توافق تكتيكي ومصالحة اضطرار
                                                                        عبداللطيف مهنا عبداللطيف مهنا

توافق تكتيكي ومصالحة اضطرار

من ابسط بديهيات اي مصالحة وطنية تلي اي انقسام وطني في مطلق ساحة وطنية، وخصوصاً ماهي عليه الحال في الساحة الوطنية الفلسطينيه، أنها لابد وأن تتم وفق توافق الطرفين المتصالحين على برنامج حد ادنى سياسي وطني، تحصنه وتدعمه مشاركة فاعلة من قبل كافة القوى والهيئات ومختلف الوان الطيف السياسي في الساحة.

بحيث تجتمع وتتراص من حوله الصفوف وتتوَّحد على هداه البوصلة المهتزة، وبالتالي، ولارتكازها اليه، تصان مثل هذه المصالحة وتصمد في مواجهة ما ستواجهه من عوائق، أو ما تتطلبه من مستوجبات واستحقاقات. هذا الشرط بالذات هو ما يفتقر لمثله اتفاق المصالحة الأخير في الساحة الفلسطينية، أو ما يُطلق عليه "اتفاق الشاطىء" بين رام الله وغزة، والذي تلى يومين من المباحثات افضيا إلى توافق طرفيها على أمرين اثنين لاثالث لهما، وهما تشكيل حكومة جديدة لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود، واجراء انتخابات في مناطقها بعد مضي ستة اشهر.

قبل هذا الاتفاق التصالحي، ومنذ وثيقة آب\اغسطس العام 2002 وحتى تفاهمات القاهرة في العام 2013، تمت تسع توافقات تصالحية فلسطينية شبيهة تباينت مسمياتها وتعددت الآمال المعلقة عليها... كانت مابين الوثيقة والتفاهم والاتفاق، لكنها جميعاً لاقت مصيراً واحداً فلم تنفَّذ أي واحدة منها، ومردَّه ذات السبب الذي تفتقر اليه هذه المصالحة الأخيرة أو العاشرة... وعليه ولانتفاء هذا الشرط بالذات، أي وجوب التوافق على برنامج الحد الأدنى السياسي الوطني المفترض، فإن هذه المصالحة منطقياً ، إذا ما قيض لها تحقيقاً، لابد وأن تتم موضوعياً وفق برنامج أحد طرفيها أوعلى اساسه، بمعنى التحاق الطرف الآخر به، أوعملياً إقراره ببرنامجه والإلتزام به... ناهيك عن كونها تتم اصلاً تحت سقف اوسلو وداخل قفصها إياه وتجري في ملعبها ولن تبرحه. كما أن حكومتها العتيدة سوف تشكل، إن قيَّض لها تشكيلاً، في ظل استمرارية جاري التنسيق الأمني مع العدو، وبالتوازي والتناغم مع متطلبات ورتم سياسات خيار التفاوض حياة...ماتقدم من شأنه أن يخبرنا سلفاً بأن حظوظ ومصير مثل هكذا مصالحة سوف لن يختلف كثيراً عن سابقاتها، أو هو لن يشذ عن مآلاتها. الأمر الذي هو حقاً مدعاة للتساؤل، إذاً وعلام كانت؟!

إنها ليست سوى مصالحة اضطرار، وضرب من خيار تكتيكي من ضمن خيارات لاعلاقة لها بما هو الاستراتيجي، استوجبتها مواجهة انسداد افق أمام طرفين لهما خطين ونهجين، إن لم يكونا تماماً نقيضين كما هو المعلن فهما لايلتقيان، إلا وفق ماتتطلبه منهما، في غياب البرنامج الوطني، دواعي المناورة ومستلزمات ادارة انقسام مزمن...تفاقم كوارث وتداعيات الحصار العربي الصهيوني الخانق على قطاع غزة واشتداد المعاناة الشعبية لانسداد الرئة المصرية، والإحساس باثقال العزلة الإقليمية الناجمة عن راهن تناقص دعم الداعمين وندرة الحلفاء، هما وراء دوافع حماس التصالحية الراهنة. أما بالنسبة للأوسلويين فقد انتهت المدة الزمنية المفترضة للمفاوضات، أو التسعة اشهرالمحددة لها، دون التوافق المنشود على تمديدها... هذه الاشهر التسع العجاف التي جرى في ظلها وبفضل تغطية من باطلها بناء 14000 وحدة استعمارية تهويدية، أي بمعدل 50 وحدة في كل يوم منها، الأمر الذي يظهر حتى لدافني رؤسهم في الرمال التسووية التصفوية أن الصهاينة ليسوا ولن يكونوا يوماً في وارد التخلي عن استراتيجية التهويد لكامل فلسطين، التي بدأت منذ أن كان الصراع وحتى يحسم لصالح أحد طرفيه، أي ليسوا في وارد التفضل على المسالمين الأوسلويين بأي حل مرتجى سوى حلهم الصهيوني الذي لايعني سوى الإستسلام. كما أن الوسيط، أو الراعي، الأميركي قد اثبت بجدارة معروفة عنه خلال ملهاة تلك الأشهر، كما هو حاله من قبلها او من بعدها، أنه إنما يجهد نفسه ويضيع وقته الثمين فقط لهدف واحد أحد وهو مصلحة حليفه الصهيوني، والتي لن يحيد عنها ولو حاد الصهاينة انفسهم، ولن يتوقف عن العمل أو الدفع والضغط بغية تحقيقها. ولهذا كان أن سارعت واشنطن إلى الإعتراض حتى على مجرد حديث المصالحة الفلسطينية وتعجلت في رسم الخطوط الحمرأمامها، وهاهى آن باترسون مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى تقول ، أو تنذر، في جلسة استماع لمجلس النواب الأميركي: "دعوني أكون واضحةً للغاية حول سياستنا تجاه حماس...لن تذهب أية أموال من الحكومة الاميركية إلى أية حكومة تضم حماس، إلا إذا قبلت حماس بشروط الرباعية، وهى نبذ العنف والاعتراف بالاتفاقات السابقة، والأهم الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود". 

... وربما لأن آن باترسون كانت في غاية الوضوح، وفي اشارة مباشرة منه لشروط الرباعية تحديداً، يعود رئيس السلطة فيؤكد مرة أخرى على ما ظل يحرص على توكيده، وهو إن " الحكومة المقبلة ستأتمر بسياستي، وأنا أنبذ العنف والإرهاب، ومعترف بالشرعية الدولية، وملتزم بالإلتزامات الدولية، والحكومة ستنفذها"... ولهذا أيضاً، كان من رام الله أن استلت المجلس المركزي لمنظمة التحرير من جراب غفوته المزمنة، وإذ أيقظته بسرعة فائقة اجتمع ليصدر بياناً يشير فيه إلى استمرارية المفاوضات تحت الرعاية الأميركية...