيء جديد وهام يدق الباب، قوى محاربة الفساد تنمو وتقوى، بينما قوى الفساد ترتعد وتصطك ركابها وهي تحاول اليوم أن تمارس لعبة «التبييت» ذاتها التي مورست في نهايات الاتحاد السوفييتي وفي كل أوروبا الشرقية. اللعبة التي تحول الأبيض أسود، والأسود أبيضَ. وأحد أدواتها الرئيسية في هذه اللعبة هو الإعلام الذي تسيطر عليه عبر تمويلها..

لذلك فإن حرية الإعلام في سورية، هي بشكل أساسي حرية تمويل الإعلام.. أعتقد ان الصحفيين الشرفاء لكي يستطيعوا الانتصار في المعركة يجب أن يتمتعوا بمستوى معرفي ومسؤولية عالية لنقدر على كشف كل هذه الألعاب، ويجب أن يكونوا مستقيمين جداً وصلبين جداً كي لا يرتخوا أمام المغريات المقدمة. وبالنهاية في كل هذه البلدان، فإن من مارس هذه اللعبة بكل أدواتها قد وضع في «مزبلة التاريخ»، أما القوى الشريفة فقد انتصرت بالنهاية.

سورية من تلكم البلدان التي يخط التاريخ فيها خط سير غير تقليدي، وهي قادرة بتجربتها وإنسانها على أن تخط طريقاً جديداً غير الطريق الذي شهدته كل البلدان العربية وتغير مجرى السير بأكمله.

 الحرب «البسيكوترونية»

لعبة «التبييت» جوهرها التضليل، وتبادل الأدوار بشكل مفتعل وغير حقيقي.. وهنا أود أن ألفت انتباه المجلس الوطني للإعلام رئيساً وأعضاءً، وبصراحة إلى مستوى تخلفنا بموضوع الحرب التي تسمى «البسيكوترونية» أي السيكولوجية والالكترونية وهي حرب سرية، المخابرات المركزية الأميركية ضالعة فيها، والسوفييت يعود لهم اكتشافها وفهمها ووضع الكتب المنهجية التي تواجه هذا النوع من الحرب ولكن بعد عام 1991 والهدف من الحرب «البسيكوترونية» هو اللعب على الوعي الاجتماعي، بأدوات صغيرة وفعالة جداً أحدها «التبييت». لمواجهة تأثير هذه الحرب التي تشوه الوعي الاجتماعي والتي تجعل السيطرة عليه ممكنة من القوى الخارجية، أقترح إقامة دورات للإعلاميين في تفاصيل هذه الحرب، وأن يتم استقدام  أهم الاختصاصيين، والوحيدون في العالم بهذا المجال هم الروس، لأن لديهم تجربة بعد أن مارست هذه الحرب تأثيراً سلبياً كبيراً عليهم، وهو ما يفسر عدم تأثير هذه الحرب اليوم، والدليل تأريض ما كان مخططاً لهم من ثورات برتقالية وما يشبه الربيع العربي. وإن قدرتهم على تأريضها تعود إلى امتلاكهم اليوم لأدوات هذه الحرب واستخدامها اليوم بالطريقة التي تفيد دولتهم.

فيما يخص ما تعرضت له شخصياً بهذا السياق وكيف تجري عملية «التبييت» وقلب المفاهيم، سأستخدم مثال ذكرته، وهو قضية سعر الصرف ومتوسط راتب 15 ألف ليرة.

بإحدى الندوات وورش العمل العلمية حول سعر الصرف ذكرت بأن المواطن السوري لا يهمه سعر الصرف بقدر ما يهمه كم يستطيع أن يشتري بمتوسط دخله مواداً مدعومة فعلاً، لأن تأمين هذه المواد يلغي جزءً هاماً من تأثير سعر الصرف حتى لو أصبح بـ200 ليرة سورية.

تأمين المواد الأساسية يلغي أهمية ارتفاع سعر الصرف بالنسبة للمواطن، لأنه لا يتاجر بالدولار، باستثناء ما يجري اليوم من عمليات متاجرة يستخدم فيها المواطنون وسيكونون الخاسرون فيها.

 اجتزاء وتضليل إعلامي

أما ما تداوله الإعلام فقال إن النائب الاقتصادي غير مهتم بسعر الصرف ويفترض «محاكمته».

قلت سابقاً وفي معرض الرد على من يرفعون سعر صرف الدولار اليوم، أن سعر الصرف الحقيقي اليوم 120 ل.س وكل ما فوق ذلك هو مضاربة للسوق السوداء، وتداولت بعض وسائل الإعلام ذلك بشكل مجتزأ بأن النائب الاقتصادي وعد بتخفيض الدولار إلى 120 ليرة ولم يقم بذلك، ونحن كنا نشرح المعادلة الأساسية لسعر الصرف بالاعتماد على أرقام هيئة تخطيط الدولة، واعتمدت رقمين هما تراجع الإنتاج السلعي في عامي 2011-2012، وازدياد الكتلة النقدية في عام 2011-2012 كذلك، حينها ظهر انخفاض الإنتاج السلعي بمقدار 50% حتى تاريخه، وازداد العرض النقدي بمقدار 70%، وهذا يفهم منه 120 نقطة فرق، وسعر الصرف في بداية الأزمة كان حوالي 50 ليرة، وهو ما ينتج ارتفاعاً في سعر الصرف لحدود 120 ليرة سورية، وهذه الأرقام حتى نهاية عام 2012 وربما قد تغيرت جدياً حتى حزيران 2013، فالكتلة السلعية تناقصت بشكل أكبر والكتلة النقدية ازدادت بشكل أكبر، ولا توجد أرقام جديدة حتى اليوم.

وفي ذلك الحين كانت المعادلة الأساسية تقول إن سعر الصرف هو 120 ليرة، وإن وصوله إلى 200-300 ليرة سورية يدل على وجود سوق سوداء واحتكار.

يضاف إلى ذلك أنه في وقت الذي شهد فيه «التومان» الإيراني تراجعاً كبيراً، قلت يجب تحضير الليرة السورية لأن الهجوم القادم سيكون على الليرة السورية. وحول انهيار التومان الإيراني 100% ينبغي التذكير أن العملية تمت بتأثير مباشر لضخ كميات كبيرة من التومان في أسواق الخليج. وفي ذلك الاجتماع سألت وزير المالية السابق عن حجم الليرة السورية الموجودة في بنوك الخارج، لدى السعودية تحديداً، والخليج عموماً، وكانت المعلومة 80 مليار ل.س. وفق حساباتي أقدر أن كل 5 مليار ل.س تضخ في السوق ترفع سعر الصرف بمقدار 10 ليرة سورية وذلك في الأوضاع العادية، ولكن في أوضاع الأزمة يزداد التأثير بالتأكيد.

 «الليرة» الحلقة الأضعف.. والمطلوب غرفة عمليات اقتصادية واسعة

اليوم توجد في الأسواق المجاورة كتلة هائلة من النقد السوري وتلعب عملية ضخها دوراً كبيراً في رفع سعر الصرف.

ظهر خلال الأزمة أن أضعف حلقة في الدفاعات الاقتصادية السورية هي الليرة السورية، حيث أن تحصيناتها صفراً، ونبني الآن تحصيناتها في ظل الحرب، وليس لدينا حل آخر.

أنا أعتقد جازماً أننا نستطيع تخفيض سعر الصرف أكثر، ودور المصرف المركزي بعملية الضخ قد يلعب دوراً، ولكن الدور الأساسي هو الإجراءات الحكومية التي سارت باتجاه التدخل واسع النطاق، إلى جانب الخطوط الائتمانية من الدول الصديقة، وهو ما أثار مخاوف التجار الكبار الذين يلعبون دور مضاربة هاماً بالسوق، ويمكن أن نضيف تراجع كميات الليرة السورية التي تضخ في الأسواق المجاورة، وبدأت تنفد، ولكن هذا لا يعني أن دورها قد انتهى.

وبالتالي المطلوب هنا غرفة عمليات اقتصادية واسعة تدير عملية المواجهات للدفاع عن الليرة السورية، فمشكلة الليرة السورية الآن ليس ارتفاعها أو انخفاضها- وهو مشكلة بالتأكيد- وإنما المشكلة هي التذبذب بسعر الصرف صعوداً وهبوطاً، فهو ما يعطي التاجر الذريعة لكي لا يخفض الأسعار وفق سعر الصرف، ومع استقرار سعر الصرف تنخفض الأسعار، لذلك الهدف اليوم هو استقرار سعر الصرف على أخفض سعر ممكن، وتخفيضه بالتدريج البطيئ للوصول إلى السعر المنطقي، والمعلومات تقول إن العدو المهاجم لليرة كان قراراه إيصال سعر الصرف مع أواخر شهر رمضان إلى 500 ل.س مقابل الدولار، وإلى 2000 ل.س في نهاية العام.

اقتصادياً يقف إلى جانبنا نصف القوى العالمية تقريباً، ليس فقط سياسياً وعسكرياً، والمطلوب منا نحن أن نفعل هذا الربط معها. غير أن قوى الفساد الممانعة داخل جهاز الدولة قوية جداً وهي تعيق عملية وصل هذه الخطوط لإنقاذ الاقتصاد السوري وهذه القوى تبتكر العديد من الطرق وهي كفوءة جداً.

 لو كنا الأكثرية الحكومية لتغير الكثير

النقطة الثالثة في عملية التشويه الإعلامي: يتم طرح فكرة متداولة كثيراً إعلامياً، حول الوعود التي سبقت دخولنا الحكومة، وبالرد على هذا أقول إن الإعلام يخلط بقصد أو دون قصد بين برنامج حزب الإرادة الشعبية وبرنامج الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير الذي تم التصويت عليه ليأخذ نسبة 2% فقط من التمثيل في البرلمان السوري، وبين البيان الحكومي. برنامجنا الذي نسأل على أساسه لم يقره الشعب السوري، من الممكن أن نسأل على البيان الحكومي وهو يختلف عن برنامج الجبهة، والبيان هو حد أدنى من التوافق بيننا وبين الحكومة، بيننا وبين الأكثرية، ولو كنا الأكثرية في الحكومة لكانت تغيرت الكثير من المعطيات، وهذا البيان الائتلافي عنوانه حل سياسي ومصالحة وطنية، أما الباقي وهو الاقتصادي الاجتماعي فقد تم التوافق عليه بالحد الأدنى.

ولذلك فإننا لم ندخل لتنفيذ برنامجنا، ولم نأخذ التفويض الكافي لهذا التنفيذ أصلاً، نحن دخلنا ضمن حكومة ائتلافية بحدها الأدنى حتى نكسر الجليد ونشجع المعارضة الأخرى على الإقدام، وقبلنا المخاطرة ونحن نعرف مسبقاً بأننا سنتلقى هجوماً من الطرفين، فهنالك من المعارضة من قال: «الحمد لله خلصنا منهم ما عادوا معارضة»، وهنالك في النظام من قال: «كيف تكونون معارضة وأنتم في الحكومة؟»، ونحن بالمقابل نفهم أن الحكومة ليست النظام، وقد دخلنا الحكومة ولم ندخل النظام، وهنالك فرق حقيقي بين المسألتين، ودخلنا الحكومة برأس مرفوع لأننا نقوم بتنفيذ مهمة وطنية فيها مغامرة ومخاطرة وقبلنا التحدي، قبلنا أن نكون تقاطع نيران بين طرفين فاسدين موجودين في المعارضة وموجودين في النظام، وسوف نجتثهم في نهاية المطاف بالتعاون مع كل الشرفاء الموجودين في النظام وفي المعارضة.

 أنا من اخترعت مصطلح «فريق اقتصادي»

رابعاً: لا يوجد اليوم فريق اقتصادي، وبصراحة أقول لكم أنا من اخترعت مصطلح «فريق اقتصادي» في جريدة «قاسيون» ضد حكومة عطري- الدردري، لا يوجد فريق اقتصادي اليوم، الفريق الاقتصادي كان مجموعة متفقة في السراء والضراء، وكان فيه وزراء من لجنة الخدمات أيضاً، كانوا «شلة» ليس ما يجمعهم اللجان الإدارية الحكومية الرسمية، ولكنهم كانوا «شلة» متآمرة على اقتصاد البلد، أقولها بالفم الملآن، وقالها بعدي كثيرون، اليوم لسنا فريقاً، فكل وزير من الوزراء في المواقع الاقتصادية له رأيه الخاص، وأتمنى لو كان من الممكن أن أشكل فريقاً اقتصادياً يفكر مثل ما أفكر به، لكان من الممكن تغيير الشيء الكثير، ولكن تناسب القوى الحالي لا يسمح بذلك وربما ليس مطلوباً فعل ذلك الآن.. أكرر لا يوجد فريق اقتصادي، والقضية ترتبط أساساً بعدم وجود برنامج.

أخيراً أقول: في القرارات الحكومية التي جرى حولها لغط، ولأول مرة في تاريخ الحكومات السورية، فإن الحكومة الحالية لم تأخذها جميعاً بالإجماع، وإنما جرى التصويت عليها وأقرت بالأغلبية بين رافض وموافق، وهذا ما يسجل لصالحنا كمعارضة لأننا أدخلنا عادة التصويت والاختلاف بين أكثرية وأقلية، والتي لم تكن موجودة سابقاً، ونحن بعد التصويت نلتزم بتنفيذ ما يترتب علينا بالمعنى الإداري ولا نصرح بمواقفنا المخالفة لما يقره التصويت، لكن أحزابنا مستقلة عن ممثليها بالحكومة وهي تعبر عن مواقفها بصراحة كاملة ولا تلزمها مواقف الحكومة، وهذه تجربة جديدة نبنيها على أساس الاستفادة من الأخطاء التي وقعت بها الجبهة الوطنية التقدمية بعدم فصل أحزابها عن جهاز الدولة.. أي أن الأحزاب ليست خاضعة للانضباط الحكومي الملزم به ممثلوها في الحكومة وهذا أفضل وأكثر تطوراً وهي تقاليد جديدة يتم إرساؤها في البلاد.

إن الإعلام السوري بارتقاءه إلى مستوى جديد قادر على أن يلعب الدور المطلوب منه في الخروج من الأزمة بمختلف إحداثياتها، لكن بقاءه أسيراً لمعالجة المشكلات على أساس عقلية المرحلة الماضية لن يسمح له بأداء الدور المطلوب.

وشكراً لإصغائكم وعفواً على الإطالة..

 

 

آخر تعديل على الإثنين, 12 آب/أغسطس 2013 14:02