بلقنة أميركا: نار التمرد والانفصال تحت السقف الفيدرالي

بلقنة أميركا: نار التمرد والانفصال تحت السقف الفيدرالي

العنوان اعلاه قد يصدم البعض ويعتبره نوع من الاثارة والتشويق، نظرا لعدم تلمس وادراك دقيق لما يمور تحت السطح من ارهاصات وتحركات واحتجاجات متعددة في المجتمع الاميركي، وانضاج ظروف بعض العوامل الذاتية التي من شأنها ان تحدد وجهة مساراتها المقبلة، وتحديدا لتزايد اتساع الهوة بين شريحة فاحشة الثراء، 1%، والشرائح الاجتماعية الاخرى والمهمشة منها بشكل خاص. كما انه ليس استعارة لنبوءات الاستاذ الجامعي الروسي، ايغور بانارين، الذي اعرب عن اعتقاده في منتصف عقد التسعينيات بحتمية انفراط عقد الكيان الاميركي الموحد وتشظيه الى عدة تجمعات، والذي لم يعطى حقه من النقاش آنذاك وانتظر عقدا كاملا من الزمن قبل ان تظهر نظريته للعلن.

وحتى لا نبقى في اطار ترف النظريات الاكاديمية، نلفت النظر الى ما تنبأ به احد أهم رؤساء الولايات المتحدة قبل نحو قرن من الزمن، ثيودور (تيدي) روزفلت، محذرا من تهميش واقصاء قطاعات كبيرة في المجتمع من المساهمة في ارساء بنيان الدولة المركزية. وقال “العنصر الثابت والمؤكد لتركيع البلاد وهلاكها المحقق .. هو بلوغها مرحلة العداوة والشجار بين الاثنيات” المختلفة ونادى بالاندماج التام “وعدم السماح القاطع بازدواجية الولاء او اللغة.”

التقط البوصلة مبكرا السيناتور الراحل تيدي كنيدي عام 1965 بتبنيه مشروع قرار لادخال اصلاحات واسعة على قوانين الهجرة السارية، مما اتاح دخول نحو مليون مهاجر سنويا الى الاراضي الاميركية واعتبره الخصوم بانه “محاولة شريرة” اسفرت عن دخول “مواطنين ينتمون للعوالم الثالث والرابع ولا زالوا يتخذون من الاكواخ العشبية ملاذا لهم،” مما يسهم في تصدع البنيان الاميركي. (مؤسسة “مركز الحرية 21″).

النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، آلان ويست، اتهم خصومه “الليبراليين الذين يمضون بنا الى مسار التفرقة والهلاك .. ويتعين علينا جميعا دون استثناء التنعم والتغريد لنمط الحياة الاميركية.” (3 تموز 2012) ومضى ويست موضحا لمن لم يفهم اشارته واثارته للنعرات بالقول “.. ان لم نمتلك مشاعر العزة الكافية لانشاد النشيد الوطني الاميركي باللغة الانكليزية .. فاننا ذاهبون للجحيم ..” (2 شباط 2014) في تعليقه على دعاية لشركة كوكا كولا الاميركية برز فيها مواطنون حديثي الجنسية ينشدون الكلمات بعدة لغات على ذات الانغام الاصلية.

تضافرت عوامل عدة حديثا تنذر بحالة تشظي الكيان الاميركي، بلقنته، اذ لم يعد سرا حالة الاحباط العامة السائدة بين افراد المجتمع واقلاعهم عن المشهد السياسي وتصارع اقطابه فيما بينهم دون تلبية ابسط الحقوق الشعبية المطلوبة، وكذلك تردي الاوضاع الاقتصادية واتساع الفجوة والاستقطاب السياسي والاجتماعي.

وبرزت تدريجيا حملات وحركات اجتماعية متعددة تنادي بالتقوقع الاقليمي وتقسيم اراضي الولايات، كولورادو وكاليفورنيا مثالا، الى عدة كيانات اكثر تجانسا وأُلفة. وشهدت الانتخابات المحلية نهاية العام المنصرم بروز حملات جادة لاستمزاج اراء الناخبين في الانفصال بولاية كولورادو، بصرف النظر عن الهزيمة التي تلقتها الحملة لحداثة تاريخها ربما.

احدث الحملات جاءت من ولاية نيويورك الاسبوع الجاري التي نادى بعض مواطنيها بالتقسيم الاداري للولاية يفضي الى فصل توجهات الاغلبية الليبرالية في محيط مدينة نيويورك عن المناطق المحافظة في اعالي مناطق الولاية. كما ان ولاية ميريلاند المجاورة للعاصمة واشنطن شهدت حراكا مثيلا اذ نادى مواطنون في الشق الغربي الريفي والمحافظ من الولاية الى الانفصال عن الاقسام الليبرالية الاخرى من اراضي الولاية.

ولاية كاليفورنيا، السلة الغذائية والتقنية المتطورة لاميركا، اقدمت على التهديد بالانفصال عن المركز نظرا للازمة الاقتصادية الحادة والعجز العالي في ميزانيتها. وطالب هؤلاء بانشاء خمسة اقاليم اشد تجانسا فيما بينها تفصل الكثافة السكانية الليبرالية على الشواطيء الساحلية، التي تتحكم بمفاصل السلطة، عن المناطق الريفية في الداخل.

ولا يجوز انكار نزعة الانفصال الحاضرة دوما في ولاية تكساس مترامية الاطراف، والتي تشهد راهنا نموا اقتصاديا ملحوظا. وتعددت مطالب بعض اهليها للانفصال عبر تاريخ الولاية المضطرب والتي غذتها اكتشافات النفط من جانب، ووجود مصافي وتكرير النفط الاميركية على اراضيها وبالقرب منها على شواطيء خليج المكسيك.

استطلاعات الرأي المتعددة تشير الى تنامي الفجوة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الاميركي، ومن اليسير التنبؤ بميل المناطق الريفية بشكل عام الى التوجهات المحافظة اجتماعيا وتأييد التيار اليميني سياسيا، وعدم رضاها وارتياحها للبرامج السياسية على المستوى القومي، مقارنة مع المناطق المدينية التي تميل الى تأييد الرئيس اوباما، ولو بتفاوت، بشكل عام. القطاع الصناعي التفت مبكرا الى خزان اليد العاملة والقوانين المحافظة السائدة في المناطق الريفية ووطد اقدامه فيها بحثا عن مضاعفة حجم الارباح وتواطؤ صناع القرار السياسي للضغط على العمال وتحجيم مكتسباتهم وحقوقهم.

في العام 2008 خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، اعلن الاستاذ في الاكاديمية الديبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، ايغور بانارين، عن اطروحته السابقة متنبئاً ان الولايات المتحدة مقبلة على مواجهة اضطرابات اقتصادية تعصف بكيانها السياسي الراهن، ويصيبه التشظي والانقسام السياسي مع حلول عام 2010، يعززه معدلات البطالة المرتفعة وتدهور القدرة الشرائية وحجم المدخرات للاميركيين.

توقعاته بدأت تعود الى التداول تدريجيا، سيما مع الازمة المالية الحادة التي شهدتها الاسواق الاميركية عام 2008، ابرزها تدني معدلات الاتجار وقيمة الاسهم في وول ستريت واعلان عدد من كبريات الشركات حتمية افلاسها ان لم يتم التدخل لانقاذها عاجلا. النبض الشعبي حافظ على وتيرة الاحباط وعدم الرضا لما وصلت اليه الاوضاع، وتشبث ببعض الوعود البراقة ابان حملة الانتخابات الرئاسية آنذاك والتي ظهر فيها باراك اوباما كمنقذ للشرائح الاكثر تضررا، وسرعان ما انجلى غبار الوعود وهشاشتها للعامة.

مسح الغبار عن نظرية الاستاذ الروسي بانارين يوحي ببطلانها اذ لا يزال الكيان السياسي الاميركي راسخا موحدا، او هكذا يبدو من بعيد. وسرعان ما لمس المرء اعادة تداول وسائل الاعلام بنظرية بانارين للانقسام، وان ببعض عناء البحث.

 

أعراض الأزمة

التوزيع الديموغرافي والتنوع الاقتصادي والسياسي ايضا اضحى بمجمله معطوف وملازم لمعدلات نمو قاعدة الانتاج الاقتصادية. والقلق حاضر في الاذهان لوجهة انتقال صناعات الاسلحة الضخمة من مناطقها التقليدية الى مناطق اخرى بديلة نكاية بالرئيس اوباما وسياساته الاقتصادية.

اعلنت شركة “رمينغتون” للاسلحة الخفيفة والذخيرة مطلع الاسبوع عن نيتها انشاء مصنع انتاج في ولاية الاباما الجنوبية مما سيؤدي الى انتقال قاعدة الانتاج الراهنة من مدينة ايليون في ولاية نيويورك، التي استضافت الشركة منذ عام 1816، الى منافستها الجنوبية. اشتهرت الشركة بانتاجها بنادق قناصة دقيقة الاصابة، اى جانب المسدسات الخفيفة، وكذلك بندقية الرمي الميدانية المستخدمة في القوات المسلحة البولندية.

تفوقت الدوافع السياسية لقرار الشركة على الاعتبارات الاقتصادية البارزة، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار تطور المزاج الشعبي في ولاية نيويورك، بشكل عام، مناهضا لصناعة وانتشار الاسلحة. اما ولاية الاباما، في هذا النموذج، برزت في مقدمة المناطق والولايات المؤيدة لانتشار الاسلحة الفردية وانعكاس ذلك على قوانينها سارية المفعول. بالمقابل، سنت ولاية نيويورك قانونا صارما، العام الماضي، يحظر اقتناء عدد من الاسلحة الخفيفة لخطورتها على السلم الاجتماعي، والتي تصنعها شركة “رمينغتون.” انسجام الميل الشعبي ادى لاستصدار القانون المذكور، مما حفز شركة الاسلحة على التفكير بنقل مركزها الانتاجي الى ولاية بديلة لاول مرة منذ نحو قرنين من الزمن.

رمينغتون ليست فريده بقرار النزوح والهجرة لاعتبارات سياسية. اذ احتلت ولاية كاليفورنيا والى وقت قريب المركز الاول لصناعات الطيران والفضاء ومشتقاتهما، واضحت الآن تعاني من انتقال بعض عمليات الانتاج الى مناطق جغرافية بديلة، ابرزها شركة راثيون العملاقة لصناعة الاسلحة والتي تنتج نظم الصواريخ الموجهة. احتلت راثيون المرتبة الخامسة من بين كبريات شركات الاسلحة العالمية، عام 2012، والمرتبة الرابعة في تراتبية شركات الاسلحة الاميركية المتعاقدة مع وزارة الدفاع وهيئات حكومية اخرى. يتضمن انتاج راثيون صواريخ “ستينغر” المحمولة على الكتف، قذائف تاو وتوماهوك وسايدويندر وجافلين. اتخذت الشركة من حزام كاليفورنيا الجنوبي مقرا لمنشآتها، ونقلتها تدريجيا الى ولاية اريزونا المجاورة.

هروب الصناعات المتطورة من ولاية كاليفورنيا تجاوز صناعات الاسلحة. اذ اعلنت شركة النفط اوكسيدنتال عن نيتها نقل مقراتها من مدينة لوس انجليس الى مدينة هيوستون بولاية تكساس، والتي كانت تضخ مبالغ كبيرة لخزينة الولاية.

ايضا، شركة بوينغ الضخمة، الاولى في صناعة الطائرات المدنية والثانية في الصناعات الجوية الحربية، اعلنت عن نقل بعض مصانعها ومنشآتها الاساسية الى ولاية ساوث كارولينا والى ولايات يوتاه وميزوري ومناطق متعددة. يذكر ان بوينغ نقلت مقرها الرئيسي من ولاية واشنطن الى مدينة شيكاغو قبل وقت قريب، وحازت على رشوة اقتصادية من ولاية واشنطن قيمتها 8.7 مليار دولار كحوافز واعفاءات ضرائبية مقابل الابقاء على احد مصانعها في الولاية ينتج طائرات مدنية من طراز 777.

بدأت ظاهرة التحولات في القاعدة الانتاجية وتوزعها على مناطق جغرافية ميزتها وفرة اليد العاملة وقوانين مشجعة لمراكمة الارباح تتبلور منذ زمن، والتي شكلت ولاية تكساس باكورة هجرة الصناعات المتطورة. واعلنت شركة “آبل” للكمبيوتر عن توسيع قاعدتها الانتاجية في مدينة اوستن بولاية تكساس، التي ستستضيف نحو 3،600 عامل وموظف، بالتزامن مع اعلان استثمارها بنحو 5 مليار دولار في مقراتها الرئيسة الواقعة بمدينة كبرتينو بولاية كاليفورنيا.

يتضح من هذا السرد المقتضب تراجع اهمية ولاية كاليفورنيا كوجهة تقصدها الكفاءات والقوى العاملة طمعا في الرواتب العالية نسبيا. وانحدرت معدلات الدخل الاسري لمستويات ادنى مما هو عليه الحال في ولايات لا تضاهي اوضاعها. وبلغ متوسط دخل اسرة مكونة من ثلاثة افراد 67,401 دولار في ولاية كاليفورنيا، و 68,848 دولار لولاية بنسلفانيا و 73,688 دولار لولاية وايومنغ؛ والاخيرتين يسيطر عليهما الحزب الجمهوري وتتمتعان بمستوى معيشة منخفض قياسا على ولاية كاليفورنيا. كذلك تبرز ولاية تكساس كاحدى اهم الاسواق المنافسة لاستقطاب القطاع الصناعي من كاليفورنيا والتي تنعم بمستوى معيشى ادنى من مثيلتها الاصل.

ابرز تجليات نزوح الشركات الصناعية لاعتبارات سياسية كانت حال شركة “باريتا” للاسلحة الخفيفة التي عزمت على نقل مقراتها من ولاية ماريلاند (ذات الاغلبية الليبرالية) الى ولاية فرجينيا المجاورة (ذات التوجه المحافظ بشكل عام). وفجأة ارجأت قرارها بالرحيل عقب فوز الديموقراطي تيري ماكاليف بمنصب حاكم الولاية والذي فاز بنسبة معتبرة لوعوده بالسعي للحد من انتشار الاسلحة الخفيفة. ومن ثم لجأت الشركة الى ولاية تنسي الجنوبية التي رحب بها حاكم الولاية الجمهوري، بيل هاسلام، وكافأه نائب رئيس الشركة بكلمات الاطراء والثناء والتأكيد على بعد النظر في استقطاب قطاع الصناعة، مدركا في الوقت عينه ميل اغلبية مواطني الولاية الى اقتناء السلاح والمزيد منه، الذي سيعود بالخير والبركة على خزينة الولاية، كما اشيع.

يشار الى ان هروب وانتقال مقار ومصانع شركات كبرى الى مناطق جغرافية بديلة ينطوي عليه كلفة مادية عالية، فضلا عن التحولات التي تفرض نفسها على اطقم الصناعات والكفاءات المهنية وما يترتب عليها من بدائل قد تضر بنوعية الانتاج والمنتج. اللافت ان الولايات الليبرالية التقليدية، نيويورك وماريلاند وكونتيكت، بشكل خاص، استضافت اراضيها قاعدة صناعية معتبرة منذ عقود طويلة، ومنها صناعات الاسلحة – سميث آند ويسون؛ روغر وباريتا – ومشهود لها بسن قوانين متشددة ضد انتشار الاسلحة الخفيفة. توفر الكفاءة المهنية العالية كانت احد اهم العوامل التي حالت دون نزوح تلك الصناعات الى مناطق بديلة وتعويض تلك الخبرات دون الاضرار بالمنتج والسمعة الرفيعة في سوق الاسلحة.

تباين نصوص القوانين الضرائبية وسعي التيارات السياسية اليمينية لخفض معدلات الضرائب على القطاع الاقتصادي الحق شديد الضرر بخزائن الولايات المالية، واطلق العنان لتسابق الولايات الاقل تطورا على المنافسة لاستقطاب بعض منها والتبرع بتوفير حزمة من المحفزات الاقتصادية والاعفاءات الضريبية. والتقط القطاع الصناعي أس المعادلة بحثا عن توسيع حجم الارباح التي لن تتأتى الا عبر الاستثمار في مناطق اقامة بديلة.

من انصع الامثلة على تلك المعادلة الاوضاع التي آلت اليها شركة “كولت” العريقة في تصميم وانتاج المسدسات الخفيفة والتي حافظت على مقراتها الانتاجية الاصلية في ولاية كونتيكت، ذات القوانين شديدة الصرامة على اقتناء السلاح. وانقلبت معادلة التصدير وما تدره من ارباح مع دخول الترتيبات حيز الفعل بين “كولت” وشركة “كاراكال” الاماراتية التي فاقت معدلات صادراتها من الاسلحة الخفيفة للولايات المتحدة مثيلاتها لدى “كولت.”

كما لا ينبغي اغفال أهمية عوامل الاستقطاب السياسي واتساع الهوة الاقتصادية اللذين اسهما بشكل مباشر في تحديد ملامح موجة الهجرة الاقتصادية، طاقات وكفاءات بشرية ووجهة جغرافية على السواء.

المناطق الميسورة والاوفر حظا تميل الى مناهضة حمل السلاح الفردي، ويتجلى ذلك الأمر في القوانين الناظمة الاكثر تشددا في تلك المناطق من غيرها الريفية. موقف الفئتين يطال امورا سياسية واجتنماعية واقتصادية اشمل من ثمة خلاف حول السلاح الفردي، ونظرة كل منهما الى التعامل مع الاحداث والتحديات العالمية.

في هذا الصدد، تجدر الاشارة الى أهمية تصويت عمال مصانع فولكس فاغن، في ولاية تنسي، برفضهم الانضمام الى نقابة عمال السيارات القومية نتيجة ضغوط هائلة مارسها الساسة المؤيدين للحزب الجمهوري، وتهديد بعض نواب الكونغرس الاميركي عن الولاية للشركة بأنها ستواجه اجراءات وتدابير مالية قاسية ان لم تستجب لرغبة القوى السياسية المحافظة. كما ان تدني مستوى الوعي النقابي بين اوساط اليد العاملة في مناطق الجنوب الاميركي، والميل العام للتصويت لصالح الحزب الجمهوري، شكل احد الحوافز الاساسية لبعض الصناعات، ومنها صناعة السيارات، التوجه جنوبا والهروب من الشمال الصناعي الاوفر تطورا ووعيا.

في صدد شركة فولكس فاغن، من الضروري الاشارة الى تأييد الشركة لمطالب العمال وحقهم بتشكيل نقابة تدافع عن مصالحهم، اسوة بوضاع الشركة الأم في المانيا؛ بل ذهبت لتقييد حرية الاقطاب اليمينية لاستقطاب العمال لصالحها. ومع ذلك، صوت العمال ضد مصالحهم، مرة اخرى، مما اصاب الاوساط السياسية في واشنطن بدهشة كبيرة لما تنذر به من تحولات اجتماعية في الموسم الانتخابي المقبل لصالح التيار اليميني والتوجهات المحافظة.

وامتدادا، تتأثر الاستقطابات والاصطفافات السياسية بانقسامات مماثلة لا سيما في مسألة تجسس وكالة الأمن القومي على المواطنين والساسة الاميركيين. بل تشهد الساحة السياسية تحركات لم تكن في الحسبان لناحية تضافر جهود قطبي الاصطفاف السياسي ضد سلطة الدولة المركزية. يذكر في هذا الصدد انضمام ولاية ماريلاند الليبرالية وولاية يوتاه المحافظة الى حملة ناشئة تتبلور في اوساط مجالس الولايات المحلية بغية استصدار قرارات تقيد حرية حركة وكالة الأمن القومي على اراضيها، وفصل الخدمات الاساسية من كهرباء ومياه عن مقراتها ان لم تمتثل لطلبها. من المبكر استشراف وجهة هذه الحملة الوليدة، بيد ان الدولة المركزية ليست غافلة عن ابعادها وتأثيرها واتساع مساحة الرفض الشعبي لتقييد الحريات.

 

المسببات

تفاقم الازمات الاجتماعية والاقتصادية اسهم في انضاج ظروف الصدام والاشتباك والانقسام في الداخل الاميركي، لمستويات حادة لم يشهدها من قبل. رأس الهرم السياسي القيادي هو احد اسباب الاستقطاب والانقسام لا ريب، مما انعكس على تدني نسبة شعبيته الى مستويات مقلقة. وتكفي الاشارة الى تحكم غالبية خصومه من الحزب الجمهوري في منصب حكام الولايات، 29 مقابل 21 للحزب الديموقراطي، برفقة 27 من مجالس الولايات المحلية تقع تحت سيطرة الحزب الجمهوري مقابل 17 مجلس لصالح الحزب الديموقراطي.

في المشهد المركزي، الفيدرالي، تزداد حدة قلق الحزب الديموقراطي والرئيس اوباما، سيما وان مجلس الشيوخ اضحى قاب قوسين او ادنى لسيطرة اغلبية الحزب الجمهوري، في اعقاب جولة الانتخابات المقبلة؛ وبذلك تصبح السلطة التشريعية بمجلسيها، النواب والشيوخ، تحت رحمة الخصوم. آفاق وضوابط السلطة السياسية تفرض على الرئيس اوباما، في مثل هذا الحال، تقديم تنازلات اضافية قاسية لخصومه اسوة بما قام به الرئيس الاسبق بيل كلينتون عام 1994. للتخفيف من وطأة ذلك، يسعى الرئيس اوباما لتوسيع حيز المناورة المتاح باستخدام واسع لصلاحياته الرئاسية في تعيين الاطقم البشرية لادارة مرافق الدولة دون اللجوء للحصول على موافقة السلطة التشريعية، كما يقتضي الدستور في بعض نصوصه.

 

بوادر التمرد على الصعد المحلية

في ظل تسيد حالة الاحباط في اوساط القاعدة الانتخابية، وضيق ذرعها من الوسائل القانونية المتاحة لاحداث التغييرات المطلوبة، اتجهت الانظار لادخال تعديلات على مستويات سياسية اوفر حظا – صعد مجالس الولايات المحلية. وهنا يمكن رصد تنامي ردود الفعل الحادة ضد السياسات الراهنة، بشكل عام، والشلل السياسي بين الحزبين في المشهد القومي. من المفيد الاشارة في هذا المجال الى تنامي المعارضة الشعبية لاستخدام الرئيس اوباما صلاحياته الدستورية في ملء المناصب الشاغرة بنسبة الثلثين، واستطرادا تدعم توجهات المجالس المحلية المناهضة للرئيس اوباما.

يشار أيضاً الى اتساع حجم الهوة بين الولايات في مواقفها من مسألة الاسلحة الشخصية. اذ بينما نجح خليط من الولايات، نيويورك وكنتيكت وماريلاند وكولورادو، بتشديد القيود المفروضة على انتشار السلاح الفردي، لجأ البعض الآخر الى تدابير تسهيل متعمدة، بل ذهب البعض منها الى ابطال مفعول القوانين المركزية، الفدرالية، على اراضيها. مثالا، برزت ولاية كانساس الريفية في سن قانون يلغي اولية القانون المركزي في شهر نيسان الماضي، ويخول مواطنيها انتاج وتسويق الاسلحة الاوتوماتيكية في الولاية بمعزل عن اي رقابة او قانون مركزي آخر.

وسعت المجالس المحلية في ولايتي ميزوري واريزونا على محاكاة مثال كانساس وسنت قوانين تتيح للسلكات الأمنية والشرطة المحلية عدم الامتثال للقوانين المركزية، بل اصطفت المحكة العليا في البلاد الى جانبها باصدارها حكما قضائيا مؤيدا لمثل تلك الخطوات، في قضية شهيرة عام 1997، استنادا الى ارضية قانونية صلبة تعرف بمناهضة التجنيد بالاكراه. ووفقا لتفسير العليا، لا تستطيع الحكومة المركزية اكراه الولايات على تطبيق تدابير او ارشادات مركزية – بصرف النظر عن امتثالها للنصوص الدستورية.

استطرادا، لا يقتصر حكم العليا على قضية اقتناء السلاح. وعليه، استند نواب المجالس المحلية في ولاية ماريلاند الى خلفية ذلك القرار لتحريض زملائهم باستصدار قرار يحرم على الولاية تقديم تسهيلات وخدمات اساسية للمقر الرئيس لوكالة الأمن القومي، الواقع على اراضيها على مقربة من العاصمة واشنطن. ايضا، ينظر المجلس المحلي لولاية يوتاه بجدية للانضمام الى حملة واسعة بين الولايات “لحماية مادية التعديل الرابعة من الدستور” الاميركي، التي تحظر على الولاية، اي ولاية، توفير الدعم المادي او المشاركة او توفير التسهيلات العملية لأي هيئة حكومية تعمل في نطاق جمع معلومات الكترونية دون الحصول على قرار قضائي مسبق يبرر العمل دون ادنى جدل. للدلالة على جدية تأثير قرار ماريلاند، نذكر ان منشأة وكالة الأمن القومي في ولاية يوتاه تستهلك نحو 1,7 مليون غالون من المياه يوميا لتبريد اجهزة الكمبيوتر العملاقة.

كذلك انضمت كل من ولاية اريزونا وكاليفورنيا وتنسي وواشنطن الى جهود ماريلاند ويوتاه لمواجهة سلطة وكالة الأمن القومي، لاقرار الاجراء على المستوى المحلي، في اعقاب اعلان الرئيس اوباما انه سيستخدم حقه في الفيتو ضد اي قرار مركزي يعيق صلاحيات وكالة الأمن القومي.

تزامنت تلك الاجراءات والتصريحات المضادة مع معارضة معتبرة داخل مجالس الولايات المحلية لبرنامج اوباما في الرعاية الصحية الشاملة، الذي مثل تمرينا حيا لتضافر الجهود المحلية المناهضة لقرارات الدولة المركزية. وجاءت النتيجة مقلقة للرئيس اوباما اذ انضمت مجالس نحو 22 ولاية الى مناهضته واستصدارها قرارات واتخاذ تدابير لمقاومة سيطرة الدولة في هذا الشأن، او التصويت لصالح عدم الانضمام اليه وتضحيتها بخسارة اي دعم مالي مركزي ينتج عنه.

مع دخول عامل سياسة الاغتيالات بطائرات الدرونز في الخارج وللمراقبة والتجسس في الداخل وما يرافقها من جدل واسع اعطى معارضة السياسة المركزية ذخيرة اضافية لمناهضة السيطرة عن بعد، واتخذت عشرة (10) ولايات تدابير محلية مناهضة للسياسة المركزية ومقاومة السماح للطائرات التحليق في اجوائها بصرف النظر عن الاهداف المرجوة، فضلا عن قرب انضمام ولايات اخرى لهذه الحملة. كما شكلت مسألة الدرونز وانتهاكها لخصوصيات المواطنين والسلطات المحلية على السواء ارضية مشتركة لتلاقي جهود الحزبين السياسيين على المستوى المحلي في مناهضة سبل التجسس المركزية. كما تجدر الاشارة الى تعدد السبل والتدابير التي تقدم على اتخاذها السلطات المحلية في مواجهة الحكومة المركزية، وننوه الى قائمة الارشادات الصادرة عن “معهد غولدووتر” تفصل الخطوات المتاحة امام المجالس المحلية في الولايات لاعاقة التدابير المركزية، ومن ضمنها مبادرة المسؤولين المحليين في الامتناع عن المشاركة او استقبال اي من المسؤولين الحكوميين.

التمرد عالي الوتيرة الذي اظهرته تحركات المجالس المحلية في الولايات اعاد الى الاذهان حركة احتجاج قديمة كانت تنادي بتثبيت حقوق الولايات امام سيطرة الدولة المركزية، والتي اعتبرها البعض انه تم دفنها تحت انقاض التحولات الاقتصادية منذ 50 عاما مضت. وسجلت المجالس المحلية في الولايات المختلفة، ليبالية ومحافظة على السواء، مقاومة ملحوظة وقدرة على تحييد القرارات المركزية لاول مرة منذ منتصف القرن الماضي.

 

الحلول البديلة

اضحى يسيرا استحضار نبوءة بانارين مبشرا بحالات تمرد وانقسام في النسيج الاجتماعي الاميركي. اصطفافات القوى الاقتصادية مجددا تسهم في افقار بعض الولايات واثراء اخرى على حسابها، دون ان يعني ذلك تعديل في توزيع الثروة، بل تمركزها بصورة ابشع في ايدي قلة من الافراد. ويتجلى ذلك بشكل كريه في اتساع الهوة الاجتماعية وما يرافقها من تدهور الاوضاع على كافة المستويات. بالمقابل، تتجه ارهاصات المجالس المحلية وحركة التمحور الشعبية المناهضة لتلك التوجهات الاقتصادية الى قبول نزعة الانفصال وتوسيع هامش الحكم الذاتي بعيدا عن السيطرة المركزية.

بالمقابل، تشهد حركة التمسك بالسلطة المركزية تراجعا بيِّنا واقلاع خليط من الحزبين السياسيين عن مواجهة النبض الشعبي المناهض لذلك، ومضي السلطات المحلية في انتهاج سياسة مستقلة حتى لو تعارضت مع السلطات المركزية، كما تشير اليه بوضوح مسائل عدة بدءا بحق امتلاك السلاح الفردي مرورا ببرنامج الرعاية الصحية الشامل وانتهاءاً بجهود التجسس المكروهة لوكالة الأمن القومي.

ويمكننا القول ان العقبات والصعوبات التي يواجهها الرئيس اوباما على الصعد الداخلية هي امتداد لسلسلة من الفشل السياسي الاميركي في المنطقة العربية والاقليم بشكل عام، ولم يقدم على التسليم بحق المجالس المحلية للولايات في السيادة على اراضيها وطبيعة علاقاتها مع الولايات المجاورة. ولجأ كما هو معهود لكل سلطة مستبدة الى فرض ارادته الممثلة بالسلطة المركزية على الآخرين، وحصد بذور الفرقة والفتنة. سياساته الخارجية اضحت مثيرة للجدل الداخلي ومنبت انقسامات عمودية وافقية، بعضها ثابت وينمو باضطراد، والكشف عن جهود التجسس الداخلي لوكالة الأمن القومي اضاف رصيدا آخرا لخسائره الشعبية.

تفرض هذه التحولات صعوبات جديدة امام الرئيس اوباما الذي يتعين عليه تقديم بعض التنازلات للمجالس المحلية في كافة الولايات الخمسين، ربما مذلة في بعض جوانبها، حفاظا على تسيد ونفوذ الحكومة المركزية. في هذا الصدد، تعدد وتباين مصالح الولايات يحفز سلطاتها التنفيذية، ممثلة بحكام الولايات، تدفعهم الى السعي للوصول لحلول مرضية في تجديد مجالات التعاون مع الحكومة المركزية، كما يدل عليه تاريخ متواصل وثابت في هذا المجال لنحو نصف قرن من الزمن.

تلكؤ او اخفاق اوباما في هذا الصدد يدفع بنبوءات بانارين الى الواجهة والتجسد، وينزع زمام الميادرة من يد الحكومة المركزية للحيلولة دون تشظي وانقسام البلاد.

تجدر الاشارة الى ان السلطات المحلية في كافة الولايات اضحت العين الساهرة على تطبيق القوانين المركزية على اراضيها، نظرا لوفرة الموارد البشرية بشكل خاص. اذ اشار مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، في عام 2009 الى طاقم متواضع من موظفيه لا يتعدى 13،412 موزعين على كافة ارجاء الاراضي الاميركية. بالمقابل، بلغ مجموع الاطقم البشرية للاجهزة الأمنية المركزية المختلفة نحو 110,00 ألف، منهم نحو 75% يخضعون لسلطة وزارة الأمن الداخلي.

طواقم الاجهزة الأمنية والشرطة في الولايات المختلفة بلغ تعدادها نحو 1.1 مليون لعام 2008، ضمت زهاء 765،000 ضابط مسؤول. وعليه تتضح الصورة لمدى اعتماد الحكومة المركزية على طواقم السلطات المحلية في تطبيق قوانينها وبسط سيطرتها؛ الأمر الذي يشير الى جدية تهديد السلطات المحلية للحد من نفوذ المركز، مدعومة بقرار المحكمة العليا.

أمام اصرار المجالس المحلية على ممارسة اوسع لحقوقها، يضيق نطاق الخيارات المتاحة للرئيس اوباما ومن سيخلفه في المنصب لاحقا. اللجوء لزيادة تعداد الاطقم البشرية للاجهزة الأمنية المختلفه يقتضي طلبه بزيادة الضرائب لتمويل الاجراء مما يضعه في مواجهة حتمية مع الكونغرس الذي يرفض بشدة زيادة معدلات الضريبة. فضلا عن ان التحولات البنيوية المرتقبة في مجلسي الكونغرس ستضاعف من تعقيد الأمر بالنسبة للرئيس اوباما وتقيد مجال المناورة السياسية المتاح امامه.

ما يتبقى من خيارات للرئيس اوباما ينحصر في أمرين: اما المضي في استخدام صلاحياته الدستورية لاقرار ما يراه مناسبا وما يرافقه من استقطابات ومعارضات جديدة، او اللجوء الى استخدام القوة العسكرية بغية تخويلها بتطبيق القرارات الرئاسية، الأمر الذي يعد انتهاكا صارخا للدستور الاميركي، وخطا أحمرا لمعظم مكونات المجتمع الاميركي لاقحام القوات العسكرية في قضايا داخلية، وربما وصفة تقارب تجدد الحرب الاهلية. تجدر الاشارة في هذا الصدد الى ان ما يتوفر من قوات عسكرية لا يتجاوز تعدادها نصف مليون فرد منتشرة داخل قواعدها في اميركا ودول اجنبية متعددة، والتي لا تضاهي تعداد القوى الأمنية المختلفة المتوفرة لدى السلطات المحلية، كما ورد سابقا.

الأغلبية من الولايات الخاضعة لسيطرة الحزب الجمهوري ستعارض استخدام القوات العسكرية بشدة، دون ان يعني ذلك قبول الولايات الاخرى التي يتحكم بها الحزب الديموقراطي؛ وهي معادلة خاسرة بكل المقاييس.

نزوح صناعات الاسلحة الى الولايات الجنوبية المحافظة، ومناهضة مواطنيها بالفطرة للسلطات المركزية، يوفر المكونات والبنى الصناعية التحتية الضرورية لتلك المناطق لانعاش مشاعر الانتماء الاقليمي والابتعاد عن الحكومة المركزية، ويعيد الى الاذهان اجواء الحرب الأهلية الاميركية قبل قرن ونصف من الزمن. فهل سيقدم اي مسؤول سياسي على المجازفة باستعداء سكان الجنوب والذين توفرت لديهم تدريجيا بنية تحتية للتقنية الحديثة تضاهي وتنافس الولايات الميسورة التقليدية في الشطر الشمالي من البلاد.

 

الخلاصة

المقدمات السالفة تقودنا الى القول ان مسار “بلقنة” الولايات المتحدة قد بدأ، وغيابه عن التداول العلني لا يعني عكس ذلك بالضرورة. الخلافات السياسية والاجتماعية وما يترتب عليها من تحولات في المجتمع الاميركي ماثلة وحاضرة بقوة، وما يشد كافة اطراف البلاد لبعضها واضفاء اللحمة عليها هو سطوة الحكومة المركزية والامكانيات الواسعة المتاحة لديها.

احدى خصائص عهد الرئيس اوباما هو سعيه لمفاضلة نفوذ الدولة المركزية ضاربا بعرض الحائط اهتمامات وطموحات الولايات ومجالسها المحلية، سيما تلك الخاضعة لسيطرة الحزب الجمهوري. وعليه، لجأت تلك المجالس الى مقاومة ورفض الوصفات المركزية لادارة شؤونها، مسلحة بقرار المحكمة العليا لحماية حقوقها.

بالنظر الى الخيارات المتاحة امام السلطة المركزية، مع فرضية تشبث الولايات ومجالسها المحلية بمطالبها ومواقفها الراهنة، نستطيع القول ان الرئيس اوباما مقبل على تقديم بضعة تنازلات لخصومه في الحزبين احدها زيادة حجم المعونات والاغاثة المقدمة للولايات بغية ثنيها عن المضي في مسار التمرد الراهن على السلطة المركزية. ومن بين الخيارات ايضا مضي الرئيس اوباما في سياسته الحالية باغفال وتجاهل مطالب الولايات، مما سيترتب عليه ردود فعل قاسية قد تعصف بنفوذ السلطة المركزية، ويمنح الولايات حيزا اوسع لادارة شؤونها الذاتية الأمر الذي لم يشهده النظام الاميركي منذ تجربة الحرب الاهلية الدموية. في آخر سلم الخيارات يجد اوباما امكانية اللجوء لبسط سيطرة ونفوذ الدولة المركزية بالقوة، وما يرافقه من مجازفة عالية وانتهاكا للنصوص الدستورية.

من العسير التحكم بكافة العناصر والعوامل التي تؤدي لتشظي كيانات سياسية محددة، خارج دائرة التدخل العسكري الخارجي. فالاتحاد السوفياتي لم تبرز عليه عوارض الانقسام وتعرضه للخطر في مطلع عام 1989، وسرعان ما انكشف المستور في غضون بضعة اشهر بدءا بازالة جدار برلين. الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك ايضا لم تظهر عليه عوارض انهيار حكمه بل اعتقد ان نظامه سيستمر الى زمن، لحين اندلاع موجات الاحتجاج البشرية التي اطاحت به. الاتحاد اليوغسلافي بقي موحدا الى حين ما بعد وفاة مؤسسه الرئيس جوزيف بروس تيتو. الشعور المفرط بالثقة من صلابة النظام السياسي ينطبق ايضا على الحالة الاميركية، فمؤشرات الانقسام قريبة من السطح وتبرز بقوة في ظروف الاستقطاب الحاد وتنتظر تبلور حدث معين من شأنه التسريع في عملية التشظي. اما حقيقة حدوث ذلك قبل نهاية الفترة الرئاسية لاوباما تندرج في خانة التخمين والاعتقاد الراجح.

 

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية 

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 شباط/فبراير 2014 22:18