تركيا وحرب المياه على سورية..!
زهير مشعان زهير مشعان

تركيا وحرب المياه على سورية..!

قبل الأزمة بسنوات كانت الحكومات التركية المتعاقبة، تستخدم مياه نهر الفرات في الضغط على سورية والعراق لمواقفهما الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية ومشاريعها في المنطقة، وذلك بتخفيض كمية مياه نهر الفرات المخصصة لهم، بما يتنافى والاتفاقات الدولية للأنهار العابرة للدول، كون تركيا عضواً في الحلف الأطلسي، الأداة العسكرية للإمبريالية والصهيونية، والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية.

الأردوغانية الصهيونية وخداع للشعوب..

ومنذ وصول أردوغان الإخواني إلى الحكم منذ عشر سنوات، استمرت الممارسات ذاتها وفق الدور المرسوم له في المنطقة وخاصةً اتجاه سورية، وبعلاقاته مع إسرائيل الصهيونية، جرى الترويج له وللعثمانية الجديدة، مع محاولات تسويقه وخداع الشعوب العربية من خلال موقفه اتجاه العدوان الصهيوني على غزة وقضية الاعتداء الصهيوني على سفينة مرمرة التركية وعدم مصافحة الصهيوني بيريز في مؤتمر دافوس..

 

تحالف الليبرالية الداخلية والخارجية..

كذلك قامت الحكومات الليبرالية السورية الأخيرة، بمحاولات التقارب مع حكومته، على حساب مصالح الوطن والشعب السوري سياسياً واقتصادياً، وقد حذر من خطورتها آنذاك، حزبنا حزب الإرادة الشعبية (اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين سابقاً) وقد توضح هذا الدور خلال الأزمة السورية سواء بمواقفه الداعمة لما سمي المجلس الوطني (مجلس اسطنبول) أو الائتلاف لاحقاً و للتكفيريين واحتضانهم وأصبحت تركيا مقراً ومعبراً لهم إلى سورية.. بالإضافة لمحاولات استقطاب المهجرين وشحذ المساعدات باسمهم.

 

الأزمة وسلاح المياه..

إضافة للظروف الطبيعية التي تمر فيها المنطقة من جفاف وتصحر، وما مرت به سورية من استجرار عشوائي للثروة المائية الجوفية من قبل قوى النهب والفساد.. منذ حوالي سنتين قامت تركيا مجدداً بتخفيض متعمد لكمية المياه المتدفقة في نهر الفرات إلى سورية والعراق والمخصصة لهما من 500 م3 / ثا إلى 320 م3/ ثا ،مما كان له انعكاسات خطيرة على الزراعة والاقتصاد السوري، إضافة لما قامت به المجموعات المسلحة والتكفيريين من تخريب ونهب وسرقة للمعامل والمصانع في حلب، وتهريبها وبيعها بأبخس الأثمان في تركيا.. وقد أثر ذلك على وأمن الوطن المائي عموماً، وعلى المخزون المائي في بحيرة سد الفرات خصوصاً، حيث انخفض منسوبها حوالي 5 أمتار، مما كان له انعكاساته المباشرة على المشاريع الزراعية الممتدة من مسكنة شرق حلب إلى الطبقة إلى الرقة، حيث تروى هذه المشاريع بالراحة، وصولاً إلى البوكمال على الحدود السورية العراقية ، وما سببه هذا النقص من ارتفاع نسب التلوث في نهر الفرات وازدياد تأثيراته على الإنسان والحيوان والنبات، وكذلك على توليد الطاقة الكهربائية من عنفات السد، حيث كان يُضطر لفتح عنفات السد الثمان، لتعويض النقص في الكهرباء، الناجم عن ضرب خطوط نقل الغاز المغذي للمحطات الكهربائية أو خطوط نقل القدرة الكهربائية وتوزيعها، وقد تفاقم ذلك منذ أكثر من عام نتيجة غياب سيطرة الدولة نهائياً على المنطقة وسيطرة المسلحين عليها، والاستجرار العشوائي للكهرباء فيها لغياب المراقبة والمحاسبة..

 

غزوة جديدة على ثروتنا المائية..

أكد نشطاء وشهود عيان في منطقة جرابلس على الحدود السورية التركية، حيث مدخل نهر الفرات مدعمين قولهم بالصور، أن انخفاضاً كبيراً جديداً في منسوب مياه نهر الفرات، بات يهدده بالجفاف، ونشروا ذلك على صفحات التواصل الاجتماعي..وتابعت قاسيون ذلك واقعياً، وتبين أن هذا التخفيض الجديد لكميات المياه ستكون انعكساته أكثر خطورة من السابق، لأنه يأتي في وقت (الذروة المائية) الممتدة خلال شهري أيار وحزيران، وهي نهاية محصول القمح الشتوي وريته الأخيرة قبل الحصاد الذي بدأ مبكراً في بعض المناطق، مع بداية زراعة محصول القطن الصيفي، وما بينهما مما يسمى محاصيل تكثيفية، وهذه الفترة يستهلك فيها تقريباً 70% من مياه الري في العام الزراعي كله. وهذه الغزوة الأخيرة تهدد بضرب ما تبقّى من إنتاجنا الزراعي، وبالتالي انعكاساتها على أمننا الغذائي وعلى وجود وبقاء التجمعات البشرية القائمة على ضفاف نهر الفرات منذ آلاف السنين..أي على حياة الشعب مباشرةً وليس على الاقتصاد الوطني وتوليد الطاقة الكهربائية فقط.. بل هو يهدد بكارثة إنسانية كبيرة..!

وهذه الغزوة تكشف مجدداً زيف الادعاءات التركية، بوقوفها إلى جانب الشعب السوري الذي خرج مطالباً بحقوقه في العيش بكرامة، وإنما تهدف تركيا من ذلك إفراغ سورية من سكانها وتقسيمها إلى كانتونات تغرق في حربٍ داخلية، أو تحويلها إلى دولةٍ فاشلة في أحسن الأحوال، مما يتيح لها اقتطاع أجزاءٍ أخرى منها كما فعلت بلواء اسكندرون، هي  وربيبة الامبريالية والصهيونية إسرائيل، بدعمٍ مادي وإعلامي من الدول الرجعية العربية وبتنفيذ عملائها وأدواتها من القوى السياسية والتكفيرية، لمنع الشعب السوري من تحقيق طموحه في التغيير الديمقراطي السلمي الذي سيكون له تأثيراته الكبيرة على المنطقة إذا تحقق..!

كما كُشفت سابقاً مراهنات القوى الليبرالية في النظام، تُكشف اليوم مراهنات بعض قوى التي تدعي المعارضة على الحكومة التركية..ووهم المراهنة عليها ذاتها..

 

حلول إسعافية وموقف وطني..

أكد العديد من المهتمين والمختصين أن الأمر من الخطورة ما يتطلب حلولاً اسعافية سريعة، أولها تخفيض انسياب مياه البحيرة عبر العنفات إلى أقل قدرٍ ممكن حتى ولو أدّى إلى انخفاض توليد الكهرباء لإتاحة الفرصة لرفع منسوب بحيرة السد مجدداً إلى مستوى الأمان المحدد، وتقنين كمية الكهرباء المستجرة وتعويضها من مصادر أخرى.. ورفع دعوى مستعجلة إلى المحكمة الجنائية الدولية على الحكومة التركية ومن يساندها ويؤيدها، بتهمة مخالفة القوانين الدولية والإبادة الجماعية للشعب السوري.. والدفاع عن مصالح الشعب والوطن بشتى السبل.. وما حصل هو جريمة إنسانية بحق البشرية وبحق سورية والشعب السوري.. وبحق التاريخ الحضاري للإنسان الموجود في المنطقة منذ آلاف السنين..!

آخر تعديل على السبت, 31 أيار 2014 14:39