المقاومة تربك حسابات العدو أمام الحرب
حلمي موسى حلمي موسى

المقاومة تربك حسابات العدو أمام الحرب

 وبعد ثلاثة أسابيع من القصف والتدمير والغارات والمقاومة، تقف إسرائيل أمام السؤال الأساسي نفسه: ما العمل وماذا بعد؟

فالقوات الإسرائيلية، ورغم كثافة النيران، عجزت عن تحقيق أي غاية سوى التدمير وسفك المزيد من دماء المدنيين الفلسطينيين في إطار زيادة التكلفة عليهم وإبعادهم عن المقاومة. لكن هذه الغاية لم تتحقق أيضاً، وتقريباً لم تشهد المقاومة في أي وقت مثل هذا القدر من الالتفاف والفخر كالذي تعيشه الآن.

وبحسب المعلقين الإسرائيليين فإن حكومة بنيامين نتنياهو تواجه اليوم الخيارات نفسها التي كانت في اليوم الأول للحرب: التسوية ومحاولة التوصل إلى اتفاق، أو الاندفاع وتوسيع المعركة وصولاً إلى إعادة احتلال قطاع غزة، أو التراجع وإيقاف الحرب من طرف واحد. ويرى كثيرون أن التسوية هي الخيار الأفضل المطروح في ظل الإيمان بالعجز عن تصفية المقاومة، حتى لو أعادت إسرائيل احتلال القطاع.
ومن الجائز أن الارتباك السائد في الجانب الإسرائيلي يعود أيضاً إلى صلابة موقف المقاومة، والتي ليس فقط أنها لم تطلب وقف النار، بل إنها أعلنت مراراً معارضتها لأي محاولة لوقف النار إن كانت اشتراطات ذلك لا توفر هدف فك الحصار. كما أن ترتيبات الهدنة الإنسانية تتم على نطاق ضيق، وفي ظل اشتباكات دائمة على أكثر من مقطع على طول الجبهة.
وفي وقت متأخر من ليلة أمس هاتف الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الحكومة الإسرائيلية وأبلغه أن الهدنة الفورية، ومن دون شروط، هي ضرورة إستراتيجية. وشدد أوباما، الذي تعيش إدارته أزمة ثقة مع حكومة نتنياهو، على أن وقف النار يجب أن يقود إلى وقف نار ثابت استناداً إلى وقف النار في تفاهمات «عمود السحاب» في العام 2012. وأضاف أن الحل الدائم للصراع يستلزم إدراج تجريد المنظمات «الإرهابية» من سلاحها.
وقد جاءت فترة عيد الفطر لتشكل ثقالة تجبر المقاومة على التساهل في اشتراطات الهدنة الإنسانية لتوفير أجواء أفضل للجمهور الغزي في هذه الفترة. وساهمت مبادرة الأمم المتحدة في خلق أجواء هدنة في أجواء العيد، رغم استمرار تحليق علامات الاستفهام حول الهدنة. فالهدنة التي أعلنتها إسرائيل رفضتها المقاومة، والهدنة التي أعلنتها المقاومة بترتيب مع مبعوث الأمم المتحدة روبرت سري، رفضتها إسرائيل. وفي النهاية تبلور نوع من تهدئة مقابل تهدئة لفترة العيد، وربما ليس لكل أيام العيد.
وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن حكومة نتنياهو بعد مداولات قررت ألا يبادر الجيش إلى شن هجمات في غزة والعمل بمنطق «هدوء مقابل هدوء». وقالت إن هناك محاولات لاستغلال فترة العيد لتحريك مفاوضات تبدأ في القاهرة للتوصل إلى وقف نار. وأبلغت إسرائيل الأمم المتحدة أنها لن تعلن وقف نار لمدة محددة، وسترد على أي نار تطلق عليها. ويعني هذا قبول إسرائيل بمبادرة الأمم المتحدة لهدنة إنسانية في الأيام الثلاثة القريبة من دون إعلان ذلك.
وكانت إسرائيل قد أعلنت قبل ذلك أنها تلقت طلباً من الأمم المتحدة لهدنة لمناسبة عيد الفطر فرفضتها بدعوى أنها تعبت من انتهاكات «حماس» المتكررة للهدنة، ولذلك فإنها لن تعلن أي وقف للنار محدد الزمان. وعملياً إسرائيل قبلت هدنة قتالية تسمح لها بمواصلة عملياتها لاكتشاف الأنفاق ومحاولة تدميرها.
عموماً هذا القرار من جانب إسرائيل يأتي في ظل سجال لا يتوقف داخل المجلس الوزاري المصغر، وفي الجيش، حول ما يجب فعله من الآن فصاعداً: هل يجب التوقف والانسحاب أم التقدم ومحاولة حسم المعركة بإعادة احتلال القطاع أم الضغط من أجل تسوية. ويبدو أن التسوية تتباعد في ظل السجال الشديد داخل إسرائيل حول الدور الأميركي الذي أداه وزير الخارجية جون كيري في مقترحاته، التي أغضبت كلا من الإسرائيليين والمصريين والسلطة الفلسطينية. ولا يبدو أن هناك الآن مقترحات جدية سوى المبادرة المصرية التي تصر إسرائيل عليها وترفضها كل فصائل المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً «حماس».
وهذا يعني أن أفق استمرار الحرب بعد فترة العيد عالية، خصوصاً أن كلا من الجمهورين، الفلسطيني والإسرائيلي، يريد تحقيق نتائج ملموسة. فالجمهور الفلسطيني يتطلع إلى إنهاء الحصار وفتح المعابر، ويرى أن هذه حقوق وليست شروط ولم يعد بالوسع قبول عدم تحقيقها حتى بعد كل شلال الدم الذي سال على أرض غزة. وفي المقابل فإن 87 في المئة من الإسرائيليين، وفق استطلاع نشرته القناة العاشرة، يؤيدون استمرار القتال في غزة لحسم المعركة مع «حماس». ويرى 69 في المئة منهم أن على إسرائيل عدم إنهاء الحرب إلا بإطاحة حكم الحركة. ويبدو هذا الاستطلاع غريباً في ظل سعي المجلس الوزاري الإسرائيلي لوقف النار وتخوفاته من توسيع العملية، أو عرض هدف كإطاحة حكم «حماس».
وإذا كان الجمهور الإسرائيلي حاسم بغالبيته ويؤيد الحرب الشاملة، فإن المجلس الوزاري الإسرائيلي يناقش قضية بالغة الأهمية وفق القناة الثانية، وهي: هل يجب وقف العملية حتى يوم الخميس المقبل أم توسيعها إلى عملية برية. وحسب القناة، فإن أعضاء المجلس الوزاري يناقشون مسألة إنهاء معالجة الأنفاق قبل الخميس عن طريق قصف جوي أو تفجيرات تحت الأرض.
واليوم بعد كل جولات المفاوضات عبر عدة جهات يتبين أن هناك انعدام ثقة تام، حيث تعالج قضية الهدنة على هذه الخلفية، وحيث تتهم «حماس» إسرائيل بممارسة الألاعيب. وقد تحدث نتنياهو، على شبكة «سي إن إن» الأميركية، حول التقارير المتضاربة بشأن الموقف الإسرائيلي، وقال إن «حماس انتهكت وقف النار لا أقل من خمس مرات».
وفي كل حال فإن القتال كان قد استمر متقطعاً في العديد من المناطق، وأطلقت الصواريخ نحو غلاف غزة وإلى ما بعد تل أبيب. وكان واضحاً أن إسرائيل حاولت تصعيد عملياتها في غزة قبيل الساعة الثانية من ظهر أمس، واستهدفت بيوتاً وأبراجاً سكنية. وهذا ما اضطر المقاومة إلى إطلاق الصواريخ رغم مرور ليلة شبه هادئة. وكان واضحاً أن إسرائيل تحاول أن تكبد الفلسطينيين أثماناً مرتفعة خصوصاً بعد أن بلغ عديد قتلى الجيش الإسرائيلي منذ بدء المعركة البرية 43 جندياً وضابطاً. وارتفع عدد الشهداء في غزة منذ بدء العدوان إلى أكثر 1035 وأكثر من 6230 جريحاً.
وهناك أحاديث عن أن قافلة تضامن تركية تحت حماية عسكرية تركية ستتجه إلى غزة. ومن الجائز أن خطوة كهذه ستدفع الولايات المتحدة إلى بذل الجهود لمنع وقوع صدام أو إلغاء الفكرة من أساسها. وقد أعلن أمس أن طائرة تركية حملت مساعدات طبية لقطاع غزة.

المصدر: السفير