يحدث أن لا يموت السوري جوعاً (فلاش باك).. رفع الدعم بتسميات الأزمة

يحدث أن لا يموت السوري جوعاً (فلاش باك).. رفع الدعم بتسميات الأزمة

 

المازوت بـ 125 ليرة سورية للتر الواحد، وجرة الغاز بـ 1500 ليرة، والخبز آخر الخطوط الحمراء ينهار إلى 35 ليرة، وهذا يعني أننا ندخل في خصخصة غير معلنة ستدك ما تبقى من رعاية أمومية فرضتها الدولة خلال كل حقبة الاقتصاد المغلق تحت مسميات (الاشتراكية)، والدعم، والدولة الراعية.

آخر وجوه الرعاية الحكومية سقط، وبقي على المواطن أن يتدبر أحواله دون أن ينتظر من الدولة أن تقوم بالتدخل لحمايته من الغيلان التي تفتك به بلا رحمة ولا شفقة، بل أنها في قرارات كهذه تفتح الباب لانتهاكه، وتترك للسوق السوداء المتوحشة أن تستثمره إلى أقصى رمق.

البرد...أولاً
لم تؤمّن الحكومة الحصة الشائنة من وقود التدفئة لنسبة تجاوز النصف من مواطنيها، والـ 100 لتر من المازوت أذلت المواطن بالدوران واللهاث خلف الموزعين والمخاتير ومديريات المناطق، وجعلته سدنة دفئه الملعون، وقدمته لقمة سائغة للذين يهبشون بلا هوادة جيبه ويسحبون الدفء من عظامه، ووصل سعر اللتر قبل سعره الجديد في بعض مناطق الريف البائس إلى 150 ليرة.
ومنذ بداية الشتاء ارتفع سعره مرتين من 60 ليرة إلى 80 ليرة دفعة واحدة وأطلقت الحكومة بوزرائها كومة وعود بتوفيره ورضي المواطن في سبيل تأمين الوقود بأن يرتفع السعر مع همسات عتب أن الحال لا يحتمل هذه الزيادات، ولكن شيئاً من هذه الوعود لم يتحقق بل على العكس استفحلت الأزمة، وبدأ مسلسل وعود جديدة في إمكانية نهاية أزمة الوقود مع بداية آذار، أي في الوقت الذي لن يحتاج المواطن أكثر من التمدد تحت شمس مجانية.
الضربة الأخيرة تبدو القاضية مع كل وعود الوزراء بنهاية قريبة لمازوت التدفئة، ووحدت الحكومة أسعار الوقود لكافة استخداماته، وتركت الباب مفتوحاً أمام المحتكرين والتجار بالإجهاز على المواطن، وبيعه الكالون 20 لتراً بـ 5000 ليرة سورية اي أن راتبه الوسطي لن يكفيه دفئاً لمدة خمسة عشر يوماً بارداً.
النقل...سيراً
انعكاسات سريعة على هذه الزيادة بدأت مع صباح اليوم التالي بطلبات عشوائية لتعرفة النقل في ريف دمشق على وجه الخصوص، ووصلت تعرفة نقل الراكب من السومرية إلى قطنا 150 ليرة سورية، وفي المساء دفع المواطنون 200 ليرة، وترافق هذا مع توقف عدد كبير من هذه السيارات عن العمل بحجة عدم توفر المازوت، وهذا ما أدى إلى وصول الطلبة متأخرين إلى الامتحانات، وكذلك وصل الموظفون.
بعض المواطنين فضّل السير على قدمين باردتين أهون من انتظار وسائط النقل التي لم تصدر المحافظة تسعيرة النقل الجدية لها، وكذلك أفضل من افتعال مشكلة مع سائق يرى الفرصة مواتية لطلب ما يريد.
الغاز... الأزمة مجدداً
بالرغم من توفر المادة في الأسواق، وعودة الموزعين للطرق على اسطوانات الغاز إلا أن الارتفاع الجديد لسعر الأسطوانة خلق فجأة حالة من غياب المادة فقد عمد الموزعون ومراكز التوزيع إلى استغلال السعر الجديد وطلب زيادات لم تنفع معها تعرفة التوصيل 100 ليرة اي أن الاسطوانة أمام البناء يجب أن تكون بـ 1600 ليرة إلا أنها بيعت بـ 2000 ليرة بحجة وجود أزمة طارئة سببها ارتفاع السعر.
بعض المواطنين ممن ليس لديهم اسطوانات غاز ويعتمدون على الغاز (الأرضي) كما يسمونه يتساءلون: كيف يمكن أن تكون الأسطوانة بـ 1500 ليرة وأصحاب المحلات التي تملأ اسطواناتنا الصغيرة تبيعه بـ 1000 ليرة، والأسطوانة تتسع لـ 3 اسطوانات أي أن سعرها وصل إلى 3000 ليرة أي ضعف ما سعرتّه الحكومة.
الخبز...الخط الأحمر الشاحب
الزيادة الأخيرة لـ 35 ليرة بعد فترة وجيزة من الارتفاع السابق لسعر ربطة الخبز التي حافظت على سعرها طويلاً 15 ليرة سورية، واعتبر بعض منظري الاقتصاد المتين أنها دليل عافية الاقتصاد السوري...هذه الزيادة الأخيرة جعلت الكثيرين مواطنين ومهتمين يرون فيها إعلاناً واضحاً أنها عرضة لارتفاعات قادمة، ولم تعد أيقونة الاقتصاد المقدسة.
على الأرض الخط الأحمر الذي بات يبدو شاحباً قد تم كسره من قبل باعة الأرصفة وأمام الأفران المتواطئين مع عاملين داخل أفران حكومية وخاصة ويبيعون المواطن الربطة بسعر مضاعف مرتين، وأضف إلى ذلك شكوى دائمة من نوعية غير جيدة تباع في الأفران الآلية والاحتياطية مع رائحة حموضة واضحة، وخبز صالح لوجبة واحدة.
صدى صيحات قديمة
من أول وصفة للبنك الدولي بفتح السوق السورية، وتحرير الأسعار كتب زملاء وباحثون عن كارثة ستلحق بالمواطن واقتصاد البلاد، إن نفذت هذه الوصفة، ولكن ما حال دون ذلك الخشية من انهيارات مفاجئة وإفقار للناس، وحرص من بعض المسؤولين على أن لا يسقط المواطن صريع الموت جوعاً، ولكنها الرحى تدور، وما يجري أبعد من انفتاح، وأكبر من إفقار للمواطن، بل ربما يرقى لما نخشاه من انتزاع ما تبقى من ريق المواطن، وخصوصاً أن الخناق يطوق المواطن السوري اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وتقل فرص صموده خصوصاً، المواطن الذي لا وظيفة له،  وجرعة زيادة الراتب للموظفين لا تجعلهم بمنأى من الجوع.
صدى الصيحات القديمة غاب مع كل هذا الصراخ والعويل الذي يصم البطون قبل الآذان.