المال الإلكتروني: مال أم اداة مقامرة؟

المال الإلكتروني: مال أم اداة مقامرة؟

قبل بضع سنوات، كانت المفردات المماثلة لما سبق تستخدم في دائرة ضيقة جداً من الناس (أي من قبل علماء الرياضيات، والمبرمجين، وخبراء أنظمة الدفع والاتصالات، والمبرمجين في البنوك والخدمات الخاصة)، أما اليوم، فقد دخل إلى عملية المجادلة حول النقود الإلكترونية عدد كبير من رؤساء المصارف المركزية، والمؤسسات المالية الدولية، وشخصيات سياسية رفيعة المستوى.

كثيراً ما نسمع اليوم عن كلمات مثل «بيتكوين»، أو «المال الرقمي»، أو «العملة الافتراضية»، أو «النقود الإلكترونية»، ومرادفاتها كـ«المحافظ الإلكترونية»، و«المال البديل»، و«النقود الشبكية».. إلخ، فما هو ذلك الشيء الملتبس خلف تلك التسميات جميعها؟

تصف المصطلحات الواردة أعلاه جميعها تلك الابتكارات التي استولت على عالم المال في القرن الحادي والعشرين. إذ أننا نتحدث عن أحدث العمليات والأدوات «البديلة» في السوق المالية، وفق مفهوم أولئك الذين صمموها ويستخدمونها- وهي «نوع جديد من المال»، موجود بالتوازي مع المال التقليدي (النقدي وغير النقدي)، لكن يختلف اختلافاً كبيراً عنه:

«بديل» تخترعه قوى السوق

تتميز الأموال الالكترونية «البديلة» أولاً: بأن العمليات التي تجري من خلالها لديها مستوى حماية ممتاز(يقول البعض أنه يبلغ مستوى 100%). وثانياً: فإن النقود الإلكترونية، هي نقود خاصة حصرياً، ما يعني أنه ابتكرها ويملكها أفراد. و«تتحرر» هذه الأموال تماماً عن الدولة، وعن المهام التنظيمية والرقابية.

ثالثاً: يتم إنشاء ومعالجة هذه الأموال في نظام لا مركزي. ومن المفترض أن مثل هذا النظام لا يسمح لأحد من الأعضاء بالسيطرة على النظام، أو فرض سيطرة أحادية عليه.

يولي أنصار النقود الإلكترونية اهتماماً خاصاً بحقيقة أن هذا النوع الجديد من المال، يعطي الناس «حرية أكبر». ويقولون إن الناس يخرجون بموجب ذلك من عهدة الدولة. أما المصارف المركزية، ومؤسسات الرقابة المالية الأخرى التي لا تريد لأحد أن يخرج عن نظام احتكارها المصرفي، ستغدو غير قادرة على السيطرة على عمليات النقود الإلكترونية، التي لا تعرف الحدود الوطنية، ويمكن استخدامها في حالات فرض الدولة لقيود على المدفوعات الدولية. أي أنه تهشيم كامل وواسع النطاق لدور الدولة في المراقبة المالية.

عن «بيتكوين» وميلادها

في الواقع، إن هذه النسخة الإلكترونية الأحدث لنظام «الحوالة» المستخدم منذ قرون، والذي يسمح بنقل الأموال والمدفوعات بشكل غير رسمي، يستخدم أساساً اليوم في آسيا وأفريقيا على وجه التحديد (بوصفه نظام يلغي الحاجة إلى تنقل المال عبر الحدود، ويساعد على تهريبه بصورة لا تثير الكثير من الريبة).

يعرب ممثلو المدرسة النمساوية للاقتصاد عن «سعادتهم الشديدة» بظهور النقد الإلكتروني، خاصة أنهم حاربوا بقوة طوال القرن العشرين، ضد احتكار البنوك المركزية في المسائل النقدية، ودعوا للانتقال إلى المال الخاص غير المتحكم به من قبل الدولة.

والنقود الإلكترونية الأكثر شهرة في يومنا، هي بيتكوين. وغالبا ما يشار إليها باختصار BTC. وما زالت هذه العملة تخطو أولى خطواتها. فالمرة الأولى التي سمع العالم عن العملة الجديدة، كانت في يوم 31/ تشرين الأول/ 2008، عندما ظهرت وثيقة تعرف وتصف البيتكوين، وقعت من قبل صاحب المشروع ساتوشي ناكاموتو. ويعتقد كثيرون أن هذا لقب، يخفي وراءه شخصاً آخر أو حتى مجموعة من المطورين. وفي السنوات اللاحقة، أجريت عدة تحقيقات صحفية حول الموضوع، لكن أحداً لم يكن قادراً على الوصول مباشرة للمطور الغامض ساتوشي ناكاموتو.

بدأ المشروع في 3/ كانون الثاني/ 2009، عندما تم إنشاء أول وحدة بيتكوين في الشبكة الالكترونية، وجرت تسميتها «كتلة سفر التكوين». ويعتبر هذا اليوم عيد ميلاد بيتكوين، الذي تحتفل به جماعة بيتكوين في جميع أنحاء العالم.

مستخدمين.. و«عمال مناجم»

في العديد من دول العالم انتشرت شبكة واسعة من المشاركين في نظام BTC إلى حد بعيد، بما في ذلك ما يسمى عمال المناجم (أولئك الذين يخلقون الأموال الافتراضية في شكل كتل)، والمستخدمون العاديون (الذين يراكمون هذه العملة في «المحافظ الإلكترونية»، والذين ينفقوها)، والبورصات الخاصة.

وفي بعض الدول الغربية ظهرت نقاط البيع الطرفية لإجراء العمليات الحسابية لبيتكوين في المحلات التجارية وأجهزة الصراف الآلي BTC التي تنتشر في أوساط الملايين من الأعضاء. يمكن تخيل هذا النظام كشبكة كمبيوتر لامركزية، حيث الأداء أعلى أكثر بثماني مرات من إجمالي قوة المعالجة لأجهزة الكمبيوتر العملاقة في العالم.

غالباً ما يشار إلى BTC على أنها نظير إلكتروني للذهب. وفي بداية خريف عام 2009، كانت الأمور سهلة، إذ أن وحدة واحدة من BTC كان من الممكن شراؤها بمبلغ أقل من سنت واحد. ثم بدأ تعقيد «الإنتاج»، وغدت القوة الشرائية لوحدات BTC تنمو بسرعة. في البداية، تم استخدام BTC لشراء أبسط السلع (على سبيل المثال، كوب من القهوة والبيتزا)، ثم أصبح ممكناً شراء الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر. وبدأت بورصات متخصصة بالظهور، حيث يتم تداول BTC كعملة عادية. وفي بعض الأحيان، بلغ سعر صرف BTC في الولايات المتحدة 1000 دولار أمريكي..!

مع ذلك، بيتكوين ليست العملة الافتراضية الوحيدة من نوعها في العالم. فوفقاً لبعض التقديرات، هناك أكثر من ألف من هذه العملات الافتراضية. أما الحجم الكلي للنقود الإلكترونية الصادرة في مختلف البلدان في أنحاء العالم جميعها، فيقدر اليوم بما يعادل عدة مليارات من الدولارات. في حين أن ذلك لا يعد سوى قطرة من محيط. ومع ذلك، لا يفقد أنصار العملات الافتراضية الأمل، إذ يعتقدون أن حجم انبعاثات النقود الإلكترونية سيرتفع بسرعة، لأن لها مزايا أفضل من المال التقليدي. وبالإضافة إلى ذلك، BTC وغيرها من الأموال الافتراضية لها تأثير الانكماش، ما يعني أن زيادة حجمها ستزيد من قوتها الشرائية.

ما وراء هذه العملات؟

كل ما سبق، هو ما تعرضه عادة الطبعات، التي تروج بشكل خفي لقوة العملة الجديدة. ومع ذلك، هذه الظاهرة لديها بالطبع جوهر مظلم. أولاً وقبل كل شيء، ينبغي أن نولي الانتباه لمسألة أن النقود الافتراضية يحتمل أن تكون أداة مثالية لتمويل الإرهاب والعمليات السرية (بما في ذلك الثورات الملونة، فضلاً عن كونها أداة يمكن توظيفها، إلى أقصى حد، بوصفها بديلاً عن الدولار الأمريكي الذي يشهد انهيارات كبرى- المحرر).

وبالإضافة إلى ذلك، في ظروف تشديد بعض البلدان لقوانينها حول استخدام الحسابات الخارجية، فإن هذه العملات يمكن أن تساعد في التحايل على القيود الجديدة. فكرة النقد الإلكتروني ولدت في أعماق وكالات الاستخبارات الغربية، والمطور الأشهر لبيتكوين، ساتوشي ناكاموتو، -الذي لم يره أحدا في الوجه- غطاء لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

ومن حيث المبدأ، يهدد النقد الإلكتروني بتقويض احتكار البنوك المركزية لإصدار العملة (الأوراق النقدية)، وحقوق المصارف التجارية لإصدار العملات غير النقدية (وديعة). ومع استثناءات قليلة، تسعى السلطات النقدية إلى الحد من مثل هذه المشاريع في مهدها. ورغم السياسة الصارمة من قبل السلطات النقدية في العديد من البلدان، إلا أن سلطات عدة بلدان كانت متسامحة جداً، خاصة في بلدان مثل أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة وألمانيا وهولندا.

الواضح أن السلطات في بعض الولايات الأمريكية متعاطفة- حتى النخاع- مع هذه العملات الإلكترونية. إذ أن سلطات ولاية نيويورك- على سبيل المثال لا الحصر- قررت أن تضخم عملها في موجة تطوير وخلق العملات الافتراضية، كما نظمت عملية إصدار تراخيص للمعاملات مع بيتكوين.

آخر تعديل على الخميس, 11 نيسان/أبريل 2019 22:54