سياسة التهويد تهويد النقب
محمود فنون محمود فنون

سياسة التهويد تهويد النقب

سلطة الضفة وسلطة غزة لا حول لهما ولا طول أمام تهويد النقب. سلاحهما في وجه التهويد ينحصر في  الإستنكار وهو يساوي الصمت .هما ليستا قيادة لنضال الشعب الفلسطيني ومقاومته للإستيطان .هما سلطتان زائدتان عن حاجة الشعب الفلسطيني.

الفلسطينيون بحاجة الى قيادة توحدهم وتقود نضالاتهم وليس الى الألقاب الزائفة.
النقب ليس مسؤولية السلطتين الفارغتين . ولا يجرؤ أحد على التعامل مع الفلسطينيين في النقب على أنهم من الشعب الفلسطيني بل هم ” إسرائيليون ” كما هو عرف هذه السلطات وكلاهما جزء من أوسلو .

***

سياسة التهويد : لم تتوفر إمكانيات الإستيلاء على الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها دفعة واحدة، وحتى لم تتوفر الإمكانات لصبغها بالصبغة اليهودية ولو بالأكثرية  ذلك  ان معظم بقاع فلسطين يقيم عليها فلسطينيون لم يهاجروا من وطنهم عام 1948 وما تلاه ، مما يجعل الصهيونية تضع على برامجها سياسة التهويد لهذه البقعة الجغرافية من فلسطين أو تلك .
ولكن سياسة التهويد تتطلب ليس الرغبات و القرارات فحسب بل الظروف الملائمة والإمكانيات .

هي تتطلب :

1 – توفر المساحات اللازمة من الأراضي بتصرف البرنامج الصهيوني . وهذا يتم بكل أشكال الإستيلاء  والمصادرة – أراضي دولة ، أراضي الغائبين ، شراء ( وهو غير قانوني مثله مثل وضع اليد )، تحويل أراضي إلى مناطق عسكرية …
2 – توفر الإمكانات المادية المختلفة من أموال وقوة عمل ومخططات… الخ  وهذا ما تتكفل به الدول الأوروبية وأمريكا بشكل سنوي .
3 – توفر أمن وحماية لتنفيذ المشروع – جيش،  محاكم …من أجل الإستيلاء على الأراضي وقمع مقاومة الشعب الفلسطيني ورفضه لبرامج الإستيطان والتهويد وتخلية السكان ، وهذا ما وفرته بريطانيا حتى عام 1948 ثم دولة الإحتلال ذاتها منذ ذلك الوقت وحتى الآن
4- توفر البشر الذين يشغلون المساحات المهوّدة . وهذه نقطة أساسية . في سبعينات وثمانينات القرن الماضي تم بناء العديد من المستوطنات  في الأراضي المحتلة عام 1967م ولكن كان المستوطنون يحصلون على الشقق ويسكنون في أماكنهم الأصلية والمستوطنات شبه فارغة في معظمها وبالكاد بلغ عدد المستوطنين  في الضفة الغربية وقطاع غزة أقل من ثلاثين ألف ، الى أن جاءت الهجرة من أوروبا الشرقية . إن العنصر البشري هو عنصر حاسم في تهويد الأراضي .
5 – الزمن وهو عامل أساسي . فلو حصلوا على كل المستلزمات فإن إقامة مؤسسات التهويد من مساكن ومرافق  وبنية تحتية يحتاج الىى عنصر الزمن وإلى استقدام مهاجرين جدد.

إننا نشير بهذا الى أن عملية التهويد منذ الأساس قامت على التدرج والتركيم، وهي كانت وفي كل الأحوال ستحتاج الى كل هذا الزمن من بداية الإستيطان في العهد العثماني، حيث بلغ عدد المستوطنين ما يقرب من مئة ألف مستوطن هم الذين وضعوا اسس وقواعد التجمع اليهودي في فلسطين . وفي مرحلة الإنتداب البريطاني التي دامت ثلاثين عاما وحصل خلالها تحول ملموس في حجم وأهمية الإستيطان  ووصل عدد المستوطنين الى ما يقرب من ستمئة ألف عام 1948م حيث أعلنت الدولة  .وبعد ذلك و منذ إقامة وإعلان دولة إسرائيل حتى عام 1967  ظلت الوتائر مشروطة بالعوامل أعلاه ،وقد بلغ عدد اليهود حوالي مليوني نسمة وأقل قليلا ، رغم استفادة الإستيطان من تشريدالشعب الفلسطيني واستخدام البيوت التي تركها اللاجئون . ولا زالت سياسة وبرامج التهويد قائمة حتى يومنا هذ.
يتوجب أن نظل نرى ترابط عوامل التهويد  أعلاه في وحدة واحدة ونحن نشهد تواتر توسع وتطور الإستيطان  في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 و1967م .

تهويد الجليل نموذجا

المقصود بتهويد الجليل ، العمل على الإستيطان الواسع في كل بقاع الجليل وصبغه بالصبغة اليهودية رغم أن أغلبية سكانه حتى عام 1976 وربما بعد ذلك بكثير هم عرب فلسطينيون .وكانت سياسة التهويد منصبة على المناطق الساحلية بثقل أساسي.

وقد أوردت نهى قعوار في كتابها تاريخ الناصرة وتحت عنوان ” سياسة إسرائيل في تهويد الجليل عن مراحل متصلة لتهويد الجليل بعد عام 1948م “:
“قد مرت سياسة إسرائيل في تهويد الجليل بثلاث مراحل منذ إنشائها في عام 1948، وكان هدفها الأساسي خلق توازن سكاني بين العرب واليهود، وربط الجليل اقتصادياً بالكيان الصهيوني.
المرحلة الأولى تميزت بمصادرة مساحات شاسعة من أراضي الجليل والمثلث لإنشاء المستوطنات الإسرائيلية عليها، ولهذا تم هدم 23 قرية عربية وإزالتها من الوجود، وأقيمت على أنقاضها حوالي 308 مستوطنات تحت إشراف بن غوريون وذلك خلال سنوات 1948-1951.
المرحلة الثانية ظهرت بعد حرب السويس عام 1956 عندما طرح مشروع جديد لتهويد الجليل، دعي “بمشروع تطوير الجليل” وبني خلاله عدة مدن يهودية مثل الناصرة العليا أو “نتسيرت عيليت” وكرمئيل ومعالوت .

المرحلة الثالثة بدأت سنة 1975 وحتى حكومة الليكود برعاية مناحيم بيجن عندما أعلن رعنان فايتس مدير الإستيطان الصهيوني في الوكالة اليهودية، بأن الحكومة الإسرائيلية قد خصصت 1،5 مليار ليرة اسرائيلية لتنفيذ خطة استيطانية ضمن الخطة الرامية الى استيعاب 100 الف يهودي في هذه المنطقة خلال خمس سنوات وذلك تحت شعار تطوير الجليل، وسبق ذلك إقرار مجلس التخطيط مشروع يرمي إلى إيجاد 800 ألف نسمة في الجليل غالبيتهم من اليهود.

وفي أواسط 1976 نشرت الصحف الاسرائيلية مشروع أو برنامج الدكتور يسرائيل كيننج حاكم اللواء الشمالي للسلطات الإسرائيلية لمواجهة المد العربي في منطقة الجليل، وأطلق على هذا البرنامج إسم “وثيقة كيننج”. هذه الوثيقة تعرض خمس نقاط رئيسية: المشكلة الديمقراطية ومظاهر الشوفينية العربية، الزعامة العربية وتأثيرها، الاقتصاد والعمالة، التعليم، وفرض القانون…”
وفي عام1977 تمت دراسة مشروع يزداد بموجبه السكان اليهود في الجليل من 289 الفاً إلى 416 ألفاً عام 1983 …..
…وشعار حكومة الليكود منذ العام 1977 هو تهويد الجليل أثمر عن هدم 800 منزل عربي بحجة انها مخالفة لقانون البناء واستيعاب 18 الف يهودي في الجليل…”
هكذا إذن فإن المسألة ليست إرادية وهناك الظروف الموضوعية التي تحكم سياسات التهويد في النقب وهي مستمرة حتى يومنا هذا .

تهويد النقب :

ذكرت هناء حمدان وهي تعمل في تخطيط المدن والقرى في دراسة لها بعنوان “سياسة الإستيطان وتهويد المكان “

الارض والسكان العرب البدو في النقب:

هُجّر معظم العرب البدو (80%-85%) أو فرّوا خلال أو بعيد حرب 48 إلى ما وراء الحدود، وبقي منهم داخل البلاد حوالي 11 ألفا، تم تجميعهم في منطقة تدعى “السياج” في شمال النقب. وخضع العرب، بمن فيهم البدو، للحكم العسكري حتى العام 1966، ونقلت معظم الأراضي التي كانت بملكيتهم للمدن والقرى اليهودية.[1]يعيش اليوم في النقب حوالي 136.5 ألفا من العرب البدو[2]، ويقطن حوالي نصفهم في قرى غير معترف بها. في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، أقيمت سبع بلدات في منطقة السياج بهدف تجميع السكان البدو في النقب على حد أدنى من الأرض، وانطلاقا من الهدف المحدد لتهويد النقب، ومن خلال تجاهل مطلق لنمط حياة السكان العرب واحتياجاتهم.” ( الإحصائيات لعام 2004 من مركز الإحصاء الإسرائيلي ويشكلون 14 % من السكان هناك )

وقد استمرت سياسة التهويد  طوال الفترة ولكن إرتفعت وتائرها منذ عام 2000م حيث:

في تاريخ 21.7.2002 قررت الحكومة (قرار رقم 2265) إقامة 14 بلدة جديدة، 6 منها في النقب. وكتب في القرار: “أ.اعتمادا على سياسة الحكومة بالعمل على تطوير النقب والجليل، وتعزيز مناطق الأطراف، وبالرجوع إلى توصيات اللجنة المشتركة للوزارات المختلفة بإقامة البلدات الجديدة والمتجددة، [تقرر] المصادقة على إقامة البلدات التالية”: حيران، وعيرا، ومشمار هنيغيف ب، وكركور في النقب الشمالي، وفي منطقة المجلس الإقليمي رمات هنيغيف روح بمدبار وفاران ب في منطقة المجلس الإقليمي العرباه الوسطى.

وكان شارون ينشط في هذا المجال حيث : ادعى اريئيل شارون رئيس الحكومة في جلسة الحكومة(بتاريخ 21.7.2002) أن الحديث يدور عن “ضرورة قومية”، وان الهدف من إقامة البلدات هو ضمان فائض من الأرض للأجيال القادمة.:” إذا لم نستوطن في الأرض، سيقوم غيرنا بذلك”.[7]

ويقول عوزي كيرن بخصوص جمهور الهدف لهذه البلدات:

“… الأمر الآخر هو أن الموضوع المركزي في إقامة هذه البلدات هو إغلاق الثغرات، أو إقامة البلدات- من الناحية السياسية- في مناطق، تُعنى الدولة بتواجد استيطان يهودي فيها…الأمر ببساطة هوتعزيز الاستيطان اليهودي في مناطق فقيرة بالسكان اليهود.”

وتضيف هناء حمدان :” في العقد الأخير، طوّرت الدولة ومؤسساتها استراتيجيات وأدوات جديدة، تتميز بتكثيف النشاط تجاه المدن والقرى العربية،مقابل إقامة البلدات للجمهور اليهودي، وتوسيع البلدات القائمة. في تاريخ 4.9.2003 صادقت “لجنة وزارية لشؤون الوسط غير اليهودي” على خطة لـ”معالجة الوسط البدوي في النقب” والمعروفة باسم “خطة شارون”. رصد لهذه الخطة ميزانية 1.175 مليارد شاقل جديد لفترة خمس سنوات. وعلى الرغم من الإعلان بأن الخطة ترمي إلى “تغيير وتحسين وضع السكان البدو”، يوضح الفحص الدقيق، أن الغرض منها هو السيطرة على أراضي العرب في النقب، وتهجير السكان وتجميعهم في سبع بلدات، وتصفية القرى غير المعترف بها.”

وأوردت هناء حمدان في دراستها ملخصا يكثف التوجه الصهيوني من عملية التهويد :

“يشكل الاستيطان وإقامة البلدات اليهودية أدوات مركزية تقوم الدولة ومؤسساتها بتوظيفها من اجل تكريس سياسة السيطرة على الأراضي وتهويد الحيز. منذ إقامة الدولة وحتى أيامنا هذه، عملت الدولة بكد ونشاط على إقامة البلدات اليهودية الجديدة في جميع أنحاء البلاد. طُوّرت في العقد الأخير استراتيجيات وأدوات جديدة تتميز بتكثيف النشاط تجاه القرى العربية البدوية، بهدف إقامة القرى للسكان اليهود وتطويرها. تنعكس هذه النشاطات من خلال قرارات الحكومة بإقامة البلدات اليهودية الجديدة، والمخططات التي تضمن استعمالا حصريا للأرض من قبل اليهود، ومن خلال خلق أشكال جديدة من الاستيطان. وفي المقابل يتم إرسال الإنذارات وأوامر الإخلاء والهدم للسكان العرب البدو…”

وتقضي خطة برافر بمصادرة مئات آلاف الدونومات  في النقب  من أيدي الفلسطينيين وتهجير 40 قرية عربية  تجميع الفلسطينيين على حوالي 90 ألف دونم فقط .
صحراء النقب منطقة صحراوية في جنوب فلسطين. قسم الأكبر من سكان النقب هم من البدو العرب الذين بقوا في هذه المنطقة بعد حرب 1948.
تعد منطقة النقب أوسع أرض مساحة في أرض كنعان التاريخية تمتد من مدينة بئر السبع وقرية الفالوجة، حتى (بقعة المرشرش) مدينة إيلات على الجانب الغربي من خليج العقبة. هذه المنطقة الشاسعة التي تبلغ مساحتها ما يقارب 13 مليون دونم،” وكيبيديا الموسوعة الحرة . يبلغ عدد أفراد المجتمع العربي البدوي في النقب 170000 ويشكل هذا العدد ربع إجمالي سكان النقب. ويعيش هؤلاء السكان في سبعة قرى معترف بها و45  قرية أخرى تم الاعتراف بتسعة منها مؤخرا وهي القرى التي تشكل مجلس أبو بسمة الإقليمي، ويتراوح عدد السكان فيكل قرية من القرى الستة والثلاثين غير المعترف بها من 600 إلى 4000 نسمة. تفتقر هذه القرى والتي لم يتم الاعتراف بها قانونيا من قبل الحكومة الإسرائيلية إلى الخدمات الأساسية مثل المياه الجارية والكهرباء والطرق والخدمات الهاتفية  وأنظمة الصرف الصحي ، وتصاريح البناء والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.(عن أجيك – معهد النقب)-

خطة برافر –جولد بيرغ

هي خطة “تسوية أوضاع الاستيطان البدوي في النقب” كما أسمتها الحكومة، اقترحتها لجنة “برافر” التي أقيمت لتقديم خطة لتطبيق توصيات لجنة “غولدبرغ” التي رفضها السكان العرب في النقب في السابق، وقد أدخل يعكوف عميدرور، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تعديلات قبل أسبوع من عرضها على الحكومة، وستؤدي الخطة إلى ترحيل 30 ألف مواطن عربيّ من أرضه وتجميعهم في مجمعات التركيز السكاني القائمة (البلدات مثل حورة وكسيفة وقرى مجلس أبو بسمة)، ومصادرة حوالي مليون دونم (سيتبقى للعرب فقط 90 ألف دونم).
وأعلنت الحكومة، التي ألقت بغموض شديد حول تفاصيل الخطة وجدول تطبيقها، أنّ “الخطة مكونة من أربع أسس: (1) ترتيب الاستيطان البدوي المشتت في النقب (2) تطوير اقتصادي للمجتمع البدوي في النقب (3) تنظيم وضع ملكية الأرض (4) وضع إطار لتطبيق الخطة وفرضها ضمن جدول زمني واضح”.( عن فيس بوك)

إن الهدف من خطة برافر هو تعبير جزئي عن الهدف العام للمشروع الصهيوني القاضي بجعل فلسطين وطنا لليهود وبالتالي تأتي هذه الخطوة لتشكل قفزة أخرى على طريق تهويد النقب وهي ستكون كذلك إذا توفر العنصر البشري من المهاجرين اليهود الجدد .وتقضي كذلك بتجميع العرب الفلسطينيين البدو في بؤر محددة بدلا من النقب كله الذي كان يشكل فضائهم الواسع .


المصدر: نشرة كنعان