«العولمات الثلاث»6| التجارة الشبحية «أ»
توماس بالي توماس بالي

«العولمات الثلاث»6| التجارة الشبحية «أ»

  • اقتصاد البارجة: صياغة نظرية للعولمة الثالثة النيوليبرالية «ب»

قد تكون الآثار الديناميكية لاقتصادات البارجة أسوأ ممّا ذكرنا من قبل حتّى. التصنيع هو القطّاع المحدد الذي يتم نقله للخارج. إن كان التصنيع هو مصدر ديناميكية وفورات الإنتاج (مثال نمو إنتاجية أعلى)، فعندها قد يخسر بلد الشركة الأم أكثر حتّى. فإن كان التصنيع هو الدافع الرئيسي للاستثمار فإنّ قطّاع تصنيع أصغر سينتج تراكماً رأسمالياً أقل ونمواً أقل. ولسخرية الأمر فإنّ اقتصادات البارجة قد تعكس التباين في العولمة الأولى التي تتخصص فيها الاقتصادات الناشئة بالقطّاع الزراعي الأقل ديناميكية بدلاً من تخصصها بالتصنيع.

تعريب وإعداد: عروة درويش

ومن الدلائل على آثار اقتصاد البارجة هذه هي ملكية الواردات والصادرات الصينية في عام 2005. إنّ الشركات الفرعية المملوكة أجنبياً قدمت 50.4% من الصادرات الصينية، والمؤسسات ذات الملكية المشتركة قدمت 26.3%. يعني هذا بأنّ رأس المال الأجنبي كان مشتركاً بتقديم 76.6% من مجمل الصادرات الصينية، يوضّح هذا بالشكل رقم 12.

الشكل رقم 12:

والدليل الآخر يأتي من إغلاق المصانع في الولايات المتحدة، وهو الذي شكّل جانباً آخر للاستثمار في منشآت الإنتاج خارج الولايات المتحدة. يبيّن لنا الشكل رقم 13 عدد المنشآت الصناعية في الولايات المتحدة ووسطي التوظيف في هذه المنشآت في الفترة ما بين 1977 و2012. كان عدد المنشآت يتجه للأعلى حتّى عام 1996، أي بعد عامين من تطبيق اتفاقية التجارة الحرة في أمريكا الشمالية. ثمّ بدأ بعدها عدد المنشآت بالانخفاض رغم أنّ واقع أنّ الاقتصاد كان يزدهر. تمّ افتتاح «علاقات التجارة الطبيعية الدائمة» مع الصين في عام 2000، وانضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، ثمّ انخفض عدد المؤسسات خلال توسيع دورة الأعمال في الفترة ما بين 2001 و2007. انخفض متوسط حجم العمالة في المؤسسات خلال ذات الفترة التي تمّ فيها تحسين إنتاجية العمالة بشكل مطّرد. يتّسق الانعكاس العام في الاتجاه وانهيار أعداد المنشآت مع فرضية العولمة الثالثة.

الشكل رقم 13:

 

وأخيراً، تفسّر اقتصادات البارجة «لغز» تدفق رأس المال نحو الشمال. التفسير بسيط: إنّ العجز التجاري الأمريكي هو توأم الفوائض التجارية في الصين وشرقي آسيا. تخلق اقتصادات البارجة هذا النمط من العجز والفائض عبر إعادة موقعة إنتاج الشركات في الأسواق الناشئة، وعليه فإنّ لدى هذه البلدان الآن منصات الإنتاج التصديري الذي يورد إلى البلدان الأم للشركات متعددة الجنسيات.

 

  • اقتصاد البارجة: التجارة الشبحية والسياسات المطبقة:

يدور كامل اقتصاد البارجة حول آثار زيادة قدرة الشركات على تحويل الإنتاج بين البلدان بسهولة وبتكاليف أقل. وهدف هذا التحويل هو إعادة توزيع الدخل. ويمكن للآثار المصاحبة لذلك أن تتضمن عدم الفاعلية في الإنتاج، وعوامل خارجية سلبية، وتقلص الطلب العالمي.

ومن السمات الهامّة لاقتصاد البارجة أيضاً ما يمكن تسميته بالتجارة «الشبحية». وهي التجارة التي تحدث بشكل ضمني لكنّها لا تحدث في واقع الأمر. ففي نظرية التجارة التقليدية تتمحور التجارة حول جني منافع الفاعلية من إعادة تنظيم الإنتاج العالمي، والتجارة الحقيقية ضرورية لجني هذه المنافع. أمّا في اقتصاد البارجة فليست التجارة الحقيقية ضرورية لتلبية أهداف الشركات. كلّ ما هو مطلوب أن يكون هناك «تهديد» بالتجارة حيث يمكن للشركات أن تستخدمها لفرض إعادة توزيع الدخل. إنّ آثار هذا التهديد بالتجارة هو ما يمكن تسميته «التجارة الشبحية» وذلك لمنح الانطباع بأنّ التجارة حاضرة حتّى لو لم تكن تحدث في واقع الأمر.

إنّ «لتجارة البارجة الشبحية» آثار مختلفة بشكل بسيط عن «تجارة البارجة» الحقيقية لأنّ الإنتاج لا يتحرك. فهو يعيد توزيع الدخل لكنّه لا يسبب عدم فاعلية في الإنتاج أو عوامل خارجية سلبية. يسقط الطلب العالمي إن تجاوز الميل إلى التوفير في الأرباح الميل إلى إنقاذ الأجور، وهو الافتراض النموذجي في «الاقتصاد الكلي الكاليكي = دورة الأعمال الرأسمالية غير مستقرة بسبب عدم استقرار الاستثمار بسبب التقلبات في الأرباح الرأسمالية الاحتكارية».

كما أنّ لاقتصاد البارجة آثار اقتصادية سياسية، ومتعلقة بالسياسات ذات أهمية كبرى. فكما رأينا فيما سبق فإنّه لمن الحتمي أن ينتج اقتصاد البارجة عجزاً تجارياً. ينبع هذا من منطق إعادة تنظيم الإنتاج الهادف إلى تأمين إعادة توزيع الدخل، بدلاً من إعادة تنظيم متوازن للإنتاج العالمي كما هو الحال في نظرية التجارة التقليدية. ينتقل الإنتاج إلى البلدان النامية بحيث يزيد الصادرات، لكن ليس هناك ترتيب إنتاج تعويضي يضمن زيادة عادلة لصافي صادرات الدول المتقدمة.

وطالما أنّ الاقتصاديين يعيشون حالة إنكار لهذا الأمر فلن نرى إلّا تبريرات مهلهلة للعجز التجاري المستمر تلقي باللائمة إمّا على العجز المفرط في الموازنة أو في عدم كفاية المدخرات الخاصة. ويتم التذرّع بمثل هذه التفسيرات لتبرير سياسات التقشف التي تهدف إلى الحد من العجز في الموازنة، أو لتبرير السياسات الرامية إلى زيادة الإدخار الذي يزيد بدوره اللامساواة في الدخل.

ولهذا فإنّ الفهم الخاطئ لآثار اقتصاد البارجة المتعلق بالعجز التجاري يمكنه أن يرتب آثاراً مدمرة على السياسات عموماً وعلى الاقتصاد، وهو بدوره ما يؤثر على توزيع الدخل.