«الشيطان الفنزويلي»
جو إيمرسبيرغر جو إيمرسبيرغر

«الشيطان الفنزويلي»

على مدى عشرين عاماً حاولت الحكومة الأمريكية أن تطيح بالحكومة الفنزويلية، وقد أذعنت جميع المؤسسات الإعلامية (المملوكة للدولة وللشركات وللمنظمات غير الربحية) في أوروبا وأمريكا لمتطلبات مساعدة أمريكا في مهمتها.

إعداد وتعريب: عروة درويش

هناك استثناءات نادرة لهذا الاتجاه على مدى العشرين عاماً الماضية يمكن إيجادها في الإعلام الحكومي في بعض الدول التي لا تملك العداء لفنزويلا، مثل دول كتلة ألبا. كما قدمت وسائل إعلامية مستقلة مثل «venezuelAnalysis.com» تحليلات وأخبار بديلة أيضاً. من المرجح أن تجد المؤسسات الإعلامية في بريطانيا وأمريكا تدافع عن الدكتاتورية في المملكة السعودية لكن لا يمكن أن تجدها تفعل المثل بما يخص الحكومة الفنزويلية المنتخبة ديمقراطياً. إنّ أيّ دفاع عن حكومة فنزويلا سوف يثير موجات من تشويه السمعة والتسخيف، ولهذا يستحق كلّ من آلان ماكلود وناشره «Routledge» الكثير من التقدير على كتاب: «أخبار سيئة من فنزويلا: عشرون عاماً من الأخبار الزائفة والتقارير المشوهة». إنّ هكذا خطوة هي شـجاعة سياسية بحق.

كان عماد نهج ماكلود هو تقييم 501 مقالة ورأي حديثين حول فنزويلا من مجموع الأعمال التي ظهرت في الصحف والمجلات الأمريكية والبريطانية أثناء فترة هوغو تشافيز المحورية التي بدأت مع انتخابه كرئيس للبلاد عام 1998. مات تشافيز في آذار 2013 وتمّ انتخاب نائبه نيكولاس مادورو كرئيس بعد شهر من موته. وقد أعيد انتخاب مادورو لدورة ثانية لستّة أعوام أخرى في 20 أيار. والفترات التي تفحصها ماكلود تتضمن فترة ذروة الاهتمام بفنزويلا عندما انتخب تشافيز كرئيس للبلاد في 1998، وفترة الانقلاب العسكري المدعوم أمريكياً الذي خلع تشافيز لفترة قصيرة في نيسان 2002، وموت تشافيز في 2013، والتظاهرات العنيفة في 2014.

يلاحظ ماكلود بأنّ تمويل الحكومة الأمريكية للمعارضة الفنزويلية قد ازداد بشكل كبير قبيل حدوث انقلاب 2002، ثمّ ازداد من جديد فيما بعد ذلك. ما الذي كان ليحدث لو أنّ حكومة أجنبية اعترفت (كما فعل المحقق العام في مكتب وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص ما فعلوه تجاه فنزويلا) بأنّها مولت ودربت مجموعات اعتمدت العنف من أجل الإطاحة بحكومة الولايات المتحدة؟

أظهر ماكلود في معرض دفاعه عن الحقائق بأنّ الإعلام الأمريكي عادة ما يتعامل مع انخراط الولايات المتحدة في دعم انقلاب عسكري على أنّه ضرب من نظرية المؤامرة، هذا إذا ما تكلّم عن الموضوع برمته. فتبعاً لمسح ماكلود، فإنّ 10% من المقالات فقط تذكر، وبشكل عرضي حتّى، احتمال اشتراك الولايات المتحدة في الانقلاب. وتزيد هذه النسبة في بريطانيا لتصل إلى 39% من الإعلام البريطاني. لكن وفقاً لماكلود: «فإنّ الغارديان فقط هي من ذكرت انخراط الولايات المتحدة بالأمر بوصفها احتمالية كبيرة».

من بين 166 عينة تناولها مسح ماكلود والتي تمحورت حول الإعلام الحكومي الفنزويلي، فقد وصلت نسبة من يظهر هذا الإعلام بأنّه «مسجون ومقيّد» 100%: أي تلك القصة الممجوجة عن كون حكومتي تشافيز ومادورو تهيمنان على الإعلام، أو بأنّهما استعملا الإكراه من أجل إسكات أصوات النقد.

لقد لمست بعض الابتعاد عن الموضوعية في تصنيف المقالات لدى ماكدونالد، فيمكنني وأنا المتابع لما يذكر في وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية بخصوص فنزويلا أن أقول بأنّ بعض التقارير الصحفية الغربية قد ناقضت نظرية «التقييد» ممّا يجعل من استنتاج 100% يتلاشى ويحل محله نسبة 95%. لكنّ تقليص النسبة لن يؤثر على الاستنتاج ككل. فمن المخيب للآمال والمذهل حقاً عدم القدرة على الاعتماد على دقّة محتويات الصحف والتلفزيونات الغربية فيما يخص المسألة الفنزويلية. كم يصعب يا ترى على مشاهد التلفزيونات وقارئ الصحف الغربية أن يلاحظ بأنّ الحكومات الغربية تقوم باستمرار بتدمير خصومها؟

ويقرّ ماكلود بأنّ «مركز كارتر» قد فنّد بضع أكاذيب كبيرة حول الحكومة الفنزويلية، ومن بينها إغلاق الحكومة الفنزويلية لوسائل الإعلام. لكنّه يذكرنا أيضاً بأنّ الأسبوع الذي تلا انقلاب 2002 في فنزويلا شهد كتابة جنيفر ماكوي (رئيسة مركز كارتر الأمريكية) لمقال في النيويورك تايمز تقول فيه بقيام «نظام تشافيز بتهديد النظام الديمقراطي في البلاد وتوازناته وحق التعبير لدى المواطنين». قد يكون «مركز كارتر» اتخذ مواقف أفضل في بعض الأوقات من غيره من المؤسسات الإعلامية الأمريكية، لكنّه عموماً ليس أكثر من مؤسسة قذرة جداً.

ويعتمد ماكلود على تحليل إيد هيرمان ونعوم تشومسكي لهيكلية التغطية الإعلامية السيئة لفنزويلا. فصحفيو الشركات، وباستثناءات نادرة جداً، يتخلون بمرونة عن الحس المنطقي بالتحليل. وهناك «الفلترة» التي تشوّه التغطية الإعلامية بطريقة تخدم فيها النافذين والأثرياء. وكمثال على هذه الهيكلية هي مسألة أنّ من يدفع المال يقرر ما ينشر. فالإعلام المملوك للشركات أو الإعلام المستقل المعتمد على الإعلانات سوف يميل دون قدرة على المناورة إلى عرض ما يريده أصحاب المال القادرين على إبقاءه حيّاً، وهذا بدوره يقلل من الجهد الذي تضطرّ الشركات لبذله في توجيه الأخبار لصالحها عبر طرق جبرية أخرى.

وهذا يجعلنا نرى بوضوح الجهود التي تبذلها الشركات والأعمال لتقلل من الدعم الحكومي لوسائل الإعلام في سياقها المناسب، فهذا يجعلها تحلّ محلها في اتخاذ القرارات بوصفها صاحبة الأجور والتمويل. وعليه يصبح عرض الحقائق والابتعاد عن تغريب المصادر أمراً مكلفاً، وذلك ناهيك عن الحديث عن الصيغ الأخرى من التأثير المتاحة لذوي النفوذ على الإعلام.

ومن هذه الصيغ التي يتطرق إليها ماكلود هي الشراء غير المباشر لذمم الصـحفيين عبر «إنزالهم واحتضانهم وتدليلهم في أحياء كاراكاس الثريّة البعيدة عن أحياء الفقراء التي يتم تخويفهم من الاقتراب منها، وهو الأمر الذي يخلق وضعاً يجعلهم يقضون جلّ وقتهم ويمارسون هواياتهم في معاقل الأثرياء... وهو يمنح الصحفيين الذين يكتفون بهذا القدر من الحركة مصادر معلومات منقوصة وموجهة».

وكم أتمنى لو أنّ ماكلود تطرّق لواحدة من الأدوات الحقّة التي يستغل ذوي النفوذ وجودها في تحقيق الباطل، إنّها الحصانة التي يتمتع بها جميع الصحافيين في فنزويلا والتي يمكنهم من خلالها قول ما يشاؤون دون القلق من أن يحاسبهم أحد، ولا حتّى أصحاب الحقيقة، ولهذا يمكن وصم الانحياز الإعلامي في فنزويلا بأنّه فساد إعلامي.

وكمثال: فقد أورد ماكلاود مقابلة أجراها الصـحفي المقيم في كراكاس عند إجراء المقابلة مع رويترز، والتي أفاد فيها بأنّ 1.5 مليون فنزويلي قد غادر البلاد منذ استلام هوغو تشافيز السلطة في 1999، وذلك بالاعتماد على الأوراق التي نشرها عالم الاجتماع توماس بايز المقيم في كاراكاس. لكنّ تقديرات الهجرة وفقاً للأمم المتحدة تشير إلى أنّ العدد الإجمالي للذين غادروا البلاد في ذات الفترة هو 320 ألف فنزويلي، أي خُمس التقدير الذي أعلنه توماس بايز.

إنّ بايز هو أكاديميّ مناهض لتشافيز كتب مقالاً في صحيفة فنزويلية يرحب فيها بالدكتاتورية التي أزاحت تشافيز أثناء انقلاب 2002. وقد انتهت أجوبة بايز على الرسائل الاستيضاحية التي أرسلتها له عبر البريد الإلكتروني بأنّه لن يقرأ رسائلي بعد اليوم. لكن رغم هذا يتمّ بشكل مستمر تقديم بايز بوصفه محللاً محايداً من قبل رويترز ونيويورك تايمز والفايننشال تايمز.

وقد لاحظ ماكلود بأنّ الحكومة الفنزويلية لم تعد مصدراً لمعلومات صحفيي وسائل الإعلام المملوكة للشركات. لكنّ هذا ينسحب أيضاً على الصحفيين المستقلين، فوجهة النظر الحكومية هي أنّه حتّى لو كان الصحفي نزيهاً وسيكتب مقالة محايدة، فإنّ التحرير لن يتركها تمرّ دون توجيهها كما يرغب.

ورغم أنّ ماكلود كان يملك المعطيات التي تخوله يكون أكثر قسوة تجاه مؤسسات إعلام الشركات، فقد تمكن من خلال كتابه بإظهار النجاح الذي حققه الإعلام الغربي ومن وراءه في إلصاق سمة «الدكتاتورية» بالنظام الفنزويلي، وهو ما يسمح للولايات المتحدة بخنقها اقتصادياً وحتّى بالتهديد بعمل عسكري تجاهها.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على الخميس, 12 تموز/يوليو 2018 11:31