نظرة عن قرب إلى الهند 4 | التمييز الاجتماعي
سوخديو ثورات سوخديو ثورات

نظرة عن قرب إلى الهند 4 | التمييز الاجتماعي

نلقي من خلال تعريب هذه السلسلة الضوء بشكل مباشر ومفصل وتجريبي على الوظائف وسوق العمل الهندي، ثاني أكبر اقتصاد نامٍ في العالم، وبالتالي على تأثيره في الحياة السياسية-الاجتماعية وعلى البنية المتحولة للمجتمع والدولة الهندية التي تتقولب في الوقت الحالي تحت ضغط الظروف الدولية المتغيرة. خاصة وأنّ مسألة كالعمل وسوقه سوف يحوز القسط الأكبر من التركيز في الانتخابات العامة الهندية التي ستجري عام 2019.

تعريب وإعداد: عروة درويش

رغم أننا لا نملك إحصاءات دقيقة من «مكتب مسح العينات الوطني NSSO» بعد 2011-2012، لكنّ الدلائل المتناقلة تشير إلى أنّ تحديات الوظائف في الهند قد تفاقمت خلال هذه الفترة. فالوتيرة البطيئة لخلق الوظائف تنعكس معاناتها الأسوأ على معاناة القوى-العاملة في الاقتصاد. لكنّ هذه المعاناة ليست هي ذاتها بالنسبة لجميع العمّال. فالطبقات الأدنى «SCs» الموجودة في قاع السلم الاجتماعي في الهند هم من بين أكثر المتضررين سوءاً. ويزيد التمييز الاجتماعي والواقع الاقتصادي-الاجتماعي القائم من المساوئ التي تواجهها الطبقات الأدنى في سوق العمالة.

لا تملك الطبقات الأدنى أيّ أرض في الهند – وهي الأصول المنتجة الأكثر أهمية، وهذا يجعلهم أكثر اعتماداً على العمالة المأجورة. تثبت الإحصاءات هذه النقطة بشكل قطعي.

وفقاً لإحصاءات مكتب مسح العينات الوطني لعام 2011-2012 فإنّ الطبقات الأدنى تشكّل 63% من العمالة المأجورة. إنّ هذا أعلى بكثير جداً من القيم الخاصة بالمجموعات الاجتماعية الأخرى. فقد كانت الأرقام 44% لبقيّة الطبقات المتدنية «OBC» و42% للطبقات الأعلى و46% للبقية. حتّى بين العاملين بأجر فإنّ الطبقات الأدنى تملك الحصّة الأكبر من العاملين غير الثابتين الذين يميّز أعمالهم كونهم دون أمن وذوو أجور متدنية. إنّ نسبة الطبقات الأدنى من الأعمال غير الثابتة هو 47% مقارنة بالثلث للطبقة المتدنية الأعلى وللبقية. في الواقع إنّ 32% من مجمل العمالة في الهند هم من الطبقات الأدنى، وهو ما يشكل ضعف نسبة 16% التي تشكّل حصتهم من السكان.

وتمتدّ المساوئ التي تواجهها الطبقات الأدنى إلى أبعد من اعتمادهم غير المتكافئ على العمل المأجور، فالطبقات الأدنى تواجه تمييزاً طبقياً عند الاستخدام وهم يعانون من نسب بطالة أعلى من بقية السكان. وفقاً لإحصاءات مكتب مسح العينات الوطني فإنّ معدّل البطالة بين الطبقات الأدنى هو أعلى بنسبة 1.7% من المتوسط العام في الهند. لقد عانت الطبقات الأدنى من نسب البطالة الأعلى منذ التسعينيات.

الجدول رقم 1:

يمكن رؤية البطالة العالية بين الطبقات الأدنى بين العمّال الشباب والعمّال الذين يملكون ذات المستوى التعليمي من غير طبقة. تؤكد هذه الحقيقة على وجود مشكلة منهجية.

الجدول رقم 2:

لماذا نسب البطالة عند الطبقات الأدنى مرتفعة بالمقارنة مع الطبقات المتدنية الأخرى أو الطبقات الأعلى؟ تشير الأبحاث الاقتصادية إلى حقيقة أنّه يتم التمييز ضدّ العمّال من الطبقات الأدنى عند التوظيف في القطاع الخاص. جادل الدكتور بيم أمبدكار عند إلغاء الطبقات في عام 1936 بأنّ القيود المفروضة على الطبقات الأدنى لتحتلّ وظيفة مخصصة للطبقات الأعلى سوف يقلل فرصها في التوظيف. تعاني الطبقات الأدنى من إنكار حقها في الوصول إلى وظائف الطبقات الأعلى من بطالة غير طوعية تبعاً للقيود على توظيفها. أمّا الطبقات العليا من ناحية أخرى فستمتنع عن العمل في وظائف غير مخصصة لها، وستواجه البطالة بشكل طوعي. ومع ذلك فمن المرجح أن يكون حجم البطالة غير الطوعية للطبقة الأدنى أكثر بكثير من البطالة الطوعية للطبقات الأعلى. ترينا البيانات بخصوص التوظيف هذه السمات في سوق العمالة الهندي.

تظهر مسوح مكتب مسح العينات الوطني 2011-2012 بأنّ الطبقات الأدنى يتم توظيفهم لأيام عمل أقل بالمقارنة مع الطبقات الأعلى. نشرت ورقة بحثية مشتركة هذا العام في مجلة دراسات الاندماج الاجتماعي تقوم بتحليل الفروقات في معدلات التوظيف بين الطبقات الأدنى والطبقات الأعلى، وقد عزت هذه الفروقات إلى مَلكات رأس المال البشري (مثل التعليم والمهارة) وعزّت وجود هذه الفروقات إلى التمييز في سوق العمالة. ففي حين أنّ معدل الفرق في المَلكات يصل على حوالي ثلث معدل التوظيف، فإنّ ثلثيه هو بسبب التمييز ضدّ الطبقات الأدنى في عملية التوظيف.

يعطينا مسح أولي أجرته مؤسسة الدراسات الطبقية الهندية بعض الأفكار حول طبيعة التمييز الطبقي في التوظيف. شمل المسح 1992 أسرة موزعة في ثمانين قرية على طول ولايات ماهاراشترا وتاميل نادو وهاريانا وأتار برادش عام 2013. أشارت الدراسة على 441 عامل زراعي إلى أنّ 41% قد حرموا من العمل من قبل الطبقات الأعلى تبعاً للأحكام الطبقية المسبقة. ومن بين هؤلاء العمال حرم 76% من العمل في حصاد الحبوب و20% في جمع الخضار و12% في تجفيف الحبوب وتبريدها و11% في العمل المنزلي، بسبب الأحكام المسبقة المستندة إلى الطبقة.

وقد أعلن 71% من العمّال المأجورين من الطبقات الأدنى بأنّهم خسروا وسطياً 43 يوم عمل بسبب التمييز ضدهم في التوظيف. ويواجه العمّال غير الزراعيون من الطبقات الأدنى تمييزاً مماثلاً. فمن بين 398 عامل غير زراعي أعلن 52% حرمانهم من العمل بسبب خلفيتهم الطبقية. وقد تركزت معظم القيود الطبقية على العمل في المجال المنزلي مثل الطهي في منازل الطبقات العليا أو تقديم الطعام في المطاعم أو العمل في بناء المعابد وتنظيم الاحتفالات الدينية والثقافية. كان متوسط الخسارة السنوية للعمالة من حيث عدد الأيام في سنة المسح حوالي 28.

كما أنّ العمّال المأجورين المعتادين من الطبقات الأدنى في القطّاع الخاص الريفي يواجهون تمييزاً لدى التوظيف. فمن بين 314 عامل مأجور معتاد هناك حوالي 18% من الطبقات الأدنى أعلنوا عن حدوث تمييز في عملية الاختيار. وقرابة 22% من أرباب العمل من الطبقات العليا أعلنوا بأنّهم يفضلون أشخاصاً من طبقتهم الاجتماعية عند التوظيف، وقال قرابة 23% بأنّ الأشخاص من الطبقات العليا يتم اختيارهم ولو أنّ مؤهلاتهم أقل. وتلحظ الدراسات في سوق العمالة المدني كذلك التمييز في التوظيف.

وقد لحظت دراسة أجراها ثورات وأتويل في 2010 بأنّه من بين المتقدمين من الطبقات الأدنى ومن الطبقات الأعلى الذين يملكون ذات المؤهلات (حوالي 4800 من كلّ طبقة)، فإنّ المتقدمين من الطبقات الأدنى يملكون فرصاً أقل بنسبة 67% من أترابهم من الطبقات العليا في أن يتمّ استدعائهم لإجراء مقابلة. والأكثر إزعاجاً هو أنّ نسبة مئوية مرتفعة من غير المؤهلين المنتمين للطبقات العليا (غير الخريجين) يتلقون دعوات لإجراء مقابلات مقارنة مع المؤهلين أكثر المنتمين للطبقات الدنيا (الخريجين وأكثر). هناك دراسات أخرى مثل التي أجراها الاقتصادي آشواتي ديسفانده قد لحظت التمييز الذي يواجهه المنتمون للطبقات الأدنى في التوظيف في المناطق المدنية.

ينجم عن التمييز ضدّ الطبقات الأدنى في التوظيف بطالة مرتفعة ومداخيل منخفضة وفقر كبير. مثال: في 2011-2012 كان ثلث المنتمين إلى الطبقات الأدنى فقراء بالمقارنة مع 20% من الطبقات المتدنية الأخرى و9% من الطبقات العليا.

إنّ التمييز في التوظيف لا ينتج الفقر فقط بين المنتمين إلى الطبقات الأدنى، بل أيضاً يكبح النمو الاقتصادي في كامل الاقتصاد الخاص. تخبرنا النظرية الاقتصادية النموذجية بأنّنا نحتاج كي نحصل على نمو أمثل إلى حشد ممتاز للعمالة ورأس المال البشري. يؤدي التمييز على أساس الطبقة إلى سوق عمل مختل ومنفصم. يقلل هذا من الإنتاجية الإجمالية. يتطلب هذا سياسات إيجابية تدخلية تضمن عدم تعرض الطبقات الأدنى للتمييز عند التوظيف. كما أنّ السياسات الإيجابية مطلوبة لإزالة القيود على العمالة ورأس المال البشري من أجل تعزيز النمو الاقتصادي الأمثل.