في أزمة البديل، وضرورته
محمد المعوش محمد المعوش

في أزمة البديل، وضرورته

يطرح التاريخ من جديد على القوى الإجتماعية المتضررة من القائم، وعلى ممثليها السياسيين، السؤال الذي انفجر في منطقتنا، سؤال التغيير، لا يُفلت من الإجابة عنه إلا واهمٌ مكابرةً، يحكمنا بضرورته فكراً، قولاً، كتابةً، وممارسة سياسية مباشرة. ومن موقعنا الطبقي، موقع الطبقة العاملة وكل القوى المضطهَدة التي من مصلحتها تغيير القائم من نظام الإمبريالية، نحاول الإجابة، محكومين بالمرحلة التاريخية الحالية، وقانون حركتها والقوى المتصارعة فيها ومستويات هذا الصراع والفاعلين فيه، وأفقه، وبالضرورة، دورنا فيه.

ومن موقعنا هذا نستند بالضرورة إلى الفكر العلمي- النظرية الماركسية، ومنهجها وتراثها السياسي والفكري، هذا الفكر الذي هو- كأي فكر آخر- فكر حزبي، وأداة للتغيير ضد كل تأملٍ هو عزلة وعجز عن الفعل.

وهذا ليس تكراراً للبديهيات، إنها قضية أن يكون الفكر العلمي فكرا مناضلاً نحو التغيير، لا من خارج التاريخ والصراع يكون.

ومن شروط علمية هذا الفكر أن يصارع نقيضه، أي الفكر البورجوازي، الذي لا يتوقف يعيد إنتاج نفسه متلائما مع التحولات الإجتماعية التي تحكم الصراع الطبقي، حتى يستطيع شل قدرة فكر التغيير؛ وفي صراعه هذا يعيد الفكر العلمي الثوري إنتاج نفسه منتجاً حدوده التي ان سقطت يسقط هو نفسه، وبهذا يعيد إنتاج قدرته على قراءة الواقع وتحولاته منتجاً حركته نظرياً، فلا ينزلق إلى أرضية الفكر البورجوازي التي تشلّه، بل من على أرضيته يناضل، فتبني على أساسه قوى التغيير رؤيتها وبرنامجها، ليُفتح الطريق أمام فعل التغيير.

من هذا الموقع الطبقي والفكري، ومن ضرورة واقعية في هذه المرحلة التاريخية، هي انكباح هذا الفكر ممثلاً بالقوى السياسية التي تستند إليه، فواقع هذه القوى الثورية - ومن ينتمي إلى موقع التغيير- والممارسة الأيديولوجية والسياسية السائدة فيها، يظهر أنها غير قادرة فعلياً على تحقيق ما هو مطلوب منها من مهام في هذه المرحلة التاريخية وتحدياتها. ولا نقول كل القوى، فبعضها يسير في طريق تجاوز العجز وإعادة إنتاج نفسه على كل المستويات على أساس تحديات المرحلة التاريخية الراهنة، وهو ما نحكم عليه من خلال وثائق هذه القوى بالتحديد، ومن الدور الذي تحاول انتزاعه في مجتمعاتها، والذي هو بحاجة لتطوير دائم وسريع. من هنا نرى ضرورة خوض الصراع على هذا المستوى-النظري، فـ "لا حركة ثورية بلا نظرية ثورية"، ومعيار الثورية ليس لفظاً أو نية يحملها صاحب الدعوة للتغيير، إنها القدرة على توحيد الجماهير تحت شعاراتٍ تمثل وتعكس مطالبها، والسير في برنامج قادر على تحقيقها.    

إنها مهام مواجهة الإستعمار المتجدد متمثلاً بالإمبريالية (التي وصلت إلى حدودها التاريخية) ورأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي تحاول بالعنف تمديد فترة وجودها- أزمتها، ضد سيطرتها الكاملة على المنطقة وعلى ثرواتها وتدميرها وتفتيتها إلى كيانات عاجزة منهكة، في مرحلة انفجار أزمة مجتمعاتنا كونها الحلقة الأضعف في النظام الرأسمالي العالمي كبنيات كولونيالية. بوضوح خوض المعركة الوطنية التحررية، وتوحيد شعوب هذه المجتمعات ضد هذا الهجوم، وهو ما يعني بالضرورة مهمة تجاوز هذه الأنظمة المتعفنة التي لم تعد قادرة على إعادة إنتاج نفسها على كل المستويات، من خلال الصراع الذي يحمل همّ الإنسان فيها على كل المستويات المادية والمعنوية- الروحية (هل نسينا أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان؟!). أنها وحدة قضيتي التغيير والتحرير- المقاومة. هي مهام وحدها كقوى ثورية، من موقعها الطبقي-الفكري، القادرة على تحقيقها، على طريق بناء المجتمع النقيض، الإشتراكية (من حقنا أن نسأل لماذا يغيب شعار الإشتراكية اليوم من خطاب هذه القوى وتحديداً في زمن وصول النظام الرأسمالي العالمي، ممثلاً بالإمبريالية، إلى أقصى تناقضاته؟!)

إذاً إنه السؤال عن الأزمة التي تطبع هذه القوى منذ حوالي النصف قرن من الزمن، هي مرحلة التراجع العام لهذا الخط الثوري، السؤال الذي لا يمكن الممارسة السياسية الثورية إلا على أساس الإجابة الضرورية عنه، سؤال مؤجل برسم غالبية هذه القوى والممارسة السياسية والأيديولوجية السائدة فيها؛ فمتابعة عامة لحركتها (القوى) تُظهر أنها تخوض الصراع من على أرضية الأيديولوجية البورجوازية، حيث لم تعد هذه القوى من جديد بعد مرحلة التراجع إلى المطلبي المباشر (الهم والمعاناة)، أي خوض الصراع "تحتيا"، الآخذ بعين الإعتبار التحولات الإجتماعية، بل بقيت تخوضه "فوقيا"، من خلال اعتبار أن الصراع الإجتماعي هو مبارزة فكرية تحمل اللغة السياسية، فيستحيل الفعل الثوري تبشيراً أيديولوجياً، وهو ما يجعل ممارسة هذه القوى محصورة بالخطاب الذي يحمل اللغة السياسية إن كان في توصيفه للمرحلة أو في إعلان مواقفه منها، فالوهم الذي وقعت فيه هذه القوى أنها لا تزال تمثل فعلياً فئات اجتماعية، تخوض الصراع معها ضد القائم وتمارس سياسيا لأجل ذلك، ولكن الملموس أن هذه الجماهير انفكت عنها.

هكذا وبكل بساطة يجري نفي سلبي للأزمة، هو إنكار- واع و/أوغير واع- لها. فلا يعود تجاوز هذه الأزمة هو الطريق الضروري إلى الفعل السياسي، بل اختيارياً بالنسبة للخط السائد في هذه القوى، يشار إليه أحياناً في الخطاب، ونترك مهمة تجاوزه لمن في الغيب، يقوم بالمهمة عنا، فنحن لا نقوى عليها، إنها حمل ثقيل يزعزع وجودنا الهانئ، فنطمئن أنفسنا ومن أوكل إلينا مهمة التغيير، ونعزيهم – خداعاً: "إننا نملك الحقيقية ولكن الواقع لا يستجيب!"، عله من الغيب تأتي إشارة أو شرارة أمل، وحي يهبط من السماوات على المختارين والمصطفين من البشر، نبيٌّ يبوح بالحقيقة من جديد، ليعود من ضل إلى الطريق الحق، فيكون الفتح مبيناً.

إنه فكر غيبي مهما رفع الصوت عالياً، ومهما أعلن في تكرار فارغٍ شعار التغيير؛ ففي تجاوز الأزمة والكشف عن أساسها المادي يكون النهوض بخط التغيير الثوري من جديد وإنتاج البديل، وخارجها يكون ممارسة طقوسية لتاريخ مضى، نحنّ إليه ونصونه ضد باقي الهويات، فيستحيل نضالنا طائفياً، هوية نتعصب لها، ويُعلَن الواقع عصيا على الإختراق، والكل خطّاء لم يقبل قول الحق منا.

ومن جديد نقول في الأزمة أنها بالأساس غياب نظرة تتلائم مع طبيعة التحولات التي طالت بنية المجتمع، وتحديداً بنية الطبقة العاملة ووعيها وحاجاتها،أي أزمة أيديولوجية. التحولات التي على أساسها حصل انفكاك القوى الإجتماعية - التي من مصلحتها التغيير- عن مشروع التغيير، فلا يعود الهمّ السياسي للتغيير هو الحاكم، بل محاولة تلائم (فاشلة) مع الواقع القائم وقوانينه ونمط الحياة الذي يولِّده(أي النمط الليبرالي)، ومن ثم تأتي الأزمة التنظيمية التي هي ترجمة للأزمة على المستوى الأيديولوجي والسياسي.

إن تجاوز الأزمة هو المهمة المركزية اليوم، لا مجال لتجاهلها أو تأخير البحث فيها، فالتاريخ لا ينتظر المترددين ولا يعطي وقتا إضافياً؛ ومهما ضجت الصحف والشاشات والكتب والبيانات بلغة السياسة والصراع، وتعدد القطبيات، والتوازن العالمي الجديد، والدفاع عن الوطن والشعب، والحرية، والإمبريالية، إلخ...، فلا يكون ترجمة ذلك إلى ممارسة سياسية إلا بأن يعود الخط السياسي خطاً له من القوة المادية ما يمكنه من التحقق الفعلي في الواقع، إلى خط جماهيري واعي يطرح البديل ويمارس لتحقيقه، فمن هو خارج الفعل في الواقع هو خارج الصراع بالضرورة، إلا من موقع المتفرج العاجز منتظراً سير الأحداث، موقع الخاضع لها.

وعنوان الخروج من هذه الأزمة إذا هو شعار "العودة إلى الجماهير"، في أن يعود خط التغيير الجذري جاذباً، بشكل أساس، للطليعة في المجتمع – وهي كبيرة في هذه المرحلة التاريخية- التي تطرح قضايا واقعها بشكل ملح وواعٍ، وهو ما يرفع من طاقات هذا الخط والقوى السياسية التي تمثله على مستوى القدرات البشرية فيتوسع جسمه ويضخ الدم في عروقه (على عكس الترهل الحالي)، وجاذباً بالضرورة لغالبية القوى المتضررة، وذلك من خلال تطوير الخطاب والبرنامج ليطال معاناتها الفعلية انطلاقاً من وجودها اليومي-أي "تحتيا"، وليس تصور العلاقة معها انطلاقاً من وجودها الإفتراضي المحكوم بمقولات ومفاهيم وأفكار (سياسية بالغالب)، الذي هو المنطق الضمني لما قلنا أنه الممارسة التبشيرية، فبدل أن تكون هذه القوى في موقع التمثيل السياسي للفئات المتضررة يضعها في موقع المواجهة معها، علاقة إقناعية-أيديولوجية بدل ان تكون تحريضية..

 وهذا ما يفرض هزيمة الجماهير أيديولوجياً حتى نكسبها، وهو ما يقيم التعارض (أو في أحسن الأحوال عدم المبالاة) ما بين الجماهير وبين من يطرح فعل التغيير على أساس هذا المنطق، وهو أساس العجز عن اختراق الواقع كما تعلن أغلب هذه القوى، وهو ما يظهر ثبات أو تناقص حجمها الإجتماعي في عالمنا العربي.

والتحولات الإجتماعية المطلوب استيعابها وتطوير الخطاب والشعار على أساسها هو ما حمله النصف الثاني من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، من خلال تحول المجتمع وبقوة إلى نمط الحياة الإستهلاكي ومفاهيمه الليبرالية، وانعكاس ذلك على كل المستويات السياسية والفكرية- الثقافية والإقتصادية، وبشكل عام مجمل نمط الحياة الذي يحكم وجود الأفراد وتحول أشكال السيطرة الأيديولوجية لتتلائم مع هذه التحولات(إعلام، تعليم،..) لتمويه العلاقة الإستغلالية الطبقية. هذه التحولات التي هي بالأساس تنازلات من قبل الرأسمالية على مستوى العالم للطبقات التي ثارت بوجهها في النصف الأول من القرن الماضي بشكل عام، من خلال التحسين النسبي لشروط وجودها. مع الأخذ بالتفاوت ما بين المجتمعات وكيفية حصول هذه التحولات فيها، حيث يمكن لنا أن نقسم المجتمعات بشكل عام لقسمين، مجتمعات قدرت البورجوازية فيها أن تستوعب هذه التحولات كالمجتمعات الرأسمالية المتطورة، وأخرى لم تستطع أن تستوعبها، هي في تلك التابعة والمكبوحة التطور (الكولونيالية) التي لا زالت تتضمن علاقات تنتمي إلى بنى سابقة على تلك الرأسمالية (وما ينعكس عنها في الفكر والعلاقات الإجتماعية تحديداً)، وهو ما رفع من حدة التناقضات وحدّة المعاناة فيها.

هذه التحولات، أي التحسن نسبي في ظروف حياة الفئات الخاضعة والمستغَلَة، أدت إلى تحولات في بنية الوعي الفردي وحاجاته، وتحديداً تقدم الجانب المعنوي من الحاجات، بالإضافة إلى الجانب الملموس- المادي الذي شكل أساس نهوض الخط الثوري في القسم الأول من القرن العشرين- والتي هي بالعام تدور حول الذات وموقعها وعلاقتها بالمجتمع، وللأمثلة على ذلك كل ما يعنيه من سؤال الفرد عن دوره وعن معنى وجوده، وعن علاقته بغيره من الأفراد، وعن المعاناة نتيجة تناقضات البنية الإجتماعية، على مستوى العائلة و والعمل والتعليم، والعلاقة مع الدولة ومؤسساتها، والعلاقة مع ومع الذات ومع الآخر،...إلخ.

فتكون المعاناة نتيجة التهديد لذات الفرد في وجودها - انتقاص لها أو تهميشها والحط من قيمتها وتجزيء وتفكيك وجودها، محكوم بنمط الحياة الرأسمالي القائم الذي يشيء الإنسان ويسلبه إنسانيته؛ مع التأكيد على الفروقات في المعاناة انطلاقاً من الفروقات في الإنتماء الطبقي للأفراد، حتى ضمن الطبقة نفسها.

باختصار نقول أن ما يجب تطويره على هذا المستوى من الخطاب والتفكير حول معاناة الفئات المتضررة هو مقولة الإغتراب التي هي جزء أساس من البنية الفكرية الماركسية فيما يتعلق بتحليل علاقة الإنسان بواقعه في البنية الرأسمالية. ومتابعة بسيطة لموقف الفرد من علاقته بالعمل اليوم (أو أي ميدان إجتماعي آخر) تؤكد إلحاح هذه المطالب عليه، والتي يظهر فيها رفضه لروتين الحياة اليومية مثلاً والتكرار الفارغ لها في واقع بارد وقاحل. أو إشارته إلى تفكك العلاقات الإنسانية وفقدانها الرابط العضوي، فتصير زيفاً وعلاقات شكلية، بالإضافة إلى ما تُطبع فيه هذه العلاقات من برودة وتنافس يفرضه النمط الليبرالي من الممارسة، وهو ما يظهر في ارتفاع نسبة الخلافات ما بين الأفراد إن كان في ظل العائلة أو العمل أو الصداقة أو غير ذلك، وتحديدا الإحساس بالوحدة. إنه خطاب هذه الفئات على المستوى النفسي-الروحي، الذي هو شكل من أشكال التعبير عن المعاناة الفعلية، التي هي بالأساس معاناة طبقية ،هل نسينا أن الإستغلال لا يكون على المستوى الاقتصادي فقط،، بل يتعداه لكل جوانب الحياة!

وليس المطلوب هو نفي ما ظهر من مطالب فردية- ذاتية، بل المطلوب هو طرحٌ نقيض للطرح الليبرالي العاجز عن تحقيقها والمنتج للمعاناة نتيجة اصطدام الحاجات بواقع يرفض تحقيقها، إنها تناقضات النظام القائم الغير قادر على الهروب منها، حتى لو تمكن من تمويهها في بعض المجتمعات.

العودة إلى الجماهير إذاً تفرض النظر إلى الإنسان ككل متكامل، والتخلي عن الخطاب الذي يحده بالغذاء وغيره من المطالب الملموسة المحصورة بالخطاب الإقتصادي "جافّ". أي العمل على توسيع الخطاب لكي يطرح قضية الإنسان بكليتها، لا طرحها ناقصة، فلا صدى اليوم لشعار تحسين ظروف المعيشة إن لم يكن طريقا لتحقيق الإشباع الروحي-المعنوي  للإنسان (سعادة الإنسان وما تعنيه بشكل واضح)، فهذا هو سقف الممارسة الفردية اليوم لأغلب القوى الإجتماعية المستغَلَة، وأي طرح سياسي لا يرتفع إلى مستوى هذا السقف يعني إنه تخلى عن ثوريته، والجماهير عندئذ تتخطاه. أليس شعارا "الكرامة" و"الحرية"، وما أظهرته حركة الجماهير (وتحديدا الشباب كونهم الفئة الأكثر معاناة وتأثراً بالتناقضات التي أشرنا إليها) في الدول العربية من مبادرة وحاجة للتغيير، هم دليل ملموس على ما سبق، في حين بقي خطاب قوى التغيير متأخراً عنها،واستمر في رفع الشعارات السياسية والإقتصادية التي لا ترتبط ملموسياً وظاهرياً بالجديد (وبقاءه على مستوى رد الفعل- ضد الإسلاميين أو ضد العسكر مثلا)، ما لم يقرب الجماهير من هذه القوى واستمرت في عفويتها، تستغل حركتها قوى النظام القائم وقوى الرجعية، لغياب الطرح العلمي الذي فيه وحده تسير لتحقيق مطالبها.

وغياب الرؤية هذا هو نفسه ما يجعل من قوى التغيير وأحزابها في لبنان(كحزبنا الشيوعي تحديداً الذي سيحتفل بعيده الـ89 والذي سيقوم بمؤتمره الوطني الـ11 في هذا الشهر- تشرين الأول) محبطة من عدم ثورية الشعب اللبناني، مقارنة بما حصل في العالم العربي. إنه عجزها عن رؤية أن الإصطدام المباشر ما بين النظام والشعب في العالم العربي كان يحصل من خلال أجهزة السلطة من أمن وغيره، وهو ما ربط المعاناة المعنوية- التي تكثفت في شعاري "كرامة الإنسان وحريته" (المطلوب تفكيكهما وتجاوزهما إلى شعارات ملموسة من قبلنا)- بالنظام القائم، المحكوم بممارسة أمنية قمعية مباشرة، أما في لبنان فغياب هذا التماس المباشر ما بين النظام القائم وبين المعاناة المعنوية لا يضع الجماهير مباشرة في وجه النظام، وذلك لطبيعة السلطة في لبنان وشكل حكمها، الذي يعتمد على الفكر الطائفي في قمع الصراع الطبقي وليس من خلال حكم قمعي مباشر، وهذا لا يلغي المعاناة، بل أدى ويؤدي إلى التعبير عن المعاناة إما بشكل فردي، او بشكل تعصب طائفي الذي هو ليس إلا شكلاً من أشكال التعبير الغير مباشر عن المعاناة المعنوية الضمنية.

على أساس هذا النقاش المدخل يكون الخروج من الأزمة، ويكون النهوض بالخط السياسي نحو التغيير الجذري، ضد التبشير. المجتمع جاهز والبورجوازية ترتعد خوفاً من عدم قدرتها على إعداة إنتاج نظامها(ولسان حالها يقول بذلك)، والإنسان في كل لحظة يسأل سؤال حياته والبديل عن اختناق يحكمه، والتخلي عن هذه المهمة خيانة، والتاريخ لا يرحم وتبرير الضعف مرفوض، فالتغيير ممكن، أي ضروري.

من أجل قيمة كل إنسان ومصير كل الشعب علينا أن نتقدم إلى خطوط المواجهة الأمامية على امتداد العالم العربي، والعالم كله، فنعيد للصراع منطقه الضروري وننتزع دورنا فيه من أجل "وطن حر وشعب سعيد"، فيصلب الجذع أكثر وتزهر السنديانة في عيدها عنباً أحمر.

 

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين1/أكتوير 2013 21:10