مشاهد أردنية متكررة، وتواطؤ إعلامي
غادة الشيخ غادة الشيخ

مشاهد أردنية متكررة، وتواطؤ إعلامي

مشاهد كثيرة تكشف عورة السلطة السياسية في الأردن وهشاشتها، وتبعيتها المطلقة للإمبريالية العالمية. لسنا بحاجة إلى التمحيص طويلاً لنستخرج الأحداث الواضحة التي تشير لتلك التبعية. فقط اجلس في مكانك، وأنقر على زر البحث في مشغل غوغل: "الأسرى"، "رائد زعيتر"، "خالد الناطور"، "فواز االعيطان". سيتكشف لك الكثير وبسرعة أكبر مما تخيل هشاشة تلك السلطة، وتواطئ إعلامها!

جولة في مشاهد الهشاشة والتواطؤ

المشهد الأول:

26 أسيراً أردنياً من بينهم صاحب أطول محكومية في التاريخ “67 مؤبد” الأسير عبد الله البرغوثي، يقبعون مع أكثر من 5000 أسير في المعتقلات الصهيونية، وسط أبشع أشكال التنكيل والتعسف من قبل إدارة السجون الصهيونية.

26 أسيراً أي 26 مواطناً أردنياً يتعرضون يومياً لانتهاكات في حقوق الإنسان من قبل ماكينة الاستعمار، على مسمع من حكومتهم الأردنية. نعم على مسمعهم، فالشكر للجان الأردنية الداعمة لقضايا الأسرى الأردنيين في سجون العدو التي تنقل أصوات الأسرى وتضعها على طاولة رئاسة الوزراء الأردنية وتنقلها إلى منابر إعلامية محلية، لتؤكد على تواطؤ بل خنوع السلطة السياسية في الأردن.

ربما خير إجابة على هذا السؤال معركة الأمعاء الخاوية التي خاضها الأسرى الأردنيون في العام الماضي، والتي استمرت 103 أيام متواصلة احتجاجاً على المعاملة القاسية التي يتعرضون لها من قبل السجان، وسعياً للضغط باتجاه تحقيق أبسط مطالبهم، وهي تأمين زيارات أهاليهم لهم.

علقت معركة الأمعاء الخاوية تلك بعد فرض الأسرى الأردنيين شروطهم على الجانب الصهيوني، الذي وعد بالخضوع لمطالبهم لثنيهم على إيقاف إضرابهم عن الطعام، خوفاً من تعرية صورتهم التي يحرصون على الحفاظ على إطارها الناصع أمام “الرأي العام الدولي”.

كانت من ضمن شروط تعليق الإضراب تأمين زيارات أهالي الأسرى لأبنائهم، هنا يدخل الدور الأردني الرسمي بعد غياب 103 أيام عن معركة الأمعاء الخاوية. تتدخل الحكومة الأردنية للتباحث في حق انتزعته أمعاء أسراها في سجون العدو وتخرج بصيغة -نشرتها وسائل الإعلام الصهيونية- تتحدث عن تأمين زيارة لأهالي الأسرى في السابع والعشرين من شهر شباط من العام الحالي، أي بعد ستة شهور من تعليق الإضراب.

الزيارة المقررة والمعلنة لم تتحقق حتى اليوم، وما تزال حقائب الأسرى المعبأة بملابس داخلية وكتب وسجادات صلاة مركونة بجانب أبواب منازل أهاليهم في الأردن تنتظر صفارة الانطلاق!

المشهد الثاني:

مواطن أردني يذهب إلى السعودية في زيارة عمل، وفي مطار الرياض يتعرض لاختطاف، ولو أن زملاء له لم يكونوا برفقته في المطار، لربما حتى اليوم لا يعرف الأردنيون أين خالد الناطور!

النظام السعودي الذي أباح لنفسه اختطاف مواطن أردني لممارسة ارتكبها في بلده (علماً بأن خالد الناطور كان فد اعتقل في السابق من قبل قوات الأمن الأردنية خلال مشاركته باحتجاج على باب سفارة المملكة السعودية في الأردن)، اعتقل الناطور وحوله إلى سجون المباحث السعودية التي يتواجد فيها معتقلون سياسيون معظمهم عرب. هذا النظام منح لنفسه حق عزل الناطور انفرادياً في البداية ثم بدأ معه رحلة الترحيل من مهجع إلى آخر، إيماناً منه بأن الناطور مثله مثل غيره من المعتقلين سيبقى قابعاً في سجونهم إلى حين أن يحصل على صك الغفران السعودي.

لا شك بأن النظام السعودي لم يبح لنفسه حق اختطاف الناطور من فراغ، لأنه يعلم بأن المنح التي يضخها للخزينة الأردنية أغلى من قيمة المواطن الأردني لدى حكومته.

وسط اعتصامات واحتجاجات في الشارع الأردني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أفرج عن المواطن خالد الناطور بعد ثلاثة شهور من الاعتقال وساعات لا تحصى من التحقيق في موضوعات عدة من ضمنها ميوله في قراءة كتب نحو علم الاجتماع!

ليست حشود المستقبلين التي تجمعت في مطار الملكة علياء الدولي أول من شاهدها الناطور بعد نزوله من الطائرة السعودية، بل مندوب وزارة الخارجية الأردنية، والناطق الرسمي لها، هنا فقط يدخل الدور الأردني الرسمي في قضية خالد الناطور!

المشهد الثالث:

قاضي أردني أعرب عن استنكاره عن سوء المعاملة التي تعرض لها في معبر “الكرامة” من قبل جنود صهاينة، فجاءت رصاصة متعمدة من قبل أحد الجنود استطاعت أن تضع حداً لهذا الاستنكار، وتودي بالشهيد رائد زعيتر أرضاً، غارقاً بدمه، دمه الأردني!

لا يزال الشارع الأردني في انتظار نتائج التحقيق التي ما ينفك الجانب الرسمي الأردني من التأكيد بأنها ما تزال قيد الإجراء.

مجريات التحقيق هذه تقوم عليها حكومة الجندي الصهيوني الذي قتل زعيتر، هذا الجندي الذي سيدخل ضمن أساطير الزمن التي يرويها الأهالي لأطفالهم عن تلك الشخوص التي لا تحمل اسماً لكنها لا شك موجودة في دائرة الحياة. حتى اللحظة لا يعرف الأردنيون اسم قاتل ابنهم زعيتر!

حالة احتقان ظهرت بوادرها في الشارع الأردني بعد حادثة استشهاد زعيتر، تعاملت معها الحكومة الأردنية بتكتيك وحنكة في إدارة “الأزمات”، حيث أطلقت العنان لقوات الدرك الأردنية في فض الاعتصامات الاحتجاجية أمام السفارة الصهيونية في الرابية وممارسة القمع “الناعم” على المحتجين.

لم يتوقف دور الحكومة في امتصاص غضب الأردنيين عند هذا الحد، فبعد أيام من استشهاد زعيتر خرجت بموقف رسمي أعلنت فيه عن تقديم الجانب الصهيوني اعتذاره على خلفية قتل جندي صهيوني لمواطن أردني. ساعات قصيرة فصلت هذا الموقف عن الموقف الرسمي الصهيوني الحريص دائماً على حسن انتقاء ما يخرج عن فوهه، ليصحح خطأ لغوياً كارثياً ارتكبته الحكومة الأردنية وهو أن الحكومة الصهيونية لم تقدم اعتذارها بل أعربت عن أسفها!

المشهد الرابع:

ليبيا تحت خط النار، عصابات مسلحة في شوارعها ودبابات مركونة في الحارات وقنابل تباع على البسطات، ماذا كان يفعل السفير الأردني فواز العيطان هناك وسط هذه المشاهد الحية القاتلة؟

استيقظ الأردنيون منتصف الشهر الماضي على خبر يفيد باختطاف سفير بلدهم في ليبيا من قبل عصابات مسلحة أثناء تواجده في سيارته مع سائقه الذي تعرض لإصابة بالرصاص، بلد العصابات المسلحة لا تميز بين شخصية دبلوماسية وشخصية عادية تعرف فقط أن لها الحق في انتزاع ما تريده بالقوة.

ما حدث مع السفير الأمريكي في ليبيا الذي تعرض للخطف والقتل المصاحب للتشويه من قبل عصابات مسلحة هناك، كان كفيلاً لكي تسحب الحكومة الأردنية سفيرها من ليبيا وتسحب رعاياها أيضاً من هناك، حفاظاً على حق بسيط جدا كفلته الكتب السماوية والمواثيق الدولية والدساتير على مر القرون، الحق في الحياة!

قراءة في المشاهد الأربعة

تزامنت تلك المشاهد مع القرار الحكومي الأردني بوضع إضافة على مدخل وزارة الخارجية الأردنية لتصبح “وزارة الخارجية الأردنية .. وشؤون المغتربين”، يمثلها الوزير ناصر جودة.

تلك الإضافة تضع أمام المراقب عدة تساؤلات، أهمها عن حال المواطن الأردني خارج حدود بلده، هل ستكفل حقوقه في الخارج أم أنه وبمجرد أن وطأت قدماه خارج حدود وطنه يجرد من حقوقه كأردني.

الأسرى الأردنيون مثلاً خارج حدود بلدهم وخلف قضبان سجون عدوهم كما أنهم أسرى “معاهدة” مثلهم مثل باقي الأردنيين، وهي معاهدة “وادي عربة” مع الكيان الصهيوني. هم محرومون من حق مقابلة أهاليهم بل إنهم محرومون أيضاً من مطلب استكمال مدة محكوميتهم داخل السجون الأردنية كما يقتضي “القانون الدولي”، مطلب جاء بعد أن لمسوا بأن حق نيلهم الحرية بات مستحيلاً أمام الوضع الراهن.

تداول “الفيسبوكيون” في فترة معركة الأمعاء الخاوية التي خاضها الأسرى الأردنيون صورة لناصر جودة مكتوب عليها “مفقود”، ليس القصد من هذه الصورة التي انتشرت على نطاق واسع التهكم وحس النكتة التي يعرف بها الفيسبوكيون الأردنيون، بل كان فضولهم في معرفة أين وزيرهم ووزير “المغتربين” من أصوات أمعاء الأسرى الخاوية، وهم يرقدون هذه المرة في مستشفيات تتبع لمصلحة السجون الصهيونية نظراً لتردي أوضاعهم الصحية من جراء إضرابهم عن الطعام.

أين هو “المفقود” من سلسلة الاعتصامات التي نظمها أهالي الأسرى أمام وزارته، أين هو ليرد على رسائل الأسرى المضربين عن الطعام التي أرسلت إليه عن طريق اللجان الداعمة لهم، أين هو ليرد على الجملة الاستفزازية التي قالها أحد السجانين الصهاينة للأسرى في إضرابهم تفيد بأن حكومتهم لا تكترث بهم.

لم يكن جودة “المفقود” الوحيد في قضية إضراب الأسرى، بل سفير الأردن في تل الربيع وليد عبيدات كان مفقوداً أيضاً، وحتى اليوم لم يحصل الأردنيون على إجابة عن ماذا كان يفعل عبيدات هناك في فترة الإضراب وهل زيارات دورية للاطمئنان على أوضاع الأسرى في إضرابهم شيء عظيم يصعب تحقيقه حتى في ظل اتفاقية الاستسلام الموقعة مع الجانب الصهيوني؟ أم أن كلمة “شؤون المغتربين” كلمة فضفاضة ربما لا تشمل أسرى العدو؟

هتف محتجون في إحدى الاعتصامات التي نظمت أمام رئاسة الوزراء تضامناً مع قضية المواطن الأردني خالد الناطور خلال فترة اعتقاله في السعودية، هتافاً يستحق التوقف عنده: “عَ السفارة رايحين .. إذا بتظلوا ساكتين” في إشارة إلى التلويح بالتصعيد في حال استمرار الصمت الحكومي الأردني عن مصير الناطور وتنظيم اعتصام احتجاجي أمام السفارة السعودية في عمّان رداً على هذا الصمت. المتضامنون مع الناطور وجدوا أن استفزاز حكومتهم لاتخاذ إجراء ما قد يأتي من خلال “إزعاج” ممثلي المملكة السعودية في الأردن، هذا الإزعاج الذي تعتبره الحكومة الأردنية “تابو”.

من المؤكد بأن خالد الناطور عندما وصل الحدود السعودية وقبل خروجه من الطائرة وصلته رسالة على هاتفه النقال من السفارة الأردنية في الرياض “تتمنى له إقامة طيبة في السعودية” مدعمة برقم السفارة، في إشارة إلى التواصل معها في حال تعرض الناطور لمكروه “لا سمح الله”.

رداً على أحد الأسئلة من قبل الصحفيين التي وجهت إليه فور عودته إلى الأردن بعد اعتقاله، قال الناطور: “لا لم يزرني أحد من السفارة الأردنية في الرياض خلال فترة اعتقالي هناك”!!.

من أشكال التعبير عن غضبهم على حادثة استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر في معبر “الكرامة” من قبل جندي صهيوني، دعا فيسبوكيون أردنيون دعوات مباشرة وأخرى مبطنة إلى خطف سياح صهاينة يزورون الأردن رداً على دم زعيتر الذي قتل بدم بارد.

مثل هكذا دعوة قد يراها “حقوقيون” بأنها منافية للمعايير “الإنسانية”، لكنها جاءت بعد أن شعر الأردنيون بأن حكومتهم وبصمتها (المفهوم تماماً ضمن علاقتها بالكيان الصهيوني) ومنحها الضوء الأخضر لحكومة قاتل زعيتر بتولي زمام التحقيق على الحادثة، لن تشفي غليلهم وأن الرد على الحادثة من خلال اختطاف سياح صهاينة قادر على أن يفند ما يتداوله شارع المحتل من أن الأردنيين غير غيورين على بعضهم. ولو حدث فعل الاختطاف، فعلاً لكان الرد الأسلم والأجدى، لنتذكر سوية: من تمكن من تبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني، هل كان حزب الله أم السلطة الفلسطينية على طاولة المفاوضات؟

في اليوم الثاني من استشهاد زعيتر نشرت مواقع صهيونية صورة لرئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نيتنياهو يتوسط مجموعة من جنود العدو، هذه الصورة كفيلة بأن تضع المواطن الأردني في مقارنة مؤلمة حول قيمة المواطن الأردني (زعيتر أنموذجاً) لدى حكومة وطنه وقيمة العدو لدى حكومته، وقد تصل هذه المقارنة أيضاً إلى قيمة العدو لدى الحكومة الأردنية!

ليس المهم معرفة مدى صحة ما تداولته وسائل إعلامية محلية من أن السفير الأردني المخطوف في ليبيا فواز العيطان يعاني من مشاكل في القلب والضغط، وأن اختطافه يهدد صحته، هو مخطوف من قبل عصابة مسلحة إذاً فان صحته مهددة بالخطر سواء كان يعاني من تلك المشاكل الصحية أم لا.

 

قبل أكثر من عام نشرت إشاعة تتحدث عن تهديد بتفجير إحدى “المولات” في العاصمة عمّان من قبل جماعة إرهابية، هي إشاعة لكنها كانت كفيلة بجعل السفارة الأميركية في عمّان تنتفض وتقوم بإرسال رسائل نصية إلى رعاياها في الأردن تحذرهم من هذه الإشاعة وتدعوهم إلى توخي الحذر.

الحكومة الليبية هي من تتحمل مسؤولية مصير العيطان، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان، وفي النظر في العمق فإن الحكومة الأردنية تتحمل مسؤولية كذلك، فالعيطان علاوة على أنه شخصية دبلوماسية من الواجب مضاعفة تحصينها في ظروف مثل ظرف ليبيا فإنه أيضاً مواطن أردني، و”مغترب” أيضاً!!

الإعلام شريك أيضاً … في التواطؤ!!

المشهد الأول:

لم تبدأ قضية الأسرى الأردنيين في معتقلات الاحتلال منذ معركة أمعائهم الخاوية، هي قضية قديمة جديدة ولدت منذ احتلال فلسطين، وطالما كانت حية في الشارع الأردني حتى قبل تلك المعركة.

اعتاد أهالي الأسرى الأردنيين منذ أعوام على تنظيم اعتصامات تضامنية مع أبنائهم أمام اكثر من مؤسسة رسمية وحقوقية، ولم تقف تلك الاعتصامات عند تلك المؤسسات فقط، بل شملت اعتصامات أمام مؤسسات إعلامية مثل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون “التلفزيون الأردني”.

المراقب والمتفاعل مع قضية الأسرى الأردنيين والذي يتواصل باستمرار مع أهاليهم، يعرف لماذا اختار الأهالي التلفزيون الأردني مكاناً للاعتصام أمامه، يعرف أن الصبر ضاق بهم وأنهم بأمس الحاجة لمنبر يتحمل مسؤولية هويته. “الأردني” هكذا مكتوب أمام مبنى المؤسسة!

ضاق الصبر بأهالي الأسرى الأردنيين من غياب الدور الإعلامي الأردني في ممارسة واجبه في تناول قضية أبنائهم ليس فقط من قبل التلفزيون الأردني، بل طال هذا الغياب حتى اليوم منابر إعلامية خاصة أيضاً، ومواقع إلكترونية استبشر بها خيراً بعد انطلاقتها بأن هامش الحرية فيها سيطل على قضية إنسانية مثل قضية الأسرى الأردنيين في المعتقلات الصهيونية.

عرفت المهنة الصحفية بأنها مهنة تأخذ على عاتق العاملين فيها مسؤولية مهمة بأن يكونوا “صوتاً” للأصوات المكبوتة، وأن يكونوا حلقة وصل بين المواطن والمسؤول وأن هدفهم تسليط الضوء على الحقيقة! هل واقع الأسرى الأردنيين تحت سطوة عدوهم السجان يحتاج الى البحث والتقصي عن الحقيقة؟ هذه الحقيقة المطلقة التي لا تحتاج إلى التحري عنها ولا تستند إلى شعار “الرأي والرأي الآخر”!

المشهد الثاني:

بعدد أصابع اليد الواحدة أو ربما أقل “بقليل” كان عدد الوسائل الإعلامية المحلية التي تناولت قضية خالد الناطور وهو معتقل في السعودية، لتتحول تلك الأصابع القليلة بين ليلة وضحاها إلى العشرات من مندوبي الوسائل الإعلامية الذين تواجدوا في مطار الملكة علياء الدولي يوم عودة الناطور حراً من السعودية.

لم تخرج دراسة إحصائية حصدت عدد الصحفيين والمصورين وكاميراتهم الذين تواجدوا يوم عودة الناطور، لكن من تابع المشهد لاحظ حجم التسابق الإعلامي في تصوير خالد عندما خرج أمام مستقبليه في المطار رافعاً علامة النصر، ومن ثم مرفوعاً على الأكتاف، وأخيراً ساجداً سجدة الشكر في أرض بلده.

لم يتوقف الماراثون الإعلامي عند مطار الملكة علياء الدولي، بل اتجه شمالاً إلى محافظة إربد حيث تقطن عائلة خالد الناطور هناك، شغفاً في الانفراد بصورة خالد وهو “يدبك” مع أقاربه الذين يحتفلون بعودته.

صورة خالد الناطور وهو يدبك صورة لا يستخف بها، بل وجودها يطفىء نار من كان قلقاً عليه وفاقداً الأمل من نيله حريته، لكن أين كانت تلك الكاميرات عندما كان معتقلاً في السعودية، لماذا لم تتجه كاميرا واحدة فقط أثناء اعتقاله أيضاً شمالاً؟ وأيضاً في منزل عائلته في إربد؟ وهذه المرة أمام والدته!

كاميرا واحدة فقط لو وجهت أمام والدة خالد وهو معتقل، يقول فيها المصور الصحفي لتلك المرأة الخمسينية: “احكي يا خالتي” كانت ستحرز تغييراً، فكل ما كان سيصدر من تلك الأم أياً كان ما يصدر منها حتى لو اقتصر على دعاء يستنجد بعودة ابنها حراً، كان جديراً بأن يقلل الثلاثة شهور من عودة الناطور إلى حضنها، ربما كانت شهرين أو أقل أو أكثر بقليل، فالحياة احتمالات وكل شيء وارد!!

التخاذل الإعلامي في تناول قضية خالد الناطور فترة اعتقاله وحصره يوم عودته فقط لم ينته بعد، فأكثر من عام مضى على عودة خالد، لماذا لم تنشر حتى اليوم مادة إعلامية واحدة تتناول حالة واحدة من جملة انتهاكات كثيرة تعرض لها الناطور فترة اعتقاله في ليالي التحقيق، أو تسلط الضوء على باقي الأردنيين المسجونين في المعتقلات الوهابية!

لماذا لم يفتح ملف إعلامي مثلاً حول الثلاث ساعات المتواصلة التي بقي فيها خالد واقفاً ممنوعاً من الحركة والتململ، والنعاس الذي قد يودي إلى النوم، أو حتى التخوف بينه وبين نفسه من قرب موعد قضاء حاجته وهو مجبر على الوقوف ثلاث ساعات؟ ثلاث ساعات متواصلة!

الإعلام يتحرك ضمن غريزتين أساسيتين: رواج الخبر (أي السوق وعدد المستهلكين)، وأوامر السلطة السياسية ومحاذيرها في الوقت نفسه. لذلك ستتمكن من تفسير السبب في انتقائية المشاهد استناداً إلى هذين العنصرين.

المشهد الثالث:

كان حدث استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر الحدث الأبرز اعلامياً خصوصاً في الأسابيع الأولى بعد استشهاده، الحدث الأبرز مع اختلافات في طريقة تناوله بين وسيلة إعلامية محلية وأخرى.

لا شك بأن هناك وسائل إعلامية تابعت الاعتصامات الاحتجاجية التي نظمت أمام السفارة الصهيونية في عمّان، مع اختلافات في تغطية هذه الاعتصامات هذه المرة أيضاً.

فهناك وسائل إعلامية حرصت على تغطية الأحداث الاحتجاجية على خلفية استشهاد زعيتر سواء فيما يتعلق بتناول الحالة الحقيقية في تلك الاحتجاجات التي صاحبها قمع بقرار أمني من قبل قوات الأمن للمحتجين، أو فيما يتعلق بالهتافات التي طالبت بطرد السفير الصهيوني من عمّان وإغلاق سفارة العدو.

لكن على الضفة الأخرى، فضلت وسائل إعلامية التركيز على نقاط اعتبرتها جديرة بتسليط الضوء عليها خلال تلك الاعتصامات، مثل تقليل عدد المشاركين في تلك الاعتصامات “قراءة إحصائية إعلامية تعتمد على عين الصحفي” بالإضافة إلى “فيزون” إحدى المشاركات في إحدى الاعتصامات هناك.

اختلافات وفروقات في التعاطي الإعلامي المحلي مع قضية الشهيد زعيتر، لكن هناك تشابه كان حاضراً صبيحة استشهاد زعيتر، وهو توحد الصحف المحلية الأربعة بمنح حادثة الاستشهاد ميزة بوضعها على الصفحات الأولى لتلك الصحف، توحدت مع فرق بسيط جداً، هو صورة خبر استشهاد زعيتر في إحدى أبرز تلك الصحف التي لم تتكلف عناء التدقيق في صورة الشهيد، حيث أوردت صورة السفير التركي في عمّان بالخطأ!!

المشهد الرابع:

ألا يستحق السفير الأردني المخطوف في ليبيا فواز العيطان، أن تخصص له زاوية صغيرة على رأس صفحات الصحف الأربع وأعلى صفحات المواقع الإلكترونية الإخبارية تدرج فيها صورته الشخصية وتبقى ثابتة طوال فترة اختطافه مع تغيير بسيط وهو عدد أيام اختطافه؟

هذه الصورة صغيرة الحجم، كان من الممكن أن تكون منبه للأردنيين عندما يمسكون بالجريدة التي يفضلون قراءتها أو حتى الموقع الإخباري، يذكرهم بأن هناك في بلد السلاح مواطن أردني مخطوف ما تزال عائلته بانتظاره.

تخصيص زاوية مدرج عليها صورة ليس أسلوباً إعلامياً جديداً، إنما دخل حيز العمل الإعلامي الأردني منذ ولادة المواقع الإلكترونية الإخبارية، التي كانت تخصص بعض منها صوراً لمرشحي الانتخابات البرلمانية في أعلى صفحاتها. فواز العيطان مواطن أردني مخطوف يحتاج إلى صفحة كاملة على أقل تقدير لصورته!

لم يسلم فواز العيطان من غياب التكثيف الإعلامي لقضيته من قبل وسائل الإعلام فقط، بل شمل هذا الغياب مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً لصفحات الفيسبوكيين والتويتريين.

الحرية_لـ “هاش تاغ” يحضر بقوة عند حدوث حالات اعتقالات لنشطاء سياسيين أردنيين، أين هذا الهاش تاغ في فترة اختطاف العيطان، لماذا لم تخصص له حملة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بحريته؟ لماذا لم يتم توحيد صورته في صور البروفايلات مثلاً كما جرت العادة في حالات كثيرة سابقة؟

يشار إلى أن السفير الأردني فواز العيطان تدرج في خانة الجنسية في إثباتاته الشخصية مثل الهوية، “أردني” وليس “دبلوماسي”. ويشار أيضاً إلى أننا نذكر قضية السفير للإشارة إلى مدى هشاشة الحكومات الأردنية وتبعيتها المطلقة للأمريكي، حتى سفيرها (الذي لربما، ونقول ربما)، ذهب في تأدية مهمة أمريكية، ألقوه على الرصيف ومضوا.

المصدر: راديكال