«العولمات الثلاث»2| النمط الثالث
توماس بالي توماس بالي

«العولمات الثلاث»2| النمط الثالث

تقدم لنا فرضية العولمات الثلاث نمط عولمة ثالث يبدأ في التسعينيات ويستمر حتّى الوقت الحالي. إن تحديد فترة العولمة الأولى لم تتغير (1870-1914) ويشار إليها باسم «العولمة الفيكتورية». العولمة الثانية قد اختصرت إلى ما بين الفترة من 1945 إلى 1990 ويشار إليها باسم «عولمة الحقبة الكينزية». تبدأ العولمة الثالثة من عام 1990 ويشار إليها باسم «العولمة النيوليبرالية».

تعريب وإعداد: عروة درويش

لجميع فترات التاريخ المتميزة عنصرٌ عشوائي حتمي فيما يخصها، لكن لا يزال من الممكن أن تكون مفيدة بشكل حيوي كتصنيف يسهل علينا رؤية الأنماط الأكبر. تكمّل فرضية الثلاث عولمات تحدي أزمان فرضية العولمتين عبر إضافة فترة تبدأ منذ عام 1990. على المستوى الرمزي يضع عام 1990 علامة على إعادة اتحاد ألمانيا ما بعد الحرب والدخول الكامل لاقتصادات الكتلة السوفييتية السابقة في الاقتصاد العالمي. علاوة على ذلك فإنّ المفاوضات بحلول عام 1990 كانت تسير بشكل حسن على طريق الاتفاقات التجارية والاستثمارية الجديدة (مثال نافتا عام 1994 وإنشاء منظمة التجارة العالمية 1995 والتي تعرّف في الوقت الحالي بنية الاقتصاد العالمي). عكست هذه المفاوضات التطورات الاقتصادية التي كانت تجري، وقد قامت الاتفاقيات التي نجمت عن هذه المفاوضات بتسريع وتعميق هذه التطورات ولم تقم بخلقها.

تشكّل العولمات الثالث عملية تراكمية حيث يتم إضافة التطورات الجديدة في الأعلى عوضاً عن التطورات السابقة، ولهذا تبقى الأنماط القديمة للتجارة ويتم إكمالها بأنماطٍ جديدة. أحد التأثيرات لهذا الأمر هو عدم وجود تفسير واحد للتجارة، وأنماط تجارة مختلفة تتواجد مع بعضها البعض ويتطلب كلّ منها تفسيراً نظرياً مختلفاً.

وحيث نرى فرضية العولمتين عبر «حجم» التجارة فقط، فإنّ فرضية العولمات الثلاث تضيف قضية «تكوين» التجارة. يظهر الشكل 3 التكوين المختلف للتجارة ما بين 1900 و2011. يظهر لنا كيف هيمنت التجارة الزراعية على العولمة الفيكتورية الأولى، حيث شكّلت المنتجات الزارعية 57% من التجارة عام 1900. كان الهيكل الرئيسي للعولمة الفيكتورية هو الاقتصادات الصناعية لأوروبا الغربية التي تصدّر البضائع المصنعة إلى الاقتصادات الناشئة: كندا والولايات المتحدة والأرجنتين وأستراليا، والتي كانت بدورها تبادل تلك البضائع بمنتجاتها الزراعية.

الشكل رقم 3:

شهدت عولمة الحقبة الكينزية التفافاً في تكوين التجارة. استمرّت تجارة العولمة الفيكتورية، لكن تمّ تكميلها بالإتجار في البضائع المصنّعة بين الاقتصادات الصناعية لأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان. ونحو نهاية الفترة انضمت بعض الدول المتأخرة في التصنيع (ويشمل ذلك تايوان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ وسنغافورة). في 1955 مثّلت البضائع المصنعة 55% من التجارة العالمية مقاسة بوصفها حصّة من الناتج المحلي الإجمالي. بحلول عام 1990 ارتفعت حصّة البضائع المصنعة إلى 70%. شملت هذه التجارة الجديدة تبادلاً بين الدول الصناعية بضائع مصنّعة مقابل بضائع مصنعة أخرى.

يمكننا أن نرى هذا النمط من تجارة التصنيع مقابل التصنيع في الشكل 4، وهو الذي يبيّن تطوّر التجارة العالمية البينيّة-صناعية في الحقبة ما بين 1962 و2006. كان هناك زيادة مطّردة في التجارة البينيّة-صناعية ما بين 1962 و1990 (باستخدام كلا التصنيفات الصناعية الإجمالية والتصنيفات الصناعية التفصيلية المتاحة).

الشكل رقم 4:

بدأت العولمة الثالثة النيوليبرالية في 1990. والسمة الجديدة لهذه العولمة هي التحوّل الهائل في موقع النشاط التجاري والاقتصادي، والذي غيّر بدوره المكونات الجغرافية للتجارة. يمكننا أن نرى في الشكل رقم 3 أنّ حصّة التجارة الصناعية تستمر في التأرجح عند نسبة 70%. كانت 70% في 1990 و65% في 2011. لكنّ هذا الانخفاض الضئيل في عام 2011 يعكس على الأرجح الإزاحة المؤقتة الناجمة عن الأسعار الأعلى للنفط والسلع، وذلك كما حدث أيضاً في فترة 1980. ويظهر لنا الشكل رقم 4 حصّة التجارة البينيّة-الصناعية من التجارة الدولية التي بقيت ثابتة نسبياً. إنّ بيانات التصنيف الصناعي الإجمالي تظهر لنا تأرجحه في حدود 55% خلال فترة 1990-2006.

وعلى النقيض من ذلك، فإنّ الشكل رقم 5 يبيّن لنا المقياس الهائل للتحوّل الجغرافي في النشاطات الاقتصادية والتجارة خلال العولمة الثالثة النيوليبرالية. هناك زيادة هائلة في تطوير ونقل حصّة الاقتصاد من الناتج الإجمالي العالمي ومن الصادرات العالمية والواردات العالمية خلال فترة ما بين 1980 إلى 2015. سقطت حصتها من النشاط الاقتصادي العالمي والتجارة خلال المرحلة النهائية لعولمة الحقبة الكينزية، لكنّه صعد بشكل كبير وثابت خلال العولمة الثالثة النيوليبرالية.

الشكل رقم 5:

إنّ الدافع لهذه التحوّلات هو التحوّل في النشاط التصنيعي من الاقتصادات الصناعية إلى الاقتصادات النامية. يظهر هذا واضحاً في الشكل رقم 6 الذي يبيّن لنا توزيع تصنيع العالم لسنوات محددة ضمن الأعوام المائتين وخمسين الماضية. إنّ للحقبة بين عامي 1980 و2006 سمات عديدة: أولاً كان هناك انخفاض شديد الانحدار في حصّة الاتحاد السوفييتي السابق من التصنيع. ثانياً كان هناك زيادة كبيرة في حصّة الصين وشرقي آسيا وشبه القارة الهندية من التصنيع. وتمثل هذه المجموعة الاقتصادات النامية، وقد ازدادت حصتها ما بين عامي 1953 و1980 من التصنيع بشكل هامشي، ثمّ انفجرت حصتها بعد عام 1980. ففي عضون خمسة وعشرون عاماً قصيرة تمّت إعادة تشكيل التصنيع العالمي بشكل كبير. فإن استثنينا الاتحاد السوفييتي من البيانات، فإنّ الانخفاض النسبي لحصّة أمريكا الشمالية من التصنيع والزيادة في حصّة الصين-شرق آسيا سوف يبدو واضحاً بشكل أكبر حتّى.

الشكل رقم 6:

إنّ تحوّل التصنيع إلى الاقتصادات النامية قد غيّر بدوره تكوين صادرات الدول النامية. يظهر لنا الشكل رقم 7 تكوين الصادرات البضاعية من الدول النامية في الفترة ما بين 1965 و1999. ارتفعت حصّة الصادرات الصناعية من الدول النامية في الفترة ما بين 1965 1980 من 15% إلى قرابة 27%. وارتفعت ما بين 1980 و1999 من قرابة 27% إلى قرابة 83%. يعكس هذا النمط التاريخي للتجارة حيث تتدفق البضائع المصنعة من الاقتصادات الصناعية إلى الاقتصادات الناشئة، ويميّز بشكل جوهري بين العولمة الثالثة النيوليبرالية وبين العولمتين السابقتين عليها.

الشكل رقم 7:

 

يتبع