«موضة» الزيجات الصينيّة-الروسيّة المختلطة
يو هوي يو هوي

«موضة» الزيجات الصينيّة-الروسيّة المختلطة

يسافر الرجال الصينيون من مناطق متطورة نسبياً ساعات عديدة، لعبور الحدود مع روسيا من أجل لقاء فتاة لا يعرفونها ضمن موعد مرتب له من وكالة مواعيد غرامية. يقابلون فتيات روسيات تحادثوا معهن سابقاً عبر الإنترنت، وغالباً بمساعدة مترجم.

تعريب: عروة درويش

أثناء آخر رحلة نظمتها وكالة «الزواج الذهبي» الصينيّة في مدينة فلاديفوستوك في أقصى شرق روسيا، التقى خمسة من أصل عشرة عازبين صينيين بشريكاتهم المستقبليات بنجاح. فالتعاون والتبادل بين الدولتين على المستوى الاقتصادي والحكومي وسّع الفرصة كذلك لدخول مستويات من التعاون غير الحكومي ولتعميق صداقتهما عبر تسهيل الارتباطات الشخصيّة.

بدأت المزيد من الوكالات الصينية ترعى ترتيب مواعيد ولقاءات بين الرجال الصينيين وبين النساء الروسيات الجذابات. فبمجرّد وضع الكلمة المفتاحية «زواج مختلط روسي-صيني» في موقع بايدو، وهو محرك البحث الأهم في الصين، ستظهر لك وكالات مواعيد تقدّم فرصاً كثيرة «للعازبين الصينيين الأثرياء» لإيجاد «زيجاتهم المختلطة المثالية».

  • على عتبة باب الصين:

تقف روسيا الآن على عتبة باب الصين. فقد نشرت صحيفة «سيبيريان تايمز» أنّ مدناً مثل بلاغوفيشتشنسك، المقابلة لمدينة هايهي الصينية في إقليم هيلونغيانغ، قد شهدت ارتفاعاً مفاجئاً في عدد الزيجات العابرة للحدود.

إنّ رحلات رجال الأعمال الصينيين إلى روسيا هي موضة جديدة ومن الواضح بأنّها تلاقي شعبية، فهي تصل «القلوب الوحيدة بالجميلات من الاتحاد السوفييتي السابق». أطلقت وكالة «الزواج الذهبي» مؤخراً معرضاً «للزيجات الصينيّة-الروسيّة المختلطة» في فلاديفوستوك.

يقول وكيل المواعيد: «يملك الروس الذين يعيشون هنا الكثير من الصلات بالصينيين. وتبعاً للنمو الاقتصادي البطيء نسبياً هنا، فقد باتت رغبة الفتيات بالزواج إلى الخارج أقوى من أيّ وقت مضى، فهنّ يقدرن مزايا الرجال الصينيين مثل كونهم مراعين ومهتمين بالأسرة».

وقد ذهب الوكيل في المعرض إلى عرض أكثر من جولات مواعيد عابرة للحدود، فأثرى المعرض ببرامج إضافية تبدأ من عرض تاريخ الزواج المختلط الثنائي إلى تقديم جلسات تدريبية للحضور على العادات الصينيّة والروسية.

وقد رفع لين، مالك وكالة الزواج الذهبي، من مجال عمله إلى مستوى المصلحة الوطنية، ليؤكد بأنّ عمله «لا يفيد فقط العازبين في كلا البلدين، بل يساهم في تعزيز استراتيجية الحزام والطريق». فيصرّ: «ليس هناك من تبادل ثقافيّ أقوى وأكثر فاعلية من الزواج المختلط».

ويشرح لين قائلاً: «تساهم الروابط التاريخية والجوار الجغرافي الذي يربط الصين بهذا البلد الأوربي الشرقي في السوق. علاوة على ذلك، فتبعاً لوجود عدد رجال قادرين على الزواج في الصين أكثر من النساء، فإنّ تشجيع النساء الروسيات على الزواج من الصينيين سوف يخفف من عدم التوازن الجنسيّ المقلق في الصين».

  • نسب عدم التوازن الجنسي:

نشرت الصحيفة المتموضعة في موسكو «موسكوفسكي كومسومليت» مقالاً بعنوان: «نقص الرجال الروس: رحلة المواعيد الغرامية الصينيّة بين الروس»، تقترح فيه بأنّ تصدير الصين «لفائض» عازبيها يبدو مثل حلّ لنسب عدم التوازن الجنسيّ الحالي في روسيا.

وقد نشرت صحيفة «الشعب اليوميّة في الخارج» في 2107 بيانات تقدّر بأنّ حوالي 15 مليون رجل في الصين تتراوح أعمارهم بين 35 و59، لن يكونوا قادرين على إيجاد زوجات لهم بحلول عام 2020. وهنا يجد لين مربط فرسه، فهو يسم مجال عمله بأنّه: «واعد جدّاً في المستقبل».

ويأمل لين وهو ينشد الدعم من السلطات، أن يتمّ تشجيع إجراءات الزواج الصينيّة-الروسيّة عبر «تدوينها ضمن برنامج الحزام والطريق».

لكنّ خبير العلاقات الصينية-الروسية من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية سون زوانغزي، لا يرى إمكانية وضع الزواج المختلط بشكل رسمي ضمن الاستراتيجية الوطنية للحزام والطريق: «لا تضع السلطات حدوداً سياسيّة للزيجات العابرة للحدود، لكن وبشكل عملي، لا يمكننا أن نتوقع قيامهم بأكثر من تعزيز الروابط غير الحكومية والتفاعل الشبابي بين البلدين في الوقت الراهن».

بدأت بعض وكالات المواعيد الصينيّة في 2016 بترتيب مواعيد للزبائن «الناجحين مالياً فقط» كشرط لاشتراكهم في السفر إلى روسيا لإيجاد الحب والزواج.

وبغضّ النظر عن نسب النجاح الفعلي، والذي يحتاج لمزيد من التوثيق، فإنّ الزبائن يجب أن يربطوا توقعاتهم العالية بأثمان مالية عالية. يجب على العازبين ذوي المحافظ الممتلئة أن يدفعوا 29800 يوان (4683 دولار) مقابل رحلة نموذجية لستّة أيام في فلاديفوستوك للقاء امرأة روسية، وذلك وفقاً لوكالة «الزواج الذهبي».

وتقوم بعض الوكالات بتنظيم صفوف تدريب لغات وتقاليد قبل السفر بتكاليف إضافية، لأولئك الراغبين بتعزيز فرص لقاء جميلة روسية.

وقد أثارت مثل هذه الرحلات انتقادات واسعة النطاق على وسائل الإعلام الصينية، وتمّ اتهامها بالإتجار بالبشر بوصفها: «حلقة دعارة دولية راقية». فأحد التعليقات على وسيلة التواصل الاجتماعي الصينية سينا ويبو تقول: «تحت ذريعة مساعدة (النخبة من العازبين) على الحصول على زواج مختلط ناجح، تحوّل مثل هذه العمليات النساء الروسيات إلى مقتنيات مادية وتسيء إلى العلاقات النقيّة».

وقد كشفت تاتيانا، وهي مالكة روسيّة لإحدى وكالات المواعيد المتموضعة في الصين، بأنّ الوكلاء غير الشرعيين يدفعون المال «للعرائس الروسيات» لخداع الرجال الذين يتوقون لنساء جذابات أثناء ما يسمى برحلة العازبين.

  • وتستمرّ الصور النمطية:

يستمرّ الإعلام الصيني بالقول بأنّ ظاهرة زواج الصينيين من الروسيات هي حلّ لقضيّة «فائض الرجال» الصينيين.

وقد أثار إعلان برعاية راديو الصين الدولي نشر في صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسيّة يقول: «زوج صيني + زوجة روسية = الخليط المثالي»، جدلاً واسعاً بين الروس لمديحه الرجال الصينيين بأنّهم يملكون طبيعة محبة وراعية ومجتهدة وحساسة، في حين أنّ الرجال الروس تنقصهم هذه الأشياء بسبب ثقافة العضلات السائدة بينهم.

لكن رغم أنّ موضة زواج الروسيات من الرجال الصينيين ليست بالجديدة، فالعديد من الطلاب الصينيين الذي درسوا في روسيا تزوجوا من روسيات، فإنّ الأمر لا يزال في طوره الجنيني ولم يصبح واسع الانتشار بعد، وتعترف بذلك بضع وكالات مواعدة أيضاً.

وتقرّ بعض الوكالات كذلك بأنّ العرائس من المناطق الأقلّ تنمية في روسيا وأوكرانيا يمكن أن يصبحن «واردات مثيرة» إلى الصين. وتشرح تاتيانا: «نرسل عادة زبائننا الصينيين إلى المدن الروسية الصغيرة في أقصى الشرق، وذلك لكونها أقل تطوراً اقتصادياً. فالفتيات من تلك المجتمعات أكثر انفتاحاً على الزواج بأجانب من أجل ضمان الأمان المالي». وتضيف: «لكنّ النسوة من العاصمة أو من المدن الكبرى، واللواتي لديهن خلفية تعليمية أو قدرات مالية، يفضلن الرجال الأوربيين، وذلك إمّا بسبب المستوى الأكبر من السمات الثقافية المشتركة، أو القرب الجغرافي».

وينطبق ذات الأمر على النساء الصينيات الراغبات بالزواج من أجانب. تقول فينغ فان، وهي المرأة التي قضت ثلاثة أعوام في روسيا: «من النمطي أكثر أن نرى زواجاً مختلطاً يجمع بين ذكر من بلد متقدم وبين أنثى من بلد أقل تطوراً». وتقول بأنّ الازدهار الاقتصادي الذي اختبرته الصين في العقود الماضية جعل من النساء الصينيات أقل رغبة بالزواج من رجال روس، وذلك علاوة عن الصور النمطية المتداولة بين النساء الصينيات عن الرجال الروس والتي تجد بيئتها الخصبة بسبب الاحتكاك المحدود بين المجتمعين. فالصينيون الموجودون في الخارج في روسيا هم مجموعة قليلة جداً بالمقارنة مع الأفواج الهائلة الموجودة في البلدان الغربية.

  • مخاوف الهيمنة:

تثير موضة الزيجات العابرة للحدود الصينية-الروسية، بالإضافة لتزايد عدد المهاجرين الصينيين إلى روسيا في السنوات الماضية، بعض المخاوف من تنامي تأثير الصين في روسيا، بأن يتم ذلك عبر حقائب الأعمال ووثائق الزواج بدلاً من السياسة.

فقد نشرت أخبار «ABC» الأمريكية تقريراً جاء فيه: «يتحول أقصى شرق روسيا إلى صمام أمان للصين، بشكل يشبه الضغوط السكانية في المكسيك والهجرات إلى الولايات المتحدة. يعيش في كامل أقصى شرق روسيا فقط 7.4 مليون روسي، وذلك مقابل أكثر من 70 مليون صيني في شمال شرقي الصين».

لكنّ سون زوانغزي يسخر من هكذا تخمينات: «لدينا في المناطق الشمالية-الشرقيّة من الصين نسيج سكاني شبيه جداً بالذي في روسيا، وهو الأمر الذي يجعل من غير المحتمل أن تشجّع حكومتنا (تصدير العازبين إلى بقيّة البلدان)، بل عوضاً عن ذلك فهي تشجعهم على البقاء في مجتمعاتهم المحلية».

ويضيف سون: «إن كان هناك شيء ما سيحظى بدرجة معينة من الدعم الحكومي، فأعتقد بأنّه سيكون التراخي في سياسة الولادات، بحيث يتمّ السماح للأزواج المختلطين بأن يحظوا بأكثر ممّا كان مسموحاً به في العقود الماضية».

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني