الصهاينة قلقون.. عودة روسية وتراجع أميركي
عبداللطيف مهنا عبداللطيف مهنا

الصهاينة قلقون.. عودة روسية وتراجع أميركي

قابل الصهاينة الاتفاق الروسي الأميركي المتعلق بالكيميائي السوري بالنقيضين ، ارتياح باد وقلق عميق ، أو ما هما الآن مثارا جدل يضرب اطنابه في الكيان الصهيوني وقد يستمر إلى حين .

الارتياح مبعثه منجاتهم من تداعيات اندلاع حرب يرجحون أنها ستطالهم ، اوليس لهم من ضامن بأنها ستستثنيهم ، كما ولايمكن لأحد توقع مآلاتها . وقلق مرده خيبة تأت لهم بسبب من وقف التهديد الأمركي لسورية ، وهذا يزيده ما كشفت عنه المبادرة الروسية ، التي تُوِّجت باتفاق جنيف بين لافروف وكيري حول ملف السلاح الكيميائي السوري ، ثم ماتبع من حديث حول مؤتمر جنيف 2 لتسوية الأزمة السورية ، باعتبار انعقادهً بات من استحقاقات هذا الاتفاق ، وكان من شأن ابرامه أن يسرَّع في توقع اقتراب انعقاده ويرجحه ، الأمر الذي عدوه مؤشر ضعف اميركي قد ينسحب على مسألة معالجة الأمريكان للملف النووي الإيراني ، واجمالاً قرأوا مابين سطوره مايدل على تبدل في موازين القوى الكونية ليس في صالحهم .

لقد تنازعتهم خلال الأيام التي سبقت الاتفاق كل من الخشية من عواقب العدوان وحماستهم له وترحيبهم به ، لكنهم ، ونظراً لطبيعة كيانهم العدواني الاستعمارية ، وكجسم هش غريب ترفضه وتلفظه المنطقة ، وحيث تلوثهم لهذا حالة مستعصية من فوبيا وجودية دائمة ، قد أثار ذعرهم وايقظ فوبياهم هذه من غفوتها مدى ماكشفت عنه المبادرة الروسية من بوادر تحولات كونية واقليمية ، لعل تعاظم الدور الروسي من ابرزها … وهي التحولات التي كان قد سبق وان وصفها نتنياهو بقوله ، “اننا نعيش هزة ارضية اقليمية لم نشهد لها مثيلاً منذ قيام الدولة” ، كما أنها ذاتها التي دفعت بيرز للعودة للحديث مجددا عن شرق أوسط جديد ، لكنه المختلف هذه المرة عن “شرق اوسطه” المعروف الذي بشَّر به سابقاً ولم يتحقق ولن يتحقق له .

كان لهذا القلق دوره في مسارعة كيري عقب الاتفاق مباشرة للكيان الصهيوني ، وتصريحاته المترتبة في القدس المحتلة ، من مثل ، إن الخيار العسكري لازال قائماً ، وإن الاتفاق سيؤدي إلى ازالة “كامل الترسانة الكيميائية” السورية ، وإن ماتم إنما يشكل “اطاراً وليس اتفاقاً نهائياً” ! لكنما تطمينات كيري هذه لم توقف الارتباك ولم تحد من القلق لدى حلفائه اللذين يتواصل انعكاسهما ، وعلى كافة المستويين الرسمي المتكتم والإعلامي الضاج ، حيث يظل التحذير من عودة روسيا من البوابة السورية ، والإشارة الي شعبية بوتن المتعاظمة ، بل وهناك من يتحدث عن أن قيصر الكرملن قد انتزع تفويضاً غربياً بعالجة الأزمة السورية ، وحتى حد وصف الرئيس الروسي بأنه “أقوى رجل في العالم” . كما لم يكتم الصهاينة خشيتهم من ربط نزع السلاح الكيميائي السوري بالمطالبة بنزع الكيميائي والبيولوجي والذري في ترسانتهم المتخمة ، إذ من المعلوم أن الكيان قد وقَّع على ميثاق حذرنشر السلاح الكيميائي في العام  1993 ، ولكنه لم يصادق عليها في الكينيست ، ووصل الأمر حد تساؤل صحيفة “هآرتس” عما إذا كان هذا السلاح قد بات عبئاً على الكيان … لم يطل انتظارهم ، آخر ما صدرت عن الرئيس الروسي من مواقف تمثلت في قوله ، “اريد أن اذكِّر بكيفية ظهور هذا السلاح الكيميائي : كبديل لسلاح إسرائيل النووي” ، وزادهم ، فشدد على وجوب “العمل على نزع صفة النووي عن مناطق معينة ، وخصوصاً الشرق الأوسط ” ، والأهم هو وصفة للعدوان على سورية بأنه انما يشكِّل “ضربةً موجهةً للنظام العالمي وليس لسورية ” .

لقد بذل كل من المستويين السياسي والإعلامى الصهيونيين جهداً في سبيل طمأنة مستوطني الكيان ، كتغنيهم بأن نزع الكيميائي السوري يعد بالنسبة لهم مكسباً لم يدفعوا ثمنه وتشبيههم لانفسهم في هذه الحالة بمن ربح ورقة يانصيب دون أن يشتريها ، لكنما لسان حال هذين المستويين ومستوطنيهم ظل هو ماعكسته صحيفة “معاريف” في قولها ، إنه “في السنتين الماضيتين ، منذ تصفية القذافي، وروسيا تشهد تقدماً اقتصادياً وتصاعداً في نفوذها السياسي في العالم . ومقارنة بها ، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا في حالة هبوط . ولاتخجل محافل اميركية من الاعتراف بأنه يتزايد جداً الميل الأميركي إلى الإنعزال التقليدي الذي بموجبه ينبغي النظر إلى التطورات خلف المحيط كمواضيع ليست من شأننا ، فصدمة العراق وافغانستان لاذعة” … إنها الفوبيا ذاتها تستيقظ لديهم على وقع تراجع احتمالات العدوان الاميركي المزمع على سورية . هاهم اليوم يرددون ماقاله قائلهم بالأمس عندما استشعروا مبكراً بوادر الإنكفاء الأميركي في العراق : سيرحل الأمريكان وسيتركونا هنا وحدنا …

لقد لخص بيرزنظرة الصهاينة لمجمل الأزمة السورية عندما اعتبر أن كل ماحدث في سورية هو بمثابة عقابٍ لها لأنها لم تدخل فيما تسمى المسيرة التسووية التي يديرها الأميركان لصالح الكيان الصهيوني والهادفة لتصفية القضية الفلسطينية ، وبالتالي فمن هذه الزاوية فحسب هم ينظرون إلى اتفاق جنيف ويحاكمون الاستحقاقات المتوقعة المترتبة عليه ، وهم إن اراحهم التوصل إليه في جانب تفادي خطورة  تداعيات الحرب عليهم ، لايسرهم من جانب آخر ملاحظة كونه إنما يكشف عن عودة روسية لايرحبون بها وعن تراجع اميركي يقلقهم ، كما لايريحهم أنه يشكل حاجةً لكل من طرفيه ، بحيث ماكان إلا لأنه تلافٍ لعدوان بالنسبة لسورية ، ومخرج للمعتدي الأميركي من ورطة تهديدة بشن عدوانه وسبيل لتلافي عواقبه وتجنُّب تداعياته…


المصدر: نشرة كنعان