«مشمش» لقيادة القتال ضد «داعش» في المنطقة الشرقية
عبد الله سليمان علي عبد الله سليمان علي

«مشمش» لقيادة القتال ضد «داعش» في المنطقة الشرقية

هل يشير الاتفاق بين 12 فصيلاً في دير الزور على تشكيل «مجلس شورى» موحد إلى تصعيد جديد تنتظره المنطقة الشرقية، أم أنه مجرد خطوة إعلامية هدفها رفع المعنويات؟ وهل ثمة علاقة بين تشكيل «مجلس الشورى» و«ميثاق الشرف الثوري»؟ وما تداعيات تشكيله على مصير «جبهة النصرة في الشرقية» وعلى العلاقة بين تياراتها المتعددة، والتي بدأ التباين بينها يطل برأسه بشكل أكثر وضوحاً؟

تشير المعطيات المتوافرة إلى أن تشكيل «مجلس الشورى»، جاء بناء على مساع حثيثة بذلها «المفتي العام لجبهة النصرة» أبو ماريا القحطاني الذي اتصل خلال الفترة الماضية بكثافة بقيادات الفصائل لإقناعها بالفكرة، بعدما اضطرته التطورات الميدانية والتقدم الذي حققه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وطرقه باب مدينة الشحيل، من خلال سيطرته على تل العتال المشرف على المدينة، إلى الإسراع لإيجاد حلّ قبل أن تقع الواقعة الكبرى باقتحام «داعش» معقله الرئيسي.

لكن مصادر مطلعة تؤكد أن خطوة تشكيل «مجلس الشورى» أكبر من أن تكون لمواجهة الخطر الذي يحدق بمعقل «النصرة». وتشير هذه المصادر إلى أن ثمة إجماعاً في الدول الداعمة للفصائل، وأبرزها تركيا، يقضي بمنع سيطرة «داعش» على دير الزور مهما كلّف الأمر من أثمان، لما يترتب على ذلك من مخاطر وخسائر بالنسبة لها، علاوة على إصرار أنقرة ودول أخرى على المحافظة على دور الفصائل الإسلامية المقربة منها، ومنع الالتفاف عليها وسحب البساط من تحتها بذريعة محاربة الإرهاب.

وفي هذا السياق، ثمة تسريبات تؤكد أن اجتماعات عدّة عُقدت في الكويت، ضمّت مشايخ من تيارات مختلفة (تيار السرورية وحزب الأمة و«الإخوان المسلمون») ورجال أعمال وضباط استخبارات لمناقشة كيفية وقف تقدم «داعش» في المنطقة الشرقية. وتمخضت هذه الاجتماعات عن فكرة توحيد الفصائل تحت راية واحدة، بهدف توحيد الدعم وعدم تشتيت الجهود.

ويرى مراقبون أنه لولا الضغوط الإقليمية لما كان ممكناً توحيد هذه الفصائل، التي ليس بينها أي قاسم مشترك، بل تعتبر متناقضة فكرياً ومنهجياً. ويلاحظ أن القوى والدول ذاتها التي وقفت وراء تشكيل «الجبهة الإسلامية» أواخر العام الماضي، هي من تقف اليوم وراء تشكيل «مجلس الشورى الجهادي» الموحد في المنطقة الشرقية، والهدف نفسه هو قتال «داعش» من جهة، وتلميع صورة الفصائل وإظهارها على أنها تحارب الإرهاب من جهة أخرى.

واختلفت التقديرات في تحديد الهدف من وراء تشكيل «مجلس الشورى»، بين من يقول إنه مجرد خطوة إعلامية لرفع المعنويات، منطلقاً من أن جميع الفصائل الموقعة هي في الأصل مقاتلة لتنظيم «داعش» وبالتالي فإن تشكيل المجلس لن يشكل فرقاً على الأرض، ومن يقول إنه مؤشر على تصعيد كبير ستشهده مدينة دير الزور في وقت قريب، وأن هذا التصعيد سيتجلى بهجوم كبير يقوده المجلس الوليد لفك الحصار عن دير الزور ومن ثم مهاجمة «داعش» في عقر داره في الرقة.

إلا أن النقطة الأهم التي أغفلتها التقديرات، بحسب المصادر، هي العلاقة بين تشكيل «مجلس الشورى» و«ميثاق الشرف الثوري» الذي وقّعت عليه منذ حوالي أسبوعين خمسة فصائل، من بينها «الجبهة الإسلامية»، حيث أشارت المصادر إلى أن «ميثاق الشرف الثوري» ليس خطوة عرضية في مسار الأزمة السورية، بل هو حجر أساس لبناء جبهة موحدة من الفصائل الإسلامية على اختلاف تياراتها، تهدف إلى منافسة «جبهة ثوار سوريا» وحلفائها التي بدأت تكسب ثقة الغرب والدول الداعمة، ومن جهة أخرى قتال «داعش» الذي أصبح أولوية الأولويات في هذه المرحلة.

ويعزز من ذلك أن الإعلان عن تشكيل «مجلس الشورى» ترافق مع رسالة مهمة وجهها أبو ماريا القحطاني إلى كل من «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» بعد السجالات والمشاحنات التي جرت بين الطرفين على خلفية إعلان «ميثاق الشرف الثوري». وظهر التباين بين القحطاني وقيادات «النصرة» في الجنوب بخصوص «ميثاق الشرف»، حيث لم يتعرض القحطاني، في رسالته، بأي انتقاد للميثاق، وطالب الطرفين بالجلوس مع بعضهما البعض، مشيراً إلى أن «ما حصل لا يفسد للود قضية» بينما كان «مفتي النصرة في درعا» سامي العريدي قد وصف الميثاق بأنه «انبطاح وتخاذل».

ولا شك بأن توجيه الرسالة بخصوص الميثاق قبل ساعات من الإعلان عن تشكيل «مجلس الشورى» يشير إلى وجود ترابط بين الأمرين، كما أنه يدل من جهة أخرى على وجود تباين ضمن «جبهة النصرة» في الموقف من الميثاق والموقعين عليه.

ويطرح تشكيل «مجلس الشورى» تساؤلات حول مصير الفصائل المشاركة فيه، وخصوصاً «جبهة النصرة في الشرقية». فهل تشكيل المجلس يعني اندماج الفصائل مع بعضها البعض، وبالتالي إلغاء أسمائها ووجودها المستقل، أم أنه من قبيل التحالف فقط؟

ورغم أن البيان لم يوضح هذه الناحية، إلا أن التجارب التاريخية تشير إلى أن تشكيل «مجلس شورى» لمجموعة من الفصائل يعني إلغاء وجودها القديم واندماجها في الكيان الجديد باسم وشعار مختلفين. وهو الأمر الذي قام به زعيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي عندما أسس «مجلس شورى المجاهدين» متخلياً عن اسم تنظيمه السابق «قاعدة التوحيد والجهاد». فهل تخلت «جبهة النصرة» عن فرعها في الشرقية لمصلحة تشكيل «مجلس الشورى»؟ وهل يعتبر ذلك ذوباناً لفرع «النصرة» في المنطقة الشرقية ضمن الكيان المستحدث، أم أنه بداية محاولة من تنظيم «القاعدة» للهيمنة على الفصائل المشاركة في تشكيل المجلس، مع تفادي الأخطاء التي وقع بها في العراق وأدّت إلى إخراجه نهائياً من معادلة القوى الفاعلة على أرضه؟

وكان 12 فصيلاً، من أكبر الفصائل المسلحة في المنطقة الشرقية، قد اتفقوا على تشكيل ما أسموه «مجلس شورى مجاهدي الشرقية»، والذي اختصره المناهضون لهذه الفصائل بـ«مشمش»، أخذاً من أول حرف من كل كلمة، وذلك لمواجهة المرحلة الراهنة وما يصاحبها «من تحديات كبيرة باتت تهدد المنطقة الشرقية عامة، ومدينة دير الزور خاصة، حيث أطبق الحصار عليها من كل جانب» كما جاء في البيان المصور الذي أعلن فيه عن تأسيس المجلس.

والفصائل الموقعة على البيان هي: «الهيئة الشرعية المركزية»، و«جبهة النصرة في المنطقة الشرقية»، و«جيش الإسلام»، و«أحرار الشام»، و«جيش أهل السنة والجماعة»، و«جبهة الأصالة والتنمية»، و«القعقاع»، و«جبهة الجهاد والبناء»، و«بيارق الشعيطات»، و«لواء القادسية»، و«جيش مؤتة الإسلامي»، و«جيش الإخلاص»، و«كتيبة المهاجرين والأنصار».

المصدر: السفير