أوروبا: بين واشنطن وطريق الحرير
فريدريك ويليام إنغدال فريدريك ويليام إنغدال

أوروبا: بين واشنطن وطريق الحرير

أرسل سفراء الاتحاد الأوروبي وثيقة إلى بكين تنتقد مشروع طريق الحرير الاقتصادي الجديد. فوقع جميع سفراء الاتحاد الأوروبي على ورقة معارضة الاتحاد الأوروبي لما يمكن اعتباره المشروع الاقتصادي الواعد. وتأتي هذه الخطوة مع استهداف ترامب لتجارة التكنولوجيا الصينية ونمو التوترات.

وقع 27 سفيراً من أصل 28 من سفراء الاتحاد الأوروبي مؤخراً على وثيقة تنتقد بشدة تطور مبادرة طريق الحرير الصيني. وتهاجم هذه الوثيقة الصين لاستخدامها مشروع طريق الحرير لإعاقة التجارة الحرة ودعم الشركات الصينية. وتدعي الوثيقة أن مشروع طريق الحرير الاقتصادي الصيني الجديد والذي كشف عنه "شي جين بينغ" في عام 2013، يتعارض مع أجندة الاتحاد الأوروبي لتحرير التجارة ويدفع ميزان القوى لصالح الشركات الصينية المدعومة.

نموذجان للتنمية العالمية 

اقترح الرئيس الصيني "شي جين بينغ" مبادرة طريق الحرير وهو عبارة عن مشروع البنية التحتية الأكثر طموحاً في التاريخ الحديث. وبالرغم من جهود بكين المتكررة لحشد الاتحاد الأوروبي، ظلت الأغلبية حتى الآن باردة أو بعيدة باستثناء المجر واليونان والعديد من دول شرق الاتحاد الأوروبي. عندما أطلقت الصين المشروع رسمياً وعقدت مؤتمراً في بكين في أيار 2017، أزعجت رؤساء الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير. وأرسلت ميركل وزير اقتصادها التي اتهمت الصين بعدم الالتزام بالاستدامة الاجتماعية والبيئية والشفافية.

ووقع الآن 27 من أصل 28 سفيراً للاتحاد الأوروبي في بكين بياناً مشابهاً لموقف ألمانيا بشكل غريب. ووفقاً لصحيفة الأعمال الألمانية اليومية "هاندل سبلات"، ينص إعلان سفراء الاتحاد الأوروبي على أن طريق الحرير الصيني الجديد يتعارض مع أجندة الاتحاد الأوروبي لتحرير التجارة ويدفع ميزان القوى لصالح الشركات الصينية المدعومة. وكان المجر هو البلد الوحيد الذي يرفض هذا الإعلان.

إن البيان الأخير للاتحاد الأوروبي الذي سرعان ما سيتبعه تقرير نقدي طويل عن طريق الحرير الجديد من مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يتناسب إلى حد كبير مع أجندة إدارة ترامب في آخر تعريفاتها التجارية ضد السلع الصينية والتي تدعي أن الصين تجبر الولايات المتحدة على تبادل التكنولوجيا مقابل مشاريع في الصين.

وعلاوة على ذلك أصدرت المفوضية الأوروبية للتو تقريراً مطولاً عن الصين فيما يتعلق بقواعد الاتحاد الأوروبي الجديد لمكافحة إغراق السوق بالبضائع. وتؤكد الصين أن لديها سوق اقتصادي اشتراكي، وتعتبر الاقتصاد المملوك للدولة هو القوة الرائدة للتنمية الوطنية. وإن استهداف المؤسسات الحكومية الصينية ونموذجها الاقتصادي الموجه من قبل الدولة هو هجوم موجه على اقتصاد الصين.

وأحدث موقف من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وفرنسا، هو الضغط على الصين للالتزام بوثيقة البنك الدولي لعام 2013. وكما أشرنا في تحليل سابق، أن على الصين متابعة نموذج السوق الحر الغربي الفاشل المنفذ في الغرب منذ سبعينات القرن العشرين مع وجود عواقب وخيمة على التوظيف والاستقرار. وتقول الدولة الصينية: "من المحتم أن تقوم الصين بتطوير نظام قائم على السوق بأسس سليمة بينما يلعب القطاع الخاص القوي دوراً أكثر أهمية لدفع النمو".

بما أن "شي جين بينغ" أسس رئاسته وهيمنته على الحزب بعد عام 2013، أصدرت الصين وثيقة مختلفة تماماً وهي جزء لا يتجزأ من مشروع طريق الحرير. وجاء في هذه الوثيقة: "يجب أن تخرج الصين من مرحلتها الأولى كمجمع اقتصادي تكنولوجي لشركة "آبل" أو "جنرال موتورز" أو غيرها من الشركات الغربية المتعددة الجنسيات بموجب ترخيص، لتصبح مكتفية ذاتياً بالتكنولوجيا الخاصة بها". والنجاح المذهل لشركة هواوي الصينية للهاتف المحمول وقدرتها على منافسة آبل وسامسونج هو مثال على ذلك. وتحت عنوان الصين 2025، يتمثل الهدف في تطوير العمالة في جميع المجالات.

رفض الانخراط البناء

من خلال إجراءاتها الأخيرة الحاسمة، فإن المفوضية الأوروبية ومعظم دول الاتحاد الأوروبي تفعل كل شيء لتقليل إشراك دول الاتحاد الأوروبي في مشروع طريق الحرير. 

من جانبها، تستثمر الصين والشركات الصينية في تحديث وتطوير موانئ المياه العميقة للتعامل مع التدفقات التجارية الجديدة على طريق الحرير بكفاءة أكبر. أنتجت في العام الماضي الصناعة البحرية في الصين واستغلال موارد المحيطات والخدمات الأخرى ما يعادل أكثر من 1 تريليون دولار. فلا عجب أن ترى الصين في الاستثمار البحري أولوية قصوى. 

إن خط الشحن البحري عبر مضيق ملقة والسويس هو في الوقت الحالي خط الحياة للصين بالنسبة للتجارة إلى الاتحاد الأوروبي، وهو معرض لخطر الاعتراض الأمريكي المحتمل في حال حدوث صدام خطير. وتمر اليوم 25% من التجارة العالمية عبر مضيق ملقة. وإن إنشاء شبكة من الموانئ الجديدة المستقلة عن هذا الممر الضعيف هو أحد أهداف طريق الحرير.

مثال بيرايوس

يرسم طريق الحرير البحري الصيني توجيه استثمارات الدولة إلى قطاعات رئيسية مثل شراء اتفاقات إدارة الموانئ والاستثمار في موانئ الحاويات الحديثة والبنى التحتية ذات الصلة بدول الاتحاد الأوروبي المختارة. 

وفي الوقت الحاضر فإن الميناء الأكثر تطوراً هو ميناء "بيرايوس" اليوناني، الذي يتم تشغيله بموجب اتفاقية مع الشركة الصينية الحكومية "كوسكو"، كمشغل للميناء. وأدى التحديث وزيادة الاستثمار من الصين والبالغة 1.5 مليار يورو، إلى زيادة أهمية الميناء بشكل كبير. نمت حركة الحاويات في هذا الميناء في عام 2016، بأكثر من 14% وتخطط شركة "كوسكو" لتحويله إلى خامس أكير ميناء أوروبي لحركة الحاويات. لم يكن هذا الميناء مهماً قبل ذلك. واشترت شركة "كوسكو" في عام 2016، ما يعادل 51% من الميناء بمبلغ 280 مليون دولار، وتمتلك الآن 66% منه. ووقع ميناء بيرايوس مع كوسكو وهيئة ميناء شانغهاي، الذي هو أكبر ميناء للحاويات في الصين، اتفاقاً مشتركاً لتعزيز التجارة والكفاءة في بيرايوس. وقال نائب وزير الاقتصاد اليوناني في ذلك الوقت: "الاتفاق يعني أنه سيتم نقل كميات ضخمة من البضائع إلى بيرايوس من شانغهاي". 

شجعت الصين الاقتصاد اليوناني المضطرب والتجارة والسياحة. وسيقوم هذا العام حوالي 200 ألف سائح صيني بزيارة اليونان وإنفاق المليارات هناك. وبما أن بيرايوس هي أيضاً موطن لبواخر الرحلات البحرية الفاخرة فإن الصينين يخدمون ذلك أيضاً. كما تهتم شركة "فوسون" العالمية، التي تعمل على تحويل الموقع السابق لمطار أثينا إلى واحد من أكبر المشاريع العقارية في أوروبا، بالاستثمار في السياحة اليونانية.

إن بيرايوس هو جزء فقط من الاستراتيجية البحرية الأكبر في الصين. واليوم تتعامل الصين مع 25% فقط مع شحن الحاويات البحرية الصينية. وجزء من خطة صنع في الصين لعام 2025، هو زيادة ذلك من خلال الاستثمار في تحديث بناء السفن التجارية على أحدث طراز. 

هذا هو قلب التحول الذي يسعى إليه الرئيس "شي جين بينغ" لتحويل الصين من اقتصاد تجميع للعمالة الرخيصة إلى منتج يعتمد على الذات بشكل متزايد لإنتاج منتجات عالية التقنية. وهذا ما يحاول الاتحاد الأوروبي وترامب منعه. ولكن الصين عازمة على تطوير وإيجاد أسواق جديدة لسلعها بالإضافة إلى مصادر جديدة للواردات. وهذا هو جوهر مبادرة طريق الحرير.

لماذا سيتم استيراد منصات النفط من الشركات الأمريكية إذا استطاعت الصين أن تصنعها بنفسها؟ لماذا الاعتماد على شركات النقل البحري في الاتحاد الأوروبي لنقل البضائع الصينية إلى سوق الاتحاد الأوروبي إذا كان بالإمكان أن تقوم الصين بذلك من خلال سفنها الخاصة؟ أليست هذه السوق الحرة التي وصفها الغرب، والتي يفترض أن تقوم على المنافسة؟ اعتمدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة "استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار" التي تم اعتمادها في عام 2016. ووفقاً لها تنوي الصين أن تصبح دولة مبتكرة بحلول عام 2020. ثم الانتقال إلى الطبقة العليا من البلدان المبتكرة بحلول عام 2030 – 2035، ثم تحقيق القيادة العالمية بحلول عام 2050. وهذا ما تسعى إليه الصين ويخيف واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وبدلاً من اعتبار الاستراتيجية الصينية كحافز للوصول إلى الأفضل، يقومون بمهاجمتها. 

تمويل طريق الحرير 

إن أكثر الاتهامات التي يوجهها الاتحاد الأوروبي ضد الصين ونموذجها الاقتصادي هي حول تمويل طريق الحرير. فقد انتقد تقرير من الحكومة الألمانية حقيقة أن البنوك الحكومية الصينية تمنح حوالي 80% من قروضها لصالح مشاريع الشركات الصينية في طريق الحرير.

صندوق طريق الحرير هو صندوق حكومي صيني أنشئ منذ ثلاث سنوات برأسمال أولي بقيمة 40 مليار دولار، ولا ينبغي الخلط بينه وبين بنك الاستثمار في البنية التحتية الأسيوي المنفصل. 

إن حقيقة أن الصندوق الصيني الخاضع لسيطرة الدولة، قرر استخدام أموال الدولة لصالح الشركات الصينية أمر لا يثير الدهشة. القضية الحقيقية هي أن الاتحاد الأوروبي كمجموعة من الدول أو كدول فردية قد قاطع بشكل كامل ما يمكن أن يكون سبب لانتعاش الاقتصاد الأوروبي بأكمله. 

هذه الأمثلة مفيدة لتوضيح ما يجري وكيف أن نموذج "السوق الحر" في الاتحاد الأوروبي غير متوافق مع استراتيجية تنمية الدولة. لقد حان الوقت لإعادة التفكير في كيفية بناء فرنسا وألمانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني