ضوابط الأبعاد العسكرية في العلاقات الروسية– المصرية

ضوابط الأبعاد العسكرية في العلاقات الروسية– المصرية

الولايات المتحدة منغمسة في اعادة تموقعها على المستوى الدولي وضمان ديمومة شبكة مصالحها الكونية بعدما ادركت انكفائها عن بعض الساحات والملفات، وتراجعها جزئيا عن قيادة القطب الواحد للعالم. واحتارت في استنباط سويّة السبل لاعادة ترميم عاجلة لعلاقاتها مع مصر، التي ما لبثت قيادتها الجديدة ان استدارت لفتح وتنشيط خطوط تقليدية باتجاه الشرق، اثمرت زيارة رفيعة المستوى لوفد روسي ذو حجم معتبر ويملك صلاحية اتخاذ القرار على الفور، على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وازداد القلق الاميركي مما يلوح لعودة روسيا الى مصر بقوة بعد اقصائها من قبل السادات وحسني مبارك. وجاء الرد الاميركي بخطوتين تثيران الشفقة بدلا من اثارة مشاعر الخوف والرهبة في الاقليم، تزامنتا مع وصول الوفد الروسي ولقائه بوزيري مصر للخارجية والدفاع: الاولى اعلان وكالة المخابرات المركزية عن رفع السرية عن “بضع” وثائق تتعلق بمفاوضات كامب ديفيد، للتشويش على الداخل المصري والعربي؛ والثانية اعلان البنتاغون وقف عقد شرائها طائرات مروحية روسية الصنع لافغانستان، تعبيرا عن امتعاضها من التوجه لاستعادة مواقعها السابقة ومزاحمتها في اهمية مصر.

 

روسيا بدورها استبقت زيارة وفدها رفيع المستوى برسو طراد الصواريخ “فارياغ” في ميناء الاسكندرية لمدة ستة ايام، الاولى من نوعها للشواطيء المصرية منذ نهاية الحرب الباردة. القادة المصريون افصحوا بصريح العبارة عن نيتهم “تنويع مصادر السلاح” وشراء اسلحة متطورة روسية الصنع تعزز الدفاعات الجوية، التي قيدتها اتفاقية كامب ديفيد وعدم تحديثها فضلا عن الرفض الاميركي تزويد مصر “شبكة دفاع جوية متطورة بامكانها تهديد اسرائيل.”

 

ينبغي النظر الى آفاق الزيارة في سياق تبادل طبيعي للعلاقات بين البلدين، ورغبتهما المشتركة في رفع مستوى العلاقات في كافة المجالات، السياسية والعسكرية والاقتصادية، خدمة لمصالحهما. لعل الافراط بالتفاؤل لعودة روسيا بقوة الى مصر سابق لاوانه، سيما وان مصر لا تزال مقيدة باتفاقيات تتناقض مع هويتها واهدافها ومصالحها، والاختراق الغربي لمصر في كافة مناحي الحياة وتهديد متانة البنية الاجتماعية وهشاشة الاوضاع الاقتصادية التي رافقها هجرة رؤوس اموال كثيفة الى الخارج.

 

الافراج عن وثائق رسمية من قبل جهاز حكومي اميركي اضحى موضوع مستهلك ولا يثير شغف الكثيرين، خاصة في ظل توفر وثائق اصلية غير منقحة والناجمة عن جهود الثنائي ادوارد سنودن وتشيلسي مانينغ. النظرة غير المتأنية للكم الوثائقي المفرج عنه لم يأتِ بجديد خارق يستحق الاهتمام، اذ فحواها لا يتعدى بعض المناقشات الدائرة بين ضباط الاجهزة الاستخبارية، وعلى رأسها الوكالة المركزية، لتوفير احدث المعلومات للرئيس جيمي كارتر قبل الشروع في مفاوضات كامب ديفيد، ايلول 1978؛ اي بعد انقضاء بضعة أشهر على زيارة السادات للقدس المحتلة، في تشرين الثاني 1977. ولكن ماذا عن مصير وثائق “كامب ديفيدية” اخرى جرت في تموز 2000 في حضرة الرئيس بيل كلينتون بين ياسر عرفات وقادة “اسرائيل،” التي ساهم فشلها الاولي في اندلاع “انتفاضة الاقصى،” لتجهض بعد زمن قصير وتفضي الى تنازلات جوهرية وتاريخية لصالح “اسرائيل.”

 

 “تنويع مصادر السلاح،” الذريعة التي سوقها السادات وانصار كامب ديفيد آنذاك للتوجه غربا، أمر بالغ الصعوبة في الاوضاع الراهنة، نظرا للاستثمارات المصرية العالية في منظومة الاسلحة الاميركية والغربية، والتي تصل الى بضع مليارات من الدولارات، لا يمكن تخطيها بقرار او اجراء سريع دون المجازفة بمخاطر كبرى. كما ينبغي لفت النظر الى ان انتقال مصر بعد حرب اكتوبر الى الاصطفاف مع دول حلف الناتو، وبعد مضي زهاء اربعة عقود، قد جردت الكفاءات العسكرية الملمة بتشغيل الاسلحة الروسية ومنظومتها القتالية، بصرف النظر عن الحجم المعتبر للاسلحة الروسية التي لا تزال عاملة في الترسانة المصرية، والتي يجوز اعتبارها خارج الخدمة لفقدانها قطع الغيار الضرورية لتحديثها.

 

صقيع العلاقات المصرية الاميركية لن يدم طويلا لاسباب عدة، منها نهاية ولاية الرئيس اوباما في غضون ثلاث سنوات، وحاجة مصر الى دعم اميركي للحفاظ على ما لديها من “مكتسبات،” سواء في المعدات او التجهيزات والقوى البشرية المدربة. الرئيس الاميركي المقبل قد ينهج سياسة مغايرة تماما لسياسة الرئيس اوباما، مع استبعاد ذلك، بيد ان التطورات المقبلة في مصر تشير الى ظروف واعدة لمصلحة مصر، داخليا واقليميا ودوليا.

 

متطلبات واحتياجات مصر من المعدات التسليحية ورفع مستوياتها لتتلائم وتتسق مع تحديات وتقنيات العصر تبقى ثابة وعلى رأس الاولويات العسكرية ومشترياتها. مصر بحاجة ماسة وملحة لاسلحة حديثة ومتطورة في الدفاع الجوي ، الشق التسليحي الذي استثنته الولايات المتحدة من صادراتها العسكرية لمصر خشية تهديد “اسرائيلها.” ورضخت لمصر لتلك الشروط القاسية وما تبقى لديها من نظم صاروخية ورادار سوفياتي الصنع اضحى خارج الخدمة منذ زمن، وبحاجة ماسة الى التحديث. مصر في حال استعراض لاحتياجاتها من نظم دفاع جوية روسية من طراز Buk M2 (الصاروخ الذي اسقط الطائرة التركية فوق المياه الاقليمية لسورية) وTor M2  متوسط المدى وبانتسير Pantsir-S1 للمديين القصير والمتوسط، والسعي لتوفير تمويل كاف لشرائها. تجدر الاشارة الى تغير ظروف تسديد كلفة الاسلحة الروسية التي كان الاتحاد السوفياتي يقدمها مجانا كمساعدة، اما روسيا اليوم فهي تتعامل بمنطق السوق وتطلب تسديد الثمن مسبقا. الامر الذي يضع عراقيل اضافية امام نية التخلي عن المصادر الغربية في الفترة الحالية. 

مصر ايضا تتطلع للحصول على احدث الطائرات الروسية المقاتلة، من طراز ميغ-29 ام 2، تبدأ بشراء 24 طائرة مقاتلة تبلغ كلفتها الاجمالية نحو 1.7 مليار دولار. هل سيؤدي ذلك الى شروع مصر في خطة شاملة لتحديث ترسانتها العسكرية بالاعتماد على الصناعات الروسية بشكل رئيسي. الاجابة تتطلب استعراض وضع الاسلحة المختلفة للقوات المصرية.

 

سلاح المشاة

 

تعداد القوات العسكرية المصرية هو الاعلى بين دول المنطقة، استكمل تسليحه بالاستناد الى تشكيلة اسلحة لدول حلف الناتو الرئيسة: اميركا وبريطانيا وفرنسا. كما لديها بعض الاسلحة مصدرها البرازيل والصين، وان بكميات ضئيلة نسبيا. الصناعات العسكرية المصرية لا باس بها وتنتج مكونات دبابة ابرامز (ام 1 أ 2) الاميركية. 

اما الاسلحة الخفيفة فهي تعود لمصادر في حلف الناتو: المسدسات صناعة ايطالية؛ الرشاشات الخفيفة صناعة ألمانية؛ البنادق الهجومية من صنع اميركا وايطاليا؛ الرشاشات الثقيلة صناعة بلجيكا. ويمتلك الجيش المصري بنادق هجومية من طراز مصر، تعود للعهود السوفياتية، والتي تم اخراجها من الخدمة في روسيا منذ عقود خلت. كما تنتج المصانع الحربية طلقات متعددة الاحجام لاسلحة سوفياتية قديمة لا زالت تستخدم في القوات المصرية.

 

القاذف السوفياتي الشهير المضاد للمدرعات، ار بي جي، لا يزال يستخدم بكثافة في القوات المصرية التي عبرت قناة السويس بفضل حسن استخدامه. اما دول الناتو فلديها قذائفها الخاصة المضادة للمدرعات: ميلان الفرنسية، سوينغ فاير البريطانية، تاو الاميركية. الدول الاوروبية ستتاثر سلبا بصورة اكبر من الولايات المتحدة في حال تخلت القوات المصرية عن منتجاتها المضادة للدبابات.

 

سلاح المدرعات المصري هو الاحدث من بين كافة صنوف الاسلحة نظرا لموافقة الولايات المتحدة على قيام مصر بصنع مكونات مدرعات ابرامز الحديثة على اراضيها، مما وضعها في المرتبة الثانية، بعد “اسرائيل،” في تعداد وحداثة المدرعات المتوفرة.

 

ما كانت تملكه مصر من دبابات سوفياتية الصنع فهي في تعداد الاحتياط وخارج الخدمة الفعلية لعدم تحديثها منذ عقود، الامر الذي وضعها في مرتبة متدنية نسبة الى الدبابة الاميركية الحديثة. اذ احدث ما تملكه من صناعة سوفياتية يعود لعام 1976 من طراز تي-80، المعروفة باستهلاكها الكبير للوقود الى جانب بعض الثغرات في الاداء القتالي. يذكر ان روسيا اهدت عددا منها لكوريا الجنوبية لسداد ديون سوفياتية قديمة مترتبة. 

لدى الترسانة المصرية ايضا نسخة معدلة من دبابة تي-55، من طراز رمسيس2، وعدد من المدرعات القديمة من طراز تي-62، والتي تم تحديثها بعض الشيء من قبل دول حلف الناتو، خاصة بريطانيا والمانيا وايطاليا، ومصر لا زالت في وضعية طلب ود دول الحلف لفترة مرئية. حقيقة الأمر ان بعض قطع الاسلحة الروسية الحديثة تتفوق على مثيلاتها في ترسانة حلف الناتو. كما ان الصناعة الحربية المصرية لا زالت توفر قطع الغيار وما يلزم من صيانة للترسانة القديمة من اسلحة سوفياتية.

 

سلاح الجو المصري

 

يعد سلاح الجو المصري احد اكبر الاسلحة عددا في المنطقة، قوامه 216 طائرة مقاتلة اميركية الصنع من طراز اف-16، مما يضعه في المرتبة الرابعة من بين الدول التي تعتمد على ذاك الطراز؛ ولديه عدد من طائرات الاعتراض الفرنسية الحديثة من طراز ميراج-2000؛ و579 طائرة اخرى مقاتلة و 149 طائرة مروحية مسلحة من بينها 35 من طراز اباتشي AH-64D، فضلا عن مقاتلات ميغ-21 المستخدمة بكثافة، واخرى من طراز سكايبولت اف-7، والفانتوم اف-4، وميراج 5، وطائرات شحن من طراز هيركيوليز سي-130. 

شرع سلاح الجو المصري بتحديث الهياكل المتقدمة لطائرات ميغ-21 بمساعدة اوكرانيا، لكن مستوى النجاح لم يكن مرضيا. 

قرار الرئيس اوباما بايقاف توريد الشحنة المستحقة من مقاتلات اف-16، على خلفية عزل الاخوان المسلمين عن السلطة، عزز اهتمام مصر بالحصول على المقاتلة الروسية الحديثة، ميغ-29، التي صممت خصيصا كرديف متطور عن اف-16. 

العقبة الكبرى التي يعاني منها سلاح الجو المصري هي برامج التدريب المكثفة للطيارين واعمال الصيانة للطائرات المقاتلة، اذ شهد اعلى نسبة حوادث لطائرات اف-16، مما يؤشر على معضلات بنيوية في سلاح الجو. اضافة مقاتلات الميغ-29 الحديثة الى الترسانة لن يؤدي بحد ذاته الى التغلب على تلك العقبة، بل يضيف اعباء اخرى على اجهزة وطواقم الصيانة وتعاملها مع تعدد نظم قطع الغيار وبرامج الصيانة. 

على الشق الآخر من المعادلة، اقتناء سلاح الجو لمقاتلات حديثة مشهود بكفاءتها يعد مصدر اعتزاز وثقة بالنفس وفخر وكبرياء على الصعيد الشعبي. دخول المقاتلات الروسية لترسانة سلاح الجو المصري، في الجانب المعنوي، سيعد صفعة توجه للولايات المتحدة من الطرفين، الروسي والمصري. دخول الميغ الى الخدمة الفعلية يستغرق بضع سنوات عادة لاتمام برامج التدريب والصيانة والتسليم.

 

سلاح البحرية المصري

 

مقارنة بالاساطيل البحرية الغربية والروسية التي تمخر عباب البحر المتوسط فسلاح البحرية المصرية يحتل موقعا متواضعا، كما ونوعا، سيما وان معظم القطع البحرية في حوزته هي من صناعة دول حلف الناتو المختلفة وتستخدم معايير الحلف في الاسلحة والطلقات والقذائف والاجهزة الالكترونية والرادار الخاصة به. 

في الشق المقابل، فان سلاح البحرية الروسي لم يتماشى نوعا وكفاءة مع ترسانة حلف الناتو من ذات الفئة والتصنيف. ادخال التقنية والمعدات الحربية الروسية الى سلاح البحرية المصرية لا يشكل اضافة نوعية في هذا الصدد، بل ربما انتكاسة في القدرات ويضيف اعباء على برامج الدعم اللوجستية للقطع البحرية في حوزته. 

في الشق السياسي، ان قيام روسيا بانشاء قاعدة بحرية لدعم وصيانة اسطولها في المياه المصرية واتاحة الفرصة للجانب المصري في استخدامها من شأنه تعزيز قدرات سلاح البحرية المصرية، مع الاخذ بعين الاعتبار طبيعة وكفاءة الصيانة المقدمة لقطع بحرية من صنع دول الناتو.

 

آفاق العلاقات الاقتصادية مع روسيا

 

          بدأ التعاون الاقتصادي بين مصر والاتحاد السوفياتي عام 1948، بعد توقيع الاتفاقية الاولى لتوريد القطن المصري مقابل الحبوب والاخشاب ومنتجات اخرى سوفياتية. بلغتاوجها في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لا سيما في مجالات توليد الطاقة والمشروعات الصناعية في التعدين والحديد والصلب.

 

تعرضت العلاقات الى هزات بنيوية وانتكاسات منذ تخلي انور السادات عن دعم الاتحاد السوفياتي، وشهدت بعض بوادر الانتعاش منذ منتصف عقد التسعينيات وبروز قيادة وطنية لروسيا وصعود الرئيس بوتين. والتفتت مصر الى اهمية التعاون العسكري بين ايران وروسيا للاستفادة منه في تعزيز العلاقات التاريخية مع موسكو.

 

شهد مطلع عام 2001 تعاونا مشتركا في المجالات التجارية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية سبقت زيارة رسمية للرئيس حسني مبارك لموسكو اثمرت توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات متعددة: الاستخدام السلمي للطاقة النووية والاتصالات والاقمار الاصطناعية والمجالات الطبية والادوية؛ تبعها اربع زيارات رسمية لموسكو كان آخرها في آذار 2008. وتوجت العلاقات بزيارة رسمية للرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف للقاهرة في منتصف عام 2009، اسفرت عن توقيع معاهدة شراكة استراتيجية بين البلدين.

 

اقتصاديا، تطلعت مصر الى تعزيز التبادل التجاري بين البلدين وازالة ما يعترضها من عقبات ورسوم  جمركية امام المنتجات المصرية، سيما بعض انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية منتصف عام 2012.

 

ارتفعت تدريجيا الصادرات المصرية الى روسيا، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 2.3 مليار دولار لعام 2011، هي الاعلى منذ انتكاساتها: منها 332 مليون دولار للصادرات المصرية من المنتجات الزراعية، و 1.94 مليار دولار للواردات المصرية من روسيا.

 

وقع البلدان سلسلة اتفاقيات تعاون اقتصادية منذ منتصف عقد التسعينيات، لعل اهمها اتفاقية انشاء منطقة للصناعات الهندسية الروسية ببرج العرب، في الاسكندرية، وتنمية روسيا للتطبيقات السلمية للطاقة الذرية وانشطة الابحاث والتطوير في انشاء محطات انتاج الكهرباء من الطاقة النووية، وتفعيل اتفاقيات التعاون العلمي والتقني بينهما باشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

مصر شريكاً كبيراً لروسيا!

 

تتعاظم حاجة البلدين لتنمية وتثبيت علاقات التبادل بينهما في شتى المجالات، والتي تجري وفق قواعد السوق وجني الارباح بخلاف ما كان يوفره الاتحاد السوفياتي آنئذ من مساعدات عسكرية مجانية وسلع تشجيعية ودعم سياسي ثابت لمصر. حاجة مصر الراهنة والملحة لتعزيز قدراتها الدفاعية، لا سيما في مجال نظم الدفاعات الجوية، ادى بها للسعي لتمويل ما تتطلبه من مشتريات من دول خليجية، السعودية او الامارات وربما الاثنتين معا. وهذا الشق بحد ذاته كفيل ان يضع مصر في مصاف دولة رئيسية لروسيا وصناعاتها العسكرية ومنتجاتها الزراعية، خاصة القمح. بالمقابل، تحول مصر شرقا سيترك تداعيات عدة على علاقاتها المتشابكة مع دول حلف الناتو، وتسعى لتفادي التباعد عنها واستحداث ازمة سابقة لاوانها.

 

تتحكم مصر ببعض نقاط القوة والتفاوض مع الولايات المتحدة، وتسعى لتسخيرها لمصلحتها بخلاف نظم الحكم السابقة منذ عهد انور السادات، اهمها مصير اتفاقية كامب ديفيد التي تحرص الولايات المتحدة على استمرارية العمل بها تقابله بمساعدات عسكرية لمصر، ثبت انها غير كافية لمتطلبات وطموح المؤسسة العسكرية المصرية لحماية أمن وسيادة بلادها. استخدام واشنطن سلاح الترهيب لمصر، بقطع بعض المساعدات، يعرض تلك الاتفاقيات لافاق مفتوحة مناوئة للسياسة الاميركية، فضلا عن الكلفة الاقتصادية للشركات والمصالح الاميركية بتوقف المساعدات المالية التي تمول الشركات الاميركية وصناعاتها الحربية بالدرجة الاولى؛ فضلا عن تداعيات الكساد الاقتصادي على القاعدة الانتخابية الداخلية والانتخابات المقبلة على الابواب.

 

الثابت ان كلا من روسيا ومصر اتخذتا قرارا لا رجعة عنه بتعزيز اوجه التعاون وتنمية العلاقات بينهما، مما يعزز قدرة مصر على تحدي السياسة الاميركية في بعض المجالات، وتوفر فرصة لا تعوض لروسيا توجيه صفعة اخرى للولايات المتحدة، وما ستتركه من تداعيات على المستويات العالمية.

 

فرضت الولايات المتحدة شروطا قاسية ومذلة على مصر في مجال المنتجات الزراعية، خاصة مادة القمح، في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، امعانا في التحكم والسيطرة على سيادة مصر. روسيا، المورد التاريخي والثابت، للقمح والحبوب الاخرى لمصر استمرت في تصدير القمح لمصر بمعزل عن الضغوط والقيود الاميركية، مما شكل مصدر قلق لصناع القرار السياسي الاميركي، عبرت عنه المؤسسة الاستخبارية البحثية، معهد ستراتفور، بالقول:

 

“تستطيع روسيا دعم مصر بكميات كبيرة من صادرات الحبوب. في موسم الحبوب لعامي 2012-2013، بلغ حجم الصادرات الروسية ما مجموعه ثلث الاحتياجات المصرية من الحبوب، اي ما يقارب 2.7 مليون طن. يبشر العام الحالي سنة رغد لانتاج روسيا من الحبوب، ومن المتوقع ان تشهد الصادرات ارتفاعا ملحوظا لعامي 2013-2014. العقبة الاخيرة بين مصر وروسيا تمحورت حول التسعيرة والكلفة – اذ لا تستطيع مصر تسديد كلفة الحبوب الروسية، التي تفوق معدلاتها مصادر الحبوب الاخرى مثل اوكرانيا. ومن المحتمل ان يتوصل الطرفين الى اتفاقية تتيح التصدير باسعار مخفضة.”

 

 

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية