من صنع هتلر؟
إعداد: قاسيون إعداد: قاسيون

من صنع هتلر؟

خلال القرن الماضي، لم تشارك واشنطن في القضاء على الظاهرة النازية الفاشية فعلياً، إلا في المراحل الأخيرة للحرب العالمية الثانية، حينما استنفدت هذه الظاهرة إمكانية بقائها بعد انتهاء دورها الوظيفي فعلياً وقرب موعد القضاء عليها، سواء شاركت واشنطن في ذلك أم لا.

«تحاول الدوائر الإمبريالية تحميل أعباء الأزمات كاملها على أكتاف الشعب العامل، وهذا سبب حاجتها للفاشية. إذ يحاول الإمبرياليون حل مشاكل الأسواق عبر استعباد الأمم الضعيفة، عن طريق تكثيف القمع الاستعماري، وإعادة تقسيم العالم من جديد عبر الحرب. إنه سبب حاجتهم للفاشية.. ويتخذ تطور الفاشية، والدكتاتورية الفاشية نفسها، أشكالاً مختلفة في شتى الدول، وفقاً للظروف التاريخية والاقتصادية الاجتماعية، والخصوصيات القومية، والموقف الدولي من بلد معين». جورجي ديمتروف: «الهجوم الفاشي ومهام الشيوعية الأممية- 1935».

مراحل التصنيع

«كان ظهور الفاشية في القرن العشرين تعبيراً عن أزمة عميقة تعيشها المراكز الإمبريالية، والرأسمالية عموماً، يجري عبرها تدمير القوى المنتجة، وتدمير الخصوم، بغرض إعادة توزيع النفوذ العالمي، ومحاولة تنفيس الأزمة. وقد مرّت عملية تصنيع الغرب لفاشية هتلر بأربع مراحل متتالية: 1- دعم سري مالي وسياسي 1929-1932، 2- سكوت مشبوه ومريب 1933-1939، 3- كلام ضد الفاشية، وتظاهر بمحاربتها، دون القيام بأي فعل حقيقي ضدها 1939-1943، 4- الاشتراك الفعلي في القضاء عليها بعد استنفاد دورها الوظيفي، ووضوح اقتراب هزيمتها النهائية 1944 وما بعد». افتتاحية «قاسيون- العدد 725».

هتلر والدعم الأمريكي

في أواخر العشرينيات وبدايات الثلاثينيات من القرن العشرين، بدأت مرحلة الدعم الأمريكي للظاهرة النازية في ألمانيا. وفي تلك المرحلة، كان الدعم موجهاً، حسب ما تشير إليه التقارير التي تسربت في وقت لاحق من القرن الماضي، إلى مراكز التصنيع والشركات الألمانية الكبرى التي جرى الاستيلاء عليها من النازية الصاعدة في ألمانيا. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن مجمل عمليات الدعم التي جرى الكشف عنها، تمت تحت غطاء أمنته بعض الشركات الأمريكية الكبرى في ذلك الوقت.

«Ford» والشخصية الملهمة

عندما كانت مصادر تمويل الحزب النازي (حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني) لا تزال ضئيلة في أواسط العشرينيات من القرن الماضي، وجد زعيم الحزب، أدولف هتلر، يداً تمتد إليه «من السماء». إنها يد هنري فورد، صاحب شركة «فورد» الأمريكية لصناعة السيارات، الذي بات منذ ذلك الحين واحداً من المانحين الكبار للحزب النازي.

فيما كانت الصحفية الأمريكية آنيت إنتون، من صحيفة «ديترويت نيوز»، تجري لقاءً مع هتلر في أواخر العشرينيات، لاحظت وجود صورة لهنري فورد على طاولة الزعيم النازي، الذي لم يجد حرجاً في الإعلان: «أنا أعتبر هنري فورد شخصية ملهمة بالنسبة لي».

وبحسب المؤرخ الأمريكي، هنري شنايدر، فإن فورد ساعد الألمان للحصول على مادة الكاوتشوك، التي تعتبر من المواد المطاطية الحيوية للصناعة الألمانية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد كان مالك هذه الشركة الأمريكية العملاقة يزود هتلر بالتقنيات العسكرية، حتى بداية الحرب العالمية الثانية. وقد وصلت استثمارات شركة «فورد» المعلنة في ألمانيا مع بداية الحرب العالمية الثانية إلى 17.5 مليون دولار.

«Standard Oil» وبرنامج الوقود النازي

في أوائل الثلاثينيات، اضطرت ألمانيا لاستيراد ما يصل إلى 85% من الصخر النفطي من الخارج. وفي ذلك الحين، كان من الممكن لحظر النفط المفروض على ألمانيا أن يوقف الجيش النازي كلياً. وللالتفاف على هذا التهديد، بدأت ألمانيا النازية بتحويل الفحم إلى وقود محلي اصطناعي، باستخدام عمليات جرى تطويرها بشكل مشترك بين شركة النفط الأمريكية العملاقة «Standard Oil» وشركة «I.G.Farben» الألمانية، حيث وضعت «Standard Oil» برنامج الوقود الاصطناعي الألماني وموَّلته.

وبدعم واضح، علَّمت الشركة الأمريكية نظيرتها الألمانية كيفية صنع «رابع إيثيل الرصاص»، وإضافته إلى البنزين لإنتاج البنزين المحتوي على الرصاص، فيما كانت هذه المعلومات لا تقدر بثمن في ذلك الحين، نظراً لضرورة النفط المحتوي على الرصاص في الحرب الميكانيكية الحديثة في ذلك الوقت. وخلال الحرب، قالت شركة «I.G.Farben» في إحدى مذكراتها الرسمية: «منذ بداية الحرب، كنا في وضع يقودنا لإنتاج رابع إيثيل النفط فحسب، لأنه في فترة قصيرة ما قبل الحرب، أنشأ لنا الأمريكيون محطات جاهزة للإنتاج، وزودونا بكل ما هو متاح من خبرات». ويذكر أن استثمارات «Standard Oil» وصلت في بداية الحرب العالمية الثانية إلى 120 مليون دولار في ألمانيا.

«General Motors» «التكيف» مع شروط هتلر

ملكت شركة«General Motors» - التي كانت تسيطر عليها عائلة دو بونت الأمريكية- نسبة 80% من أسهم شركة «أوبل» الألمانية في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت «أوبل» تنتج ما لا يقل عن 30% من سيارات الركاب الألمانية في العهد النازي.

وفي السنوات العشرة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية، حصلت «جنرال موتورز» على أرباح كبيرة من «أوبل»، وصلت إلى 36 مليون دولار، لكن، ونظراً لأن هتلر حظر تصدير رؤوس الأموال للخارج، «تكيفت» الشركة الأمريكية مع الموضوع، واستثمرت أرباحها في الداخل الألماني، حيث استثمرت، وللمفارقة، ما لا يقل عن 20 مليون دولار في الشركات المملوكة أو المسيطر عليها نازياً في ألمانيا..!

ولاحقاً، أنتجت مصانع هذه الشركة المركبات المدرعة للرايخ الثالث، بالإضافة إلى 50% من المعدات الرئيسية للمقاتلات من طراز «جونكيرس- 88». كما صمم فرع شركة «جنرال موتورز» في ألمانيا محركات لأول مقاتلة نفاثة من طراز «ميسر شميت- 262».

«Curtiss-Wright» تعلموا الطيران..!

خلافاً لمعظم الأفلام الوثائقية الأمريكية، لم تكن قدرات الطيران النازي ثمرة للتطور الكاسح الذي بناه أدولف هتلر بالقمع والإرهاب، فعندما دب الرعب في قلوب المواطنين الأوروبيين جراء تدمير القوات النازية للغواصات الأوروبية، لم تكن التقنية التي استخدمتها الطائرات النازية سوى تقنية أمريكية تعود حصريتها لشركة الطيران الأمريكية «Curtiss-Wright»، حيث علم موظفو الشركة سلاح الجو النازي طريقة قصف الغواصات وتدميرها، وفق تقنية حظرت البحرية الأمريكية انتشارها لمدة طويلة.

صناعيين فقط؟

أمام السيل من الفضائح التي تربط بين الظاهرة النازية الفاشية والدعم الأمريكي المقدم لها، لا تجد الإدارة الأمريكية مناصاً سوى الهروب من الموضوع عبر تحميل المسؤولية بأكملها إلى الشركات الأمريكية «التي لم يكن من المستطاع معرفة حجم ارتباطها بألمانيا النازية في ذلك الحين»، كما لجأت واشنطن مراراً إلى تكرار مقولة المؤامرة على الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت من بعض الصناعيين الأمريكيين. غير أن استمرار الشركات وأصحابها بالعمل حتى هذا اليوم، والوثائق التي تثبت معرفة الإدارة الأمريكية بهذا الدعم وحملة القمع والاستبعاد التي تعرض لها بعض نواب الكونغرس الأمريكي، لدى حديثهم في الموضوع آنذاك، تثبت التورط الأمريكي الكامل في دعم الظاهرة الفاشية. هذا عدا عن المصلحة الاستراتيجية الأمريكية الواضحة من النازية كأداة جرى التعويل عليها لمحاربة الخصم الاستراتيجي المتمثل بالاتحاد السوفييتي، في حينه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

«Wall Street And The Rise Of Hitler»، Antony C. Sutton، 2000

«Trading With The Enemy»، Charles Higham، 1983

«ireport.com»، DOC-147191