زوابع سنودن في فنجان الدونية الأوروبية!
عبداللطيف مهنا عبداللطيف مهنا

زوابع سنودن في فنجان الدونية الأوروبية!

قبل لجوئه إلى موسكو فجَّر ادوارد سنودن المستشار في وكالة الأمن الوطني الأميركية آخر ما جادت به حلقات مسلسل فضائح السياسات الأميركية الكونية، والتي شغلت مؤخراً إلى حد ما عالم هذه الحقبة الطافحة بالتحولات الكونية الزاحفة.

سرَّب وثائقه التي بات يتوالى نشر جديدها تباعاً في صحف الغرب. وإذ هى بالآلاف، فإنها وقف على مسألة واحدة، وهي أن الولايات المتحدة تتجسس على كل من هم حولها في هذا العالم وبلا استثناء، بمن فيهم حلفائها واصدقائها، أو تابعيها قبل اعدائها، وكل ضحاياها من هؤلاء، وعلى اختلافهم، يتفقون جميعاً حول مثل هكذا توصيف لمثل ما كشفته هذه الوثائق. هنا، قليل من تمعُّن يطرح علينا سؤالاً قد يفسد جوابه على القلة التي ربما تفاجأت بما كشفه سنودن دهشة المتفاجىء. إنه، ومالجديد. أو ما الذي فُضح ولم يك مفضوحاً؟!

باستثناء من زعم من الحلفاء الأوربيين، وبعضهم وليس كلهم، بأنهم قد صدموا بالأمر، ولأسباب سنبيِّنها لاحقاً، لم نسمع جهةً في أربع جهات الكون عبرت عن صدمتها لمثل هذا المفتضح الأميركي، لأن من لم يك يفطن الى ما سيكشفه له سنودن فيما بعد كان إما يفترضه أو يتوقعه، فالعالم، كل العالم، لاسيما في حقبته الأخيرة، التي كانت قد بدت ولسنوات قليلة في بداياتها أنها اميركية بامتياز، ولدرجة أن بشَّرنا حينها بعض الأميركان بالقرن الأميركي، ما فتىء يشهد ويلمس تتالي مؤشرات البدايات الحثيثة لانحسار الهيمنة الأميركية وتآكل سطوتها، وبات لا يفوته ملاحظة أن سياسات هذه الإمبراطورية تنبىء في تخبطها وارتباكاتها وتتالي ازماتها وفضائحها بأنها تعيش مرحلة من مكابرات سن اليأس، وحال من تخطو متثاقلة، وفق سنن ما مر قبلها على هذا الكون من امبراطوريات، نحو محتَّم الأفول. كما ليس بالخافي ولا المكتوم، ومنذ انكفائها بعيد غزوها واحتلالها للعراق، وفل جبروت  قوتها الهوجاء لفشل لحق ولايزال يلحق بجحافلها في بلاد الأفغان، اضف اليه ازماتها الاقتصادية المتمكنة والمستفحلة، وراهن تهتُّك أحادية قطبيتها بفعل بشائر بروز مظاهر تعدد هذه القطبيات كونياً، أنها تتجه مكرهةً لاستبدال حروبها الكونية الشاملة لكافة ارجاء المعمورة بالمموهه والناعمة، أو بالأحرى القذرة، التي لا تستثني من شرورها شبراً واحدا منها، والتي إذ لا تهمل عدوا، لن توفر صديقاً أو يسلم منها حليف، وحيث حروبها واحتكاراتها المعولمتان تتلازم وتسير جنباً إلى جنب… آخر توصيف خصت به منظمة العفو الدولية ذاك الجزء المتعلق بحروبها التي تدعوها “مكافحة الإرهاب” هو “حروب سرِّية غير قانونية ولا اخلاقية”… والآن، وماذا عن اولئك “المصدومين” من حلفائها الأوروبيين؟!

بعض ما نشرته “الليموند” الفرنسية، وبعدها الغارديان” البريطانية خلاصته أنه، واعتماداً على اجهزة التنصت والاختراق والاقمار الاصطناعية، وما تتيحه لهم هيمنتهم على كل مايمر بالشبكة العنكبوتية عبر احتكارهم لها من خلال سدنتها من امثال “غوغل” و ”ياهو” و ”الفيس بوك” و ”اليوتيوب” واخواتهما من هذه المواقع التي تمكنهم من مداخل خلفية لها تطل على كل ما تختزنه، يديرون نظاماً تجسسياً كونياً شاملاً ومتشعباً لسلسلة من برامج المعلوماتية ذات التقسيمات القارية يقرصنون من خلاله كل وسائل التواصل الإلكتروني والهاتفي في العالم، ويقومون، بمشاركة من الموساد و ”وحدة الاستخبارات الالكترونية” التي يديرها، بتحليلها وارشفتها، بحيث يغدو الكوكب الأرضي بكامله قيد تخزينهم وبرسم استقصائهم المعلوماتي… ليس هذا ما ازعج “المصدومين” الأوروبيين، اللذين من الصعب تصوُّر أنهم كانوا يجهلونه قبل افتضاحه، ولا يرون ما يسؤهم في كون حليفهم، الذي يعرفون أنه يتجسس حتى على مواطنيه قبل مواطنيهم، كان يتنصت على ما لا يقل عن 35 رأس دولة في العالم والمليارات من مواطنيه وفي المقدمة بالطبع العالم الإسلامي، وانما ما يعنيهم من كل هذا هو ما يثير ويغضب شارعهم الذي اكتشف انه حتى خصوصيات كل ما يدب فيه هي تحت طائلة العين والأذن الأميركية المتجسسة… لذا كان لابد من ما هو لا يتعدى الزوبعةً من الاستنكارات والاحتجاجات الحيية أو المعاتبة وبعض الشكوى وزعم الاحساس بالصدمة لهذا الأمر الجلل المتمثل في تجسس الحليف الأكبر على حلفائه، حتى “من دون مبرر استراتيجي او مبرر للدفاع القومي”، كما يقول رئيس الوزراء الفرنسي”، والقمين ب “الاستنكار الشديد” من قبل رئيسه رولاند، ويستحق من المستشارة ميركل وصفه ب ”غير المقبول على الإطلاق”، ومن الاتحاد الأوروبي مجتمعاً، والذي ما كانت ولن تكون دوله على قلب رجل واحد، ليس بالأكثر من عبارة وردت في بيانه تقول، “إن انعدام الثقة قد يضر التعاون في عملية جمع المعلومات الاستخبارية”، لكنما دون أن يغفل عن تثمينه للعلاقات “الوثيقة مع الجانب الأميركي”!

كل هاته الزوبعة، التي اثارت قنبلة سنودن عند البعض توقع تحولها الى عاصفة تجول في معسكر الحلفاء الغاضبين، ليشهدوا ما هو ليس بأكثر من زوابع تنوس في فنجان الدونية الأوربية حيال حليفها الأكبر، لم تنتزع من شبه الصمت الأميركي اكثر من “أن التجسس أمر روتيني بين الأمم”، وتأكيد أوباما لميركل في اتصالها المعاتب به بما يعني أنه من الآن وفي المستقبل لن تتلصص بلاده على هاتفها الشخصي… ما السر في ذلك؟!

أنه، وببساطة، لأن واشنطن ومعها اسرائيلها تشاركهم بعض حصادها التجسسي، ومنهم من يتعاون معها في بعض جمعه وتحليله، ويقال أنها حذَّرتهم بأن وثائق سنودن تحتوي على تفاصيل عن تعاونهم معها… ولأنهم جميعاً يتجسسون على بعضهم البعض…

 


المصدر: نشرة كنعان