عشرة أفكار ماركسية تعرّف القرن الحادي والعشرين
سيرجيو أليخاندرو غوميز سيرجيو أليخاندرو غوميز

عشرة أفكار ماركسية تعرّف القرن الحادي والعشرين

تعريب: عروة درويش

في كلّ مرّة تقع أزمة اقتصادية جديدة، ترتفع مبيعات كتب كارل ماركس إلى السماء. قلّة من استطاعوا فهم آلية عمل الرأسمالية وعواقبها على البشرية، مثلما فعل ذاك المفكر من القرن التاسع عشر. لطالما حاولت الماكينة الرأسمالية دحض تحليلات ماركس وقتل الأفكار التي كرّس لها حياته، لكنّ الماركسية استطاعت مقاومة البلى. ولا أقصد هنا بوصفها طريقة لفهم العالم فقط، بل أيضاً كأداة لتغييره كما توضّح.

  1. تركيز ومركزة رأس المال:

عرّف ماركس في تحفته الفنية «رأس المال» الإنتاج الاقتصادي الرأسمالي، وتنبأ بميله نحو تركيز ومركزة رأس المال.

في حين أنّ الجانب الأول يشير إلى تراكم فائض القيمة: وهي القيمة التي يتم خلقها عبر وعلى حساب قوّة عمالة العمّال (فائض العمالة) والتي يستولي عليها الرأسماليون بوصفها ربحاً، فإنّ الجانب الثاني يتضمن الزيادة في رأس المال كنتيجة لجمع عدّة رأس مالات فردية، وهي التي تنتج بشكل شبه دائم عن الإفلاسات وعن الأزمات الاقتصادية.

إنّ آثار هذا التحليل مدمرة بالنسبة للمدافعين عن قدرة «يد السوق العمياء» على توزيع الثروة.

فكما تنبأ ماركس، فإنّ واحدة من سمات رأسمالية القرن الحادي والعشرين هي تزايد الهوّة بين الأثرياء والفقراء. وفقاً لتقرير أوكسفام الأخير فإنّ 82% من الثروة التي تمّ إنتاجها عالمياً عام 2017 قد ذهبت إلى جيوب الأثرياء الذين يشكلون نسبة 1% فقط من سكان العالم، في حين أنّ 3.7 مليار إنسان، وهم النصف الأكثر فقراً بين سكان العالم، لم يتلقوا أيّ زيادة على ثروتهم.

  1. عدم استقرار رأس المال والأزمات الدورية:

كان الفيلسوف الألماني واحداً من أوائل من أدركوا بأنّ الأزمات الاقتصادية ليست مجرّد خطأ في النظام الرأسمالي، بل هي واحدة من سماته الجوهرية.

وحتّى اليوم هناك محاولات لنشر أفكار أخرى مختلفة.

لكن بدءاً من انهيار أسواق المال عام 1929، ووصولاً إلى أزمة 2007-2008، فإنّ هناك دورة واضحة تسير وفقاً للأنماط التي أوجزها ماركس. ولهذا فحتّى أقطاب وول ستريت ينتهي بهم المطاف وهم يحاولون إيجاد بعض الإجابات في صفحات كتاب «رأس المال» لماركس.

  1. الصراع الطبقي:

ربّما كانت إحدى أهمّ أفكار ماركس الثورية هي فهم أنّ: «تاريخ جميع المجتمعات الموجودة حتّى الآن، إنما هو تاريخ الصراعات الطبقية» كما كتب مع صديقه فريدريك إنغلز في 1848 في البيان الشيوعي.

وضعت هذه النظريات الأفكار الليبرالية في مأزق. فبالنسبة لماركس، الدولة الرأسمالية هي واحدة من أدوات القمع التي تهيمن فيها طبقة على بقية الطبقات، وذلك أثناء إعادة نسخ قيمها وطبقتها.

وها نحن ذا بعد قرنٍ ونصف نشهد الصراع الطبقي بين 1% من سكان العالم المهيمنين، مع بقية الـ 99%.

  1. جيش الاحتياط الصناعي:

تحتاج الرأسمالية وفقاً لماركس إلى إبقاء الأجور منخفضة من أجل تعظيم الربح. يمكن تحقيق ذلك فقط عندما يتحين العمال الآخرون الفرصة لأخذ مكان عامل يرفض القبول بالشروط المفروضة عليه. ولهذا دعا هؤلاء العمال المنتظرين: «بجيش الاحتياط الصناعي».

فرغم أنّ كفاح النقابات من القرن التاسع عشر وحتّى يومنا هذا قد غيّر معطيات هذا الوضع، وخاصة في الدول المتقدمة، فلا يزال السعي لتخفيض الأجور أمراً ثابتاً لدى قطّاع الأعمال.

خلال القرن العشرين، انتقل قسم كبير جداً من الشركات الصناعية من أوروبا والولايات المتحدة إلى آسيا، وذلك للبحث عن عمالة ماهرة بأجر أقل.

ورغم أنّ العديد من الحكومات قد أشارت مؤخراً إلى خسارة الوظائف بسبب هذه العملية، كما تفعل إدارة ترامب في الولايات المتحدة، فإنّ الواقع أنّ الشركات لم تتدبر أمر الحفاظ على معدلات نموها العالية إلّا بفضل استغلال العمالة زهيدة الثمن.

ففيما يتعلق بالأجور، تظهر الدراسات الحديثة بأنّ القوّة الشرائية للعمال، بمعنى ما يمكنهم شراؤه، قد تقلصت في البلدان الغربية على مدى الثلاثين عاماً الماضية. والهوّة تتوسع أكثر فأكثر بين المدراء التنفيذيين والعمّال من المستويات الدنيا.

فوفقاً لمقالٍ في صحيفة «ذي إيكونمست»، فقد ركدت في العقدين الماضيين أجور العمال في بلدان مثل الولايات المتحدة، بينما زادت رواتب المدراء التنفيذيين بشكل هائل: فقد كانوا يقبضون 40 ضعف الأجر الوسطي، وأصبحوا يقبضون 110 أضعافه خلال هذين العقدين.

  1. الدور السلبي لرأس المال المالي:

في الوقت الذي فصّل فيه ماركس آليات الاستغلال المتأصلة في عملية التراكم الرأسمالي، فقد كان ناقداً بشكل خاص لرأس المال المالي الذي لا يملك دوراً مادياً مباشراً في الاقتصاد، بل يتم خلقه عبر طرق «وهمية» مثل الكمبيالات (السندات) والصكوك.

لم يكن في يومه ليتخيّل التطور الذي حدث لهذا القطاع من الاقتصاد بفضل استخدام أجهزة الكمبيوتر لتنفيذ المعاملات المالية بسرعة الضوء.

إنّ المضاربات وإعداد آليات مالية معقدة، مثل التي حملت اسم «الرهن العقاري» والمسؤولة عن إثارة أزمة 2007 – 2008، هي تأكيد حالي ثابت على ما قاله ماركس.

  1. خلق حاجات زائفة:

لم يشهد القرن التاسع عشر دويّ الإعلانات التجارية على الراديو والتلفزيون، ناهيك عن الآليات الأكثر عصرية مثل الإعلانات الشخصية على الإنترنت، لكنّ ماركس قد حذر بالفعل من قدرة النظام الرأسمالي على خلق حاجات زائفة وغريبة ونشرها بين البشر.

فكما قال منذ 150 عام: «أصبح تمدد الاحتياجات والمنتجات خاضعاً بشكل مذل لشهوة غير إنسانية وغير طبيعية ومعقدة».

في عالم اليوم، تصبح الهواتف المحمولة عتيقة الطراز بعد بضعة أشهر من إنتاجها فقط، والإعلانات هي المسؤولة عن إقناع المستخدمين بشراء أحدث الموديلات. وفي ذات الوقت يتم بناء الأجهزة المنزلية لتتوقف عن العمل بعد بضعة سنوات فقط، وذلك لخلق الحاجة لاستبدالها.

  1. العولمة:

كتب ماركس وإنغلز في البيان الشيوعي: «إنّ الحاجة إلى سوق تتوسع باستمرار من أجل منتجاتها تطارد البرجوازية على كامل سطح الكرة الأرضية. عليها أن تبني عشها في كلّ مكان، وأن تستوطن في كلّ مكان، وأن تنشأ روابط في كلّ مكان».

لا يمكن أن يكون هذا الوصف أكثر دقّة في المشهد أمامنا عن عولمة الأسواق المصحوب بفرض ثقافة الاستهلاك.

  1. انتشار الاحتكارات:

صحب انتشار هذه النزعة خلق الاحتكارات العابرة للحدود. ففي حين أنّ النظرية الاقتصادية الليبرالية الكلاسيكية تفترض بأنّ المنافسة سوف تحافظ على تعدد الملكيات، فقد أدرك ماركس نزعة السوق إلى التجمّع وفقاً لقانون الحياة للأقوى.

عمالقة النفط والاتصالات والإعلام هم بعض الأمثلة الحالية عن العملية التي وصفها ماركس.

  1. النزعة الانتحارية للرأسمالية:

إنّ إحدى أكثر الجمل تنويراً في عكس الرأسمالية والواردة في البيان الشيوعي: «كلّ تلك الصلابة تذوب في الهواء».

أدرك ماركس وإنغلز الطبيعة الخلاقة والمدمرة بذات الوقت للرأسمالية، والتي تفرض خلال سعيها للإنتاج بأيّ ثمن إيقاعاً غير إنساني على الإنتاج وعلى الاستهلاك غير المستدام. إنّ هذه النزعة بالذات هي السبب في أننا بتنا على حافة تدمير كوكبنا.

إنّ دور البشر في رفع حرارة الكوكب مثبتٌ بشكل كبير، رغم استمرار البعض بمحاولة إنكاره.

  1. إمكانية ثورة الطبقة العاملة:

إنّ تأثير ماركس الأعظم في التاريخ لم يكن تحليلاته لتناقضات الرأسمالية، بل في دعوته لبناء مجتمع جديد قائم على الشيوعية.

إنّ رسالته بأنّ إمكانية قيام البروليتاريا بتحرير أنفسهم من القمع واللامساواة قد غيّرت الكثير خلال القرن العشرين وألهمت الثورات في روسيا والصين وفيتنام وكوبا من بين بلدانٍ أخرى. ولا تزال دعوته للطبقة العاملة بالتوحد صالحة بشكل كلي في القرن الحادي والعشرين.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

 
آخر تعديل على السبت, 27 نيسان/أبريل 2019 02:25