«النزوح».. يفرّخ أزمات جديدة تطال مقومات الحياة

«النزوح».. يفرّخ أزمات جديدة تطال مقومات الحياة

ثلاث سنوات ونيف من عمر الأزمة كان المواطن السوري أول من دفع ثمن حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، ومما زاد وطأتها بشكل كارثي أنه خسر كل ما يملك على المستويين المادي والمعنوي فغدا نازحاً في وطنه.

مع اشتعال الأزمة في مدينة حلب اضطر العديد من المواطنين على ترك منازلهم هرباً بأرواحهم. ففي البداية كلٌ نزح عند ذويه مع آمال الخلاص التي كانت تضخ هنا وهناك لتخفيف شدة الصدمة، لكن هذا الشتات امتد طويلاً ليتجاوزعامه الثاني في حلب ودون حلول.

 

55 ألف لاجئ في المدينة الجامعية

حيث تم استقبالهم في المدارس وفي وحدات المدينة الجامعية، وبعض مشاريع الجمعيات السكنية التابعة للدولة كحل مؤقت يضمن لهم ملجأ آمناً يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء ويحقق الحد الأدنى من الإنسانية التي احتضرت في هذه الحرب.

المدينة الجامعية اليوم نموذج يطرح معاناة قاطنيها وما يعيشونه ويعايشونه من إشكالات، حيث بلغ عدد سكان المدينة الجامعية بشكل تقريبي 55000 لاجئ، يعيش 75% منهم فقراً مدقعاً.

 

سرقة المعونات

جاء «أبو حسن» نازحاً من منطقة السكري منذ بداية الأزمة في حلب، مع عائلته المؤلفة من 16 فرداً موزعين على غرفتين مساحة الواحدة منها 6 م2، هي بالأصل مخصصة لثلاثة أشخاص على الأكثر. ويقول «لدي ثلاثة أبناء ذكور، أحدهم عاطل عن العمل وله 4 أولاد مع زوجته، والآخر أعيل أسرته المكونة من زوجته وأبنائه 4، بعد أن اختفى منذ عام ولا أعلم عنه شيئاً حتى الآن، والثالث عسكري». 

ويتابع «في البداية كانت تأتينا المعونات بانتظام عن طريق الهلال الأحمر مشمولة بالمعونات الصحية والأدوية، ولكن لسبب ما انقطعت وصارت تأتينا عن طريق جمعيات خيرية أهلية، كل شهرين بنصف الكمية، وأنا متقاعد أتقاضى راتب شهري 20000 ل.س لا تكفي للحد الأدنى من الحياة، ما يضطرني للاستدانة وهو حال الكثير من النازحين».

يذكر أن الحصة الواحدة مخصصة لـ 5 - 7 أشخاص على الأكثر، ما يعني أنه يتم سرقة النصف الآخر بحسب العديد من القاطنين!!

وبدورها تقول «أم قاسم»، أرملة وأم لأربعة أطفال، «في البداية كانت تصلني إضافة للحصة الغذائية وجبات أطفال وأدوية، في الوقت الحالي لا يتم توزيع سوى علبتين كل شهرين لا تكفي لأسبوع واحد، أما الأدوية فاضطر لشرائها من الخارج على حسابي».

 

أزمات متلاحقة 

وأضحت أزمة المحروقات في المدينة عبئاً إضافياً يثقل كاهل النازحين، فما يزيدها أن النازح لا مختار له لتأمين حصته من المحروقات، ما يضطره إلى شرائها من السوق السوداء، حيث بلغ سعر الكيلو الواحد من الغاز 350 ل.س في سوق المدينة. أما فيما يتعلق بالتدفئة، فلا يمكن استخدام المدافئ التقليدية باعتبار أن المدينة الجامعية تعتمد مبدأ التدفئة المركزية، وهي متوقفة عن العمل.

وفي هذا السياق، يقول «أبو محمد»: «حاولنا الحديث مع إدارة المدينة بحيث يتم تشغيل التدفئة، مع استعدادنا للدفع لهم، كل ذلك من أجل تأمين التدفئة للأطفال الصغار، ولكن دون أي رد يذكر إلى الآن». مما اضطر البعض إلى قطع الأشجار لتوفير مصدر دفء، والبعض الآخر قام بسرقة المقاعد من مستودعات المدينة الجامعية.

 

الاحتراق اليومي

الحرب والنزوح والشتات والأزمة، عناوين كلها دفعت البعض للهروب من هذا الواقع من خلال تعاطي المخدرات والحشيش كوسيلة للهروب من الواقع، فالمدينة الجامعية اليوم وسط مهيأ لهذه التجارة كما أي وسط آخر في الحرب.

كما دفعت البعض الآخر للبحث عن لقمة العيش بوسائل أخرى، حيث تضطر العديد من النساء لبيع أجسادهن لتأمين قوتهن وقوت أطفالهن بسبب غياب المعيل بفعل الحرب أو عدم وجوده، وغياب دور المؤسسات الاجتماعية الحكومية في مساندة هؤلاء النسوة لحمايتهن من هكذا مهنة تسلب منهن إنسانيتهن.

 

غياب الدور المطلوب

ويضاف إلى ما تقدم أعلاه غياب دور مؤسسات الدولة، الذي اقتصر عملها على تأمين حملات التلقيح فقط.

وفي هذا السياق تقول «أم حسام»، وهي نازحة من منطقة «الهلك»، «اقتصر دور مؤسسات المجتمع المدني على الجانب الإعلامي فقط، حيث تحولت حاجاتنا ومطالبنا إلى حفلات تنكرية أمام الكاميرات وهي غائبة في الأيام العادية، حتى المسوحات الاجتماعية تذهب مثلما تأتي دون فائدة، رغم أننا كنا نتوقع أن يكون هناك شيء جديد يحسّن الظروف قليلاً أملاً بتخفيف وطأة هذا النزوح اللعين الذي كتب علينا».

 

خيام قارعة الطريق

رغم هذا الاكتظاظ في المدينة الجامعية وغيرها من مراكز الإيواء إلا أننا مازلنا نرى العديد من الخيام على قارعة الطريق لأناس لم يجدوا مكاناً يقيهم برد هذا الشتاء القارس في العديد من المناطق، ومثال ذلك عائلتان حولت أثاث منزلها إلى جدران انضووا تحتها درءاً للبرد عن أطفالهم في منطقة «الملعب البلدي» على الرصيف بين مدرستي «صقر قريش» و«الحاسوب للبنات».

وهنا لا تقتصر المعاناة على الجانب المعيشي فقط، حيث تعاني المدينة الجامعية من تكدس للنفايات في أروقة المباني ومحيطها، ما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض. إضافة إلى انعدام الصيانة الدورية للبنى التحتية، فالمدينة الجامعية مصممة لتكون حاضنة للطلبة. والسؤال: كيف يمكن لهذا التصميم أن يصمد أمام الأعداد الكبيرة للنازحين من حيث المرافق والبنى التحتية والشروط الصحية للسكن والإقامة فيها؟