صمت الأميركيين عن سياسات حكومتهم: مساءلة الشعب والنظام… ومناقشة في الجذور والأسباب (1)
مسعد عربيد مسعد عربيد

صمت الأميركيين عن سياسات حكومتهم: مساءلة الشعب والنظام… ومناقشة في الجذور والأسباب (1)

بعد مضي عشرة أعوام على إحتلال العراق وتدميره، إمتشق بعض الساسة والكتّاب الأميركيين والغربيين أقلامهم لتبيين مقدار الدمار والقتل الذي حلّ بذلك البلد وليشيروا بشكل خجول الى مسؤولية الولايات المتحدة عن إرتكاب هذه الجرائم.

صحيح انه خلال أعوام العقوبات المريرة التي فُرضت على العراق خلال فترة ما بين الحربين (1991 و2003) وما بعد احتلاله، خرجت أصوات ناقدة ومناوئة للسياسات الأميركية، واندفع عشرات الآلاف من الأميركيين الى الشوارع متظاهرين ضدها، إلاّ ان هذه الأصوات لم ترقَ الى مستوى المعارضة السياسية الفعّالة ولم تتنامى الى حالة شعبية عريضة تضم المكونات الاجتماعية والسياسية للشعب الأميركي. ولعل الأهم، ان كثيرين من الأميركيين ما زالوا، حتى بعد انجلاء حقيقة تلك الحرب وأهدافها ونتائجها الكارثية، يعتقدون انها كانت سياسة صائبة، مما يطرح السؤال حول موقف وضمير الشارع الأميركي، وعن مسؤولية الشعب وصمته حيال حكومته وسياساتها وعن مسؤولية الكاتب والمثقف والاعلامي ورجل الدين ومنظمات المجتمع المدني الأميركية وغيرهم من أصحاب الكلمة والنفوذ ومن صانعي الوعي الشعبي والثقافة العامة؟

سأتناول في المحور الأول من هذه الورقة مشروعية هذه المساءلة واشكالياتها، ومن ثَمّ سأفرد ما تبقى منها في مناقشة جذور هذا السبات الأميركي والعوامل والأسباب التي ساهمت في ترسيخه وصولاً الى أهم الآليات والوسائل التي تستخدمها الطبقة الحاكمة لصياغة الرأي العام وبسط هيمنتها عليه.

 

I

اشكاليات المساءلة

 

تنطلق مشروعية المساءلة من دوافع النقد للسياسات الأميركية المعادية للشعوب وللإنسانية، وتهدف الى التحريض على التغيير والتأسيس لوعي نقدي حيال هذه السياسات وتأثيراتها الكارثية على حاضر البشرية ومستقبلها، وفي هذا فانني أنطلق من قناعة ان اي تغير ايجابي في المجتمع الامريكي ليس ممكناً بفعل العوامل الخارجية وحدها، على المدى المنظور على الأقل، وانه لا بد من استيقاظ الشعب الأميركي ووعيه لضرورة التغيير (العوامل الداخلية) حفاظا على الذات كشعب وكبشرية وكبيئة.

 

ليس صمت الشعب الأميركي على سياسات حكومته سراً ولا اكتشافاً جديداً. فهو أمر يدركه الأميركيون، وإن اعترفت به القلة منهم.

فهل نحن أمام ظاهرة تواطؤ وصمت مجتمع[1]، أو على الاقل قطاعات واسعة منه بما فيها منظمات المجتمع المدني، من حيث يدري أو لا يدري، على سياسات حكومته؟

كيف نفسر اللامبالاة التي تعمّ المجتمع الأميركي تجاه الحروب والسياسات والدمار الذي تقوم به حكومتهم ضد الشعوب الأخرى، من فيتنام الى العراق، ومن كوريا الى كوبا؟ وحيال “الحرب الداخلية” ضد الطبقات الشعبية من الفقراء والمعدمين، والهجمة المستمرة على المرأة والعمال وحقوقهم واجورهم ونضالاتهم، وحقوق المواطن في الرعاية الصحية والتعليم والعيش الكريم؟

لماذا تنام الأغلبية الأميركية على تاريخ أسود حافل بالقتل والتدمير والتآمر على شعوب الأرض؟

أين هو الضمير الأميركي؟ ولماذا لم يستيقظ بعد؟

تثير هذه الأسئلة مسألة البحث عن معاني الديمقراطية الأميركية (والغربية بشكل عام) وزيفها وتناقضها، إذ كيف تستوى الديمقراطية، مهما كانت مفاهيمها، مع صمت شعب على جرائم وحروب حكومته وانسياقه وراءها مهما بلغت أنانيته ومصالحه؟ كيف تكون “ديمقراطياً” في بلدك، و”محتلاً” في بلدٍ آخر، و”سارقاً” لثروات شعب ثالث؟

 

أ) لماذا مساءلة الولايات المتحدة؟

 

ليس صمت الشعوب على سياسات حكوماتها أو تواطؤها معها من أجل مصالح ومنافع معينة، ظاهرةً مستهجنة أو حديثة، والأمر ليس حصراً على حالة الإمبريالية الأميركية أو المجتمع الأميركي. ولكن ما ينبغي الالتفات اليه هو أن سياسات وحروب الإمبريالية الأميركية تجسد المشهد الراهن للبشرية والأكثر دموية وبشاعة في التاريخ الحديث. لذلك فاننا نخص الحالة الأميركية بهذه الدراسة لعدة أسباب أهمها:

1) أن الإمبريالية الأميركية أضحت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية القوة الإمبريالية العظمى، ليس لأنها خلفت الكولونياليات الأوروبية الكلاسيكية فحسب، بل لأن فظاعة حروبها وجرائمها وتكنولوجياتها العسكرية المدمرة غير مشهودة في التاريخ. إضافة الى أن مسلسل حروبها العدوانية ينذر بالمزيد من الحروب والدمار للشعوب والبيئة ومستقبل البشرية بالرغم من إدعاءات الولايات المتحدة ورئيسها أوباما بان “زمن الحروب قد ولّى”.

2) لم تعولم الولايات المتحدة الاستغلال والنهب فحسب، بل سعت الى عولمة القبول به وإستدخاله: قبول شعوب الأرض به وخنوعها للإملاءات الأميركية، مما يطرح أمامنا مهمة ملحة وهي ان هزيمة الإمبريالية الأميركية ليست مطلباً راديكالياَ او طوباوياً أو مؤجلاً بل هي ضرورة تاريخية ملحة تقع في قلب المعركة من أجل انقاذ البشرية من براثن النهب والجشع الرأسماليين.

إضافة الى هذين السببين، هناك خصوصيات للمجتمع الأميركي تشكّل مفارقات صارخة حيال صمته على سياسات حكومته إن كان حقاً يعارضها، وإن لم يكن فالبلية أعظم.

1) يسود عامة الشعب الأميركي اعتقاد بأن حكومته هي أفضل حكومة خُلقت للناس. ولهذا فان المواطن الامريكي العادي يصدَّق الرواية الرسمية دون تفكير او تمحيص.

2) يضاف الى هذا، أن السواد الأعظم من الأميركيين يدّعون بانهم يحظون بأعلى وأفضل مستوى معيشة في العالم بفضل حكومتهم وسياساتها وحكمتها، ولا تدرك سوى القلة منهم أن هذا الواقع لم يعد قائما، هذا إن كان صحيحاً في الماضي. إلا ان ما يهمنا هنا، أن هذا الادعاء يمر دون ان يسأل الأميركي، (إن صحت مقولتة)، من أين له هذا؟ وما هي مصادر رفاهيته؟

3) يرى الأميركي ان بلده رمز للديمقراطية والحريات وهو ما “يؤهله” لتبرير غزو شعوب الأرض وتدمير أوطانها كي “يعلمها” أصول الديمقراطية. وقد أضحت هذه الكذبة ذريعة وغطاءً اعلامياً وسياسياً وأخلاقياً لأكثر الحروب وحشية وبربرية في العصر الحديث. وكلما توسعت الولايات المتحدة في حروبها الوحشية، كلما ازداد الخطاب الأميركي تبجحاً بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

4) إلا ان الأمر الذي قد لا يراه الكثير من الأميركيين هو انه بالتوازي مع حروب الخارج، فان حكومتهم تزداد قمعاً وافقاراً لشعبها في الداخل.

5) يقرّ الأميركي بانه يملك آلة اعلامية فتّاكة وأكثر تكنولوجيات الإتصالات تقدماً، وهو يدرك أيضاً ان هذه تمنح اعلامه القدرة الفائقة على صناعة الخبر وفبركته وعولمته بما يخدم السياسات والمصالح الأميركية. ولا يبدو أن في هذا ما يهزّ ضميره، بل طالما كان هذا مدعاة للتفاخر والاعتزاز.

6) هناك في المجتمع الأميركي غياب ملحوظ لتقاليد العمل السياسي وضعف التنظيم والعمل الحزبي، ويتجلى هذا في:

 

أ) الازدراء بالعمل الحزبي والسياسي خارج إطار الحزبين الحاكمين، الديمقراطي والجمهوري، والتقليل من دوره وأهمية نضاله وفعاليته.

ب) ضعف المعارضة السياسية.

ج) عدم إنخراط الأميركي في الحياة السياسية والانغلاق على ذاته والتمركز حول مصالحه ولذّاته، وهي ظاهرة نجدها حتى في الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمّشة. لأن وعي المواطن الأميركي العادي يتمحور حول تقديس الفردية والملكية الخاصة والمصلحة الذاتية تمشيا مع الثقافة السياسية السائدة في مجتمعهم.

7) فوق هذا كله، وبما لا يقلّ اهمية، فان المجتمع الأميركي يتميز بالعديد من العوامل الضاغطة في الحياة اليومية للأميركي وتحصيل لقمة عيشه، وهذه العوامل تساهم في فرش الأرضية الاجتماعية والثقافية للموقف الشعبي وتعمل على نحو منظم وفعّال على ترويض الأغلبية الساحقة من الشعب الأميركي وضبط علاقتهم بالنظام الحاكم من جهة، وعلاقاتهم بين بعضهم البعض، من جهة أخرى. وسوف نعود الى هذه المناقشة لاحقاً.

ب) مساءلة الشعب أم مساءلة النظام؟

هل يتحمل الشعب مسؤولية سياسات حكومته وحروبها وجرائمها؟ وهل يُعتبر صمته تواطئاً مع هذه السياسات؟ ولعل الأدق أن نسأل: إذا كانت شعوب الغرب الراسمالي تنعم بالحرية والديمقراطية وإزدهار المجتمع المدني كما يدّعون، فلماذا تصمت (على ما في هذا من تعميم) على حكوماتها وعدوانها المتكرر على شعوب العالم؟

قد يكون طرح المسألة دون مواربة مجازفة تنزلق الى تعميمات مجحفة: فهل يجوز إلقاء المجتمع بكل طبقاته وفئاته، ومصالحه وتناقضاته، وتنوعاته الاثنية والثقافية، في “سلة واحدة” وتحت تصنيف واحد؟

بالطبع لا. وليس القصد من هذا البحث إلصاق النعوت والاوصاف بكل أميركي، بل هي محاولة لتشخيص الحالة العامة والثقافة السائدة في المجتمع الأميركي، لأن فهم صمت شعب ما على سياسات حكومته لا يتسنى خارج سياق التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع. كما أن تفادي التعميمات على الجماهير والشعوب والامم، لا يعفينا من مسؤولية تحليل ونقد هذه الظواهر والوقوف على أسبابها وجذورها خصوصاً في الانظمة الرأسمالية والإمبريالية والاستبدادية والرجعية، لأن هذه الأنظمة، خلافاً لحقيقتها، هي الأكثر تبجحاً بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وادعاء التمسك بالقيم الأخلاقية والدين والايمان بالله.

 

* * *

 

لا يقتصر السؤال على مسؤولية الشعب والمجتمع حيال سياسات الحكومة، بل يقتضي أيضاً محاكمة النظام الحاكم (طبيعته وبناه وآلياته) والتشكيلة الاجتماعية ومجمل الظروف الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، التي تهيّئ البيئة لصياغة الموقف والوعي الشعبي.

في مجتمعات الغرب الرأسمالي التي تدّعي الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة وتطور منظمات المجتمع المدني وحرية الفرد وارادته وفعله، هل يجوز اعفاء الشعب ومكونات المجتمع من مسؤوليتهم؟ هل يجوز الفصل بين مسؤولية الشعب ومسؤولية حكومته وممثليه المُنتخبين؟

ألم يقولوا لنا ان الشعب، في ظل الديمقراطية الغربية وإنتخاباتها العتيدة، يَنْتخب ممثليه ويقرر مصيره بيده؟ وأن العملية السياسية هناك تتم بمنتهى النزاهة والشفافية؟ فلماذا إذن لا يجوز لنا ان نضع الشعب أمام مسؤولياته ومساءلته: هل تَرَى في سياسات حكومتك ما يعبر عن مبادئك ومصالحك ومطالبك؟ وإذا حنث ممثلوك المُنتَخبون بوعودهم وبرامجهم التي أطلقوها خلال حملاتهم الإنتخابية، فماذا فعلتَ لمحاسبتهم؟

أسئلة قد تنطوي على الكثير من البراءة وربما المثالية، وربما يأتي الرد عليها بانه ليس هكذا تكون السياسة لا في الولايات المتحدة ولا في غيرها من البلدان، فلعبة السياسة وخفاياها أكثر تعقيداً. نعم أدري هذا، وأدري ايضاً أن السياسة مصالح لا مكان فيها للأخلاق او القيّم أو المبادئ، ولذلك فهي تصبح، والرأسمالية والإمبريالية منها على وجه الخصوص، عدواناً وفساداً وهمجية. ولكن إذا كان الأميركيون يدّعون تمسكهم بالمعايير الأخلاقية ويفاخرون بها على شعوب الأرض بينما تنطق افعالهم بالنقيض وتشن حكومتهم حروبها العدوانية منذ عقود باسم الديمقراطية والمعايير الأخلاقية، فلماذا لا تُطبق هذه المعايير ذاتها عليهم وعلى سياساتهم؟ وإذا كانت الأمور حقا ” أكثر تعقيداً ” كما يقولون، فليكفوا عن إدعاءاتهم في الأخلاق والقيم النبيلة، وليتوقفوا عن زعيق الحرية والديمقراطية. ألم يحن الوقت لنقول لهم: كَفَى… لقد سئمنا أكاذيبكم!

 

ج) خطاب رأس المال والثقافة السائدة

 

هل يمكن الفصل بين النظام الحاكم وخطابه (الخطاب الرأسمالي ـ الإمبريالي) من جهة، والثقافة الشعبية السائدة، ثقافة الشارع، من جهة أخرى؟

منعاً للإلتباس، ولأن مفردة “الخطاب” قد تغري الكثيرين بالتأويل، فان ما نقصده بهذا الخطاب في سياق حديثنا هنا، هي مكونات الخطاب الرأسمالي ـ الإمبريالي التي تتناول العلاقة بالشعب الأميركي وشعوب العالم. وهنا يجد المرء تبايناً شاسعاً بين هذا الخطاب من جهة، وبعض مقولات ومُسَلمات الشارع الأميركي وسواد العامة في الولايات المتحدة، من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، نجد ان بعض مكونات هذا الخطاب هي في الأصل كاذبة ومنافقة ومزدوجة: فهي تتقنع بادعاءات نشر قيم الديمقراطية والحرية والدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين الأبرياء، ولكنها تُوظف هذه الادعاءات كتبريرات وذرائع لحروب النهب والقتل والدمار. وفي هذا كله لا يتورع خطاب النظام الرأسمالي عن توظيف مكونات الهوية الأميركية (من عِرق ودين وثقافة) وآليات التلقين الأيديولوجي في صياغة الرأي العام من أجل تبرير جرائمه وادّعاء قيم المحبة وخدمة الإنسانية.

هذا من حيث الخطاب. ولكن ماذا عن الصمت الشعبي؟

ألا يعني هذا قبول الخطاب واستدخاله في “وعي” الشعب وثقافته؟

وماذا عن أغلبية الشعب التي احتضنت، سواء أدركت ذلك أو لم تدركه، تبريرات الحكومة للحروب؟

ألا يشي هذا بقبول الواقع وبرغبة في تبرير العدوان المستمر على الشعوب الأخرى تحت شتى المُسَميات والإدعاءات والمبررات؟

ألا ينّمُ هذا عن وعي مرتشٍ وعقل متواطئ يسعى دوماً لتلمس العذر من أجل الحفاظ على مصالحه؟

وأخيراً، هل يتسنى هذا دون حاضنة اجتماعية وطبقية وثقافية ومنظومة قيم عدوانية وعُنصرية لا تقيم، من حيث الجوهر، وزناً للآخر، وهنا أقصد تحديداً الآخر غير الأوروبي وغير الأبيض وغير المسيحي؟

 

د) مساءلة الشعب والبعد الطبقي

 

إذا كان بمقدرونا مساءلة الشعب، فهل بوسعنا ان نحاسب طبقة منه أو فئة؟ ولا أقصد هنا مساءلة الطبقة الحاكمة، فهي مسؤولة دون مساءلة. (جدير بالذكر هنا أن هذه الطبقة قلما تخفي مصالحها وأجندتها، ويبدو انها كانت قادرة عبر محطات تاريخها، على تبرير جرائمها وضمان صمت شعبها وقبوله والانطلاق نحو حرب جديدة وعدوان جديد).

ولكن كيف نفسر، مثلاً، دور ومشاركة الطبقة العاملة الأميركية وأكثر الطبقات والشرائح الإجتماعية فقراً في الحروب الإمبريالية الأميركية ضد فقراء الشعوب الأخرى؟

وبالمعيار ذاته لنا ان نتساءل: هل إنتفع (وينتفع) عمال وفقراء أميركا من هذه الحروب ونهبها لثروات الشعوب الأخرى وعمالها وفقرائها؟

السؤال معقد بالطبع وإن كان هذا لا يحول دون طرحه. أما الجواب فلا يكمن في مصلحة أو موقف فردٍ ما، بل هو أعمق وأبعد من مجرد المصالح الفردية الآنية. ومن هنا فان الاجابة تستدعي معالجة المسألة من منظور المصالح الطبقية تحديداً وهو ما يتطلب معالجة منفصلة مع أن القارئ سيتلمس بعض الاجابة لاحقاً في هذا البحث.

 

ه) ماذا عن المعارضة؟

 

لا تتوخى مساءلة الشعب التنكر لمواقف وجهود حركات المعارضة لسياسات الولايات المتحدة والغرب الراسمالي ومناهضة حروبه، ولا التعامي عن صفحات النضال المشرفة للعديد من القوى التقدمية واليسارية والاشتراكية والمعادية للراسمالية والامبريالية في تلك البلدان. إلا انه بالرغم من هذه النضالات، فان الحقيقة تبقى جليةً وهي أن أغلبية المواطنين ظلت صامتة حيال سياسات وحروب حكوماتها، وما زال الناخبون في تلك المجتمعات ينتخبون رؤسائهم وممثليهم ذاتهم عبر ما يسمونه ب”العملية السياسية” وديمقراطيتها المزعومة. فخلال العقدين الأخيرين من الحروب الأميركية إنتخب الأميركيون مرتين كلاً من بيل كلينتون وجورج بوش (الابن) وباراك أوباما. أي أنهم إنتخبوا القيادات نفسها لتستنسخ السياسات والإستراتيجيات ذاتها بغض النظر عن تغيّر الحزب الحاكم، وتنوع الوعود الخادعة في الحملات الانتخابية، وبغض النظر عن تغيّر لون البشرة.

وعليه، تظل حركات المعارضة هذه، في ميزان التاريخ، ضعيفة التأثير في صناعة القرار وتحديد مجرى الأحداث.

 

  

المصدر: مجلة كنعان الفصلية، العدد 153، صيف 2013 

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين1/أكتوير 2013 10:47