عن سوفكس، و”الأمن” و “الأمان”
زينة أبو عناب زينة أبو عناب

عن سوفكس، و”الأمن” و “الأمان”

يحتضن الأردن كل عامين، على مدار الثماني عشرة سنة الماضية، معرضاً لصناعة الحروب: محطة واحدة للتسوق يجد فيها أمراء الحروب كل ما تشتهيه غريزة القتل لديهم! "إرهاب" الحركات المتطرفة ينتهي من بوابة الإقتصاد والمؤسسات التعليمية الوطنية، أما "الإرهاب" الأمريكي والصهيوني، فذاك ما يلزمه السلاح!

لعل أغلب الأردنيين لم يكونوا على علم بوجود معرض “معدّات قوّات العمليات الخاصة” والمعروف باسم سوفكس SOFEX، إلا عندما نشرت صور من المعرض في الإعلام، بالتزامن مع حدوثه خلال الأسبوع الأول من شهر أيّار الماضي، حيث ظهر في الصور إرهابيون يرتدون “الزي الإسلامي”; رجالٌ ملتحون، ونساءٌ منقبات، بينما الضحايا يرتدون بواريك شعر شقراء اللون. ثماني عشرة سنة من استضافة هذا المعرض في الأردن، لم تدفع الشارع أو الإعلام الأردني، لإثارة أية ضجة. فقط تصوير الإرهابيين على أنهم مُسلمون، هو ما أثار حفيظة الإعلام والشارع على حد سواء، أياماً قليلة قبل أن يتناسوا الحدث كلياً ومعه المعرض.

فما هي حقيقة هذا المعرض، وما سر التكتم عليه ؟ لعلّ أبرز التغطيات –ولربما الوحيدة- التي تناولت المعرض “من الداخل”، كان الفيلم الذي أنتجته مجلة VICE عام 2010، نستعرض فيما يلي أجزاءً منه مع ترجمة أعدها فريق راديكال إلى العربية:

الفيلم الترويجي للمعرض 2014 (رابط) يصدّر فكرة “الأمن العالمي” ولا يذكر بالطبع الحروب الاستعمارية والتفجيرات الإرهابية وممارسات القمع التي تتم على أيدي المتسوقين في هذا المعرض. أمّا تصريحات المسؤولين الأردنيين حول المعرض (رابط) فقد جاءت لتؤكد على “حسن النية”، وتعزيز الأمن القومي، وتبادل المعلومات حول أحدث التكنولوجيا والابتكارات في هذا القطاع -للتذكير الحديث هنا ابتكارات في صناعة أسلحة للقتل والتدمير- في محاولة للتضليل على حقيقة هذا المعرض: معرض تجاري بحت يوفر فرصة لشركات كبرى لعرض وبيع منتجاتها. قطاع صناعي آخر فتكت به سياسات السوق المفتوح، فأحكمته لجشع الشركات الكبرى التي تفتك بدورها بالبشرية.

 بالطبع، هناك تكتم على أسماء الشركات والبلدان التي تشارك في المعرض، إلا أن عدد الشركات بلغ في معرض عام 2014، 371 شركة من 35 دولة. ليس من المستغرب أن تكون هناك شركات “إسرائيلية” تعرض أسلحتها -المجرّبة على الشعب الفلسطيني!- للبيع في المعرض، بل قد يكون الأمر مرجحا مع تطور صناعة الأسلحة في الكيان الصهيوني. أما المتسوقّين سواء كانوا أنظمة ودولاً، أم شركات الأمن المرتزقة، أم جماعات إرهابية، فلا نعرف هويتهم أو عددهم.

يشير التقرير الصادر عن مؤسسة Stockholm International Peace Research Institute في بداية هذا العام (رابط)، والذي يتناول أرقاما واحصاءات للعام 2012، إلى أن حجم مبيعات أكبرمئة شركة أسلحة حول العالم، بلغت 395 مليار دولار. تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير يستثني الشركات الصينية المنتجة للأسلحة، لعدم توفر المعلومات والأرقام حول صناعة الأسلحة الصينية، وحجم التداول فيها، إلا أنه يرجّح أن تحتل الصين رابع أكبر دولة مصنّعة للأسلحة، بعد الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وروسيا. شركات الأسلحة الأمريكية “المستضافة” في الولايات المتحدة الأمريكية -مانحة الديمقراطية والسبّاقة في مكافحة الإرهاب!- مبيعاتها أكبر من مبيعات شركات كافة دول العالم مجتمعة.

عودة لمشهد الاحتجاج

تيار الإخوان المسلمين نظّم وقفة احتجاجية، اعتراضاً على تمثيل الإرهابيين كمسلمين في المعرض. تبرز في هذا الاحتجاج الصوري، متاجرة تيار الإخوان بالدين من ناحية، وبالقضية الفلسطينية من ناحية أخرى. الاحتجاج لم يأتِ رفضاً لاستضافة الأردن لهذا المعرض بشكل مطلق، أوللسياسات التي ينتهجها النظام والتي تؤكد في كل مرة على الاستخفاف بالشعب الأردني –حيث لم يأبه النظام للاستفزاز الذي قد ينتجه تصوير الإرهابيين بهيئة شرائح عديدة من المجتمع الأردني-، بل تناول الاحتجاج جزئية شكلية هي مظهر الإرهابيين، والتي لا تقارب جوهر الموضوع. الواقع أن تيار الإخوان المسلمين لم يأبه باستضافة الأردن لهذا المعرض، الذي يوفر إمكانية اقتناء أسلحة يُقتل بها الملايين –من الشعوب المسلمة والعربية- ويعزز من هيمنة القوى العظمى، كما لم يأبه بحقيقة الدول والشركات التي تستفيد من هذا المعرض. فإذا ما نظرنا إلى الشركات الراعية للمعرض هذا العام على سبيل المثال لا الحصر، نجد أنها تضم شركة BOEING الأمريكية، وهي ثاني أكبر شركة أسلحة في المبيعات حول العالم. هذه الشركة تتفاخر على موقعها الرسمي (رابط)  بعلاقتها المتجذرة مع الكيان الصهيوني منذ أكثر من ستين عاماً، أي بمعنى آخر إنتاجها لأسلحة استخدمت في احتلال فلسطين. ألا يستدعي تحالف النظام الأردني مع حلفاء الإمبريالية والصهيونية بحد ذاته وقفة احتجاجية؟!

يستضيف الأردن أيضا هذا الشهر، الجولة الرابعة لمناورات “الأسد المتأهب”، حيث تشارك فيه جيوش أكثر من عشرين دولة حول لعالم، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فما الدور الذي يؤديه النظام الأردني بإقحام الأردن في شأن شائك كالتسليح، وبتحويل الأردن لساحة تدريب قتالي؟ وإلى جانب من يصطف باستضافته لهذه الفعاليات في خضم الأحداث التي تجري في المنطقة والعالم؟

 

المصدر: راديكال