لقاء بوتين – أوباما: صيف سورية حار جداً
د. ليلى نقولا الرحباني   د. ليلى نقولا الرحباني

لقاء بوتين – أوباما: صيف سورية حار جداً

وهكذا، أُعطيت الأزمة في سورية موعداً جديداً لمحاولة الحل، سيحاول كل طرف خلالها أن يعدّل موازين القوى على الأرض لصالحه، فيدفع الشعب السوري من دمائه وأمنه واستقراره، وتدفع الدولة السورية المزيد من الانهيار في بنيتها التحتية، وفي الضغط على الليرة السورية، وفي التأزم الاقتصادي والاجتماعي.

 قد يكون اللقاء بين أوباما وبوتين، ومن خلال تعبيرات الرجليْن وتجهّم وجهيْهما، وتفاصيل حركاتهما وما قالاه، قد عكس غضباً روسياً على ما يمكن أن يبدو أنه تراجع أميركي عما تمّ الاتفاق عليه في موسكو خلال لقاء كيري – بوتين، وما صرح به وزيرا خارجية البلديْن في المؤتمر الصحفي الذي أعلنا فيه التوصل إلى اتفاق لعقد “جنيف-2″.
 لعل التراجع الأميركي عن السير بحل سريع للأزمة مردّه إلى أن الحلف الذي شكّله الأميركيون للتخلص من النظام السوري يبدو مأزوماً جداً، وفي أضعف حالاته اليوم منذ بداية الأزمة السورية، وذلك على الشكل الآتي:
-تركيا: تعاني من أزمة سياسية داخلية كبرى، قد تطيح بحزب “العدالة والتنمية”، أو على الأقل قد تطيح بأردوغان، بعدما باتت التظاهرات والانتقادات تطاله من كافة شرائح المجتمع، ومنها بعض رموز حزب “العدالة والتنمية” نفسه.
-قطر: تتجه إلى تغيير جذري في بنية السلطة فيها، ستطيح بالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ووزير خارجيته حمد بن جاسم، ليستلّم السلطة نجله تميم، الذي قد يُدخل تغييرات جذرية على السياسة الخارجية القطرية.
-السعودية: بالرغم من أن الإعلام يفيد عن قدرة آل سعود على كبح التململ الشعبي في المملكة، إلا أن الوضع الحقيقي لا يبدو كذلك، حيث البطالة وتململ الشباب من كبت الحريات وتهميش معظم فئات الشعب، وكبر سن قادة النظام السعودي، والتخلف في إدارة البلد، وقد تشهد السعودية تطورات هائلة تؤدي إلى تفتّتها أو الإطاحة بآل سعود، وتفيد التقارير أن الخطر قد لا يتأتّى من المنطقة الشرقية في المملكة، والتي تسكنها أغلبية شيعية، إنما قد يكون الخطر الأكبر من تغلغل “الإخوان” في شبه الجزيرة العربية.
-مصر: يعيش الحكم المصري الجديد وضعاً سيئاً للغاية لا يُحسد عليه، وقد تكون خطوة مرسي بقطع العلاقات مع سورية، هي محاولة هروب إلى الأمام، وإلهاء الشعب المصري عن المشاكل الداخلية التي يرزح تحتها، والتي قد تؤدي إلى الإطاحة بالحكم “الإخواني” الذي فشل في تسيير أمور الدولة، وكسِب الأعداء من جميع الفئات، وأهمها الفئات “السلفية” التي دعمته للوصول إلى السلطة.
-المعارضة السورية: تعيش أسوأ مراحلها الميدانية منذ بدء الأزمة، إذ إنها مشرذمة داخلياً، وتقاتل بعضها بعضاً، لاسيما بعد الخسارة الميدانية الكبيرة في القصير.
في المقابل، فقد شكّل الانتصار الميداني الذي حققه الجيش السوري وحزب الله في القصير، عاملاً هاماً في رفع معنويات النظام السوري وجيشه، ستنسحب على أدائه في المعارك الميدانية المقبلة.
 أما إيران، فقد أظهر النظام فيها قدرة هائلة على التجدّد وتغيير الصورة النمطية، وقد حققت الانتخابات الإيرانية الأخيرة أهدافاً عدة، أهمها:
-رسمت إيران لنفسها صورة ديمقراطية جيدة، مع الإبقاء على التوازن بين جناحي النظام؛ بإظهار أن النتائج جاءت لمصلحة “معتدل” مدعوم من الإصلاحيين، بينما كانت خسارة المحافظين بسبب تشتّت أصواتهم، وليس لفقدان القاعدة الشعبية الداعمة.
-امتصاص الغضب الشعبي والنقمة التي لو قُدِّر لها أن تنفجر، لشهدت إيران ما تشهده تركيا اليوم، ولتكررت تجربة الانتخابات السابقة، مع فارق هام جداً، وهو عدم قدرة الحكم على ضبطها هذه المرة، فالعقوبات الاقتصادية وانهيار سعر صرف العملة أدّيا إلى نقمة شعبية هائلة كانت ستظهر نفسها اليوم.
-قام الحكم الإيراني بالتخفيف من الأحمال الزائدة التي كانت تسبب له إضعافاً في الداخل، وعزلة في الخارج، مع الإبقاء على الثوابت في سياسته الخارجية، باعتبار أنها من صلاحيات الولي الفقيه، وليس رئيس الجمهورية، فبإظهار وجهه المعتدل، يسهّل النظام على الغرب الانفتاح على إيران، وإمكانية إشراكها في “جنيف-2″، وبذلك يتحصّل على القدرة على تخفيف العقوبات عن الشعب الإيراني.
 بناءً على هذه المعطيات، يكون من المفهوم تراجع إدارة أوباما عن السير بحل سلمي سريع في سورية، فلم يكن بإمكان أوباما التسليم للروس بالخسارة والذهاب إلى مؤتمر “جنيف-2″ من دون أوراق تفاوضية هامة يستند إليها لتحصيل مكاسب في المنطقة، لذا كان لا بد له من إعطاء نفسه والحلف التابع له فرصة لتعديل موازين القوى على الأرض. وهكذا، يبدو أن سورية ستشهد صيفاً حاراً جداً، سيحاول فيه كل طرف كسر إرادة الآخر، وتحصيل أكثر ما يمكن من الأوراق قبل التفاوض الجدّي.

معلومات إضافية

المصدر:
الثبات