أوكرانيا ومولدافيا... الصراع الجنوني لرأس المال من أجل البقاء

أوكرانيا ومولدافيا... الصراع الجنوني لرأس المال من أجل البقاء

يبدو أن الهزيمة السياسية الكبيرة التي مني بها الحلف الامبريالي العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية أمام صعود قطب جديد في العالم بزعامة روسيا في الملف السوري قد جعل القطب المهزوم ينقل الصراع إلى مناطق جديدة.

لقد أصيب الغرب بحالة هستيريا شديدة بعد هذه الهزيمة وقام بنقل الصراع على عجل مع الخصم الروسي الصاعد عالمياً من جديد إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً فكانت أوكرانيا ومولدافيا ساحتين لصراع قديم ولكنه جديد من حيث توازن القوى بين الشرق والغرب.

ماذا يحدث في أوكرانيا ومولدافيا؟ أنه صراع جنوني لرأس المال المالي العالمي الإجرامي من أجل البقاء باستخدام أدواته الميتة سريرياً والمتراجعة عالمياً مثل الثورات الملونة والسياسات الليبرالية الجديدة.

لقد انفجرت الأحداث في أوكرانيا ومولدافيا على خلفية الصراع من أجل توقيع اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي، والمؤسسات الامبريالية التي تقف خلفه وهي تعبر عن انفجار أزمة رأس المال في هذين البلدين.

 

القسم الأول

أوكرانيا بين الشرق والغرب

أوكرانيا والإمبريالية الإعلامية:

بشكل يدعو للشك والريبة انصبت كل جهود الإعلام المملوك لرأس المال العالمي أو على الأقل الناطق بالعربية والروسية والانكليزية منه مؤخراً على ما يجري في أوكرانيا وتصوير الحدث على أنه ثورة شعبية أوكرانية ضد الرئيس الديكتاتوري فيكتور يانوكوفيتش، فلنأخذ على سبيل المثال عدة وسائل إعلامية  وطريقة تغطيتها للأحداث الأوكرانية وتصريحات مختلف المسؤولين ولنبحث عن القاسم المشترك فيها.

صحيفة الغارديان البريطانية التي أثبتت النفاق السياسي أكثر من مرة في تغطيتها للأحداث السياسية في العالم نجد أن الأخبار الرئيسية والأولى هي عن الثورة الأوكرانية المزعومة بينما نشاطات كبار المسؤولين البريطانيين في الدولة هي أخبار ثانوية وقالت الصحيفة أن قادة المعارضة يطالبون الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على أوكرانيا بسبب قيام الشرطة بتفريق المتظاهرين بالقوة وأن سبب المظاهرات هي رفض الحكومة الأوكرانية توقيع تلك الإتفاقية مع الاتحاد الأوروبي.

موقع الجزيرة نت كتب مادة تحت بعنوان متظاهرون يرفعون علم الاتحاد الأوروبي في العاصمة الأوكرانية كييف وسرد عبر هذا التقرير تاريخ الثورة البرتقالية عام 2004 ويظهر التقرير قادتها على أنهم أبطال مناضلون وطنيون ضد يد موسكو الطويلة وتطلق على أحدهم إسم الشهيد الحي وتسلط الضوء بشكل مفاجئ على ما يسمى قضية الفساد المرتبط بالغاز الروسي، ومن جهة أخرى تصرح بروكسل فجأة أن موسكو هي مسؤولة عن فشل إتفاق الصفقة التجارية بين كييف والاتحاد الأوروبي.

الجولات المكوكية لقيادة المعارضة الليبرالية اليمينية الأوكرانية على وسائل الإعلام مثل رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو وزعيم المعارضة اليمينية الموالية للغرب فيتالي كليتشكو للتنديد بالقمع المزعوم للشعب يحدث بالتوازي مع النشاط المكثف للصحافة الليبرالية في روسيا.

أن هذه المهزلة الإعلامية تظهر بوضوح يد واشنطن الطويلة وليس كما يدعي اليمينيون حول يد موسكو الطويلة وتدل بوضوح استمرار الريغانية في الإعلام وهي سياسة إعلامية إمبريالية برمجها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان في الثمانينات ملخصها أن استثمار دولار واحد في مجال الإعلام يعادل استثمار عشرة دولارات في المجال العسكري.

لذلك فقبل كل معركة سياسية تدخل فيها واشنطن يبدأ بشكل مفاجئ زعيف ونهيق عشرات الوسائل الإعلامية الموالية لها في العالم دفاعاً عن حقوق الإنسان والديمقراطية المزعومة، ديمقراطية رجال الأعمال.

 

حقيقة الوضع في أوكرانيا:

 من المسؤول عن تحويل أوكرانيا إلى مزرعة لرجال الأعمال؟ من يتحمل مسؤولية تحويل ثاني أكبر اقتصاد في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية إلى مدجنة لتفريخ اللصوص والطفيليات على حساب سحق الشعب الأوكراييني والتحطيم الاجتماعي الممنهج للكادحين؟ أنه رأس المال المالي الإجرامي العالمي وامتداداته في الداخل الأوكراني.

انهار الاتحاد السوفييتي وانفصلت أوكرانيا عنه عام 1991 فوصل إلى الحكم طبقة قديمة جديدة من اللصوص والطفيليات تمثل أحفاد النبلاء الذين اسقطتهم ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى عام 1917 والتروتسكيين المهزومين عام 1937 وأحفاد جماعة سيباستيان بانديرا الذي تحالف مع الفاشيين واشتهر بكونه يبقر بطون النساء الشيوعيات الحوامل أثناء الحرب الوطنية العظمى 1941 – 1945 وممثلي الحركة الصهيونية وجماعة البيروسترويكا الغورباتشوفية والبيروقراطيين والقومييون الليبراليين وغيرهم من المجرمين.

تعرضت أوكرانيا خلال العقدين الأخيرين إلى شتى أنواع المآسي، وأصاب الاقتصاد ركود حاد حيث تراجعت معدلات النمو وخسرت اوكرانيا 60% من ناتجها المحلي سنوات 1991 - 1999 وتقلص الإنتاج الصناعي بنسبة 48%، والإنتاج الزراعي بنسبة 51% وعانت البلاد من معدلات تضخم من خمسة أرقام واحتلت أوكرانيا الرقم القياسي العالمي للتضخم سنة 1993  ومعها بدأت تختفي كل الخدمات الاجتماعية التي كانت متاحة للسكان في السابق في التعليم والصحة والسكن وفرص العمل والتقاعد  وإزداد العجز في الميزانية بشكل كبير وتم خصخصة قطاعات واسعة من المرافق الاقتصادية الأساسية وانخفضت الرواتب والمعاشات وانتشر الفساد والجريمة وارتفعت نسبة الوفيات بشكل كبير منذ عام 1991 وتم اتباع سياسة تحرير الأسعار حتى اصبحت حياة المواطن صراعاً من أجل البقاء وأصبح اقتصاد الظل هو السلطة الوحيدة في البلاد وقد أقبل القرن الحالي والبلاد على حافة الكارثة بسبب الممارسات الليبرالية لجماعة ليونيد كوتشما الموالية للغرب.

ماذا فعل قادة الثورة البرتقالية؟:

جرت انتخابات رئاسية عام 2004 وفاز فيها حزب الأقاليم الذي يقوده الرئيس الحالي فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا وقد أثار ذلك جنون واشنطن التي مولت ثورة ملونة ضده وهكذا حدث ما يسمى بالثورة البرتقالية التي اسقطت حزب الأقاليم ووصل إلى السلطة حزب ليبرالي قومي هو حزب الوطن ( باتكيفشينا ) وأصبح فيكتور يوشينكو رئيساً للبلاد ويوليا تيموشينكو رئيسة للوزراء.

ماذا فعل قادة الثورة البرتقالية الموالية للغرب بالشعب الأوكراني؟ لقد تراجعت معدلات النمو أكثر وارتفعت نسبة من هم تحت خط الفقر بنسبة 37%  وإزدادت البطالة بنسبة 15% وأصبح موت المواطنين من البرد شيئاً طبيعياً في ظل النظام الرأسمالي ومنذ عام 2008 دخل الاقتصاد الأوكراني ركوداً عميقاً يشابه ما حدث عام 1993 خاصة بعد تدخل بنك النقد الدولي وتوالي القروض المجحفة إلى الداخل أجل ضاعف قادة الثورة البرتقالية تدمير البلاد أكثر وعانت البلاد من نتائج أسوأ مما حدث عام 1993.

هذه النتائج أدت إلى هزيمة الثورة البرتقالية سياسياً ووصول حزب الأقاليم الموالي لروسيا إلى الحكومة وأصبح فيكتور يانوكوفيتش رئيساً للبلاد عام 2010.

ماهي أهداف واشنطن الاستراتيجية في أوكرانيا:

 يصرح الاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا تشكل خزاناً للخبز من أجل أوروبا ومن جهة أخرى تبدي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية اهتماماً مفاجئاً بمستوى الأجور في أوكرانيا فما هي حقيقة ما يجري خلف الكواليس؟.

هنا تختفي الأهداف الامبريالية الحقيقية وراء التدخل في الشأن الأوكراني فالغرب لن ينسى أبداً أزمة الغاز بين روسيا وأوكرانيا التي حدثت في السنوات السابقة وكانت الخلافات تتعلق ببيع الغاز الروسي لأوكرانيا  خلال الفترة بين 2009 و2019 وبالرسم المستحق على الغاز الروسي المار عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا، ولقد تسببت تلك الأزمة بنقص الغاز الروسي القادم إلى أوروبا.

كانت هذه الأزمة سبباً كافياً لانتشار صراع الرأسمالية المجنون من أجل البقاء إلى بقية بقاع العالم ويبدو اليوم أن الحرب في سورية إحدى أهدافها الاسترتيجية هي إسقاط الدولة الحالية وقيام نظام موال لواشنطن كلياً ومد خطوط الغاز القطري إلى أوروبا عبر سورية لخنق العملاق الروسي وكذلك هو الوضع في باكستان والخليج لكن الغرب أصيب بهزيمة سياسية كبيرة في سورية وبدء تراجعه على مستوى العالم واضحاً نتيجة ذلك.

بعد هذه الهزيمة يقرر الغرب نقل المعركة إلى الجوار الروسي مباشرة بعد قرار الرئيس الأوكراني رفض الإتفاقية التجارية مع أوروبا وتصريحاته الأخيرة حول الزيارات المقررة إلى موسكو وبكين يدل أن أوكرانيا تهمد للشراكة الشرقية كبديل للشراكة الغريبة لهذا السبب كانت الهستيريا المجنونة والمفاجئة للغرب التي نقلت الصراع إلى خاصرة روسيا باستخدام أدواتها المهزومة كالثورة البرتقالية وأبطالها المزيفين.

 

القسم الثاني

مولدافيا ... الشعب في مواجهة الامبريالية

كانت جمهورية مولدافيا تعد أصغر جمهورية سوفييتية بعد أرمينيا وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وصل إلى الحكم فيها تحالف سياسي يضم مختلف أشكال الغورباتشوفيين والقوميين الليبراليين يدعى الجمعية الوطنية الكبرى التي تأسست عام 1980 باسم الجبهة الشعبية القومية في مولدافيا وقامت السلطة الجديدة بحظر الحزب الشيوعي المولدافي.

 أعلنت مولدافيا انفصالها عام 1991 لكن بقيت فيها قوات روسية مرابطة في إقليم بريدنستروفيا حتى اليوم وأعلن الانتقال إلى اقتصاد السوق الرأسمالي عام 1992 واعترفت بها الأمم المتحدة رسمياً في نفس العام وأصبحت في شراكة مع حلف الناتو في برنامج السلام عام 1994 وعضواً في مجلس أوروبا عام 1995.

تابع الغورباتشوفيون والقوميون الليبراليون نهبهم للبلاد بين عامي 1991 – 2001 كما حصل في باقي الجمهوريات السوفييتية التي عاشت المآسي الرأسمالية منذ أكثر من عقدين، فاندلعت النزاعات القومية في البلاد في حرب استمرت سنتين في إقليم بريدنستروفيا ولم تتوقف إلا بعد تدخل القوات الروسية، وبسرعة هائلة تمت عملية تحرير الأسعار مما أدى إلى إرتفاع معدلات التضخم بشكل سريع بين عامي  1991 – 2001 وعانت البلاد من أزمة اقتصادية خطيرة ووصلت البلاد إلى الكارثة بقيادة هؤلاء اللصوص ومنهم ميرسيا سنيغور الذي ترأس البلاد بين عامي 1991 – 1996 وبيترو لوسينشي الذي تراس البلاد بين عامي 1997 – 2001 وهو من كبار البيروسترويكيين الطفيليين الذي نهبوا البلاد فهو كان الأمين الأول للحزب الشيوعي المولدافي بين عامي 1989 – 1991.

 عودة الحزب الشيوعي المولدافي:

رفع الحظر عن الحزب الشيوعي المولدافي عام 1993 وقد أمضى الشيوعيون في لملمة صفوفهم من جديد طوال ثمانية أعوام واستطاعوا إعادة الروح إلى الحزب الذي خربه الغورباتشوفيون واستعد الحزب لخوض الانتخابات البرلمانية عام 2001 وأخذ يكثف عمليات تنظيم الجماهير وتحريضها طوال ثماني سنوات.

صعق الجميع من النتيجة غير المتوقعة حيث انتصر الحزب الشيوعي المولدافي في الانتخابات البرلمانية عام 2001 وحصل على 71 مقعداً من أصل 101 مقعد في البرلمان وهذا يعني 70 % من المقاعد وانتقلت السلطة إلى الشيوعيين من جديد وأصبح الأمين العام للحزب فلاديمير فورونين رئيساً للبلاد 2001 – 2005  وأعيد انتخابه لدورة ثانية 2006 – 2009 أما الحزب الذي قاد الثورة المضادة في مولدافيا عام 1991 أي الحزب الديمقراطي المسيحي ( الجبهة الشعبية سابقاً ) فقد حصل فقط على 8 % من مقاعد البرلمان.

اصطدم الشيوعيون بواقع جديد في مولدافيا، فهل يمكنهم بناء اقتصاد اشتراكي في جمهورية فقيرة مثل مولدافيا؟ لقد انتهج الشيوعيون سياسة أخرى وهي تخفيف تأثيرات انهيار السوفييتي والوقوف في وجه السياسات الليبرالية الجديدة، فلأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي شهدت البلاد ارتفاعاً في معدلات النمو رغم قلة الموارد في هذا البلد وأعيدت العلاقات الاستراتيجية مع روسيا وكانت هذه السياسة التي تصب في مصلحة الشعب المولدافي هي السبب في بقاء الشيوعيين في السلطة لدورة ثانية.

 اصطدم الشيوعيون خلال تطبيق برنامجهم مع القوميين الليبراليين الذين ادعوا أن الموالدافيين هم من القومية الرومانية، لذلك يجب الدخول في الاتحاد الأوروبي وقد صرح الرئيس فورونين أكثر من مرة أن هوية مولدافيا القومية هي هوية سوفييتية ويجب التكامل مع روسيا وأوكرانيا ووجه أكثر من إنذار إلى جارته رومانيا التي تنتهج سياسة موالية للاتحاد الأوروبي من خلال إثارة النزعات القومية للمولدافيين ومحاولة طعن روسيا من الخاصرة المولدافية وأعتبرها الرئيس المولدافي سياسة عدوانية تجاه بلاده يدعمها الاتحاد الأوروبي وطالب بإيقافها.

 

ثورة العنب في مولدافيا 2009:

جرت انتخابات برلمانية في مولدافيا في نيسان 2009 وبالنتيجة أيضاً فاز الشيوعيون بأصوات كاسحة لكن هذه المرة كان الليبراليون القوميون قد حضروا قبل الانتخابات أسلوباً جديداً للثورة المضادة وهو استخدام وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي ومول الغرب هذه التحضيرات لتفجير ثورة ملونة فكانت ثورة العنب أو ثورة التويتر التي أسقطت الشيوعيين عن السلطة وقد تم استخدام هاتين التسميتين لأن العنب رمز قومي للشعب المولدافي كون الزراعة الرئيسية في البلد والصادرات الرئيسية هي صادرات النبيذ، ولأن موقع التواصل الاجتماعي تويتر تم استخدامه في الثورة الملونة، واجتاح الليبراليون مبنى البرلمان واحرقوه وطالبوا بمحاكمة الشيوعيين ورفعوا علم الاتحاد الأوروبي على مبنى البرلمان وينتيجة ذلك تولى رئاسة البلاد ممثل ائتلاف التحالف من أجل التكامل الأوروبي ميخاي جيمبو وأصبح فلاديمير فورونين رئيساً للبرلمان؟!

استخدمت وسائل التواصل الاجتماعية «التويتر» لأول مرة في الأحداث المولدافية عام 2009 بتمويل ودعم كامل من الغرب وكان ذلك تحضيراً لتقنية الثورة الملونة التي حدثت في البلدان العربية وأوكرانيا وربما سيتم استخدامها ضد روسيا والصين!

 بعد وصول هذا الإئتلاف إلى السلطة مباشرة أعلنوا عزمهم على توحيد الدولتين "الرومانيتين" مولدافيا ورومانيا وتقدم جيمبو إلى البرلمان بمشروع ليتم حظر الحزب الشيوعي مرة أخرى بسبب الجرائم التي ارتكبها في العهد السوفييتي وصرح لوسائل الإعلام المختلفة بأنه ضد الإيديولوجيا وضد الطبقات وأن البرلمان سيتخذ قراراً بتشكيل لجنة لتقييم النظام الشيوعي لأن الناس يعيشون في البؤس الحالي بسبب النظام الشيوعي السابق كما زعم وطالب أيضاً برحيل القوات الروسية الموجودة في إقليم بريدنستروفيا وقد رحب الغرب بسرعة بهذه الثورة الديمقراطية وخاصة واشنطن.

 

انفجرت حركة احتجاجات شعبية بقيادة الشيوعيين ضد الأبطال المزيفين في الثورة المزعومة في العام نفسه وقد ربط جيمبو الاحتجاجات الشيوعية ببدء المفاوضات بين مولدافيا والاتحاد الأوروبي حول تحرير نظام التأشيرات بينما في الحقيقة طالب الشيوعيون بتخفيض الضرائب وزيادة المعاشات وقطع العلاقات مع الغرب وتعزيز علاقات التكامل مع روسيا.

 في صيف عام 2011 انفجرت احتجاجات شعبية في مختلف مناطق مولدافيا بدعوة من الحزب الشيوعي المولدافي للوقوف ضد الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية للإئتلاف الحاكم الموالي للغرب وقد سار في مظاهرة العاصمة كيشينوف 70 ألف شخص وهم يرفعون الأعلام الحمراء كما رفعوا أيضاً في مقدمة المظاهرات لافتات مكتوبة باللغة العربية لتوجيه التحية للحركات الشعبية في المنطقة العربية.

 العلاقة الروسية المولدافية وتأثيرها على الصراع:

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي شهدت العلاقات الروسية المولدافية توترات عديدة وخاصة في سنوات وجود القوميين الليبراليين في السلطة بين عامي 1991 – 2001 و2009 – 2013 كما توترت العلاقة أيضاً أثناء حكم الشيوعيين سنة 2006 وهو ما عرف بأزمة صادرات النبيذ لكن نستطيع تحديد تيارين أساسيين ولكل منهما برنامجين مختلفين متضادين حول العلاقة مع روسيا فالقوميون الليبراليون في الإئتلاف الحاكم حالياً يريدون دخول الاتحاد الأوروبي من بوابة الوحدة مع رومانيا ليساهموا في طعن روسيا من الخاصرة المولدافية وقاموا بطرد السفير الروسي قبل سنوات أما الشيوعيون فيطالبون بتعزيز العلاقات مع روسيا وقطعها مع الغرب والسياسة الخارجية الروسية تلتقي هنا مع ما يطرحه الشيوعيون الذين واصلوا تحركاتهم ونشاطاتهم في هذا السياق ففي مظاهرات حاشدة نظمها الحزب الشيوعي المولدافي في حزيران 2013 خطب الأمين العام للحزب فلاديمير فورونين بالجماهير قائلاً: حان الوقت للقيام بثورة ضد النظام الحالي لأنه يمارس سياسات ضد مصلحة الشعب.

وقد توترت العلاقات بين روسيا ومولدافيا أكثر سنة 2013 بسبب التقارب الشديد الذي يبديه الإئتلاف الحاكم تجاه الغرب خاصة بعد إتفاقية الشراكة التجارية المزمع عقدها في فيلينوس بليتوانيا مع الاتحاد الأوروبي هذا الشهر.

وعلى خلفية هذه الإتفاقية إنفجرت موجة جديدة من المظاهرات التي انقسمت إلى قسمين حيث تظاهر أنصار القوميين وهم يرفعون أعلام الاتحاد الأوروبي مطالبين بلادهم الانضمام للاتحاد وفي المقابل تظاهر أنصار الشيوعيين أمام مبنى الحكومة منددين بسعي حكومتهم للإنضمام للاتحاد حيث خطب فلاديمير فورونين بالمتظاهرين قائلاً: الحكومة تكذب على شعب هذا البلد وهم يتجاهلون الرأي العام وذلك لأنهم سيوقعون على إتفاق سري للشراكة مع الاتحاد الأوروبي مشيراً إلى أن الحكومة مطالبة بتوثيق علاقات مولدافيا مع روسيا.

 الصراع في مولدافيا وجه آخر للصراع الجاري عالمياً على الثروة والسلطة في العالم وتمثل حالة من حالات التنافس بين القطب الأمريكي المهزوم والقطب الروسي الصاعد خاصة أن هناك رفض شعبي واسع للغرب وممثليه المحليين في مولدافيا التي سيكتب التاريخ فيها أيضاً هزيمة سياسية كبيرة للأمبريالية الأمريكية والأوروبية لمصلحة روسيا.

أن الحدث المولدافي يدل على النفاق السياسي لوسائل الإعلام العالمية التي قامت بالتعتيم على ما يجري لأنها حركة ضد الامبريالية والغرب بينما انصبت كل الجهود لتغطية الحدث الأوكراني لأن جماعات موالية لواشنطن والاتحاد الأوروبي هي من تحركها.