وثائقي أميركي يتوقع تجدد الأزمات المالية
قيس قاسم قيس قاسم

وثائقي أميركي يتوقع تجدد الأزمات المالية

تابع العالم أزمة إقرار الموازنة العامة للولايات المتحدة، في الأسابيع الماضية، لما لها من آثار سلبية على مستويات تتجاوز محيطها الجغرافي. كما انها أظهرت خلافات واسعة بين الجمهوريين والديموقراطيين حول عدد من النقاط الأساسية في بنودها، ما فتح الباب لنقاشات واسعة حول أسباب الخلافات ولماذا ظهرت الانقسامات بينهما بهذه الحدة؟ من بين الذين اهتموا في تحليلها ومعرفة أسبابها، مخرج الوثائقي التلفزيوني الأميركي «التشويق» الذي حشد كماً من أسماء مرموقة في حقول الاعلام وعالمي الاقتصاد والسياسة.

يحيل الوثائقي مشاهديه، من أجل فهم أسباب ظهور أزمة اقرار الموازنة العامة الأميركية، للعودة الى الانتخابات النصفية عام 2010 والتي من دونها كما يظن الصحافي مات باي من «نيويورك تايمز مغازين» لا يمكن أبداً فهم المشكلة التي ظهرت بين الجمهوريين والديموقراطيين لحظة اقتراب موعد اقرارها. في حصول الجمهوريين على مقاعد اضافية في البرلمان يكمن سر كثير من الخلافات التي ستظهر لاحقاً، لا نتيجة لاختلال التوازن الذي حصل بينهما، فحسب، بل في طبيعة الفائزين الجدد.

سيثير وصول 87 نائباً من الجمهوريين المتشددين الى البرلمان، قلق أوباما وادارته فهؤلاء سيسعون الى وضع العصا في عجلة مشاريعه التي وعد ناخبيه بتحقيقها ومنها قانون اصلاح الرعاية الصحية وزيادة حجم الضرائب. ويصف مستشاره ديفيد ايكسلرود لحظة اعلان النتائج: «كانت لحظة شؤم لأوباما الذي شعر بإحباط شديد».

وكما كان متوقعاً شرع المتشددون الجدد والمؤيدون لـ «حزب الشاي» بالتحرك من أجل «تغيير في واشنطن»! لم يخف النائب الجمهوري اريك كانتور الذي يعد من بين أكثرهم تشدداً، توجهه من أجل شل عمل البيت الأبيض ووقف برنامج أوباما الاصلاحي لأسباب ايديولوجية تتعلق بتمثيله مصالح الأثرياء وأصحاب الشركات، متناغماً مع توجهات الجمهوريين.

قاد كانتور جبهة حزبية متماسكة أولى خطواتها كانت التصويت بـ «لا» للقوانيين الجديدة التي اقترحها أوباما. وستعزز سياسته المعارضة لأي تغيير اجتماعي واقتصادي ثقته بنفسه فيعمل بقوة لمنع إقرار برنامج رفع «سقف الدين» الأميركي والذي يعني عملياً تعجيز الدولة عن دفع نفقاتها وبالتالي إجبار «البيت الأبيض» على تقليص حجمها وتوقيف بعض برامجه الاصلاحية.

يستعرض الوثائقي التحركات السياسية داخل الكونغرس والبرلمان خلال عامي 2010 و2011 في ما يتعلق بإقرار موازنة تتضمن تعديلات أساسية اقترحتها حكومة الديموقراطيين، منها رفع سقف الضرائب. بلغ التجاذب بين الطرفين درجة أوصلت البلاد الى حافة الهاوية أو ما أطلق عليه المحللون «وضعية الموت» ولم يعد وفقها المجال متاحاً لتراجع أي من الطرفين عن خطته، وهذا ما كان يهدد بظهور أزمة حقيقية تدخل البلاد في مشاكل سياسية واقتصادية جديدة.

لقد ظل الصراع على تفاصيلها قائماً حتى قبل يومين فقط من انتهاء مدة اقرارها، وسيطلق عليها الجمهوريون في ما بعد تسمية «الموازنة الهاوية» تهكماً لأنهم نجحوا في تقليص الكثير من طموحاتها.

لعبة جر الحبل الدائمة بين الطرفين فيها الكثير من «التشويق» لمن يريد التعرف الى خفايا العمل السياسي الأميركي ولكنها من الناحية العملية تعبر عن تباينات ايديولوجية مستحكمة بين الطرفين ستظل طويلاً إذا ما ظل النظام الانتخابي كما هو عليه الآن، وسيظل الطرف الغالب في كل الأحوال أكثر قدرة على فرض بعض ارادته. وهذا ما سيتضح حين سيكتب الفوز لأوباما في انتخابات 2012، لكنها لن تكون حاسمة بما يكفي لإزاحة العقبات عن طريقه والوثائقي ظل يتابعها بالتفصيل، عبر دخوله كواليس البيت الأبيض، الذي وجد حكامه أنفسهم أكثر ارتياحاً بالمقارنة بعام 2010.

أراد أوباما هذه المرة استغلال قوته لتمرير برنامجه الاصلاحي، مستغلاً تفكك جبهة الجمهوريين الجدد، موقتاً، لكنه سيواجه المعضلة ذاتها: الحزب الجمهوري. فالحزب في تركيبته المحافظة لم يتراجع كثيراً ولهذا عاد ووقف ضد اقرار أي موازنة تتضمن زيادة في الضرائب على ذوي الدخل العالي وتؤمن وضعاً صحياً جيداً للعامة وتسمح برفع سقف الدين الأميركي بما يسهل تسديد الدولة لنفقاتها العامة.

سيعود الى الواجهة اسم جون بوينر، رئيس البرلمان، كمفاوض باسم المحافظين الجمهوريين بدلاً من المتشددين الجدد، وسيلعب الدور ذاته الذي كان الحزب يلعبه ويتلخص بمنع تمرير الموازنة بحالتها المقترحة ايماناً منه بإيديولوجيا تعبر بوضوح عن مصالح المتنفذين من صناع السياسة الاقتصادية الأميركية. ولهذا برزت مشكلة إقرار الموازنة العامة كما رأيناها أخيراً والتي مُررت، بشق الأنفس وبعد صراع طويل تعطلت فيه مؤسسات الدولة عن العمل لمدة من الزمن، وقدم الطرفان فيها مجبرين وفق قواعد اللعبة تنازلات متبادلة لن تمنع لاحقاً من ظهور مشكلات أشد لأنها في النهاية لم تمس جوهر التركيبة السياسية ولم تغير قواعد اللعبة حسبما خلص اليه الوثائقي التلفزيوني. وتوقع أن تنشأ مشاكل مالية أشد قوة من سابقاتها لأن الطرفين لم يقدما صراحة مشروعاً استراتيجياً واضحاً يمنع ظهورها مستقبلاً.

 

المصدر: الحياة