هل هو إعلان عن بدء حرب باردة جديدة؟
جين تسان رونغ جين تسان رونغ

هل هو إعلان عن بدء حرب باردة جديدة؟

ألقى مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خطابا مطولا بشأن سياسة الحكومة الامريكية تجاه الحكومة الصينية يوم 4 اكتوبر الجاري، تضمن مجموعة متنوعة من الاتهامات الباطلة ضد الصين، أهمها تدخل الصين في الانتخابات النصفية للولايات المتحدة عام 2018. وأن تقديم نائب الرئيس الصيني خطابا خاصا حول الصين لم يسبق له مثيل منذ عام 1972 على الاقل. كيف نرى " تغيير الوجه" للحكومة الامريكية"؟

بالنظر الى دوافع خطاب مايك بنس، أولا، علاقة الخطاب مع انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة. في الوقت الحاضر، لا يمتلك الحزب الجمهوري الحاكم والحزب الديمقراطي اي مزايا واضحة، والوضع ليس واضحا. ووقوف مايك بنس ليتهم الصين في هذا الوقت بذات ستعود بالمنفعة الجيدة له وللحزب الجمهوري، إذا ما تحدثنها من ناحية الانتخابات.

ثانياً، التعبير عن الولاء لترامب. يريد مايك بنس التعبير عن ذلك بنفسه، حيث منذ وقت ليس ببعيد، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" ذات مرة أن هناك أشخاص في الحكومة يقاومون ترامب، وشكك البعض أن يكون المقصود هو مايك بنس، ولا يستبعد أن الاخير بحاجة ماسة الى إيجاد مكان للتعبير عن نفسه، لإقناع الجميع بقيادة ترامب.

ثالثاً، تركيز مايك بنس في خطابه على ابراز مشاعر الحزب الجمهوري اليميني تجاه الصين، قد تجعله "حامل العلم المعادي للصين" للحزب، وهذا يعود بالمنفعة على الانتخابات الرئاسية المستقبلية.

بعد خطاب مايك بنس سرعان ما وصف أحدهم هذا الخطاب بأنه " خطاب الستار شبه الحديدي"، لكن أعتقد أن بالمقارنة مع تشرشل، لا يمكن اعتبار هذا الخطاب سوى "خطاب حريري"، ما يعتبر ناعما. وعلى الرغم من أن الخطاب مليء بالمشاعر الشديدة الى حد ما بدء حرب باردة جديدة، لكن من منظور القوة، لا يمكن أن تبدأ الحرب الباردة.

من منظور الهيكل الاقتصادي، الصين والولايات المتحدة الامريكية متداخلتان اقتصاديا، وفي حقبة الحرب الباردة، لا يكاد يوجد تبادل اقتصادي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. بالإضافة الى ذلك، هناك بعض المشاكل الدولية في العالم اليوم تزداد سوءًا، بحاجة الى جهد صيني امريكي مشترك، مثل، مكافحة الارهاب، مشاكل الفضاء الافتراضي لشبكة الإنترنت، الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ، التطرف الديني السائد وغيرها. والولايات المتحدة مضطرة للتعاون مع الصين في العديد من القضايا الدولية حتى ولو لا تحب الصين.

يجب ان تكون مواجهة بين مجموعتين لبدء الحرب الباردة. لكن الصين لا تتحالف مع دول أخرى، ولا تنخرط في التوسع الايديولوجي مثل الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، السوق الصينية المحلية كبيرة جذابة لراس المال. وكان سوق التجزئة المحلي الاجمالي في الصين مماثلا لسوق الولايات المتحدة في العالم الماضي، وبالتأكيد سيتجاوز هذا العام. وبتحول الصين الى أكبر سوق لتجارة التجزئة في العالم، بطبيعة الحال، ستجذب لراس المال الكثير. ومحاولة الحكومة الأمريكية تقييد رأس المال من دخول السوق الصينية لفترة طويلة، يكاد يكون مستحيلا.

من وجهة نظر الولايات المتحدة نفسها، حكومة الولايات المتحدة معادية للغاية للصين، ومع ذلك، فإن موقف الناس العاديين في امريكا جيد تجاه الصين. وأن الرغبة في الدخول في حرب باردة جديدة تحتاج الى مشاركة المجتمع أجمع، وفكرة " مواجهة شاملة مع الصين " ليس لها قاعدة جماهيرية في الولايات المتحدة. وبالنظر من الخارج، وضع الولايات المتحدة ليس له أي أساس على المستوى الدولي. وبعد خطاب مايك بنس، لم نسمع اي رد فعل من حلفاء الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، اليابان، لم تتطرق وسائل الاعلام اليابانية عن هذه المسألة ولو بإشارة صغيرة، ما يدل على أن الحفاء الامريكيين ليسوا داعمين أيضا، لذلك، لا يشجع التوتر سوى عدد قليل من الناس في المؤسسات الحاكمة الأمريكية، وأن الجماهير لا تدعم، الحلفاء لا يؤيدونها، والحرب الباردة الجديدة يصعب الوصول إليها.

يبدو أن حكومة الولايات المتحدة وبعض النخب السياسية شديدة الحساسية والقلق اليوم. وان عدم إمكانية استثناء الصين من جانب عرض المنتجات الأمريكية بما في ذلك الامدادات العسكرية، يعكس ايضا ان الاعتماد الامريكي أكثر على التصنيع الصينية أمر طبيعي في ظل العولمة الصناعية. وهذا هو نتيجة التقسيم العالمي للعمل وتجسيد للقدرة التنافسية للصين. والصين بحاجة الى الثبات في الوقت الراهن، لان السياسة الامريكية تجاه الصين ستعود الى طبيعتها إذا لم تحصل الولايات المتحدة على تأثير جيد بعد فترة من المواجهة.