غزة: من يوقف شلال الدم؟
يونس السيد يونس السيد

غزة: من يوقف شلال الدم؟

عشرات الشهداء وآلاف الجرحى ومئات المنازل المدمرة فوق رؤوس أصحابها... تلك هي الحصيلة الأولية للحرب العدوانية الثالثة التي يشنها الاحتلال «الإسرائيلي» على قطاع غزة، بعد حربي نوفمبر، 2008 وديسمبر، 2012 والتي لا تزال متواصلة بانتظار اكتشاف من يقدر على وقفها.

قد يبدو المشهد عادياً تماماً في قطاع غزة المحاصر منذ نحو ثمانية أعوام، بعد أن تكرر مراراً خلال السنوات الماضية، لولا أن شلال الدم الذي يسيل بغزارة بدأ ينهمر على شكل مجازر متعمدة بحق العائلات والأطفال الفلسطينيين وهم نيام، فيما الحرب البرية على الأبواب ومعها مسلسل الاغتيالات وعمليات الإبادة الجماعية التي لم تبدأ بعد، بينما عمق العربي يغط في سبات عميق وكأن ما يحدث في غزة هو حرب بين كائنات فضائية تجري على أحد الكواكب الكونية .

لا جدوى من الحديث عن عمق عربي لم يكن حاضراً يوماً إلا في بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، وهو معذور بانشغاله في قضايا باتت أكثر أهمية في العراق وسوريا وغيرها، بعد أن تحولت قضية العرب المركزية إلى قضية ثانوية، كما لا جدوى من الحديث عن حراك شعبي عربي بات هو الآخر أسير "ثورات الربيع" التي طال انتظارها لتزهر حرية وديمقراطية وكرامة وحقوق انسان . ربما كانت القضية الفلسطينية سبباً في تعطيلها . لكن الحديث يبدو أكثر أهمية حينما يتعلق بوجود تواطؤ دولي صريح مع العدوان الإجرامي لحكومة نتنياهو بحق الفلسطينيين، ذلك أن الغرب الديمقراطي لم يقف هذه المرة موقفاً محايداً أو متفرجاً، وإنما أعلن انحيازه إلى جانب العدوان بالسكوت وغض النظر عن جرائم الاحتلال، متخلياً عن مفرداته المعهودة . . الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاسبة مجرمي الحرب . وما إلى ذلك، وهي مفردات نعرف أنها ستتبخر حينما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني . ونعلم أيضاً أن الغرب قادر "لو أراد" على وقف هذا العدوان النازي على غزة أو السماح لمصر باستكمال دورها في هذا المجال بدلا من عرقلة هذا الدور . فإذا كان الغرب والاحتلال يريدان معاقبة حركة حماس على فعل لم يثبت أنها قامت به (اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة) أو التذرع بإطلاق الصواريخ الفسطينية على أهداف "اسرائيلية"، فإن الشعب الفلسطيني كله أصبح فريسة للانتقام الصهيوني الذي لم يرتو من شرب دماء ابنائه في الخليل وسائر الضفة الغربية، ليستكمل حقده الاعمى بالرقص على جثث الاطفال في غزة .

لا ندري كيف تصر السلطة الفلسطينية، بعد الآن، على التنسيق الأمني مع سفاحي شعبها، ولا نفهم أبداً موقفها الحيادي والخجول، فإذا كانت لا تزال ترى نفسها مسؤولة عن شعبها، وتطالب الفلسطينيين بالوحدة والتماسك في مواجهة حرب نتنياهو القذرة، التي تستهدف في أحد جوانبها ضرب المصالحة الفلسطينية وإسقاط حكومة التوافق الوطني، فإن على السلطة أن تخلع رداء الخجل، وتبادر إلى خطوات أكثر جدية في المحافل العربية والإقليمية والدولية لفضح جرائم الاحتلال والعمل على استصدار قرار من مجلس الأمن بوقف شلال الدم النازف في غزة قبل أن يتحول هذا الدم إلى كارثة ولعنة تلطخ الضمير الفلسطيني والعربي والعالمي.

المصدر: الخليج