التعاون الروسي الصيني المتصاعد 5 | التعاون الأقصى
سيلفانا ماله سيلفانا ماله

التعاون الروسي الصيني المتصاعد 5 | التعاون الأقصى

في سياق برنامج تسريع تنمية أقصى الشرق الروسي، لا يجب على المرء أن يستهين بأهمية روابط الأعمال المستقلة سواء عبر استثمار الشركات الصينية في روسيا أو الشركات الروسية في الصين، أو عبر المشاريع المشتركة. إنّ القيمة المضافة لهم ضئيلة في الحجم الحالي، وحتّى أنّها غير مهمة مالياً أو تمويلياً. لكنّ الذي يهم هو العملية التراكمية التي قد يساهمون بها في الحركة. ومن وجهة النظر هذه فإنّ المصالح التجارية لبقيّة البلدان الآسيوية هي أيضاً مهمة كونها تساهم إلى حدّ ما في المنافسة على قدرات البناء في القطاعات المختلفة بين المستثمرين المحتملين، وكذلك على تهيئة صورة أقصى شرق روسيا كمنطقة جاهزة للإقلاع. وفي حين أنّ السياسات الحكومية والاتفاقات بين الدول هي ضرورية بحدّ ذاتها من أجل تعزيز العلاقات التجارية وكدلالة على الاتجاه، فإنّ الأمر يعود للمستثمرين الخاصين لتفسير تلك الإشارات بشكل صحيح عندما يخططون أعمالهم ويقيسون آفاق الربح المحتمل.

تعريب: عروة درويش

حاولت الحكومة أن تقوم بما عليها عبر وضع أسس ما يسمّى «مناطق التنمية المتسارعة TORy»، فقدمت الامتيازات التمويلية والإدارية التي تفوق تلك الموجودة عادة في المناطق الاقتصادية الخاصة المتناثرة على طول الأقاليم الروسية، مثل تسهيل تأجير وتمليك الأراضي المستخدمة لأغراض إنتاجية، وجعل الحكومات ذات الحكم الذاتي مسؤولة عن كامل برامج الاستثمار بما في ذلك التشبيك مع الإدارات المحلية لتوفير الخدمات اللازمة للصناعة.

وفي حين أنّ الجدل مستمرّ فيما يخص الأراضي المخصصة للاستثمار، فحتّى نائب رئيس الوزراء إيغور ترتنيف، وهو المفوض الذي يتمتع بصلاحيات ممتازة فيما يخصّ أقصى شرق روسيا، قد واجه الكثير من الصعوبات أثناء جعل نوايا الحكومة الفدرالية واضحة وجذابة نفعياً للشركات الراغبة بتثبيت قدمها حيث أنّ القانون يفرض إمدادها بالكهرباء وغيرها من الخدمات خلال فترة زمنية مناسبة وضمن شروط جيدة. وقد بات القانون حيز التنفيذ بعد أن وقعه بوتين في 2 أيار 2016، لكن من المحتم أن تواجه تطبيقه بعض العقبات إن لم يكن نظام حوافزه وعقوباته مقبولة لدى الإدارات المحلية التي لن تضعه موضع التنفيذ. سيحتاج هذا الأمر لوقت أطول كي يتبلور وينجح.

ووفقاً للبيانات الحكومية الرسمية، ففي نهاية عام 2016 فإنّ غالبية المستثمرين الذين جذبتهم «مناطق التنمية المتسارعة» هم من الروس، فمن بين 166 طلب صناعي تمّ تقديمها، هناك 8 فقط قادمة من الصين. الصينيون مهتمون بمعالجة المعدن وبمصافي النفط وبالإنشاءات وبالسمك المجمد وبالأغذية الأخرى. وقد أتى المستثمرون المهتمون كذلك من كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا وسنغافورة. بعض المشاريع خاصة بالبنية التحتية. وفي حين أنّ معظم المشاريع تستند إلى شراكات عامة-خاصة، فإنّ مساهمة الدولة هي في أدنى مستوى لها: فمن بين 945.6 مليار روبل من الاستثمارات، هناك 877.5 مليار روبل خاصة. والآمال معقودة على توسيع الإنتاج الصناعي في المناطق الصناعية أساساً مثل كومسومولسك، والشهيرة بإنتاج الطائرات المدنية والعسكرية، وحوالي فلاديفوستوك التي اكتسبت صفة ميناء حر. لكنّ الاستثمارات عموماً لا تزال صغيرة في المقياس الروسي، أو في مقياس أيّ دولة كبيرة.

تمّ في عام 2016 توقيع مذكرة تفاهم بين روسيا والصين يتم بموجبها منح الشركات الصينية التي قد تستقر في أقصى الشرق أولوية في عدّة مجالات (البناء والتعدين والطاقة وبناء الآلات وبناء السفن والكيماويات والنسيج والإسمنت والاتصالات والزراعة) بهدف «خلق إنتاج موجه للتصدير». كما تعهد الجانب الصيني بأن يحثّ شركات الدولة والشركات الخاصة للاشتراك في هذه المشاريع. وليس هناك وضوح بشأن تخويل هذه الشركات تلقي الدعم من الدولة أو مصارف الدولة أو من الأعمال الخاصة.

وقد بدا الاتفاق المبدئي كضربة كبرى بما أنّ الصينيين يهتمون بشكل كبير في الصناعات الاستخراجية. في نهاية عام 2015، اشترت الشركة الصينية «سينوبيك» 10% من أسهم شركة البتروكيماويات الروسية سيبور، واشترى تجمّع من المستثمرين الصينيين 13.3% من أسهم مشروع بيسترينسكي للذهب والنحاس المملوك لشركة التعدين نورليسك نيكل. وقد سادت التوقعات بأنّ الصين ستحاول التنفع من خصخصة 19.5% من أسهم شركة روزنيفت، لكن مستثمرين من الشرق الأوسط كانوا أسرع في اغتنام الفرصة، وهو ما يدلّ على أنّ الصين ليست متلهفة للاشتراك في الصفقات.

  • منطلق التعاون الحقيقي:

رغم الخطط الموضوعة، والإعفاءات الضريبية وغيرها من المنافع الممنوحة للمستثمرين من دول آسيا، وخصوصاً الصين، لا تزال فاعلية إطار العمل المؤسساتي بحاجة لوقت أطول كي تتوضح.

فكما هو معروف، الصين تهتم بشكل رئيسي باستيراد التكنولوجيا المتطورة وبتصدير المنتجات ذات الأثمان الأدنى نسبياً. وضمن هذا السياق لا تعدّ روسيا شريكاً واعداً في الوقت الحالي. ففيما يتعلق بالتكنولوجيا، فالبلاد متأخرة عن معظم الاقتصادات المتطورة وقد تمّ حبسها في مسار غامض من التحديث بسبب العقوبات التي يفرضها الغرب عليها من جهة، وبسبب القدرة المحدودة نسبياً على تطوير التكنولوجيا اللازمة بشكل ذاتي. وفيما يتعلق بسعي الصين لتنويع منافذ بيعها، فإنّ صادراتها الصناعية لروسيا مقيدة بالواردات بالروبل ذو القيمة المنخفضة وبسياسة البدائل عن الاستيراد الروسية المفروضة تقريباً على جميع المجالات، ومن ضمنها الأغذية المعالجة وغيرها من البضائع، وذلك من أجل مقارعة العقوبات الغربية. ولا يقتصر الأمر على التعليمات الحكومية، فهناك شعور عام شعبي يمقت عموم البضائع الصينية لكونه يتهمها بتزييف البضائع الروسية وبيعها دون الخضوع لشروط الجودة التي تفرضها القوانين الروسية، وأحد الأمثلة تزييف أحد أنواع العسل الذي يتم إنتاجه في ألتاي (والذي يعتبره الروس ذو نوعية فاخرة) الذي ارتقى الاستياء منه لدرجة طرح «الجبهة القومية لجميع الروس» للأمر مع بوتين أثناء اللقاء به. ولا تقتصر المخاوف على العلامات التجارية، بل تمتد لدرجة الخشية من بيع الشركات الروسية للصينيين ممّا يسمح لهم بامتلاك أقصى شرق روسيا.

ومن الجانب الصيني، فرغم الخبرة التي اكتسبتها الشركات الصينية بالاستثمار في مختلف القارات، فإنّها لا تزال متحفظة فيما يخص الاستثمار في روسيا. فالبيئة المحلية التي لا سيطرة للشركات الصينية عليها مطلقاً تجعل من الأمر إشكالياً بالنسبة لها.

في النهاية، لا هيدركربون روسيا ولا منتجات الصين الصناعية يمكنها أن تضمن تعاوناً اقتصادياً مستداماً. فانخفاض أسعار النفط آذى روسيا، وارتفاع تكاليف العمالة أسقط الصين من احتلالها لدور «ورشة التجميع العالمية». إنّ الميزات التقليدية النسبية تتهاوى، ولذلك يجب على البلدين أن يواجها هذه التطورات بحزم، وذلك عن طريق مقاربات للتعاون أكثر اتساقاً، بحيث تبنى على المخاطر والتهديدات التي تواجهها كلا البلدين بشكل مشترك. وهذه التهديدات التي بدأت بالعقوبات على روسيا وعلى الشركات الصينية ومحاولة إشعال حرب تجارية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لن تتوقف عند هذا الحد.

ولهذا فإنّ الصناعات العسكرية الصينية يجب أن تكون هي الشريك الأهم بالنسبة للروس، وذلك أيضاً من أجل تعزيز التعاون غير العسكري مع الصناعات الصينية. فالصناعات العسكرية الصينية أكثر تنوعاً منها في روسيا، وهي لذلك تنتج مجموعة واسعة من المخرجات المدنية، في حين أنّ هذا الأمر منقوص في الصناعات العسكرية الروسية. والمفيد في هذا السياق أن الشركات الروسية الخاصة والعامة قد عملت بالفعل بشكل وثيق مع شركات التصنيع العسكري الصيني في العديد من المجالات المدنية. ولهذا فإنّ الصناعات المدنية المشتركة بين الدولتين قد تزدهر إن تمّ إنشاء مركز تنسيق صيني-روسي دائم ذو ثقل وذو تمويل مشترك. ذلك بالطبع مع عدم إغفال الخطوات الإيجابية التي تحققت على طول الطريق بين الدولتين.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني