الضفة الغربية: كي الوعي لا ينجح
محمود مرداوي محمود مرداوي

الضفة الغربية: كي الوعي لا ينجح

الضفة الغربية تكاد تتنفس بعد أن تعرضت لأعتى وأعمق عملية عسكرية ينفذها الجيش الصهيوني منذ نشأته في الضفة الغربية أطلق عليها اسم “السور الواقي”، ثم واجهت الضفة سياسة صناعة الفلسطيني الجديد بما يتوافق مع رواية الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه فياض بتنسيق وإشراف دايتون بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وُجهت لضرب المؤسسات والمساجد والقيم الوطنية، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية وفقها وعلى أساسها، حيث استمرت عملية تحطيم منظومة القيم من خلال منظومة كاملة من الإجراءات، وسلم جديد للأولويات والأخلاقيات تسلل إلى اللبنة الأولى في المجتمع البيت ماراً بالعائلة والحمولة والقرية والبلدة والمدرسة والمسجد وأماكن الترفيه وسبل العيش والوظيفة من خلال سيف الراتب والتصريح والإغراق بالديون والكمبيالات والقروض في خطة مدروسة ضربت حقل الزراعة والتعليم؛ حيث أصبح العامل العادي يتقاضى في الشهر الواحد أكثر من المزارع والمعلم في العام الكامل، فارتبط الفلسطينيون بقصد بالسلطة من خلال الراتب والقروض، وبالاحتلال من خلال التصريح .

إن مشروع صناعة الفلسطيني الجديد استغرق سنوات واستمر دون توقف وفق رؤية وجدول زمني ومخطط تفصيلي.

الإعلام العبري سلط الضوء مراراً وتكراراً على ماكنة الإنتاج لإعادة بناء المجتمع الفلسطيني بما يتوافق مع رؤية القيادة السياسية الفلسطينية وبما يتفق مع رؤية الحلفاء في الإقليم بتعاون كامل وتدخل مباشر من عدد كبير من أجهزة المخابرات.

هذه الوسائل الناعمة رافقتها أدوات ووسائل خشنة، حيث استمر الاعتقال من كلا الطرفين بأعداد كبيرة، وهدم البيوت، وإغلاق المؤسسات والنقابات، والإبعاد المؤقت بالعشرات إلى أماكن أخرى، فكان سن السكاكين وصوت نصالها وهي تُغرَز في جسد أبناء الضفة الغربية يملأ الفضاء ويُسمَع في كل مكان، لكن الضفة التي عرفت فلسطين بعيون أهلها وليس بعيون الآخرين وأهدافهم ووسائلهم الخبيثة، فاستمرت في لعق الجرح وتحمل الألم في مواجهة عملية التفتيت والتحطيم لكل قطعة بشرية وجغرافية من خلال مشروعين يتوازيان؛ مشروع الاستيطان على الأرض ومشروع صناعة الفلسطيني الجديد وإنهاء كل مكامن وطاقات الثورة والرفض في الإنسان الفلسطيني، وزرع كل نواحي الضفة بالمستوطنات.

من تلك اللحظة والاحتلال يفتح صندوق عدة قمعه وإجرامه ويستخدم كل أدواته من قتل تجاوز عدة آلاف سنوياً وهدم للمنازل وتضييق وقتل وطرد وتغليف، إلا أن هذا الشعب العظيم قاوم كل هذه الإجراءات وواجه كل هذه التحديات، ولم يُجبَر على موقف يُعر الشعب الفلسطيني ويضايق المقاومة، فلم يخرج ثلاثة في الضفة طالبوا المقاومة بموقف يثلم حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وينتقص من حقوقه الوطنية الثابتة، بينما الدم شلال، والسجون تمتلئ بخيرة شباب ومناضلي ومجاهدي الضفة، ولم تجد الضفة في حينه من يبلسم آلام المنكوبين، ويطبطب على ظهور عوائل الشهداء والمعتقلين بعد التصريحات المتتالية في تجريم العمليات وذم سلوك المقاومين.

كل هذه المواقف والتصريحات أضفت حسرة لم تؤثر على وجهة وموقف الفلسطينيين؛ حيث لا يزال الاحتلال يومياً يداهم من عشرة إلى خمسة عشر تجمعا سكنيا ما بين قرية أو مخيم أو مدينة، يداهم خلالها عشرات المنازل ويعتقل ما لا يقل عن 15 فلسطينياً، هذه الانتهاكات تواجَه بالرجم بالحجارة والمولوتوف ولا تمر سهلة واستمر الفلسطينيون في استنزاف الاحتلال، ويؤكدون رفضه ويتصدون لممارساته.

على الرغم من هذه الإجراءات تمكنت المقاومة الفلسطينية الباسلة في الضفة من قتل 11 صهيونياً هذا العام وجرح ما يزيد عن 80 على الرغم من أن الاحتلال منع تنفيذ 580 عملية فدائية.

إن الشعب الفلسطيني ما زال يقف على قدميه متوثباً في كل مواقع المواجهة والاحتكاك، يتصدى ولا يتردد كلما سُمح له بذلك.

إن المقاومة الفلسطينية نفذت عشرات عمليات إطلاق النار في كل أنحاء الضفة الغربية، وعشرات عمليات إلقاء العبوات والأكواع وعمليات الدهس والطعن، وتميزت في الآونة الأخيرة عمليات المقاومة بدقة التنفيذ وسرعة الانسحاب والاختفاء عن رادار العدو، حيث حولت شارع 60 الذي يقطع الضفة من شمالها إلى جنوبها إلى شارع الرعب والخوف والموت المنتظَر.

إن البركان الذي يغلي تحت الأرض في الضفة الغربية هو انعكاس لفهم ووعي المقاومين في الضفة، ويعبر عن تطلعاتهم ورؤيتهم الحاسمة بأن ما أُخذ بالقوة لا يُستعاد إلا بالقوة، وأن هذه العين الزرقاء الحاسدة لا يفقؤها إلا الرصاص ولا يردعها إلا الصواريخ، وأن هذا العدو المؤلل الذي يملك ما يملك لا يواجَه إلا بمقاتلين أشداء أذكياء مثل البطل أشرف نعالوة، هذا النموذج والقدوة لمن سبقه “أحمد جرار…”ومن سيتبعه من جنود مجهولين سيخرجون من تحت الأرض وطير أبابيل من السماء سيخوضون المعركة التي تتطور وتتسع بشكل تدريجي رغماً عن أنف المحتل، وفي ظل إجراءاته وقمعه المستمر.