التراجع الأمريكي: مع ودون ترامب
جيمس جورج جاتراس جيمس جورج جاتراس

التراجع الأمريكي: مع ودون ترامب

على الرغم من أن القاعدة الجماهيرية المخلصة لترامب لا تزال تحبه، فإن القسم الآخر من السكان الأمريكيين يكرهونه. فيمكن القول إن الإجماع الساحق بين الزعماء الأجانب هو ناتج عن ازدراء ممزوج بالخوف. رغم أنها لم تحدد ترامب بالاسم، إلا أن رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" لم تترك أدنى شك حول ما تعتقده عن الرئيس الأمريكي في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي:

"يبدو أن الصراخ، والإهانة والتسلط وتدمير وتفكيك كل ما هو موجود بالفعل، هو المزاج في عصرنا .... هذا الدافع للتدمير لا يقودنا إلى أي مكان جيد ... إنه لا يحل أي من مشاكلنا".

لنلقي نظرة على بعض النتائج المترتبة على قيادة ترامب:

الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ومن الشراكة عبر المحيط الهادي. وهذا يعني أن القواعد الدولية الجديدة بشأن البيئة والتجارة لن يتم صنعها في واشنطن.

نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس: لم فلم تعد الولايات المتحدة (وفي الحقيقة لم تكن يوماً) الوسيط الأمين أو المحايد من أجل عملية سلام في الشرق الأوسط.

فقدان النفوذ الأمريكي في العراق ولبنان: على الرغم من دعم واشنطن من أجل إنعاش المناطق التي احتلها تنظيم داعش سابقاً، إلا أن الناخبين العراقيين اختاروا رجل الدين المناهض لأمريكا مقتدى الصدر لتشكيل الحومة المقبلة. وبالمثل فإن مكاسب حزب الله في الانتخابات اللبنانية ليس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية أبداً. 

الاتفاق الكوري: يقرر ترامب في حديثه المتشدد أن يجبر "كيم جونغ أون" على التخلي عن أسلحته النووية.  ولكن ليس هناك شك في أن الإنجاز الحقيقي هو انفتاح "مون جاي إن" على الشمال والذي كان من الواضح أنه تم بمباركة أمريكية. وقد أدى مجرد احتمال التوصل إلى تسوية إلى تكهنات حول إذا ما كان هذا سيؤدي إلى تخفيض القوات الأمريكية.

انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية: تمكن ترامب من خلال قراره إنها المشاركة الأمريكية في خطة العمل المشتركة، ووضع قيود على برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات. لم يلغي ترامب الصفقة فحسب، بل أعاد فرض عقوبات أمريكية من جانب واحد على إيران. كما تم تهديد أقرب حلفاء أمريكا وشركائها التجاريين بفرض عقوبات ثانوية. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو ما يشير إليه التحرك الأمريكي حول إمكانية دفع تغيير النظام في طهران وإمكانية الحرب لتحقيقه. وإن الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي يوجهون نداءات مثيرة للشفقة من أجل البقاء في الصفقة. ومن ناحية أخرى إذا تمكن الأوروبيون من الانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية والوقوف مع الصين وروسيا، فهذا سيكون بمثابة استقلال تاريخي. 

يقول المنتقدون إن هذه التصرفات غير المسؤولة من جانب ترامب وفريقه قد أثارت شكوك حول مصداقية الولايات المتحدة كشريك دولي، وقللت من قيمة القيادة العالمية في الولايات المتحدة. ووفقاً لمؤسسة غالوب: 

"بعد مرور عام على رئاسة دونالد ترامب، أصبحت صورة القيادة الأمريكية أضعف في جميع أنحاء العالم مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق. وحلت ألمانيا بنسبة تأييد ثابتة 41% محل الولايات المتحدة كقوة عالمية عالية التصنيف في العالم. وتقترب الولايات المتحدة من الصين بنسبة 31% ولا تتفوق على روسيا كثيراً ذات نسبة التأييد 27%.

"نيكولاس بيرنز"، وهو دبلوماسي أمريكي سابق رفيع المستوى في ظل الإدارة الجمهورية والديمقراطية، قال: "إن ترامب ضعيف مع حلف الناتو، وروسيا، والتجارة والمناخ والدبلوماسية. والولايات المتحدة آخذة في التراجع كزعيم عالمي". كما تصف مستشارة الأمن القومي السابقة "سوزان رايس" ترامب "بالكرة المدمرة" استنكاراً لتصرفاته.

من المؤكد أن ترامب لم ينفذ أي من وعود جملته الانتخابية، ومن خلال جميع المؤشرات الخارجية، كانت سياسة ترامب الخارجية تكرار لسياسة جورج دبليو بوش ولكن بتشدد أكبر.

وكما يقترح أحد المعلقين:

"يمكن أن تكون المظاهر خادعة، ويمكن أن يكون المحور الصيني الروسي الإيراني منحازاً سراً مع ترامب. أتوقع أن تقدم إيران بعض التنازلات ويخرج ترامب أقوى مثلما فعل في كوريا. 

كل هذه تكهنات بالطبع، باستثناء الضربات الهزيلة المريبة على سوريا والرعاية المعتمدة بوضوح لعدم ضرب القوات الروسية. 

وربما كل ما سبق ناتج عن كون ترامب ليس لديه أي فكرة عما يفعله. من المحتمل أنه من خلال مراوغاته الشخصية المتهورة، فإنه يأخذ فقط الزخم الذي بلغ عدة عقود من التسلط الأمريكي المهيمن على منطقه بنتائج عكسية. وإنه من المغري بالنسبة للعوامل الخارجية الأجنبية الأمريكية الارتداد عن ترامب ومواقفه المتعجرفة. 

والسؤال الحقيقي الوحيد اليوم، ما إذا كانت الولايات المتحدة تستمر في السعي المجنون إلى الهيمنة القطبية الأحادية، أو من الممكن أن يكون هناك توجه نحو نظام متعدد الأقطاب، حيث يتم التنسيق مع روسيا والصين، مع تفاهمات جانبية مع أوروبا والهند واليابان وما إلى ذلك.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على الأربعاء, 30 أيار 2018 10:31