الحروب الكافرة.. والمحرضون
حصة بنت محمد آل الشيخ حصة بنت محمد آل الشيخ

الحروب الكافرة.. والمحرضون

نشر موقع صحيفة الرياض الالكتروني الخميس 29/1/2014 مادة لافتة بقلم الكاتبة السعودية حصة بنت محمد آل الشيخ تحت عنوان «الحروب الكافرة.. والمحرضون»  تندرج فيما يبدو في سياق التحول الجاري في وعي «نخب» المجتمع السعودي من بعض الصحفيين والأكاديميين واستشعارهم لدرجات الخطورة التي يحملها تصدير الفكر الإرهابي التكفيري من قلب المملكة السعودية، ودعوتهم لمواجهة ذلك ووقفه، مع ضرورة وقف كل القوانين الجائرة التي يعاني منها السعوديون، وإن كانت الكاتبة في النهاية تلجأ إلى تعظيم الملك كطريقة لإيصال فكرتها وكأنه غير مسؤول، وهذا أسلوب سائد في مجتمعاتنا ودولنا القمعية الديكتاتورية. (موقع قاسيون)

(الحروب الكافرة) تكفر بالإنسان، بل وقودها الإنسان، يهلك فيها نفسه وتذهب أنفس أهله حسرات عليه، تنفيذا لأجندات أهل الفتنة والإرهاب، أولئك الذين يقذفون بأنفس بريئة لتحقيق أطماعهم العنصرية الاستعمارية وهم يتسكعون مع أبنائهم في بلاد الضباب وأسطنبول وغيرها مستمتعين بالسفر والترحال! 

عندما يتسلط التطرف الطائفي على الوجدان فلا تسل عن مصائد الحروب الكافرة، الحروب الكافرة وصف ذكره داود الشريان في حلقة كشفت عن مأساة أهالي الشباب السعوديين الذين ذهبوا لسورية للقتال في برنامجه الثامنة، وهو وصف مطابق للاقتتال المفتوح على اللاوطن واللاانتماء سوى الوهم الأممي المدمر؛ وعندما يستعر الوطيس الأممي ويضطرم بالطائفي كالحرب في افغانستان وباكستان والشيشان ثم في العراق وسورية، وتحصد نفوس الأبرياء بدم بارد من المحرضين المجيشين، فلا تستنكر عندما يصل الحال بأن يقتل السعوديون في جبهة النصرة آخرين في داعش والعكس، وسط تكبير أوباش الفئتين.  

هذه الحروب التي قال عنها الشريان لاندري من بدأها ومن أنهاها، هي حروب الفتنة الطائفية المستعرة طوال التاريخ تخمد فترة ثم توقد بدون أن نقف منها موقفاً واضحاً جلياً يوقف بغيها، وهي التي يتنافس على توظيفها مشايخ الفتنة؛ قعدة الخوارج إلى يومنا هذا.. فالتمسك بزعم"الجهاد" في خطاب الفتنة الطائفية اليوم هو مجرد تجييش وتحريض إرهابي عنصري يخاصم الحياة ويعبث بالدين، فكر أممي تكفيري يعمل على إيقاده سماسرة الحرب، وأرباب الفتن، وطغاة الكراهية والعدوان. 

كانت حلقة الثامنة مجالاً واضحاً وعميقاً يعكس أثر بغي موقدي الفتن في عقول ووجدان الناس، كما عرّت حالة المعالجة وفظاظتها ووهنها المستمر، تحريضا وتجييشا للمشاعر وحملات ضغينة وعداء وكراهية، والوقود شباب وأطفال يزج بهم في أتون محارق الفتن المتقدة!! 

 

قراءة الحلقة تبعث الأسى بكل محاورها؛ من التعامل مع المأساة إلى امتداد الحروب التاريخية المقدسة؛ سبب الوهن ونبتة الإرهاب الدموي المتجدد : 

* أم محمد قبل شهر فقدت ابنها "مسفر"أولى ثانوي 16سنة، تجهش بالبكاء وهي تستعيد مكالمته التي ضرب أثناءها عندما بكى ندماً على ذهابه لسورية، فمن المسؤول عن ولاية أب غير صالح أرسل ابنها للهلاك وها هي تخشى على بقية أبنائها وتطالب بحضانتهم، ولا من مجيب!! 

يشارك التعجب قهراً دار الحماية في عسير التي لجأ لها هارباً من والده فلم تستقبله.. فمن المسؤول؟!! 

لكنها ظلمات العنصرية لاتبدأ إلا لتعود لأصلها بين الرجل والمرأة، والتي تكرس ولاية الأب، وإن طغى وتجبر بل وإن صار خطراً على أمن الوطن كحالة أم محمد؟! 

*أم فهد عشر سنوات وهي تندب مصيبتها بفقد ابنها، تهذي به هذيان المفجوع بالفقد المستجير بالأماني، تعيش الأوهام وتتذكره كل دقيقة؛ تجهز له الغرفة، وتحضر له كل عام سمبوسة رمضان التي يحب، ولايأتي فتتصدق بها، فمن يُسكِن وجيف قلبها الذي ينعاد عليها مع كل عيد؟!! 

* آهة مكتومة مقهورة من شاب حرمه والده من التعليم وزوّجه وهو طفل، وحمله على السفر لسورية "للجهاد"، فقبض عليه وأودع السجن.. من المسؤول؟! 

هذا الطفل الأب"مقرن" يبكي فراق طفلته وزوجته ويشكو حالة والده الذي لم يخش الله فيه فقدمه ضحية لكهنة الدمار والشر الذين أمروه بأن يرمي فلذة كبده في نار الفتنة. 

*يؤكد د. ابراهيم الميمن عضو لجنة المناصحة في الحلقة دور البريك والعواجي والعودة والعريفي والعرعور، فالكثير من المسجونين على خلفية قضايا إرهاب في العراق وغيره يذكرون هذه الأسماء والبيانات التي وقعوا عليها بوجوب الجهاد ويسمونهم بأسمائهم ويقولون نحن ضحاياهم، من يدفع الضريبة وأهلنا فقدونا وهم أحرار طلقاء، وبدون أي محاسبة، والسؤال يعود للجنة المناصحة وللمسؤولين عنها لماذا لم يحاسبوا؟!! 

يذكر الميمن أيضاً أن أكثر قُواد داعش سعوديون، وأغلب أفراد النصرة كذلك، فهل سنصحو أم لازال ذر الرماد يحجب الرؤية فتهدر المزيد من الأرواح والضحايا؟!! 

بيّن الميمن أنواعاً من التحريض عبر خطب الجمعة النارية وبعض القنوات الدينية، والندوات والجلسات السرية توقع فيها بيانات وتكتلات داخل وخارج الوطن، ثم ألقى بقنبلة تشي بخطورة الوضع: (شبه يومي تخرج أعداد كبيرة إلى يومنا هذا أغلبهم تتراوح أعمارهم بين 18 / 25 إلى سورية( 

يصور د.الميمن دار الحرب (نفس الصورة تتكرر شبابنا الذين ذهبوا هناك عادوا مكفرين واستهدفوا بلادهم، بيئات فتن وانقسامات وتحزبات وعنصريات وأمور لا تخفى على أحد يتلقون هناك تنمية الكره والحقد على الأوطان) فلماذا وإلى متى السكوت؟!! 

يستهزئ العريفي بدم بارد بدموع أم محمد الثكلى التي لا تدري هل ابنها ميت أم لازال حياً ينتظر مشاركته في عملية إرهابية ليعطي صورة معبرة لتسلط التطرف الطائفي على الوجدان، فهل من متفكر؟!! 

عندما فرح العريفي فرحته التي لم تتم بجماعته جماعة الإخوان الإرهابية وشارك في القاهرة بمؤتمر الجهاد في سورية الذي خطب فيه خطبته العصماء، صرخ محرضاً بأن علماء الأمة أعلنوا النفير العام والجهاد في سورية، فقد رأى الملائكة وهي تقاتل مع مجاهدي سورية، ورأى الخلافة بعينيه قادمة في الشام، لكنه ذهب بعدها ليصيف في ربوع لندن؟!! 

أليست تغريدة سلمان العودة:(اجتماع العلماء في القاهرة وبيانهم بشأن سورية (يقصد النفير العام) بادرة إيجابية وتمنيت أن أكون معهم ولكن حبسني العذر) تأييداً لمؤتمر الجهاد في سورية وتحريضاً على الجهاد؟!! 

إنه ورغم تحذير الدولة من جمع الأموال لغير المصرح لهم غرد قائلا("الأسر الداعمة" تقوم بجمع تبرعاتها لسورية وإرسال بعض أبنائها لشراء الاحتياجات من تركيا، وإرسالها ليكونوا متطوعين بالمال والنفس).. ولك أن تفهم معنى النفس كما يفندها عقلك. 

لنفترض أن طريقة الحشد تجاوزت مباشرة الدعوة للقتال، السؤال الجلي: لماذا لم يسجل أحدهم تراجعه ويعرب عن أسفه على ماضيه الإرهابي المحرض على العنف ويعلن إقلاعه عن ذنبه؟! 

في حلقة لبرنامج حراك بعنوان "وماذا بعد تسليح المعارضة في سورية" يذكر د.محمد بن صنيتان "محلل استراتيجي سعودي" أن الشباب يفهمون المزاج العام للفتاوى، والتجييش الانتحاري الذي يحمله خطاب المحرضين، ويقول سعد البريك في الحلقة نفسها: كم مات في التزلج والتفحيط والدرباوية وفي المخدرات والمسكرات وحوادث السيارات وأنت خايف على خمسة ستة يموتون فليموتوا، ليرد عليه د ابن صنيتان:أنت بطرحك هذا سأحملك دماء الشباب الذين يموتون، فيرد البريك: (أرجو ألا تكون هناك لوثة ليبرالية مزعجتك جعلتك لاترتاح للطرح اللي نطرحه) 

ليت البريك يتعلم من الفكر الليبرالي كراهيته إزهاق الأرواح وحبه لسلامتها، ويفهم أنه سهل أن تقول لانحتاج لحشد الانتحاريين، ولكن بكلام عائم يدور في فلك حمى القتل ويشعل نار التغذي على مراهنة الجاهزية النفسية والمعنوية، وهي التي يتبارى فيها الشباب الصغار ليثبتوا دورهم وأثرهم، فتحملها اللغة التي يتحدث بها المحرضون، فالخمسة أنفس والستة ليست بذي بال، أما الليبرالي فيرى قيمة إزهاق نفس واحدة ويكبرها ويراها جريمة.. 

تعلّم من الليبرالي علك تحترم حق النفس في الحياة وحرمة قذفها للتهلكة. 

يذكر عوض القرني في نفس الحلقة بأن هذا وقت جمع الأموال (ولو رأيت أنه يجب ذهاب الشباب لسورية لأفتيت ولا يهمني)، يقصد المشاركة في القتال، فمن هو ليتدخل في أمر دولة أخرى؟ ومن هو ليفتي بالجهاد وهو ليس شأنه لا أصلاً ولا نيابة؟! 

في ثنايا الحشد والتغرير والتجييش تأتي حركات التباكي على الأمة الإسلامية التي ظهر فيها البريك بشكل هزلي مثير للسخرية مستجدياً الشباب بدموع التماسيح لنصرة إخواننا السوريين.. والسويدان يهز رأسه متأثراً! 

ويأتي أخوهم في التحريض "الطريفي" ليواصل تهريجه بسحب الانتصار من داعش لغيرها كما فعل غيره، وهم جميعاً أمة تلعن بعضها، كل طائفة تلعن أختها، هذا هو الجهاد في سورية، داعش تلعن النصرة، والنصرة تلعن داعش... الخ.. كذلك يوسف الأحمد في قناة وصال برنامج انصروا الشام نفس الخطاب التحريضي، فقناة صفا والمجد والدانة ووصال وغيرها قنوات محرضة على القتل الهمجي. 

في ديوانية الدانة مداخلة "أمل" أم المجاهد السعودي في سورية وهي تتلقى من العرعور وواعظ آخر سعودي كاذب يتحدث بكل تبجيل عن جبهة النصرة، تصور حالة الوعي المأزوم بالاتباع والانصياع لأرباب الفتن والإرهاب. 

ويأتي العرعور امبراطور أموال التبرعات كما وصفه الزميل الكاتب يوسف أبا الخيل في تغريدة له ليعلن الزحف والنفير، صاباً لعناته الحمقى التي نزلت برداً وسلاما على قلوب المؤمنين: 

(سأعلن النفير مع العلماء، وسوف نلعن أي مسلم وعربي لم ينفر إلى سورية من أي بلدة كان؛ من مكة إلى طنجة ومن بغداد إلى أنقرة إلى إسلام أباد سوف نستنفرهم لإنقاذ المسلمين وسوف تتحملون مسؤولية ذلك)، (نعلن النفير وليكن ما يكون، وسوف نلعن كل من يمنع الناس من النفير). 

وللعرعور حملات كثيرة لجمع الأموال، كحملة (انقذ مسلما بكمامة) يقول: هدفنا شراء 100 ألف كمامة قيمة كل كمامة 200 ريال، تصب في حسابه في أحد المصارف المشهورة!! 

لقد هاج العرعور عندما سألته قناة العربية لماذا لم يذهب أبناؤه للجهاد الذي دعا له، فهل أجرمت القناة بسؤالها الصادم؟! إذاً فكيف بمن يضرب سيادة الدول كاملة بتهديد كل حكام الدول العربية بالنفير العام تحت رايته؟!! 

يجيب: بأن أبناءه يقومون بأعمال تخدم الجهاد أعظم من حمل البندقية، أما هو فيجاهد بلسانه، لله در العقول التي تصدق سخف الأكاذيب وتبريرها. 

أما إن أردت عزيزي القارئ الضحك حتى تستلقي على قفاك فانظر لهذا المهرج في مقطع السيف الذي أقسم أن يقطع به رقبة بشار، لتصل بنفسك للهدف الحقيقي؛ عندما وصلت قيمة السيف مزايدةً 25 ألف ريال،، يعلق المذيع واسمه صهيب عرعور ربما ابنه مستزيداً "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"؟! المهرج يبيع سيفه وبشته والغوغاء يشترون بآلاف الدراهم! 

أخلاق العرعور لا تختلف كثيراً عن مواقفه، فقد قذف إحدى المتصلات بأنها عاهرة؛ لأنها واجهته بحقيقة تحريضه ونتيجته على تفاقم الوضع في سورية. 

توسيع دائرة التكفيريين والانتحاريين وأعداء الإنسان على وجه الأرض هي لعبة أصحاب الفكر الأممي الذي يحلم بحكم العالم أجمع فيخبص العلاقات لأنه هنا مرماه؛ فالعواجي مثلا في لقاء له يرى أن المرء يفترض ألا ينتظر موقف الحاكم، بل يكون له موقف مباشر مع الأحداث، وهذا هو التدليس الذي يلعب به على عاطفة الجماهير لما يسمى بالجهاد. 

تاريخياً؛الحروب الدينية بارتباطها بالاعتقاد هي الأقوى رسوخاً والأشد تأثيراً ودماراً، وهي التي يتقاعس البحث عن أثرها الإنساني كون الحكم كما يزعمون فيها حكماً إلهياً، وهو وجوب القتال كما قال البريك في أحد لقاءاته التلفزيونية في قناة فور شباب عن واجب تعبئة الشباب من خلال القنوات الإجرامية المشاركة بالتجييش، واليوم وسط صراع الأجنحة الإرهابية أخونجية وداعشية وقاعدية في سبيل الحكم تشن ثقافة التصنيف والتعبئة العنصرية والكراهية وقوداً للحروب المشتعلة في بلاد المسلمين. 

لقد سبق ودعا ملكنا المبارك - حفظه الله - بضرورة تغليظ العقوبة على دعاة العنف باسم الجهاد، وأن يكون الحكم على المحرضين المغررين بالصغار مناسباً لحجم إرهاب سعيهم في العقول فساداً وخراباً وقتلهم الأبرياء بغير حق، وهي دعوة عادلة ترتبط ضرورة بتطهير البيوت والمدارس والمساجد والإعلام من الداعشية والنصرة والإخونجية وبقية أحزاب الإرهاب، وتشجيع ثقافة مساءلة القناعات وتنمية الوعي الحضاري والإنساني، واستنهاض الحس الوطني، وتنشيط مهارة فحص التلقي والتقبل وردات الفعل بدل الوقوع ضحية التنادي بالباطل.. فإعادة الحياة للحياة والتعقل للعقول تشترط سحب السلطة التعبوية من مجرمي الإرهاب الفكري وللأبد..

 

المصدر: صحيفة الرياض