التحكّم المهشم ونقص الشفافية

التحكّم المهشم ونقص الشفافية

تعريب وإعداد: عروة درويش

  • تهشيم وإضعاف القدرة على التحكّم:

إنّ المؤسسات الإحسانيّة، وتحديداً مؤسسة غيتس وروكفيلر ومؤسسة الأمم المتحدة، ليسوا ممولين كبار وحسب، بل هم أيضاً قوّة دافعة للعديد من الشراكات المتعددة لحاملي الأسهم. في الحقيقة، الكثير من هذه الشراكات، مثل «مبادرة تلقيح الأطفال» و«تحالف تي.بي» و«تحالف غافي» و«تغذية سون» هي نتاج مباشر لهذه المؤسسات.

لكنّ النموّ السريع لهذه الشراكات العالمية وللتمويل الهرمي الرأسي، وتحديداً في قطّاع الصحة، أدّى إلى حلول معزولة ونادراً ما تكون متسقة. لقد ساهمت هذه المبادرات في إضعاف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، لكنّها أيضاً قوضت تطبيق وإنجاز استراتيجيات تنمية متكاملة على المستوى الوطني.

يرى مؤيدو تنوع المبادرات العالمية فيها تعزيزاً لإمكانيّة الحفاظ على مرونة سياسيّة، وعلى حشد طيف واسع من اللاعبين المختلفين. لكنّه في الحقيقة يؤدي إمّا إلى الازدواجيّة والتراكب في المواضيع، أو إلى ارتفاع في تكاليف التحويل والتنسيق على المستويين العالمي والوطني.

لقد انتقدت مؤسسة غيتس بشدّة ضعف وهشاشة نظام التغذية العالمي ولهذا ساهمت بشكل فعال في إنشاء حركة «سون». لكنّ سون لم تعمل لتتخطى هذه الهشاشة، بل زادت الانتشار السريع للشراكات التي أدّت أساساً لتعزيز مشاكل الأمن الغذائي العالمي والتغذية، لتنضم إلى مثيلاتها «غين gain» و«MI» و «FFI» و«تحالف أمن الغذاء والتغذية» وغيرها الكثير. وفي هذه الأثناء، تبقى «لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالتغذية UNSCN»، وهي الهيئة المسؤولة عن تنسيق سياسات الغذاء والتغذية ضمن إطار الأمم المتحدة، ضعيفة وغير ممولة كما يجب.

علاوة على ذلك، وبما أنّ الشراكات تعطي جميع المشتركين حقوقاً متساوية، يتمّ تهميش الهيئات العامّة التي تحوز بشكل قانوني وديمقراطي على موقع خاص وشرعي. تخفض الشراكات المتعددة لحاملي الأسهم بشكل ضمني قيمة دور الحكومات والبرلمان والهيئات الحكومية المشتركية في صنع القرار، وتعظم من قيمة دور القطاع الخاص. ومن ضمن هذا القطاع الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الخيريّة وبعض الأفراد الأثرياء حتّى مثل بيل غيتس وتيد ترنر.

  • نقص الشفافيّة وآليات المحاسبة:

في الوقت التي تملك فيه مؤسسات مثل غيتس وروكفلر تأثيراً هائلاً على سياسات التنمية، فهذه المؤسسات ليست محلّ محاسبة «المستفيدين» من نشاطاتها، سواء أكان المستفيدون حكومات أم منظمات دولية أم وحدات اجتماعية محلية. فهذا المؤسسات ليست مسؤولة سوى أمام مجالس إدارتها أو أمنائها. وهذه المجالس تتكوّن عادة من عدد قليل جداً من الأشخاص، مثل مؤسسة غيتس المكوّن من ثلاثة أفراد عائلة، ووارن بوفيه الذي يعمل رئيساً لمجلس الإدارة ومجلس الأمناء في مؤسسة بوفيه.

إنّ المؤسسات الخيريّة لا تضع بيانات منحها ونتائجها وخلافه للعموم إلّا ما ندر، وإن فعلت فهي تعلن عن البيانات الرئيسيّة فقط، مثلما تفعل مؤسسة غيتس ومؤسسة هيوليت. وهذا يجعل مسألة الرقابة عليها وعلى تقدير مدى فاعلية مشروعاتها في تحقيق الأهداف المنشودة أمراً مستحيلاً. والقوانين المحليّة لا تساعد في ذلك أيضاً، فالقانون الأمريكي يلزم المؤسسات الخيريّة بالإفصاح للعموم عن البيانات الرئيسيّة مثل الدخل السنوي والتمويل والاستثمار، وهذا أمر يقضى على الشفافيّة.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على الجمعة, 24 أيار 2019 21:57