في ظلّ الحرب: تجّار أزمات وصيارفة «مباركـــون»
ليث الخطيب ليث الخطيب

في ظلّ الحرب: تجّار أزمات وصيارفة «مباركـــون»

رغم أن المناطق التي يسيطر عليها المسلحون في ريف دمشق محاطة بالجبهات من كل الجهات، لا تزال الأموال والبضائع تتدفّق إليها دون انقطاع، إذ تقف في ظل كل جبهة مشتعلة شبكات من الصيارفة و «تجّار الأزمة» يصنعون سوقهم السوداء الخاصة.

 تفرض الحرب قوانينها حيثما تحلّ. في معظم مناطق ريف دمشق، وعلى بعد مئات أمتار من محيط العاصمة، تسود قوانين إنسانية واقتصادية وتجارية لا تشبه قوانين دمشق بشيء. الأرقام والإحصائيات تتغيّر على نحو شبه يومي، وتثير الدهشة والإحساس بالمفارقة مع كل تغيّر. فمن كان يتخيّل أن يصل سعر الكيلوغرام الواحد من البصل في دوما إلى 2500 ليرة سورية (17 دولاراً أميركياً)؟ والبصلة الواحدة، أو «فحل» البصل كما يسمّيه الدمشقيون، إلى 550 ليرة؟ في حين أن سعر الكيلو من البصل في دمشق لا يتجاوز 50 ليرة في أسوأ الأحوال! والحال ذاتها تسري على بقيّة البضائع. ففي مخيّم اليرموك يتراوح سعر كيلو السكّر والأرز ما بين 10 و12 ألف ليرة، فيما يتراوح في دمشق بين 110 ليرات و200 ليرة. ويبلغ سعر نصف كيلو المعكرونة في المخيّم 1500 ليرة، في مقابل 120 ليرة في دمشق. وفي داريّا، يصل كيلو الدخان العربي إلى 70 ألف ليرة، في حين لا يتعدى بضعة آلاف في دمشق.

تتغيّر البيانات من منطقة إلى أخرى، إلّا أن الثابت في كل المناطق هو أن البضائع تحضر عندما تحضر الأموال... والأموال حاضرة على نحوٍ دائم.

ويلفت المتابعون الى أن الأموال اللازمة لشراء البضائع، بمثل هذه الأسعار، لتكفي حاجات أعداد كبيرة من المدنيين والمسلّحين في الغوطتين الشرقية والغربية، والريف الجنوبي والقلمون، تقدّر بأرقام فلكية، ولا سيما أنّ الاستهلاك لا يزال مستمرّاً في كل مناطق ريف دمشق، إذا استثنينا مخيّم اليرموك الذي شهد حالات موت من الجوع ونقص الأدوية. ولكن «ليس بسبب غياب وجود البضائع»، كما يقول بسام هلال، الطالب الجامعي الذي خرج من المخيم أخيّراً بموجب مبادرة الفصائل الفلسطينية.

ويقول هلال لـ«الأخبار» إنّ السبب هو «منعها عمّن لا يمتلك ثمنها، فقد عاش بعض من أهالي المخيّم، قبل إدخال المساعدات، على الحشائش والأشجار في الحدائق العامّة، في حين أن المسلّحين وبعض العائلات الميسورة كانوا يحصلون على طعامهم وشرابهم بيسر». ويتحدّث عن شبكة تحويل أموال في مخيّم اليرموك مكوّنة من رجل وزوجته: «الرجل داخل المخيّم وبحوزته الكثير من الأموال بعملات مختلفة، ويحميه المسلّحون لكونه على قرابة ببعضهم، أما الزوجة خارج المخيّم في دمشق، وإذا أراد أحد الأشخاص مساعدة أقاربه داخل المخيّم يذهب إلى الزوجة ويعطيها مبلغاً من المال، ليقوم زوجها داخل المخيّم بتسليمه إلى الشخص الذي أُرسلت إليه النقود». ويضيف أنّ صيارفة المخيّم يتعاملون بأسعار عملات تختلف عن نظيراتها في السوق السورية، السوداء والنظامية، إذ يبلغ سعر الدولار في اليرموك 100 ليرة في حين أنه يعادل 150 ليرة في العاصمة. وهذا الأمر يشير بدوره إلى أن الدولار متوافر بكثافة داخل المخيّم، وقفاً لقوانين العرض والطلب.

وتتعدّد الطرق التي تدخل عبرها الأموال والبضائع إلى المناطق «المحرّرة». فعدا حالات السطو المباشر الذي يقوم به المسلّحون على البيوت التي هجرها أهلها والمحال التجاريّة ودوائر الدولة، التي تعدّ مصادر متواضعة لجلب الأموال والبضائع، توجد أساليب أكثر تعقيداً، وتتطلّب شبكات خاصّة، يتوزّع عناصرها بين الجماعات المسلّحة وبعض أجهزة الدولة.

يقول شاب مقرّب من «الجيش الحرّ» لـ«الأخبار»: «تقوم شبكة من التجّار بتهريب الطحين والغذاء والدواء إلى الغوطة الشرقيّة، وتوصلها إلى أيدي المقاتلين في دوما. وهؤلاء التجّار بعضهم من دوما على اتصال مع المسلّحين، وبعضهم الآخر في دمشق يقوم بالتنسيق مع أشخاص نافذين في الدولة لكي يوعزوا إلى عناصرهم على الأرض بغضّ النظر عن عمليات التهريب، مقابل رشى يتلقونها». أمّا الأموال فتصل إلى المسلّحين عبر «شبكة إقليمية تمتد بين الغوطة الشرقية والقلمون والأراضي اللبنانية. وغالباً يجري نقلها أثناء تنقّلات جماعات كبيرة من المسلّحين بين تلك المناطق، ولا سيما خلال معركة القلمون».

ولدى وصول البضائع إلى المناطق التي يسيطر عليها المسلّحون، لا تعرض في الأسواق مباشرة، بل يجري بيعها على نحو متسلسل، وبدرجة عالية من التجزئة (بالمفرق)؛ فكيس الرز، على سبيل المثال، الذي تبلغ زنته 50 كيلوغراماً، يجري تقسيمه إلى 50 أو 100 جزء، بحيث يصبح وزن كل وحدة بيع بين نصف كيلوغرام وكيلوغرام واحد، كشكل من الاحتكار الشديد الذي يساهم في رفع الأسعار بدرجة عالية. يقول أبو كرم، من داريّا، لـ«الأخبار»: «داخل داريّا لا توجد محال تجارية أو سوق. ولكي تحصل على نصف كيلوغرام من الأرز عليك أن توصي أحدهم ليخبر معارفه بالأمر، وتنتظر ليومين أو ثلاثة حتّى يأتي طلبك وتدفع مبلغ 5000 ليرة شاكراً، وكأنك تطلب شيئاً يشبه الممنوعات».

بعض الأهالي الذين لا يستطيعون شراء الأغذية، بالأسعار الفلكية، لجأوا إلى أساليب بسيطة لتأمين قوت يومهم، كتربية رأس من الماشية، أو زراعة الخضر في محيط بيوتهم، الذي لا يتجاوز في بعض الأحيان بضعة أمتار مربّعة، وفي الشتاء الحالي زرع بعض الأهالي في الغوطة الشرقيّة الفجل والخس والملفوف الذي أصبح بديلاً من الخبز في طقوس طعامهم.

 

المصدر: الأخبار - العدد ٢٢٢٢ الجمعة ١٤ شباط ٢٠١٤