الأسعار العالمية تفيد بإلغاء الدعم.. وتصريحات الحكومة تتضارب!

الأسعار العالمية تفيد بإلغاء الدعم.. وتصريحات الحكومة تتضارب!

في 4 تشرين الأول 2014 قال السيد سلمان عباس وزير النفط إن المازوت لازال مدعوماً بنسبة 50%، وذلك عندما تم تسعيره بـ 80 ل.س. أي أن سعر التكلفة على الحكومة هو حوالي 160 ليرة في ذلك التاريخ وفق حديث الوزير حينه على شاشة الفضائية السورية. 

بعد أكثر من ثلاثة أشهر ونصف ورغم انخفاض سعر النفط عالمياً بمعدل 20%1 -بعد أخذ تغيرات سعر صرف الليرة بعين الاعتبار طبعاً- خرج علينا الدكتور حيان سليمان نائب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية ليقول أن تكلفة سعر المازوت في سورية ظلت على حالها عند 160 ل.س! وذلك في مقابلة على تلفزيون الإخبارية جمعته مع السيد باسل الطحان مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية بتاريخ 18/1/2015. الأمر الصادم أن السيد باسل الطحان قال أن سعر كلفة المازوت هو 140 ل.س وذلك في نفس المقابلة التي أجرتها (الإخبارية السورية) لمناقشة قرارات الحكومة الأخيرة القاضية برفع أسعار المازوت والفيول والخبز والغاز.

إن المفارقة الأهم في كل الموضوع أن هذه الإجراءات تأتي ضمن سياسة (عقلنة الدعم)، أي تخفيضه، لكن موازنة الحكومة لعام 2015 تحدثت عن أكبر إنفاق على الدعم الاجتماعي البالغ 938 مليار ليرة سورية، وبلغت نسبة دعم المحروقات 36% منه، ونسبة دعم القطاع الكهربائي 44%. وإذا علمنا أن ثلاثة أرباع دعم القطاع الكهربائي هو ناتج عن دعم وقود الطاقة للمحطات، فإن نسبة المواد المشمولة بالدعم في كلا قطاعي الكهرباء والمحروقات تبلغ حوالي 70% من مبلغ الدعم الواراد في الموازنة.
بناء على ذلك فإن كتلة الدعم المخصصة لحوامل الطاقة بكافة قطاعاتها والبالغة 656 مليار ليرة باتت قيد الشك، وإن كل ماتحدثت به الحكومة عن الدعم في موازنة عام 2015 ينبغي إعادة تدقيقه الآن، فطالما أن الحكومة قامت بتحرير أسعار كل المحروقات المدعومة فما تبقى من كامل كتلة الدعم لايتجاوز عملياً 282 مليار ليرة وهي الخاصة بالدعم المتبقي للقطاع الكهربائي والتمويني وصندوق المعونة الاجتماعية الخ... (شكل توضيحي)
المازوت دعم متراجع ثمّ ربح!
ستتبع قاسيون في الجدول أدناه آخر تطورات السعر العالمي لمادة المازوت على سبيل المثال، وذلك لمعرفة سعر التكلفة الفعلي فيما لو استوردت الحكومة كامل حاجاتها ومقارنته بسعر المبيع في الداخل السوري لمعرفة ماهو أقصى حجم للدعم.
يتبين من الجدول أدناه أن الحكومة رفعت سعر مبيع مادة المازوت بشكل مستمر وممنهج ومتناقض مع اتجاهات السعر العالمي الآخذة بالهبوط، وبالتالي انعكس ذلك سلباً على نسبة دعم ليتر المازوت والتي ادّعت الحكومة مراراً التزامها بها عند حدود 50% على الأقل، فانخفضت هذه النسبة بشكل واضح بين عامي 2012 و2014، ولكن الأسوأ، هو ماحصل في هذا العام، فلم تكتفِ الحكومة بتخفيض نسبة الدعم، بل ألغته كلياً على المازوت وباتت تحقق عوائد هامة منها. 
كشف مصير مبالغ الدعم.. مطلب!
بعد أن تبين أن الحكومة حررت سعر المادة بشكل كامل رغم إدعائها أنها لازالت تدعم سعر الليتر بـ 35 ليرة فإنها مطالبة بتوضيح ذلك، كما أنها مطالبة بتوضيح مبالغ الدعم المعلنة في الموازنة وما تبقى منها، ونسب ذلك الدعم على كل مادة. وإلا فسينعكس رفع أسعار المواد انخفاضاً مطلقاً في حجم الدعم الحكومي الكلي التي تتشدق الحكومة بمستوياته القياسية. إن أخطر ماتوصلت له النتائج السابقة ليس تخفيض نسبة الدعم وحسب، بل هو تخلص الحكومة من عبء الدعم بشكل شبه كامل، فذلك سيبعد الدولة عن أداتها الأساسية في التدخل لصالح فقراء الشعب السوري، كما أنه سيضعفها على الصعد كافة، وسيترك المواطن أمام مخاطر تغيرات السعر العالمي هبوطاً أو ارتفاعاً في الأشهر والسنوات القادمة. 

هوامش:
1-انخفض السعر العالمي للمازوت بمعدل 33%، لكن بسبب انخفاض قيمة الليرة بمعدل أعلى انعكس ذلك على سعر الليتر مقدراً بالليرة السورية انخفاضاً بمعدل 20% فقط.
2-نسبة أجور النقل والتأمين احتسبت 10% من السعر العالمي وذلك وفق تصريحات رسمية سابقة.
3- تم احتساب وسطي السعر للمادة لأن تلك الأعوام شهدت ارتفاعات للأسعار في منتصفها.


 

(الفيول) الضحية الأكبر..
ماذا عن القطاع العام؟!
لقد شمل الرفع الحالي لأسعار المحروقات مادة الفيول بنسبة 70% وهي أعلى نسبة رفع بالمقارنة مع المواد الثانية، والجدير بالذكر أنه من غير المفهوم أن تقوم الدولة برفع أسعار هذه المادة والتي يستخدم 90% منها في منشآت القطاع العام، سواء في الإنتاج الصناعي أو في توليد الكهرباء.
لا تنطبق على مادة الفيول (المعايير الحكومية) لرفع السعر، فهي ذات استخدام خاص ومحدود بالتالي إن احتمالات تعرضها للتهريب أقل بكثير، كما أنها لاتعاني من مشكلة "السعرين" وهو ما يدحض ادعاءات الحكومة بأن منطلقها في رفع أسعار المحروقات هو توحيد الأسعار وحسب! 
إن الخطير في رفع أسعار هذه المادة والتي تنخفض أسعارها العالمية أيضاً، هو أنها تدخل في الصناعة الوطنية للقطاع العام بأغلبها وبنسب أقل للقطاع الخاص، ورفعها سيزيد من تكاليف الإنتاج الصناعي. فهل ستؤدي هذه الخطوة إلى تصعيب مهمة استمرار الإنتاج وتطويره في منشآت القطاع العام. ألا تزيد هذه الخطوة من خسائر القطاع العام في الوقت الذي ينتظر فيه إنعاشاً كما حصل للقطاع الخاص الذي خفضت له الحكومة أسعار المازوت من 140 ل.س إلى 125 ل.س، ألا يستحق القطاع العام الذي كان محور الصمود خلال الأزمة لفتة ما من قبيل المعاملة بالمثل؟!.
يكمن في رفع مادة الفيول خطر آخر، فمن المعروف أن هذه المادة تستخدم في تشغيل محطات الكهرباء، وبالتوازي مع رفع سعرها ورفع أسعار المازوت والغاز والتي تستخدم أيضاً في محطات الكهرباء، فالخطر يحوم حول أسعار الكهرباء التي لا تزال الحكومة تدّعي دعمها بـ 413 مليار ليرة، ومن المعروف أن معظم هذا المبلغ يعود لدعم (المازوت-الغاز والفيول)، فهل ستخرج علينا الحكومة قريباً (بسمفونية) التكاليف الكبرى لدعم الكهرباء، أم أنها ستحمل فاتورة الدعم المخصصة للمحروقات في هذا العام على أكتاف قطاع الكهرباء بشكل كامل؟!.