السودان التجويف والتجريف والفريط

السودان التجويف والتجريف والفريط

سألتني أكثر من رفيقة صباحا لماذا لا تكتب عن السودان. وكنت حقيقة افكر في الأمر وأجلته لأني كتبت  كثيرا هذا الصباح. السودان الأسمر الذي اصبح صباحه دماً!!!!!قد يستغرب كثيرون بأن السودان هو من أول القُطريات العربية التي عرفت النضال الديمقراطي والثقافة الطبقية.

 

 بل إن الجنرال سوار الذهب قد اسقط نظام نميري وسلم السلطة للمدنيين في أول بادرة من نوعها في الوطن العربي . والحزب الشيوعي السوداني هو أحد أعرق وأنقى الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي. ربما من ميزات السودان أنه يمتاز عن اقطار عربية أخرى بأنه  الأقرب إلى الديمقراطية الشعبية الإفريقية التي ليست نسخة عن الديمقراطية الراسمالية الغربية البيضاء.

كارثة النظام الحالي أنه نظام راسمالي محيطي متخلف، يمزج بين التخلف الراسمالي التابع وبين الأصولية الدينية كقوى الدين الإسلامي السياسي. وحتى أجنحته التي تفرض  الشريعة باسم الدين اقتتلت مع بعضها البعض فجرى تحييد الأصولية المدنية لصالح الأصولية العسكرية المتحالفة مع البرجوازية الريعية والتجارية وخاصة رجال الأعمال.

حتى رفع الدعم عن المحروقات والسلع الأساسية هو رفع دعم ليس موجود اصلا وإنما الأمر ركوعا لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاستسلام لوصفاتهما القاتلة. وكما تقول المعارضة السودانية وخاصة الحزب الشيوعي السوداني فإن عائدات وزارة الكهرباء والسدود لا تدخل الموازنة ، وكل مبيعات البترول بالسوق المحلي أيضاً لا تجد طريقها للخزينة العامة ، والوزارات والمؤسسات العامة تواصل تجنيب الأموال العامة للصرف علي المصالح الخاصة ، وعائدات بيع القطاع العام تحت اسم الخصخصة لا يجري توريدها لوزارة المالية ، وكل منشأة عامة باتت إمبراطورية مالية لصالح المؤتمر الوطني ومنسوبيه ، وبينما يخفض النظام الضرائب – بل ويلغيها- على البنوك وشركات الاتصالات لا يتورع عن مواصلة النهج المعادي للشعب من خلال رفع أسعار المواد البترولية وضروريات الحياة الأخرى ، وهي سياسة مقصود بها المزيد من إفقار الناس وتجويعهم لصالح بقاء النظام وامتيازات الطبقة الحاكمة.

 إن رفع اسعار المحروقات يفتح الطريق لسلسلة متتالية من ارتفاع اسعار مختلف السلع وخاصة الأساسية، وهذا يعني زيادة نسبة البطالة وانحدار أكثر إلى زوايا الفقر.

 إن نظام البشير هو الذي باع كارلوس الشاجال الذي دوخ الإمبريالية والرجعيات العربية، باعه للعدو الفرنسي، وهو الذي فرَّط بجنوب السودان لقاء أن يبقى في السلطة. وقد كنت كتبت قبل سنوات مقالة بعنوان، وما الخطأ لو اصبح سيلفا كير رئيسا للسودان كي لا ينفصل الجنوب؟ وها هو الجنوب اليوم مرتعا للصهيونية!!!

 ماذا يختلف هذا الوضع عن مصر مبارك حيث كان دور السلطة هو التجويف (تجويف الوعي بقمع الأحزاب والحركات الاجتماعية) والتجريف (تجريف الثروة) إنه التجويف من أجل التجريف. وكل هذا توافق مع مستويين من التفريط: التفريط بالاقتصاد للشركات الأجنبية وللطفيلية المحلية والتفريط بالأرض، في مصر كان اتفاق كامب ديفيد وفي السودان التفريط بالجنوب.

 تسائلت رفيقة لماذا تتجاهل الجزيرة ما يجري في السودان، بل هاك فضائيات شريفة ايضا لا تغطي ما يجري في السودان. فالجزيرة هي فضائية الإمبريالية وأنظمة وقوى الدين السياسي.

إن ما يجري في السودان هو حراك طبقي بوضوح، وآمل أن لا تطأ هذا الحراك مخالب  فتى الموساد عزمي بشارة  والفريق الواسع معه الذي يبدأ من صادق جلال العظم لينتهي في القاع عند فتى الموشاف، ليهاجم هذا الحراك الطبقي حتى لو بدا عفوياً، بينما لا يزال يُصر على أن في تونس ثورة، وتونس النهضة لم تنجز سوى الإبقاء على نظام زين العابدين وابدع "جهاد النكاح".

 

آخر تعديل على السبت, 12 تشرين1/أكتوير 2013 14:06