الاحتفال بالحرب.. لماذا مات جنود أمريكا؟!(2/2)
بول كريغ روبرتس بول كريغ روبرتس

الاحتفال بالحرب.. لماذا مات جنود أمريكا؟!(2/2)

مهدت عقلية أن أمريكا يجب أن تسود الطريق للمحافظين الجدد وحروبهم في القرن الواحد والعشرين، والتي أدت أيضاً إلى تورط واشنطن في أزمة صراع مباشر مع روسيا من خلال إسقاط واشنطن للحكومة المنتخبة ديمقراطياً في أوكرانيا.

ترجمة : جيهان الذياب

 

أنا على دراية كاملة بالمراكز الاستراتيجية التي تعمل لخدمة واشنطن، فقد شغلت كرسي ويليام سايمن، المختص بالاقتصاد السياسي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لأكثر من اثنتي عشرة سنة.  تدور الفكرة  حول مفهوم التفوق، إذ يجب أن تتفوق واشنطن على روسيا بما يخص أوكرانيا، وإلا ستخسر واشنطن مكانتها كقوة عظمى في العالم. وفكرة التفوق هذه ستقود إلى الحرب دائماً عندما تظن إحدى القوى أنها تفوقت بالفعل.

 

الدولة المتقدمة خطر على أمريكا.. أياً كانت

تدعم عقيدة «ولفوويتز» مسار الحرب، إنه «بول ولفوويتز»، من مثقفي المحافظين الجدد الذي صاغ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية والعسكرية، حيث قال: «الهدف الأول هو منع عودة ظهور أي منافس جديد، سواء على أراضي الاتحاد السوفييتي السابق أو في أي مكان آخر (الصين)، حيث يشكل هذا تهديداً للنظام الذي تم فرضه مسبقاً أيام الاتحاد السوفييتي. يجب أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار في إطار استراتيجيتنا الدفاعية، ويتطلب ذلك بذل كل ما بوسعنا لمنع أي قوة معادية من السيطرة على مناطق ذات مصادر تسمح، تحت إدارة موحدة،  بتكوين قوة عالمية جديدة».

يعد أي بلد قوي في عقيدة «ولفوويتز» تهديداً، ويصنف كقوة معادية للولايات المتحدة الأمريكية، بغض النظر عن نية ذلك البلد لمسايرة سياسات الولايات المتحدة بقصد المنفعة المتبادلة. يكمن الفرق بين المحافظين الجدد وبريجينسكي في نيته إغراء روسيا والصين للانضمام إلى الإمبراطورية كعناصر هامة، ذات صوت مسموع، لأسباب دبلوماسية فقط، بينما تتركز سياسة المحافظين الجدد على الاعتماد على القوة العسكرية بالتعاون مع المنظمات الداخلية غير الحكومية التي تعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية، أو حتى المنظمات الإرهابية.

لا تشكل سمعة الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» أي إحراج لكل منهما من ناحية تصنيفهما كأكبر الأخطار، في الحقيقة، يفخر كلا البلدين بذلك، وتتحاشى سياساتهما أي دبلوماسية وتعتمد على العنف فقط، كما تفرض واشنطن على بقية البلدان ما تريد فعله وإلا: «سيتم قصفها حتى تعود إلى العصر الحجري»، فقد صنفت «إسرائيل» جميع الفلسطينيين حتى النساء والأطفال منهم كـ«إرهابيين»، وتستمر بقتلهم في الشوارع، تحت ذريعة حماية نفسها من الإرهابيين.

 

روسيا.. الدبلوماسية من منطلق قوة

«لا نحتاج إلى هراء الدبلوماسية، لدينا ما يلزم من قوة»، هذا هو السلوك الذي يضمن الحرب، والذي يدفع بقية العالم نحوها. قامت واشنطن بتفويض كلاً من وزير خارجية بريطانيا ومستشارة ألمانيا ورئيس فرنسا لتنفيذ تلك السياسات، وهم يعملون على تأمين الغطاء لها، فعوضاً عن جرائم الحرب لدى واشنطن «تحالفات تشاركية»،  كما أن الاجتياح العسكري يجلب «الديمقراطية وحقوق المرأة» للبلدان غير المطيعة. تلقى الصين المعاملة ذاتها، وهي البلد التي يشكل عدد سكانها أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وتتهم بأنها «دولة استبدادية»، وبانتهاك حقوق الإنسان، بينما ترهب الشرطة الأمريكية المواطنين الأمريكيين.

تكمن «المشكلة الإنسانية» في أن الصين وروسيا ليستا ليبيا والعراق. حيث تشكل هاتان الدولتان قوة استراتيجية نووية، كما تتخطى مساحة أراضيهما مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تملك تلك الأخيرة التي فشلت في احتلال بغداد أو أفغانستان أي فرصة مع روسيا أو الصين في إطار حرب تقليدية.

فلننظر إلى الأزمة التي خلقتها واشنطن في أوكرانيا، والخطر الذي يترتب عليها. لقد تحدث الرئيس بوتين في 23 أيار من هذا العام في المعرض الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ، عن الأزمة التي جلبتها واشنطن إلى روسيا، وانتقد الأوروبيين الذين كانوا خدماً مخلصين لواشنطن في حربها الإعلامية ضد روسيا، كما أشار إلى تدخل واشنطن في مصالح روسيا الحيوية.

استخدم بوتين اللغة الدبلوماسية في كلامه، لكن الرسالة الاقتصادية التي تلقتها المصالح الأوروبية والأمريكية كانت قوية للغاية، فإذا استمرت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في تجاهل هواجس روسيا والتصرف وكأنها قادرة على التدخل في مصالح روسيا الحيوية، وكأن روسيا غير موجودة، سيقودهم ذلك لمواجهة المشاكل.

سيحمل رؤساء تلك الشركات هذه الرسالة إلى حكوماتهم في عواصم أوروبا وواشنطن، أوضح بوتين بأن قلة الحوار مع روسيا أدت إلى ضم أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي ونصب قواعد صاروخية على الحدود الروسية مع أوكرانيا. وهو يعلم بأنه لا يمكن الاعتماد على «النوايا الغربية الطيبة». كان بوتين واضحاً، لا يمكن قبول وجود قواعد عسكرية غربية في أوكرانيا.

ستتابع واشنطن في تجاهل روسيا، لكن، على العواصم الأوروبية أن تقرر فيما أن واشنطن تعمل على دفعهم نحو النزاع مع روسيا، والذي لا يصب في مصلحة أوروبا، وهنا يبدو بوتين وكأنه يمتحن السياسيين الأوروبيين ليحدد إن بقي لديهم ما يكفي من الذكاء والاستقلالية ليتم التصالح. إن أجبرت عجرفة الولايات المتحدة الأمريكية بوتين على عداء أوروبا، فإن التحالف الاستراتيجي الروسي الصيني ، والنابع من سياسات الولايات المتحدة الامريكية العدائية وحصارها لهما بالقوات العسكرية، سيؤدي إلى حالة محتومة من الحرب. ويمكن للناجين من هذه الحرب، إن وجدوا، شكر المحافظين الجدد، وعقيدة «ولفوويتز»، و استراتيجية بريجينسكي، على دمار الحياة على كوكب الأرض.

 

الطغيان الأمريكي الغربي «الديمقراطي».. 

لقد أسقط الغرب نفسه، وتم الاعتداء على الدستور من قبل نظامي بوش وأوباما عدة مرات، ولم يتبق شيء، فقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدستور. وحل كيان جديد تماماً مكان ما كان يعرف بالولايات المتحدة الأمريكية.

ماتت أوروبا عندما قام الاتحاد الأوروبي، والذي تطلب إنهاء أي شكل من أشكال الاستقلالية للبلدان التي تشكله، تفوقت البيروقراطيات في بروكسل برغباتها على شعوب فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا واليونان والبرتغال.

أصبحت الحضارة الغربية هيكلاً عظمياً، بالكاد يستطيع الوقوف، لكن لا حياة فيه. فالشعوب الغربية تنظر إلى حكوماتها ولا ترى سوى الأعداء، وإلا ما الذي يكمن وراء عسكرة قوات الشرطة المدنية في أمريكا وتجهيزهم وكأنهم جيوش محتلة؟ ما وراء طلب مؤسسات مثل مكتب الأمن القومي ووزارة الزراعة وحتى مكاتب البريد وإدارات الخدمات الاجتماعية لمليارات الطلقات وصناديق الذخيرة والرشاشات الخفيفة؟

ما الغرض من هذا التسليح الذي تم بمال دافع الضرائب إن لم يكن لقمع المواطن الأمريكي؟!

كما قال المتبصر المبارز، جيرالد سيلينت، في صحيفة «تريندز جورنال»: «الثورة تجول في زوايا الأرض الأربع». وعبر أناس يائسين وغاضبين في أوروبا تظاهروا في مواجهة سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية. وعلى الرغم من جهود واشنطن للتأثير على استقرار روسيا والصين عن طريق طابورها الخامس المسمى «المنظمات غير الحكومية»، تحظى حكومتا روسيا والصين بدعم شعبي يفوق ما تحظى به أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. لقد تعلمت روسيا والصين في القرن العشرين ما معنى الطغيان، ورفضته منذ ذلك الحين.

دخل الطغيان الولايات المتحدة الأمريكية تحت غطاء «الحرب على الإرهاب». وهي خدعة استخدمت لإخافة الجموع ودفعها للتخلي عن حرياتهم المدنية، مما يحرر واشنطن من ملاحقة القانون لها ويسمح بترسيخ عسكرة النظام. لقد استخدمت الولايات المتحدة سطوتها الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية و«التهديد السوفييتي»، والآن تستخدم «التهديد الروسي»، لاستمالة أوروبا إلى إمبراطورية واشنطن.

 

يأمل بوتين أن تتغلب المصالح الأوروبية على التدخلات الأمريكية، هذا هو رهان بوتين الآن، وهذا هو السبب الذي يجعله أقل استفزازية بما بخص الموضوع الأوكراني. إن خذلت أوروبا روسيا، ستتحضر كل من الصين وروسيا إلى حرب لا يمكن إيقافها، تقودها سياسات الهيمنة الأمريكية.

 

***********

*الأمين المساعد لوزارة الخزانة الأمريكية سابقاً ومحرر في صحيفة وول ستريت جورنال

عن موقع: counterpunch.org 

معلومات إضافية

ترجمة:
شيرين الذياب