أدوات هيمنة النخب cfr2|| أكبر من الدولة
لورنس شاوب لورنس شاوب

أدوات هيمنة النخب cfr2|| أكبر من الدولة

تعريب وإعداد: عروة درويش

  • لا استقلال للدولة ولا حتّى نسبي:

إنّ القائلين بالمفهوم الخاطئ: «الاستقلال النسبي للدولة» هم إمّا مرتبطون «بمجلس العلاقات الخارجية cfr» وما يتفرع عنه، وإمّا قد أخفقوا عند التحليل بإدراك أنّ السوق والاتحادات التجارية ليست هي الروابط الهامّة الوحيدة التي تجمع كبار الرأسماليين وتحدد علاقاتهم بالحكومة. فهم يملكون «الدولة العميقة»، ممثلة بشكل خاص «بالمجلس» والمنظمات المرتبطة به، التي يقومون عبرها بصياغة الاستراتيجية الكبرى التي يدخلونها في الحكومة لتنفذها. يلعب المجلس ومؤسساته الكبيرة المتشابكة بعضها ببعض دوراً مركزياً في تدريب واختيار قادة الطبقة الرأسمالية وطبقة المحترفين المرتبطة بهم، وهم الذين يشغلون المناصب والمراتب العليا في الدولة، والذين يحرصون كلّ الحرص على الحفاظ على مكاسبهم كطبقة مرتبطة بالنخب الرأسمالية، يعتمد وجودها على استمرار وجودهم.

جادل ليو بانيتش وسام غيندن بأنّه من غير الممكن القول بأنّ الدولة «مسيطر عليها» من قبل وول ستريت، وذلك لأنّ الفدراليين ووزارة الخزينة يهتمون بتعزيز قدراتهم الإدارية والتشريعية. ويسوقون مثالاً لدعم قولهم «بالاستقلالية النسبية للدولة» بأنّ وزير الخزانة تيموثي غيثنر قد صرّح عن الحاجة لقوننة وول ستريت، وهو الأمر: «الذي يعطينا مثالاً واضحاً عن الاستقلال النسبي للدولة». لقد أطلق غيثنر هذا التصريح عام 2011 في لقاء مع المصرفيين حيث قال: «سيعتمد نجاح قانون دود-فرانك على الجهود المستدامة لتحسين مستوى الخبرات لدى المشرعين بعيدي النظر لضمان وجود مراقبة في وول ستريت». وكما هو مثبت فإنّ مشرعي «المراقبة في وول ستريت» مرتبطون بشكل وثيق «بالمجلس» وبالطبقة الرأسمالية، وهم يتخذون القرارات بناء على فهمهم المباشر لحاجات الرأسماليين الكبار.

فغينثر هذا على سبيل المثال قد عمل خلال كامل مسيرته المهنية كوكيل ومحترف مرتبط بالطبقة الرأسمالية وبالمجلس: فقد كان موظفاً ثمّ عضواً في مجلس العلاقات الخارجية وعضو طاقم في رابطة كيسنجر ومستشاراً في هيئة المجلس التنفيذية وعضواً في الهيئة الثلاثية لمجموعة بيلدربيرغ ورئيساً لبنك نيويورك الفدرالي ورئيساً لبينكوس فاربورغ، ثمّ مستشاراً للخزينة. فقد كان ملزماً على الدوام بالعودة إلى قادة ورأسماليي المجلس من أمثال المدير لورنس فينك والرئيس روبرت روبن. وفي أحدا أقوال غينثر في التقرير السنوي «للمجلس» عام 2014 عندما كان وزيراً للخزينة: «ليس عليك التشاور مع المجلس، بل عليك أن تطلب منه نصيحة تعمل بها»، وهذا كافٍ لدحض نظرية «الاستقلال النسبي للدولة».

إنّ الوضع السابق يسري بقوّة في الأوضاع الطبيعية، حيث لا يكون أصحاب المناصب في الدولة أكثر من هيئة تعينها النخب الرأسمالية لتحكم بأمرها، وتدير الدولة الهامّة جداً لاستمرارها بالنيابة عنها. أمّا في الأوقات غير الاعتيادية كما في حالات التوتر الاجتماعي فالأمر يختلف. فحالات مثل الحرب الأهلية والكساد والصراع الطبقي الحاد والأزمات السريعة تصعّب مهمة الطبقات الرأسمالية في السيطرة على الدولة، ولهذا فالأوقات غير الاعتيادية هي التي يمكن للدولة أن تتمتع فيها بالاستقلال وأن تحقق وتجسد مصلحة العامّة.

ويمكننا سوق مثال على هذه الحال ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الكساد الكبير ما بين 1933-1939. فرغم تمكن الطبقة الرأسمالية من الحفاظ على مصالحها وممتلكاتها أثناء هذه الأزمة الشديدة، إلّا أنّ الجماهير استطاعت تحقيق بعض المكاسب على حساب نقص مكاسب النخب. فقد هدد الصراع العمالي بإسقاط النظام بأكمله وهو ما قاد روزفلت والدولة إلى منح بعض الحقوق للعمال بناء على قانون فاغنر وقانون الضمان الاجتماعي وغيره من القوانين التي تتعارض مع مصلحة الطبقة الرأسمالية.

وليس أمام النخب الحاكمة عندما تتهدد مصالحها إلّا اللجوء لآليات متنوعة لإدامة الوضع القائم بحيث تصبح هذه الآليات متشابكة بعضها ببعض، ونتحدث هنا كمثال عن انتخاب المرشحين الذين يستطيعون الإنفاق بترف على حملاتهم للوصول إلى المناصب، وبعضهم من أعضاء «المجلس». أو كتفضيل مرشحين على آخرين في الإنفاق الانتخابي وتعيين جيش من الخبراء وغيرهم لإيصالهم إلى السلطة.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني