التعاون الروسي الصيني المتصاعد 4 | تذويب الجليد
سيلفانا ماله سيلفانا ماله

التعاون الروسي الصيني المتصاعد 4 | تذويب الجليد

يستند تحليلنا إلى ثلاثة أبعاد تحليلية متفاعلة يفترض بها أن تساعدنا على تسليط الضوء على إمكانات التقارب المستدام. وبناء عليها تفترض تحليلاتنا بأنّنا نحتاج لإطار زمني أطول من أجل تقييم النتائج، وبغض النظر عن ظهور جداول المواعيد النهائية المعقولة فإننا نحتاج للمرونة في التعاطي مع هذا الأمر، لأنّ العقبات التي لا يمكن التنبؤ بها، سواء ذات طبيعة خارجية أو داخلية، لا يمكن أخذها في عين الاعتبار. وعليه فليس بإمكاننا تفسير حصول تأخير مجرّد بأنّه من دواعي الإخفاق.

تعريب: عروة درويش

فإذا ما تركنا جانباً الإسقاطات والنتائج المتعلقة بحجم التجارة مع الصين، فسنجد صعوبة في تقييم الإنجازات التي تحققت حتّى الآن بمقارنة الوقائع والأرقام بالخطط ومؤشرات التنمية. فمن ناحية لا يزال الإطار الزمني العاكس للانقلاب الحاد في السياسات قصيراً. ومن ناحية أخرى فإنّ العوامل الخارجية مثل التباطؤ الاقتصادي العالمي والهزات النسبية في الأسعار، ومعها العقوبات الاقتصادية والمالية المنتقاة بعناية بهدف عزل روسيا عن شركائها التجاريين، قد يصعب قياس تأثيرها بشكل منفصل، سواء على أقصى شرق روسيا أو على كامل الاقتصاد. وفي حين أنّه من غير الممكن إجراء تقييم شامل لمدى التقدم في التعاون الاقتصادي، فقد تمّت مناقشة التطورات والإخفاقات بشكل محدد على مستوى عال في الدولتين.

  • التعاون في المجالات الاستراتيجية: الغاز وتجارة السلاح ونظام الدفع بالعملات الوطنية.

قد يأخذ التعاون صيغاً مختلفة: دولة مع دولة، وأقسام مع أقسام، وشركات مع شركات. وقد تتغير الأولويات تبعاً للحاجة: من الهيدروكربون (النفط والغاز) إلى أقسام أخرى ومنتجات متميزة. فسيجد المرء في كلّ مستوى من التعاون أهدافاً مختلفة لها مناصروها النسبيون. وفي حين أنّ الاستراتيجيات القومية على مستوى الدولة تحتل أهمية كبيرة، فإنّ المصالح الاقتصادية هي التي تسود عندما يتعلق الأمر بالأعمال. ورغم أنّ كلا البلدين يملكان اقتصادات سوقية، فقد لا تتطابق آفاق اللاعبين المختلفين هنا. وكذلك هناك أهمية متمايزة لوسائل التحقيق وللقيود.

  • صفقة الغاز:

كتب الكثير عن صفقة الغاز التي تمّت المصادقة عليها في أيار 2014 والتي وقعت في وقت لاحق من ذلك العام. ففي ظلّ تلك الصفقة التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار تحصل الصين على مؤونة سنوية من الغاز بمقدار 38 مليار متر مكعب من الغاز، عبر تطوير حقول شرقي سيبيريا حول كوفيتكا، ولأكثر من 30 عاماً تبدأ من 2018. ووفقاً للسلطات الصينية، فسيغطي الغاز أكثر من 10% من استهلاك الطاقة بحلول 2020، وذلك مقارنة بنسبة 6% في عام 2014. وقد ساد الافتراض بأنّه حال بداية التسليم، ستحلّ الصين محل ألمانيا كأكبر سوق للغاز الروسي. لكن رغم افتتاح مشروع «سيلا سيبيري» المرتبط بالصفقة في أيلول 2015، فقد ظهرت عدّة عقبات، منها تلك المرتبطة بالتمويل وبالتباطؤ الاقتصادي الصيني، أخرت إتمام عمليات الحفر في عدّة آبار وعمليات التنقيب المرتبطة بها. وتبعاً للانهيار الهائل في أسعار النفط، والذي ترتبط به أسعار الغاز، فلن يكون من المفاجئ قيام الطرفين تحت ضغط صيني بإعادة مناقشة شروط الاتفاقية، وبالتالي حدوث تأخيرات في تنفيذ المشروع. وفي ذات السياق من المتوقع أن تحاول روسيا إدخال اليابان وكوريا الجنوبية في مفاوضات حول خطوط أنابيب إضافية تنقل الغاز إلى الساحل.

ورغم كلّ ذلك فهناك نقطة واحدة جليّة الوضوح: فبالرغم من جميع العقبات والتأخيرات، لا يزال المشروع قائماً ولا تزال روسيا إلى حدّ كبير في موقع السيطرة. قدمت الصين في شهر آذار 2016 قرضاً بقيمة 2.2 مليار دولار لشركة غازبروم من أجل المساعدة على إتمام المشروع. وفي تلك الأثناء دخلت روسيا في مفاوضات مع ألمانيا من أجل مضاعفة خطّ السيل الشمالي المخطط أن يمر تحت بحر البلطيق من خلال أوكرانيا والذي سيكتمل في 2019. وقد واجه المشروع قبل إقراره من ألمانيا العام الحالي معارضة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ومصالحها، لكنّه إشارة على أنّ تحوّل روسيا إلى الشرق لا يعني خضوعها الاضطراري للشراكة الجديدة مع الصين.

وتشمل الشراكة الاقتصادية كلا المخرجات المدنية والعسكرية، فهناك في كلتا الحالتين حاجة للبنى التحتية من أجل النقل والاتصال. لقد أثيرت في روسيا مسألة إن كان يجب الاعتماد على المنتجات العسكرية حيث روسيا أقوى منها من مجال الأعمال المدنية، من قبل خبراء الدفاع الذين لديهم اطلاع على الصين. لطالما كانت الصين تاريخياً أحد زبائن البضائع العسكرية الأساسيين. قد يتوقع المرء في سياق العلاقة الجيوسياسية بين البلدين أن تتعمق صيغ التعاون بينهما في هذا المجال.

  • التجارة العسكرية:

ترجع التجارة العسكرية مع الصين إلى أيام الاتحاد السوفييتي. وتشير صفقات بيع الأسلحة عالية التطور لعدم تشكيل المخاوف السياسية عائقاً أمام توسيع نطاق ونوعية الصفقات التي كان يتمّ استبعادها بسبب المخاوف الأمنية. وقعت روسيا عام 2015، أي بعد أكثر من أربعة أعوام من المفاوضات، عقداً مع الصين لتزويدها بستّة بطاريات صواريخ «S400» المضادة للطائرات بقيمة إجمالية 1.9 مليار دولار. وتلا هذه الصفقة أخرى كبيرة ومفاجئة لبعض الخبراء، تقضي ببيع الصين 24 طائرة من طراز «Su-35» بقيمة 2 مليار دولار. ورغم جدول التسليم عدم المستقر والذي تمّ حتى الآن على دفعتين واحدة في 2017 والأخرى في بداية 2018، يمثل هذا الأمر صفقة كاسرة للمسارات بسبب تأثيراتها الاستراتيجية في تخطي معارضة بعض الدوائر لمبيعات أنظمة الأسلحة المتطورة. ومن الجدير بالذكر أنّ الصين هي أوّل شارٍ مسموح له باقتناء كلا النظامين.

  • هجر الدولار:

يشمل تعاون البلدين الإطار التمويلي الجديد لهما والهادف لتقليل الاعتماد على الدولار ووسائل التمويل الغربية. ويعمل عدد من الاقتصادات الناشئة، ومن بينها الصين، على إتمام هذا الهدف لخوفها من الإمساك برقبتها في حرب عملات سواء بسبب التناقص في قيمة الدولار المستمر منذ بضعة أعوام بعد الأزمة العالمية أو بسبب تناقص قيمة اليورو (وغيره من العملات الاحتياطية التي تحاول التأقلم). ورغم قدرة الاقتصادات الناشئة على الرد عبر إنقاص قيمة عملاتهم الخاصة، كما فعل العديد منها، فهي لا تزال عرضة للضرر سواء عن طريق بناها التجارية أو مستوى ديونها الخارجية الكبير. استخدمت الصين هذا الأمر لمصلحتها، أولاً عبر إنقاص قيمة اليوان، ثمّ عبر تعزيز الإجراءات الهادفة لتحسين استخدام اليوان في التحويلات الدولية.

تمّ في نهاية عام 2015 اعتماد اليوان الصيني كعملة احتياطية في كلا صندوق النقد الدولي، وفي بنك روسيا المركزي. وكانت المقايضات بين روسيا بالروبل والصين باليوان قائمة بالفعل بما يعادل 25 مليار دولار أمريكي منذ نهاية 2014، ممّا سمح بالتحويل المباشر بين البلدين. ويتم منذ ذلك الحين تعزيز هذا الاتجاه بين الصين وروسيا وعدد من البلدان الأخرى، بلدان بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون بشكل رئيسي، ومن بينها إيران وباكستان والهند ومنغوليا. ومنذ 2015 وشركة غازبروم تقبل بالدفعات باستخدام اليوان.

وقد أنشأت كلا الدولتين نظامهما الوطني للمدفوعات، وعززتاه مع إتمام الصين بشكل كلي له من جهتها، وذلك خوفاً من محاولة خنقهما عبر النظام المصرفي الغربي. وقد تحققت مخاوف روسيا من ذلك في آذار عام 2014 عندما تمّت مقاطعة مدفوعاتها عبر بطاقات فيزا تبعاً للعقوبات. وقد أطلقت روسيا في نهاية 2015 بطاقاتها الائتمانية الوطنية «مير Mir» لمنافسة فيزا وماستركارد.

ومن المثير في أفق نجاح هذا التعاون لكسر الاحتكار الغربي أنّه من بين 12.1 مليار دولار التي تمّ تخصيصها في نيسان 2016 من أجل تمويل مشروع القطب الشمالي «yamal LNG» من قبل بنك الصادرات-الواردات الصيني وبنك التنمية الصيني (والذي تملك شركة نوفاتيك 51% منه)، تمّ تحويل أكثر من 1.38 مليار دولار باستخدام اليوان (9.8 مليار يوان).

ورغم أنّ المؤسسات الغربية التي يهيمن الدولار عليها تحاول أن تعطينا الانطباع بأنّه هذا الأمر لا قيمة ولا تأثيرات حقيقية له، فمن الواجب التذكير أنّ الدولار الأمريكي حلّ محلّ الجنيه الإسترليني في مدّة زمنية تقلّ عن 40 عاماً. ففي عام 1913 كان الجنيه الإسترليني يحتلّ المركز الأول كعملة احتياطية حول العالم: أي بما قيمته 425.4 مليون دولار مقابل ما قيمته 275.1 مليون فرنك و136.9 مليون مارك و55.3 مليون من العملات الأخرى المختلفة، لكن في عام 1945 تغيّر كلّ هذا.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني